انعكاس المرأة في ثلاثية “أطياف الأزقة المهجورة” لتركي الحمد
إرشاد مرزا
باحث بقسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة العالية، كولكاتا، الهند.
ersadmirja4@gmail.com
——————————-
ملخص البحث:
إن ثلاثية “أطياف الأزقة المهجورة” لتركي الحمد تتكون من ثلاث روايات مستقلة، وهي على التوالي: العدامة، والشميسي، والكراديب، المحددة في الحقبة ما بين أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي في السعودية. وهذه الثلاثية مرآة صافية نرى من خلالها المجتمع السعودي بكل جهاته، ومع ذكر القضايا والمشاكل المختلفة والتحديدات الشتى التي يعيش المجتمع فيها. ولكن المسألة المهمة التي عالجتــها الثلاثية هي التابوهات ممنوعة التحدث عنها في السعودية، وهي السياسة والدين والجنس. ومن جانب كل هذه المشكلات والمسائل ركزت الثلاثية بدقة ووضوح على تصوير أحوال المرأة السعودية. وتهدف هذه الورقة البحثية إلى أن تسلط الضوء على صورة المرأة كما عكستها الثلاثية.
الكلمات المفتاحية: تركي الحمد، العدامة، والشميسي، والكراديب، أطياف الأزقة المهجورة، قضية المرأة.
المقدمة:
كتب المفكر والأديب الليبرالي والروائي السعودي الشهير تركي الحمد عدة روايات تحمل في طيــها كثيرا من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية وما إلى ذلك، ومن رواياته أيضا ثلاثية “أطياف الأزقة المهجورة”، وهي مشهورة جدا، واتسع بها صيته في العالم العربي كروائي باهر.
وقد عالج الكاتب في هذه الثلاثية من الأحداث التي تدور فيما بين الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في السعودية. وفي الحقيقة، هذه الثلاثية تعتبر مرجعا من المراجع في معرفة أحوال الشعب السعودي في تلك الأيام. وألقى الكاتب أيضا الضوء على الأوضاع العائلية التي تعيشها المرآة السعودية، وكذلك عالج سلوك الرجال مع النساء وسلطة الأهل عليــها آنذاك، مع ذكر القضايا والمسائل التي قد تحدث في ذلك المجتمع الذكوري.
تحتوي هذه الورقة البحثية على قضايا المرأة السعودية في تلك الأيام مع ذكر جوانبها المختلفة كما عالجها الكاتب من خلال ثلاثيته “أطياف الأزقة المهجورة”.
وقبل أن أدخل في صلب الموضوع، أرى من المناسب أن أقدم بعض الجوانب المهمة من حياة الكاتب الشهير بالإيجاز، وذلك لإفادة القارئ عن ترجمته ومساهمته الأدبية.
نبذة عن المؤلف:
الدكتور تركي الحمد هو المفكر والمحلل السياسي والصحفي والأكاديمي والروائي السعودي، وأحد رموز ما يصطلح على تسميته بالتيار الليبرالي في المملكة العربية السعودية. واشتهر بثلاثيته “أطياف الأزقة المهجورة” التي نشرت لأول مرة عام 1997م. وهو يحمل الآن الجنسيتين- السعودية والأمريكية.[1]
ولد الدكتور الحمد في العاشر من مارس من العام 1952م، في “مزار الكرك” بالأردن لأسرة قصيمية سعودية. وأبوه حمد كان يعمل في شركة الزيت العربية الأمريكية- أرامكو البترولية[2]. وانتقلت عائلته عندما كان طفلا إلى الدمام، في المحافظة الشرقية بالسعودية.
وقد عاش تركي الحمد مرحلة شبابه ومراهقته في الستينات والسبعينات الميلادية بالدمام. وهي المرحلة التي عاش فيها العالم العربي تحولات فكرية وسياسية متضارية وأحزاب قومية متناقضة من القومية والناصرية والبعثية إلى الاشتراكية والشيوعية وغيرها من الأحزاب طوال القرن الماضي في العالم العربي[3]، التي تسيد فيها القوميون الحياة السياسية والاجتماعية: عبد الناصر في مصر، والبعثيون في سوريا والعراق، وحالة حراك واسعة تؤيد الفكرة بكل الأقطار العربية.
كان له اهتمامات كبيرة، منذ حياته المدرسية في الدمام، في قراءات الكتب الفكرية المختلفة مثل البعثية والقومية والناصرية والشيوعية وغير ذلك، التي أدت به في النهاية إلى الانضمام لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو في الثانوية العامة. وعلى الرغم من حداثة عمره إلا أنه تدرب على كل تكتيكات العمل السري. وبعد اكمال الدراسة الثانوية في عام 1971م، أنتقل إلى الرياض للالتحاق بجامعة الرياض (جامعة الملك سعود حاليا[4]). وألُقي القبض عليه وهو في السنة الأولى الجامعية، وذلك بعد كشف التنظيم الذي انضم به خلال الدراسة الثانوية في الدمام، وبقي في السجن السياسي[5] ما يقرب من سنتين، وهي مرحلة تركت على ملامحه الفكرية والنفسية تغيرات لن تمحى. وعلى أي حال، أنه قضى أربعة أعوام من أجمل حياته في هذه الجامعة، وتخرج بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى في الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1975م.
وسافر الدكتور الحمد بعد سنة إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير والدكتوراه. فأكمل دراسة الماجستير في العلوم السياسية في جامعة كولورادو عام 1979م، ثم انتقل إلى كاليفورنيا وحصل على درجة ماجستير ثانية لاستكمال متطلبات الدكتوراه متوجها رحلته الأكاديمية[6] بنيله لدرجة الدكتوراه في النظرية السياسية من جامعة جنوب كاليفورنيا عام 1985م. وتخرج منها متخصصا في النظرية الصهيونية.
وقضى تركي الحمد في أمريكا أكثر من تسع سنوات[7]، وهذه المرحلة أثرته فكريا وثقافيا بشكل لا يقارن بما اكتسبه خلال عمره كله، والأهم من كل ذلك، تحرر الحمد من أسر الأيديولوجيا إلى حد بعيد.
وبعد رجوعه من أمريكا عُيّن أستاذاً في قسم العلوم السياسية في جامعة الملك سعود في عام 1985م، وظل مدرّساً لمدة عشر سنوات[8]، من 1985م إلى 1995م، ثم تفرغ للتأليف والكتابة بعد طلبة للتقاعد المبكر عام 1995م، في كل صحف السلطة المقربة من الأسرة الحاكمة.[9] وسألت مجلة “الفيصل” في مقابلتها تركي الحمد عن سبب طلبه للتقاعد المبكر من الجامعة وتفرغه من الكتابة، فقال: “لأني شعرت أنا أستطيع أن أنتج فكرياً خارج الجامعة أكثر مما لو بقيت داخل الجامعة، والجامعات العربية بشكل عام تحولت إلى نوع من القيد على الفكر…”[10] .
وقد بدأت مسيرته ككاتب في “جريدة الرياض”، ثم انتقل إلى جريدة “الشرق الأوسط”، والآن هو يكتب في “صحيفة الوطن”. وله مؤلفات كثيرة فكرية وسياسية وروائية، فألف ست روايات. وقبل الروايات سبق له تـأليف عدة كتب مثل: “الحركات الثورية المقارنة”، و”دراسات أيديولوجية في الحالة العربية”، و”كتاب الثقافة العربية أمام تحديات التغيير”، و”عن الإنسان أتحدث”. ثم جاءت ثلاثيته “أطياف الأزقة المهجورة”، وبعد ذلك صدر له كتابان، “الثقافة العربية في عصر العولمة”، و “السياسة بين الحلال والحرام”، ثم عاد إلى الكتابة الروائية، فصدر روايتين هما “شرق الوادي” و”جروح الذاكرة”. ثم أصدر عملين غير روائيين، “ويبقى التاريخ مفتوحا”، و”من هنا يبدأ التغيي”ر. وأما آخر أعمال الكاتب هو روايته “ريح الجنة”.
ثلاثيته:
الدكتور تركي الحمد من أشهر الروائيين السعوديين، وله عديد من المؤلفات الشهيرة في الفكر والسياسة والثقافة بجانب رواياته الست. ولكن ثلاثيته الموسومة بـــ”أطياف الأزقة المهجورة” أشهر وأفضل ما كتبها الحمد بعدُ، واتسعت شهرته بهذه الثلاثية حقا في العالم العربي وخارجه كروائي بارع وباهر. والثلاثية تتكون من ثلاث روايات مستقلة، وهي: العدامة، والشميسي، والكراديب، التي قامت بالنشر من دار الساقي ببيروت، سنة 1997م، 1998م و 1998م على التوالي. وتحكي الثلاثية تفاصيل حياة شاب اسمه هشام بن إبراهيم العابر الذي عاش في الدمام (العدامة)، ثم انتقل إلى الرياض (الشميسي) للحصول على الدراسة الجامعية هناك، وينتهي به المطاف إلى السجن في جدة (الكراديب) بسبب دخوله في تنطيمات سياسية معارضة.
فالجزء الأول من الثلاثية هو “العدامة”، وهو حي مشهور في مدينة الدمام. ويسرد فيها الكاتب أحداث حياة هشام العابر أثناء فترة شبابه ومعايشته لأجواء الحياة الاجتماعية والسياسية في الدمام والرياض في نهاية الستينات إلى منتصف السبعينات. وهذه الرواية أيضا غنية بتفاصيل الحياة البسيطة للسعوديين في ذلك الوقت.
والجزء الثاني من هذه السلسلة هو “الشميسي”، وهو حي مشهور في الرياض. في هذا الجزء، بطل القصة هشام العابر ينتقل من الدمام إلى الرياض لمواصلة دراسته الجامعية هروبا من شقاوة جعلته تحت شبهة سياسية. وفي الرياض يعيش حياة أخرى، حاول في البداية أن يستثمر فرصة دراسته الجامعية ليطوي صفحة الماضي، ولكن سرعان ما انحرف لأخطاء ما كان يتصور أن يقترفها في يوم من الأيام. كان طيش الشباب وغروره سببا لارتكاب الكثير من المحرمات والخطايا، على الرغم من وجوده في بيئة تقليدية ومحافظة امتازت بها السعودية خلال سبعينات القرن الماضي. ويقدم الكاتب لمحة عن ظروف الحياة السياسية والاجتماعية في السعودية خلال ذلك الوقت ومحاولة الشباب المتخبطين لاعتناق فكرة تخالف السائد في مجتمعهم.
والجزء الثالث من سلسلة “أطياف الأزقة المهجورة” هو “الكراديب”، ويقصد بها السجون. في هذا الجزء الثالث، بطل القصة هشام العابر ينتقل من الرياض، حيث كان يدرس في الجامعة، إلى جدة كمعتقل سياسي في سجن الكراديب. ويمر بظروف عصيبة بين حرمانه من الحرية ورعبه في جلسات التحقيق وانفصاله التام عما يجري خارج السجن من تغيرات اجتماعية واقتصادية، وأهمها الأحداث المتسارعة التي مرت بها دول عربية آنذاك كالنكسة في زمن جمال عبد الناصر، وحروب السادات في السويس بعد ذلك. وكذلك كان مغيبا عن أحداث أخرى مرت به بلده السعودية. والرواية تحفل بكثير من الحوارات الفلسفية والدينية والتاريخية بين بطل القصة ورفاق السجن من ذوي التوجهات السياسية المختلفة نحو البعثيين والشيوعيين والإخوان والقوميين.
القضايا المتعددة في الثلاثية:
لا شك في أن كل مجتمع صغيرا كان أو كبيرا يعاني مشاكل عديدة تؤثر فيه وتحيط به من كل جانب أو فيه أوضاع يعدها الجمهور كمشكلة ويجدها ضد القيم العامة المقبولة من قبل المجتمع ويعترف بأنها مصدر قلق صحيح.
هكذا عكست الثلاثية صورة أحوال المملكة العربية السعودية من جهات شتى مثل الإشكالية الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والدينية، والعلاقة الجنسية بين الشعب. وبجانب كل هذه الجهات والقضايا انعكست الثلاثية على أحوال المرأة السعودية بشكل خاص.
فنجد أن الثلاثية تتناول عديدا من المشاكل والمسائل والقضايا التي يعانيها المجتمع السعودي على وجه الخصوص، والعالم العربي بصفة عامة، مثلا تحدث فيها عن المفارقات الاجتماعية الموجودة في المجتمع، والعادات والتقاليد الشتى المنتشرة فيه مثل الضيافة والطعام الذي يتناول الشعب العربي في مناسبات شتى، واللباس الذي يرتديه الرجال والنساء، والبيئات المختلفة التي يعيش فيها المجتمع السعودي، وسلوك الناس الذي يتنوع باختلاف المكان. وكذلك القضايا مثل الطبقات الاجتماعية وانتشار تعاطي المسكرات في أوساط جيل الشباب. وهكذا عكست الثلاثية قضايا أخرى مثل التحولات السياسية والقمع السياسي كالخوف من السلطة السياسية، ونشأة التنظيمات السياسية السرية في ستينيات القرن الماضي، وتوجهات مختلفة نشأت في الخفاء، بعيدا عن عيون السلطة السياسية. والثلاثية مفعمة أيضا بمناقشة المضمون الديني والإنساني، مثل الاختلاف بين الشعب في فهم الدين ووصوله، والطائفية المذهبية، والمعاناة الإنسانية في السجن الكراديب والمتناقضات العديدة التي تحملها الشخصيات في أعماقها، وما إلى ذلك. ولكن القضية الأخرى ذات الأهمية الكبيرة التي ركزت عليها الثلاثية هي البيئة التي عاشتها المرأة السعودية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتحدث أحوالها من جهات شتى. فنجد أن الكاتب تناول في الثلاثية عديدا من القضايا المهمة المتعلقة بالنساء، على سبيل المثال: حالة تعليم المرأة الضعيفة، وسلطة الأهل على البنات، والحياة الزوجية للمرأة والفظاظة والهجيمة من الزوج، وخيانة الزوجة مع الزوج، ورغبات الجنس لدى الشباب المجاورين وما إلى ذلك.
انعكاس المرأة في الثلاثية:
موضوع المرأة في ساحة الفكر والأدب السعودي موضوع غير متداول، ولم يحتل مساحة واسعة في الفن الروائي. وقد قدم الدكتور تركي الحمد صورة المرأة في ثلاثيته “أطياف الأزقة الهجورة” كلها تقديما واقعيا، بتسلط الضوء على زوايا مختلفة، وذلك وفقا لموقعها الوظيفي المتغير داخل إطار الأسرة وخارجها. وبهذا المنطلق، تناولتها الثلاثية بوصفها أمّاً، وبنتا، وعاشقة، وتصور الثلاثية أحيانا المرأة بواقعية مؤلمة وهي في صورة الزوجة بدون طفل أو الزوجة المطلقة أو الفتاة العاهرة التي تتكسب بجسدها.
سيطرة الأسرة على المرأة:
وردت في ثلاثية “أطياف الأزقة المهجورة” بضعة أسر، أهمها: أسرة هشام في القصيم التي تتكون من ثلاثة أعضاء، هو وأبوه وأمه؛ وأسرة صديقه عدنان الكبيرة التي تشتمل على 17 أعضاء[11]؛ ثم أسرة عاشقته نورة تشتمل فقط على أربعة أعضاء، ثم أسرة خاله في الرياض الكبيرة التي تتكون من ثمانية أعضاء، ثم أسرة عمته شريفة، وأسرة جارة خاله سوير في الرياض. وفي معظم الأسر نجد المرأة كأنها الجزء المهمل أو المضطهد في الأسرة، وهي تعاني شدة السيطرة من الأب أو الأخ، وحينا آخر تعاني من الحرمان والإهمال، وعدم مراعاة مشاعرها العاطفية.
وفقا للثلاثية، هذا واضح أن المجتمع لا يعتبر المرأة بأنها عضو مهم في الأسرة، ولا هي تستحق الاحترام والحب من أفراد المنزل، حتى ليس لها حق أيضا أن تشارك في المائدة مع الرجال معا، بل الرجال يأكلون أولا، ثم يأتي دورها في تناول ما تبقي بعدهم.
ويمكننا أن نتعرف على أحوال المرأة في البيوت السعودية جيدا في الجزء الثاني من الثلاثية “الشميسي”، حيث نرى حالة سارة أو سوير التي وافقت على الزواج في حوالي السادسة عشرة من عمرها من عليان الذي كان قد تجاوز الخامسة والأربعين عندئذ، لتجنب المشاكل العائلية، وتتخلص أخيرا من استبداد الأب وقسوة الأم وأوامر الأخوة، ويكون لها بيتها الخاص وجنتها الخالصة، وستنال حريتها واستقلالها أخيراً[12]“، ولكن النتيجة كانت بعكس تصورها.
فالواقعة المذكورة تشير إلى أن المرأة السعودية تعيش تحت ظلام المنزل وسيطرة أفراده الشديدة. هكذا، عكست الثلاثية أيضا صورة أخرى، وهي أن المرأة ليست لها الفرصة للاستراحة في المنزل، بل من واجباتها أن تعمل طوال اليوم في تدبير جميع شؤون المنزل وتدبير أفراده بدون تهاون، من طبخ الطعام وتقديمه للضيوف ولأهل المنزل في المائدة قبل أن يعودوا من المسجد إلى البيت، حتى من واجباتها أن تغسل الأطباق بعد فراغ الطعام، وتغسل اللباس لجميع أفراد المنزل ثم تكنس المنزل. ومن واجباتها أيضا أن تحلب وتحضن. ونشاهد هذا المنظر عند مسألة موضي[13] في بيت خال هشام في الرياض، إذ هي تحمل هذه الأعباء وحدها.
وصورت رواية “العدامة”، صورة المرأة كجزء مهمل أو مضطهد في الأسرة. إذ نرى في معظم البيوت السعودية أن ذكور الأسرة يتحلقون حول المائدة بترتيب خاص حسب الترتيب العمري لكل منهم[14]، لكنهم يستقلون عن إناثها في تناول الطعام[15]. وبعد فراغهم ما يبقي من الطعام إلا قليلا، وهذا هو الوجبة للمرأة. وهذه هي الحالة عند وليمة كبيرة أيضا حيث يحضرها الرجال والنساء معا. فالرجال يأكلون أولا، ثم يأتي دور النساء في تناول ما تبقي بعد الرجال، وهذا إذا حالفهم الحظ في أن يبقى منه شيء. وجاء في الرواية هكذا: “عندما انتهى الرجال من العشاء، كان قد تبقى القليل، ولاسيما اللحم، ولكنه كان كافيا للنساء[16].” وهذه العادة وهذا التقليد نشاهده في شهر رمضان أيضا[17].
وتشير “العدامة” إلى منظر آخر، هو أن الرجل لا يجئ لتخفيف المرأة من أعبائها بمشاركتها في أعمال المنزل، ولو يرى أنها بحاجة مساعدة أحد في عملها، وليس هناك أحد من الفتيات في البيت لتساعدها. وهذا واضح من مسألة موضي في بيت خال هشام[18]. ولكن نرى المشهد كان مختلفا قليلا في بيت هشام العابر في الدمام وفي بيت عمته شريفة في القصيم حيث يتعامل رجل المنزل مع المرأة تعاملا جيدا، ويعتبرها عضوا مهما في البيت. كما نجد هناك أفراد المنزل هم يشاركون المرأة في أعمال المنزل حتى في طبخ الطعام وتقديمه في المائدة. وتشير “العدامة” إلى هذه الصورة في منزل هشام في الدمام، قائلة: “كانوا يجتمعون، هو وأبوه وأمه، على مائدة الطعام، حيث يأكلون ويمازحهم الوالد أحيانا. وكان أبوه يطهو طعام الغداء أحيانا…[19]” وعكست صورة أخرى في بيت عمة هشام شريفة في القصيم، هكذا: “كان سليمان قد أتى بالسماط ووضعه في منتصف المجلس، ونهض هشام لمعاونته في جلب الطعام. تعاون الاثنان على جلب الطبق الرئيس[20].” ولكن المنظر كان مختلفا تماما في منزل جدة هشام أيضا، حيث أفراد المنزل يستقلون عن إناثها في تناول الطعام[21].
هكذا نرى في معظم البيوت السعودية أن حالة المرأة مثل ما كانت في بيت الخال لهشام في الرياض، حيث تعيشه المرأة بين سيطرة أفراد الأسرة الشديدة وعدم احترامهم لها.
صورة المرأة في مجال التعليم:
التعليم هو قضية ذات أهمية كبيرة، ألقى الضوء عليها الكاتب تركي الحمد في ثلاثيته “أطياف الأزقة المهجورة” بصفة خاصة. إذ التعليم هو أقوى سلاح لتغيير مصير أمة ومجتمع، ولكن المجتمع السعودي في الحقبة ما بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي لم يكن مهتما بتعليم الفتيات على الإطلاق.
ومن جميع المسائل والقضايا النسائية التي تناولتها الثلاثية أهمها تعليم المرأة، لأن المرأة ما كان لها حق التعليم، وإن تعلمت فليس من حقها إكمال تعليمها بعد سن معينة، وبجانب آخر أفراد المجتمع لديهم خوف من تعليم البنات بسبب غير معين. في الحقيقة، التعليم للمرأة في تلك الحقبة كان مثار جدل كبير؛ وإذا ما تمت موافقة ولي أمرها على تعليمها الابتدائي فلن يكون من السهل عليها، إقناعه بمواصلة بقية المراحل الدراسية[22]. فاعتبر الكاتب هذه القضية مؤلمة وخطيرة عظيمة تؤدي إلى هلاك الأمة، وصورها بكامل دقتها ووضوحها في ثلاثيته.
ويمكننا أن نتعرّف على تلك الصورة عن حالة تعليم المرأة السعودية الضعيفة، وعدم اهتمام الآباء وأولياء الأمور لإصلاحها وتحسينها في تلك الأيام. كما انعكست رواية “الشميسي” على هذه الحالة، مقتبسةً الكلمات التالية من موضي: “لو تركني الوالد أكمل تعليمي لكنت اليوم مثلك… ولكن الحمد لله… أستطيع القراءة على الأقل… معي الابتدائية… مسكينة أختي منيرة… لم تدخل المدرسة على الإطلاق… سامح الله الوالد… كل شيء فيه زين إلا خوفه من تعليم البنات…[23].”
والمرأة التي تدرس لم تكن بذلك المستوى من الثقافة والاطلاع، وذلك لأن المجتمع معظمه لم يكن مشجعا لدراستها. ونشهد هذا المنظر حينما هشام يراسل نورة، فنلاحظ ركاكة خطها وبساطة الكلمات التي تعبر بها عن الحب، بخلاف هشام. وهذه الصورة تشير أيضا إلى أن الفتاة تدري أن تعليمها لا جدوى له. والمنظر نفسه نراه في بيت سوير أيضا، حيث تشير “الشميسي” إلى أن المدرسة انقطعت عنها بعد السنة السادسة[24]، وأصبحت هي أن تكدح في البيت منذ الصباح وحتى المساء.
المرأة في صورة الأم:
الأم هي الموجهة والمربية للأبناء، ولها دور مهم في تشكيل شخصيتهم وعاداتهم وتحسين خلقهم. وتناولت الثلاثية صورة أم حنون جانب الرحمة والعطف، من حيث اهتمامها بالولد، ورغبتها في التهدئة، والتزامها بالقيم والأخلاق. كما نرى أن أم هشام تخاف على ولدها وتخشى عليه الانحراف وإفساد أخلاقه وضياع مستقبله، فعلّمته على وفق ذلك طوال حياته.
كما يقال، لتكون أمّا جيدة، يجب أن تكون على علم بكل ما يأتي أولادك حوله، وبكل الأخطار العظيمة لعل يقعوا فيها. فنجد “أم هشام” في هذا النوع من الأمهات، وهي على علم بجميع تلك الأشياء التي تحدث في المجتمع، والأماكن التي يأتي فيها فئة الشباب سويا، والأمور التي تحدث في مثل هذه الأماكن، وكانت تمنع ولدها هشام وتحذره وفقا لذلك. وهي تحذر ولدها ألا يكذب أبدا، لأن هذا أمر لا تكرهه فقط، بل يجعلها غاضبة إلى أقصى الحد. فنرى في الرواية أن هشام اشترى عصفورا من زميله في المدرسة بمصروفه اليومي، وبعد أن عاد إلى المنزل، وكذب على أمه بأنه اصطاده بحجر في طريق العودة من المدرسة. وفكر هشام بأن قصته مقنعة لأمه، ولكن الأم أخذت العصفور وأخذت تقلّبه بين يديها، وحينما لم تر أثر جرح في العصفور، ألقته جانبا فأخذ العصفور يرفرف في السماء. فصفعته أمه بشدة اهتز لها كل جسده[25]. ولكن بعد انضمامه في الحزب، هو بدأ يكذب بسهولة ويسر وسلاسة[26] دون إحساس بتأنيب الضمير ووخزه المؤلم.
وبجانب آخر، تصور الثلاثية شخصية الأم في صورة أم حنون تقوم بوقاية أولادها من كل خطر. كما كان اختطاف الأطفال من الحوادث العامة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في المجتمع السعودي، فنرى أم هشام تكون على حذر، وتمنعه ولدها هشام ألا يرافق أحدا في طريق عودته من المدرسة إلى البيت، ولا أن يركب مع أحد[27]، على الرغم من أن المسافة بين المدرسة والبيت أقل من مائتي متر. ونجد أم عبد الكريم من هذا النوع من الأمهات أيضا، حيث نراها مهتمة بصحة ولدها، وخائفة من أن يصاب بالبرد، إذ وجدته جالسا مع هشام بملابس النوم فقط في صباح الشتاء؛ فعادت بثوب صوفي وألقته إليه ليرتداه، ثم تدعو له ولهشام أيضا بالصحة والسلامة، وأن يجنبهما الله أولاد الحرام ورفاق السوء[28].
وعكست الثلاثية شخصية الأم في صورة أم مهتمة أيضا، إذ نرى أم هشام تمنع ابنها من مصاحبة مع الأطفال والفتيان أكبر منه سنّا، لأنها كانت تثق بأن يرافق ابنه بهؤلاء الفتيان فتفسد أخلاقه ويضيع مستقبله. فتمنع ابنها من الذهاب في النوادي الرياضية والرحلات المدرسية التي يبيت فيها التلاميذ ليلة أو ليلتين، لأن لديها علم على جميع الأمور السيئة التي تحدث في مثل هذه الأماكن[29]، وهي تخاف أن لا يقع ولدها فيها. وكانت هذه النصائح والتعليمات لها لولدها هشام إذ كان صغيرا في بداية الدراسة الإبتدائية.
ووردت في الثلاثية بضعة الأسر السعودية، ولكن شخصية الأم جاءت قليلة جدا سوى أم هشام. كما عائلة عدنان، صديق هشام، من العائلات الكبيرة المذكورة في الثلاثية مشتملة على 17 عضوا تقريبا، ولكن لم تركز الثلاثية على شخصية أم عدنان لدرجة حتى نتعرف على كيفية دورها في تشكيل أخلاق أولادها، كما لا نرى شخصية أم عبد الرحمن أو زوجة[30] خال هشام تؤدي هذا الدور المهم لتحسين خلق أولادها أيضا، على الرغم من أن أسرته ثاني أكبر من حيث أفراد المنزل واحتلالها المكان في الثلاثية. لكن ذكرت الثلاثية شخصية أم أبي هشام أي جدته، في صورة أم معنية سلبية، حيث نراها قلقة بشأن مستقبل ابنها عمن يحمل اسمه واسم أسرته بعده، وإن لم يرزق الله له ولدا آخر سوى هشام؟ لأنه تبين أن أم هشام غير قادرة على الإنجاب، فكانت تريد لولدها أن يتزوج إمرأة أخرى[31]، لترزق له الأولاد، وهم يحملون اسمه بعده. وبسبب هذه الأحاديث، تفاقمت العلاقة بينها وبين كَنّتها أم هشام.
صورة المرأة العاشقة:
تناولت الثلاثية الحديث عن قضايا عديدة مثيرة الجدل مثل المحرمات الثلاث: السياسية والدين والجنس وما إلى ذلك. فقضية المرأة العاشقة من القضايا التي تسلط الثلاثية الضوء عليها بشكل خاص، واحتلت مكانا واسعا من حيث الحضور والتأثير، وذلك لأن أحداث الثلاثية تدور حول الشباب السعوديين وحياتهم لا تخلو من الحب على الإطلاق. فنرى كثيرا من الشباب وهم في حب مع فتاة ما أو باشتهاء ما. كما نجد أن بطل الثلاثية “هشام العابر” لديه ثلاثة نساء في حياته وهو في السنة الأولى الجامعية. كذلك نرى عبد الرحمن ابن خال هشام في الرياض، وهو أصغر منه في السن، فلديه أيضا فتاة يتضاجعها أحيانا[32]، وعبد المحسن شاب من عزبة الشباب في الرياض، لديه أيضا فتاة نراها هشام متضاجعة مع عبد المحسن[33] في يوم من الأيام.
وعكست الثلاثية صورة العاشقة غالباً كوسيلة رغبات الجنس للفتيان، كما أشارت إليها علاقة هشام مع ثلاثة نساء، وعلاقة عبد الرحمن مع رقية، حتى علاقة عبد المحسن مع فتاة مجاورة في الرياض.
وقبل أن يجئ هشام إلى الرياض لمواصلة دراسته هناك بكلية التجارة (كلية العلوم الإدارية حالياً[34]) من جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حالياً[35])، كان لديه عاشقة في الدمام تسمى “نورة”، وهي بنت الجيران، التي تأتي منزله كل يوم بوعاء اللبن. وهي فتاة واحدة، يحبها هشام ولا يسمح لنفسه باشتهائها[36]. ولكن أشارت “العدامة” إلى أن علاقة هشام مع نورة أصبحت عميقة جدا مع مرور الأيام، حتى ذات يوم عندما كانت أمه في زيارة لأحد نساء الجيران، وجاءت نورة في موعدها بعد المغرب باللبن، أنه أدخلها في الغرفة وأغلق الباب، ولثمها على وجنتــها الملتــهبة، ثم طبع شفتيه على شفتيها[37]، وألصق شفتيه حتى أحس بأسنانه تصطدم بأسنانها. وكانت هذه هي أول قبلة من فم الحبيبة، بل أول قبلة في حياته. واستمرت السلسلة، حتى جاء وقت في حين دخل هشام في منزلها ليلةً حسب أمرها، وتمارس التجربة نفسها هناك في ركن قصي من حديقة منزلها[38]. واستمرت هذه السلسلة بينهما حتى أن تم إصلاح زواجها مع فهد.
ولكن في الرياض، ارتبط هشام بعلاقة مع فتاتين أخريين، حتى تمارس التجربة الجسدية معهما أيضا، واكتشف مذاقتها المختلفة رغم أن الفعل واحد[39]. لكن واحدة يشتـهيـها هشام ولا يشعر بالحب معها[40]، وهي رقية الفتاة المطلقة صغيرة السن في الرياض يتضاجعها ابن خاله عبد الرحمن عدة مرات من قبل؛ وثانيـهما يحبـها هشام ويشتـهيـها معا[41]، وهي سارة أو سوير جارة خاله في الرياض.
ووفقا لرواية “الشميسي”، في المدة التي كان فيـها هشام في بيت خاله في أوائل أيامه الجامعية في الرياض، كان ابن خاله عبد الرحمن أقرب منه. وذات يوم أنه أخبره عن رقية وعلاقته بها، وقدّم له أنه يستطيع أن يرتب له موعدا معها إن كان يريد، لكن هشام رفض. ولكن بعد أيام قليلة، ذهب هشام إلى عزبة الشباب في الرياض، فوجد عبد المحسن هناك مع فتاة مجاورة[42]، وأثارت فيه هذه المغامرة لعبد المحسن شهوة غريبة، وملكت عليه شهوة طاغية. وذكرت رواية “العدامة”، بعد هذه المغامرة طلب هشام من عبد الرحمن أن يرتب له موعدا مع رقية، وفي اليوم التالي، تمارس هشام التجرة الجسدية الأولى في حياته معها في الرمال الحمراء[43] قرب الرياض. وبعد خمسة أشهر، وعندما انتقل إلى غرفة مستأجرة في شارع عسير، كان يأتي هو وعبد الرحمن برقية أيضا إلى ذلك المنزل[44].
وحسب رواية “الشميسي” المرأة الثالثة التي ارتبط بعلاقة معها هشام، ومارس الجنس معها، حتى جعلها حاملا[45] أيضا، هي سوير المتزوجة مع عليان[46] جار خاله[47] في الرياض. ولكن سوير ليست بسعادة مع زوجها، لأنه لا يحترمها ولا يحبها كزوجة، بل يأتي إليـها فقط لتلبية احتياجاته الجسدية. في حالة ما رأها هشام ليلةً في حالة التحام مع زوجها. وذات ليلة أنها رأته أيضا يتلصصها من النافذة. فحاولت بعد ذلك أن تتبادل معه الكلمات، حتى ذات مرة أنها أشارت إليه. وفي يوم ذهب هشام إلى منزلها ومارس الجنس معها في أول يوم ما. وبمرور الأيام، توطدت علاقته بسوير، حتى أهداها زجاجة عطر غالية بخمسة وعشرين ريالا[48]، وهو يذهب إليها كثيرا، ويتحدثان كثيرا، ويتحولان إلى جسد واحد كثيرا، حتى جاء يوم حينما أعلنت سوير لهشام: “ألا تعلم أني أحملك في أحشائي؟[49]“، مشيرة إلى أنها تحمل ابنه في رحمها.
المرأة في صورة الأخت أو البنت[50]:
احتلت الأخت أو البنت مساحة قليلة في الثلاثية، ولكنها مؤثرة جدا. فصورت الثلاثية الأخت أو البنت بأنها الجزء المهمل أو المضطهد في الأسرة السعودية، فهي حينا تعاني تسلط الأب، أو الأخ، وحينا آخر تعاني من إهمالهم لها، وانصرافهم إلى أعمالهم بعيدا عن مشاعرها العاطفية.
حسب الثلاثية، المجتمع السعودي متهم بأن تبدأ البنت في أن تتحجب مع بلوغها في المراهقة فقط، ولكن لا يهتم بأن تشجع الأخت أو البنت للتعليم العالي، ولا هو يعتبرها بأنها تستحق التعليم أيضا، حتى لا يعتبرها بأنها عضو مهم في المنزل، بل يعاملها كخادمة المنزل العادية. وأشارت الثلاثية إلى هذا المنظر في رواية “العدامة”، حيث ذكرت أن موضي بدأت أن تحجب منذ أن بلغت الحلم[51]، وفي رواية “الشميسي”، أن نورة “قد كبرت وبدأت أن تحجب، ولا يجوز لها الخروج لوحدها، ولا يجوز أن تترد على البيوت[52].” ولكن كانوا غافلين تماما عن تعليم البنات، كما نرى في مسألتي موضي ومنيرة[53]،وفي مسألة سوير[54]، ونورة أيضا[55]. وفي معظم البيوت السعودية تعيش البنت أو الأخت تحت سيطرة أفراد العائلة أي تحت استبداد الأب، وقسوة الأم، وأوامر الأخوة، كما صورت “الشميسي” مثل هذه الحالة لسوير[56]، وموضي[57]، حيث نراهما تعيشان بين سيطرة أفراد المنزل، تحملان جميع أعباء المنزل.
المرأة في صورة الزوجة:
احتلت الزوجة مكانة متوسطة في الثلاثية من حيث الحضور والتأثير، لأنها تعد الجزء الثاني المكمل لنظام الأسرة بعد الزواج، ولأنها الشخصية الحيوية التي تقوم بدور الربط بين الأب وبقية الأعضاء. والزوجة في مواضع عدة تمثل الشخصية الأضعف، لأن ليس لها حق في اختيار زوجها، كما في حالة سوير[58]، ونورة[59]، وحتى منيرة[60]، حيث نرى أنهن واقفن في الزواج من رجال اختارتهم الأسرة؛ وبجانب آخر يقع عليها بأس الزوج، وصورت رواية “الشميسي” هذا المنظر بكل دقة ووضوح في حالة سوير مع زوجها عليان، الذي هجم عليها في أول ليلة ما، وافتضها بعنف، غير آبه بصراخها ومعاناتها تحت جسده الثقيل، وعندما قضى وطره منها، أدار ظهره ووقع في النوم العميق، تاركا إياها في حالة من الرعب والخوف[61].
صورة المرأة العاقر:
ألقت الثلاثية الضوء على المرأة العاقر بشكل خاص، وبينت مشاكلها ومعاناتها بكل وضوح. ووردت في الثلاثية ثلاثة مثل هذه النساء العاقر، هن: عمة هشام شريفة المتزوجة من سليمان، وسوير المتزوجة من عليان جار خال هشام في الرياض، وأم هشام نفسها التي لم ترزق ولدا بعد هشام.
وأشارت الثلاثية إلى المشاكل التي تواجهها النساء المذكورة في المنزل بسبب عدم قدرتهن على الإنجاب. كما عكست رواية “العدامة” حالة أم هشام لسبب عدم قدرتها على الإنجاب بعد أن تولّدت هشام فقط. فصورت الرواية أن العلاقة بين الحماة وكنتها أم هشام أصبحت متوترة لهذا السبب، لأن الحماة أي جدة هشام حيناً قالت لإبنها إبراهيم أن يتزوج إمرأة أخرى، لأن لديه ولد واحد، وامرأته لا تستطيع أن تنجب ولدا آخر، فماذا لو حدث له شيئا؟ ومن يحمل اسمه بعده؟ ومن حيث الشريعة ليس فيها عيب أيضا أن يتزوج المرء بأربع نساء، فعليه أن يتزوج إمرأة أخرى. ووصلت هذه الأحاديث إلى أذن أم هشام، ونتيجةً أصبحت العلاقة بينهما متوترة شديدة[62].
وعندما نلقي النظر على حالة عمة هشام شريفة، نجد أن زوجها كان راغبا في الأطفال، وأنها لم تستطع أن تنجب ولدا له. ولكن ما كانت هي عاقرا في الحقيقة، بل تركتها القدرة بدون طفل، لأنها حملت وولدت عدة مرات، لكن لا يعيش منهم أحد. ومع الأيام رغبة زوجها في الأطفال ازدادت بشدة، وهذه الرغبة له أدتها إلى الضغط النفسي الشديد، وجعلتها أن طلبت من زوجها الزواج بأخرى[63]، حتى أبدت هي استعدادا للبحث له عن هذه الزوجة، لكنه أبى وقال: إن الأطفال ليسوا دائما مصدر السعادة، ولا يهمه أن يحمل أحد اسمه من بعده[64].
ولكن عكست رواية “الشميسي” أن حالة سوير كانت مختلفة تماما، بل حظها كان سيئا منذ البداية؛ لأنها ليست بسعادة قبل الزواج في منزلها ولا بعد الزواج من عليان أيضا، فازداد بأس الزوج بعد سنتين من الزواج، عندما لم تستطيع أن تنجب له ولدا يحمل اسمه بعده. فأخذ زوجها يعيرها بعمقها الواضح، ويهددها بالزواج من أخرى، لكنه لم يفعل. وظل يعاملها مثل أول ليلة. وهذه هي المعاملة من زوجها أدتها إلى أن ترتبط بعلاقة غير شرعية مع هشام[65]، كما كانت مسئلة رقية المطلقة وصغيرة السن مع عبد الرحمن وهشام أخيرا[66].
الخاتمة:
الدكتور تركي الحمد من الأدباء القلائل الذين تجرّأوا على استكشاف صورة المجتمع الحقيقية لدى العالم مع معالجة القضايا السلبية والإيجابية في المجتمع السعودي خلال رواياته. ومن أهم القضايا التي تناولها تركي الحمد في رواياته هي شخصية المرأة والعلاقة الجنسية. ولا تخلو رواية من رواياته من معالجة قضية المرأة كما لا تخلو تجربته العاطفية من لقاءات غرامية. فكان له دور كبير في إبراز قضية المرأة وفي دعم حقوقها المسلوبة في المجتمع الذكوري. فقد عرض تركي الحمد المرأة في صورة مختلفة ورائع في نماذجها الحية.
……………….. *****……………….
[1] . البرغوثي، سمير، تركي الحمد سقط، صحيفة الوطن، 3 أكتوبر 2018.
[2] . المصدر نفسه.
[4]. الحمد، تركي، جامعتي التي كانت..وإلى أين كنت..، مجلة الفيصل، 3 مارس 2019.
[5] . فريق التحرير، تركي الحمد..مثقف بدرجة ذبابة في خدمة أجندات السلطة، ن بوست، 15 نوفمبر 2020م.
[7] . المصدر نفسه.
[8] . السيرة الذاتية لتركي الحمد وأهم انجازاته، مجلة رجيم، 17 نوفمبر 2020.
[9] . فريق التحرير، تركي الحمد..مثقف بدرجة ذبابة في خدمة أجندات السلطة، ن بوست، 15 نوفمبر 2020م.
[10] . الخراشي، سليمان بن صالح، تركي الحمد في ميزان أهل السنة والجماعة.
[11] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت،ط 4، 2003م، ص 150.
[12] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت، ط3، 2001م، ص 117.
[13] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط 4، 2003م، ص 94-95.
[14] . المصدر نفسه، ص 81.
[15] . المصدر نفسه، ص 94.
[16] . المصدر نفسه، ص 266.
[17] . المصدر نفسه، ص 70.
[18] . المصدر نفسه، ص 94-95.
[19] . المصدر نفسه، ص 96.
[20] . المصدر نفسه، ص 271.
[21] . المصدر نفسه، ص 263.
[22] . آل حشيش، فارس حترش محمد، المضامين والتشكيل في أعمال تركي الحمد الروائية: الثلاثية نموذجا، رسالة الدكتوراه، جامعة مؤتة، 2011م.
[23] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت، 1997م، ص 10.
[24] . المصدر نفسه، ص 117.
[25] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4، ص 126.
[26] . المصدر نفسه، ص 167.
[27] . المصدر نفسه، ص 124.
[28] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت، 1997م، ص 130.
[29] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4، ص 124.
[30] . أنظر: صورة المجتمع في الرواية السعودية لإبراهيم بن علي الدغيري، رسالة الدكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العام الجامعي 1426-1427هـ. (إذ الكاتب يتحدث عن أم أو زوجة في آن، فأفصل الأحد عن الآخر هكذا: إذا كان الكاتب يتحدث عن تلك المرأة وعلاقتها بزوجها فتلك هي الزوجة، وإذا كان يتحدث عن المرأة من خلال تماسها مع أبنائها وبناتها فتلك هي الأم).
[31] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4، ص 264.
[32] . المصدر نفسه.، ص 79.
[33] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت، ط3، 2001، ص 33.
[34] . الحمد، تركي، جامعتي التي كانت.. وإلى أين آلت..، مجلة الفيصل، 3 مارس، 2019م. (https://www.alfaisalmag.com/?p=15065 )
[35] . المصدر نفسه.
[36] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت، ط3، 2001، ص 101.
[37] . المصدر نفسه، ص 134-136.
[38] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4،2003م، ص232.
[39] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت،3، 2001، ص 100.
[40] . المصدر نفسه، ص 101.
[41] . المصدر نفسه.
[42] . المصدر نفسه، ص 33.
[43] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4،2003م، ص 172.
[44] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت،3، 2001، ص 160.
[45] . المصدر نفسه، ص 170.
[46] . المصدر نفسه، ص 117.
[47] . المصدر نفسه، ص 53.
[48] . المصدر نفسه، ص 101.
[49] . المصدر نفسه، ص 170.
[50] . إذا الكاتب يتحدث عن تلك المرأة وعلاقتها بأخوتها فتلك هي الأخت، وإذا يتحدث عن المرأة من خلال تماسها مع والديها فتلك هي البنت.
[51] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4، 2003م، ص 72.
[52] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت،3، 2001، ص 135.
[53] . المصدر نفسه، ص 10.
[54] . المصدر نفسه، ص 117.
[55] .المصدر نفسه، ص 144.
[56] . المصدر نفسه، ص 117.
[57] . المصدر نفسه، ص 94-95.
[58] . المصدر نفسه، ص 117.
[59] . المصدر نفسه، ص 143.
[60] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4،2003م، ص 74.
[61] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت،3، 2001، ص 117.
[62] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4،2003م، ص 264.
[63] . المصدر نفسه، ص 267.
[64] . المصدر نفسه، ص 268.
[65] . الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت،3، 2001، ص 118.
[66] . الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، بيروت، ط4،2003م، ص 79.
المصادر والمراجع:
- الحمد، تركي، العدامة، دار الساقي، ط3، بيروت، 2000م.
- الحمد، تركي، الشميسي، دار الساقي، بيروت، ط3، 2001م.
- الحمد، تركي، الكراديب، دار الساقي، بيروت، ط2، 2002م.
- الخراشي، سليمان بن صالح، نظرة شرعية في كتابات وروايات تركي الحمد، ص7، ط1، 1433هـ.
- الخراشي، سليمان بن صالح، تركي الحمد في ميزان أهل السنة والجماعة.
- الحازمي، منصور، موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، ط1، ج5.
- آل حشيش، فارس حترش محمد، المضامين والتشكيل في أعمال تركي الحمد الروائية: الثلاثية نموذجا، رسالة الدكتوراه، جامعة مؤتة، 2011م.
- صورة المجتمع في الرواية السعودية لإبراهيم بن علي الدغيري، رسالة الدكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العام الجامعي 1426-1427هـ..
- الحمد، تركي، جامعتي التي كانت.. وإلى أين آلت..، مجلة الفيصل، 3 مارس، 2019م. (https://www.alfaisalmag.com/?p=15065 )