انعكاسات علم العروض العربي على علم العروض الأردي
محمد سعود الأعظمي
باحث في الدكتوراه، جامعة جواهر لال نهرو دلهي الهند.
saudazmi2010@gmail.com
——————————–
ملخّص البحث:
لا يختلف الاثنان في أن علم العروض في اللغة العربية والفارسية والأردية والتركية مشترك حيث أنه تم وضعه على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم استعارت اللغة الفارسية علم العروض ومن هنا دخل هذا العلم في اللغة الأردية، وكان دخوله مع دخول الإسلام والمسلمين في الهند وقيام الدولة المسلمة حيث تمكنت اللغة الفارسية أن تكون لغة رسمية وحكومية في الهند. و قبل مجيء الإسلام إلى الهند كانت اللغات المنطوقة في مناطق الهند وأطرافها متأثرة في الشعر والأدب بقواعد اللغة السنسكريتية أو الهندية التي نشأت من اللغة السنسكريتية، ولكن حينما جعلت علاقة اللغة العربية باللغات المنطوقة في الهند تتوطد، تأثرت اللغات باللغة الفارسية والعربية وأصبحت الكلمات والقواعد العربية تدخل فيها فاتسعت دائرة اللغة العربية حتى أخذت اللغة الأردية الحروف الهجائية وبعض قواعد النحو والصرف وعلم العروض وطورت بعض المصطلحات حسبما تحتاج الطبيعة اللغوية في الهند. فالعروض الأردي مستعار من العروض العربي وهو الآن في حاجة إلى من يطوره كعلم مستقل في اللغة الأردية.
الكلمات المفتاحية: علم العروض، البحور الشعرية، الأوزان، اللغة، العربية، الأردية، النشأة، التطور، الخليل بن أحمد الفراهيدي.
مقدمة البحث
إن الله سبحانه وتعالى أنعم على عباده المخلصين بنعم لا تكاد تحصى، ومن نعم الله عز وجل وفيوضه على المسلمين أنه أرسل رسوله بالعلم والهدى فقال “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” فالإسلام حينما جاء أول ما أمر به المسلمين في وحيه الأول هو االقراءة والكتابة حيث قال “اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم…” فالآيات الكريمة الأولى لقد أثارت ضجة في الحياة البشرية جمعاء حتى أكب الناس على العلم والنور وجعلوا يتقاسمون الأنوار والعلم فيما بينهم، وبذرت النواة الأولى للتحقيق والتدقيق فتأثر الناس كثيرا إلى أن تهيأ بعض الصحابة لتضحية الحياة كلها في نشر العلم والمعرفة، فهذه الأوضاع غيرت الحالة، فالرجل الذي يرعى الغنم والإبل أصبح معلم آداب الحياة ثم وصلوا إلى سدة الحكم.
هذا وحينما فتح الجيل الثاني عيونه رأى العلم ينتشر مع انتشار دولة الإسلام فتهافت المسلمون على العلوم والفنون تهافتا لا يوجد له مثيل في التاريخ، هذا يخوض في علم الحديث، والثاني يكشف علم النحو، والثالث يتحدث عن معاني القرآن حتى ابتكروا علوما وفنونا لم يكن لها عند العرب أصول وليس عليها من قبل برهان فجاءوا بعلم النحو والصرف وأسماء الرجال والجرح والتعديل والجغرافية.
ومن هذه العلوم التي تعد من إبداعات المسلمين العرب بدون أن يكون فيه أي إسهام لأي حكيم أو يحتذي في تقدمه أي حضارة، إنما هو علم العروض الذي له تاريخ قديم مثل قدم الشعر وله أهمية في الشعر مثل أهمية النحو في اللغة.
العروض في اللغة:
العَروض كلمة مؤنثة على وزن فَعُول جمعها أعاريض”، والعروض: مكة والمدينة، حرسهما الله، وما حولهما، وعَرَضَ: أتاها، والناقة التي لم ترض، وميزان الشعر؛ لأنه يظهر به المتزن من المنكسر، أولأنها ناحية من العلوم، أو لأنها صعبة، أو لأن الشعر يعرض عليها، أو لأنه ألهم الله الخليل بمكة”[1]
و أصل العروض في اللغة الناحية، كقول العرب أنت في عروض وأنا في عروض.[2] وقال الشاعر
فإن يُعرض أبو العباس عني
ويركببي عروضا عن عروض
ولهذا سميت الناقة التي تعترض في سيرها عروضا، لأنها تأخذ في ناحية دون الناحية التي تسلكها.[3]
وفي لسان العرب لابن منظور: عرض له أمر، أي ظهر وبدا له، وعرض الشيء عليه، أي أراه إياه وأظهره، وفي لسان العرب بأن معنى العروض لغةً الظهور والبروز، والطريق الصعبة، واسم مكان بين مكة والطائف، و الحاجة، والطريق الوعر المعترض في الجبل وعروض الكلام أي فحوى الكلام فيقال عرفت تلك الفكرة من خلال عروض كلامه أو معرض كلامه، أي من خلال فحوى أو معنى كلامه. غير أن الكلمة تطلق على معاني أخرى منها: السحاب في السماء، وعرض الشعر، أي عرض الشعر على الميزان الذي يقوم بفحصه ليعرف صحيحه من فاسده ومختله من متزنه…الخ. . وكذالك، كلمة العروض تطلق على التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول للبيت.
وقد اختلف علماء اللغة العربية في معنى كلمة العَرُوض، ففي تسمية هذا العلم هناك خمسة أقوال وآراء في كتب علم العروض منها:
- كلمة العروض هي مشتقة من العَرْض، لأن الشعر يُعرضُ ويقاس على ميزانه. وقد ذهب الإمام الجوهري إلى هذا الرأي. ويعزِّز هذا القولَ ماجاء في اللغة العربية من قولهم : هذه المسألة عَروض هذه أي نظيرها.
- لقد كان الخليل أراد بهذه الكلمة مكة، التي من أسمائها (العَرُوض) تبركا، لأنه سن هذا العلم فيها ومن معاني العَروض الطريق في الجبل، والبحور طرق إلى النظم .إنها مستعارة من العَروض بمعنى الناحية. لأن الشعر ناحية من نواحي علوم اللغة العربية وآدابها وآخر تفعيلة من صدر البيت يسمى عروضًا ومن الممكن أن التسمية جاءت تَوَسُّعًا.
وهذه المعاني اللغوية المختلفة لقد أشار إليها العديد من العلماء اللغويين والعروضيين في كتبهم ومعاجمهم، كما أشار الجوهري في معجمه “الصحاح في اللغة والعلوم”، والزبيدي في مصنفه “تاج العروس”، وابن خلكان في معجمه “وفيات الأعيان”، ومن المستحيل للجميع أن يأتي بقول أو رأي يدل على السبب الحقيقي وآراء تسمية الخليل هذا العلم الذي اكتشفه وسماه بعلم “العروض”، وجميع التفاصيل والتفسيرات في هذا الصدد لا تعتبر إلا تخمينات أو افتراضات يمكن أن يكون فيها الخطأ كما يحتمل فيها الصواب.
وقد ذكر الباحث ما يبدو له من أشهر التعريفات الواردة في كتب اللغة والمعاجم التي تعد سببا وراء هذه التسمية. وحسب الباحث، إن من أقرب هذه الأقوال إلى الصواب الرأي الأول وهو أن الكلمة مشتقة من العَرْض لأن الشعر يُعرَض ويقاسُ على ميزانه.
العروض اصطلاحا:
وأما في الاصطلاح فعلم العروض يعد من علوم اللغة العربية الأساسية، وهو يختص بدراسة أوزان الشعر المختلفة، وهي القواعد التي تدل على الميزان الدقيق، ويعرف بها صحيح الشعر من فاسده، وما يعتريها من زحافات وعلل، فعلم العروض ميزان الشعر لأنه يُعارض بها. وقد ذكر الخليل في كتابه العين المعنى الاصطلاحي لعلم العروض حيث يقول “عروض الشعر هو الميزان الذي يعرض عليه الشعر لقياسه وتقويمه ونجمع الكلمة على أعاريض وهي مؤنثة ويجوز تذكيرها”.[4]
يقول الدكتور عبد العزيز عتيق نقلا عن كتاب كشف الظنون ” العروض علم يبحث فيه عن أحوال الأوزان المعتبرة.[5]
وأيا كان تعريفه وأيا كانت التفاصيل عنه فخلاصة ما جاء في كتب علم العروض أنه علم يختص بدراسة قواعد الوزن الشعري أو موسيقى الشعر، وهو ميزان أو معيار يعرف به مكسور الشعر من موزونه، وكما أن للنحو معيارا يعرف به معرب الكلام من ملحونه، فكذلك للعروض معيار يعرف به صحيحه من فاسده. فالعروض بالنسبة للشعر كالنحو بالنسبة للغة إذ إن هذا الميزان أو المعيار لا مناص منه ولا بد من معرفة قواعده وأصوله التي تيسر للشاعر الموهوب وللناقد المحلل للأثر الشعري وللقارئ المتذوق للشعر قراءته قراءة صحيحة.[6]
أهمية علم العروض:
يحمل علم العَروض ودراسته أهمية بالغة لايمكن لمن له أدنى صلة بالشعر العربي أن يغض الطرف عنه، فعلم العروض يصقلُ موهبة الشاعر ويهذبها وينحيها عن الخطأَ في قرض الشِعر وقراءته، ويضع في يد المعلم، والطالب أداة نقدية علمية. كما يسهم في بناء أذن موسيقية، وذوق سليم، عند المعلم، وبالتالي عند الطالب وهكذا يساعد المتعلم على الأداء النحوي الصحيح، في قراءة القصائد، والأبيات.
ومن الحقائق أن علم العروض لا يخلق موهبة الشاعر، ولكنه يفيد أكثر بكثير في معرفة مكانة الشعر وصحيحه من فاسده كما تساعد على كشف المواهب وتنمية القرائح، وخلق الذوق السليم في الشعر والإحساس المرهف والعمق الفني في الشعر. وبمعرفة علم العروض يأمن الشاعر من اللاعبين بالشعر وأوزانه على شعره من أي تغييرِ لا يجوز فيه، أو ما يجوز وقوعه في موطن دون آخر، وكذلك تقوي معرفة علم العروض العقيدة أن القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف ليسا بشعر معرفةَ دراسةٍ لا تقليد، لأن القرآن والحديث وإن وجدت فيهما الوزن والقافية فلا تعد شعرا لأن الشعر يجب أن يقرض بالقصد كلاما موزونا ومقفى. وبالتالي إن ورد شيء منهما على نظام الشعر وزنا لا يحكم عليه بكونه شعرا، لعدم قصده كما أشار إلى ذالك ابن رشيق القيرواني حيث يقول لأنه لم يقصد به الشعر ولا نيته، فلذلك لا يعد شعرا، وإن كان كلاما مُتَّزِنا”[7]
يحتاج إلى علم العروض الدارسون في اللغة العربية وآدابها عامة والشعراء والنقاد بصفة خاصة، لأنه يهتم بموسيقى الشعر وأنغامه، وبدون النغمة والتنسيق الصوتي لا يعد الشعر شعرا، لأن العروض هي الأداة الفاعلة في فهم الشعر العربي وطبيعته من خلال قراءة الأبيات الشعرية قراءة صحيحة وسليمة، والتمكن من المعيار الدقيق للنقد؛ فدارس العَروض هو مالك الحكم الصائب للتقويم الشعري وهو المميز الفطن بين الشعر والنثر الذي قد يحمل بعض سمات الشعر .
ومن أهميته أنه يميز بين الشعر والنثر الفني الذي يشترك في بعض خصائصه مع الشعر، مثل العناصر الأربعة: الفكرة والعاطفة والخيال والأسلوب، كما أنه يختلف عن النثر الفني في خصائص أخرى بما فيها الوزن والقافية. ومثل النثر الفني أنه يفرق بين الشعر العمودي القديم والشعر الحر الجديد الذي يحمل خصائصه الموسيقية الأخرى عن خصائص الشعر العمودي.
ومما يؤدي إليه معرفة علم العروض الإفادة التامة في نظم القصائد واختيار البحور الملائمة لصياغة تجاربهم في قصائد شعرية، وإن الإتقان في علم العروض يساعد الشاعر على معرفة أنواع البحور الشعرية المختلفة، ونوع كل بحر من تام، ومجزوء، ومشطور، ومنهوك، وهذه المعرفة تساعده في النظم على أوزان شعرية متعددة، وعدم الاقتصار على وزن شعري واحد.
نشأة علم العروض في اللغة العربية
لم يكن العرب في العصر الجاهلي في حاجة إلى علم يعلمهم فن النظم أو فن الشعر، فقد كانوا يقرضون الشعر عن ملكة كانوا يمتلكونها وطبقا لأوزان أو بحور يعرفونها معرفة جيدة ويدركون ما تحمله من زحافات وعلل مختلفة إدراكا فطريا.
ولم تكن تسمح لهم حياتهم البدوية أن يفعلوا ذلك لأن الشعر ليس عندهم إلا للتعبير الصادق عن حياتهم العادية، ولم يكن عصرهم عصر التدوين وتطوير العلوم والفنون، ولكن حينما نزل القرآن بلغة قريش فاهتم المسلمون بصيانة القرآن ونشره بعلوم القرآن وفنونه وشكلوا العديد من العلوم الجديدة لم يكن العرب يعرفونها من قبل، ودونوا كل ما سمعوه من كلام العرب شعرا ونثرا .
ولعل معرفتهم الفطرية بلغتهم وفنون الكلام الذي يتعاطونه هي التي جعلتهم يستغنون عن وضع القواعد والمصطلحات الملائمة للنحو والصرف والعروض والبلاغة وغير ذلك من علوم اللغة. ومعنى ذلك أن أول ما قاله العرب من الشعر لم يكن خاليا من عروض أو وزن بسبب عدم اهتمامهم بتقنينه في علم أو وضعه في كتاب يحفظه من عوادي الزمان، ويتوارثه الخلف عن السلف. فالشعر الجاهلي جميعه موزون ومقفى، لأن مبدعيه من الشعراء كانوا على دراية فطرية بأوزانه على تباينها واختلاف أشكالها، وظل الأمر كذلك حتى انتشرت اللغة العربية بعد الإسلام في الأقطار المفتوحة في مشارق الأرض ومغاربها، حيث دخلت أمم أجنبية عديدة في الدين الجديد واضطرت إلى استعمال اللغة العربية لتأدية الفرائض والشعائر والمناسك وقضاء الحاجات العامة، وكان من نتيجة ذلك أن أخذ اللحن يشيع فيها، بسبب ضعف معرفة المستعربين بالشعر العربي وأوزانه. وهنا ظهرت الحاجة الماسة إلى جمع وتصنيف اللغة العربية ووضع مختلف القواعد التي تحفظها من الزلل والانحراف وسوء الاستعمال. فانكب ثلة من العلماء الأفذاذ على وضع علوم النحو والصرف والبلاغة والعروض لصونها من شوائب التشويه ومساعدة الأعاجم على استعمالها على النحو الصحيح.
وهكذا نشأ علم العروض – مثل غيره من العلوم العربية – في القرن الثاني الهجري على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي استنبط من الشعر الجاهلي، عن طريق الاستقراء، عددا من البحور، وحصر ما يعتري تفعيلاتها من تغييرات ومن زحافات وعلل، وأعطاها أسماء صارت مصطلحات محددة تعرف بها الآن، كما ضبط القوافي ووضع لها أسماء خاصة، فاستنبط بذلك علم موسيقى الشعر العربي بصفة كاملة ودفعة واحدة.
والواقع أن أصالة علم العروض العربي تظهر في خصائصه الكثيرة التي تميزه عن سواه، كتأليف البيت من شطرين متساويين – وهما مصراعاه – لاحتوائهما على مجموعة من التفعيلات أو الأجزاء المتساوية، بعضها تبدأ بوتد (التفعيلات الأصلية)، وبعضها تبدأ بسبب (التفعيلات الفرعية). وتسمى التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول عروضا والتفعيلة الأخيرة من الشطر الثاني ضربا. وهذه المميزات كافية لإثبات أن عروض الشعر العربي كان يجري على موسيقى معينة لا يعرفها ويحسن تذوقها إلا العرب.
والعروض يعتبر جزءا مهما من الشعر وهو الميزان الذي يميزه عن النثر، وهو مصطلح تقني يستخدم في علم اللغة لبيان الأوتاد والأسباب والبحور الشعرية، وهو من أهم خصائص الشعر الكلاسيكي والحديث كذلك. ويمكن القول إن البحور والقوافي تكون الشعر، وأما الكلمات والأفكار والعواطف فإنها تثريها.
يتواجد العروض في الشعر في كل لغة تقريبا أيا كان شكله. وأما في اللغة االعربية لقد اكتشفها الخليل بن أحمد الفراهدي في عهد الخليفة هارون الرشيد في القرن الثاني الهجري.
علم العروض في اللغة الأردية:
لا شك في أن علم العروض في اللغة العربية والفارسية والأردية والتركية مشترك حيث تم وضعه على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم استعارت اللغة الفارسية هذا العروض، ومن هنا دخل علم العروض في اللغة الأردية، وكان دخوله مع دخول الإسلام والمسلمين في الهند وقيام الدولة المسلمة حيث تمكنت اللغة الفارسية أن تكون لغة رسمية وحكومية فى الهند، وقبل مجيء الإسلام إلى الهند كانت اللغات المنطوقة في مناطق الهند وأطرافها متأثرة في الشعر والأدب بقواعد اللغة السنسكريتية أو الهندية التي نشأت من اللغة السنسكريتية، ولكن حينما جعلت علاقة اللغة العربية باللغات المنطوقة في الهند تتوطد فتأثرت اللغات باللغة الفارسية والعربية وأصبحت الكلمات والقواعد العربية تدخل فيها فاتسعت دائرة اللغة حتى أخذت اللغة الأردية الحروف الهجائية وبعض قواعد النحو والصرف وعلم العروض وطورت بعض المصطلحات حسبما تحتاج الطبيعة اللغوية في الهند، وإذا نظرنا في كلام الشعراء المتصوفين فكان كلامهم في العروض الهندي المعروف ببنكل شاسترا (PINGAL SHASTRA ).[8]
ففي اللغة العربية عدد البحار ستة عشر، ثم أضاف إليها الإيرانيون أربعة بحار ولا تزال هذه البحار التسعة عشر مستخدمة، غير أن جميع البحور لا تستخدم في أي لغة لا باللغة العربية، ولا بالفارسية ولا بالأردية، بل يستخدم المتحدثون بحارًا معينة وفقًا للغتهم الخاصة وأذواقهم واحتياجاتهم الذاتية. على سبيل المثال: البحر الطويل و البحر البسيط و البحر المديد والبحر الكامل والبحر الوافر هي بحور عربية خالصة، كما أن البحرين القريب والجديد يستخدمان في اللغة الفارسية فقط. وأما البحار الأحد عشر الأخرى، الهزج، والرجز، والرمل، والمنسرح، والمضارع، والمقتضب، والمجتث، والسريع، والخفيف، والمتدارك، والمتقارب شائعة في اللغة الفارسية والعربية واللغة الأردية معا.
ومن الواضح أن الطبائع الموسيقية مختلفة باختلاف العروق والقبائل والمدن، فالطبيعة الموسيقة الإيرانية تختلف عن الطبيعة الأردية فمن اللازم أن يختلف علم العروض أيضا في اللغتين العربية والأردية، ولكن هذا الاختلاف لا يتجلى في اللغة الأردية كما يتجلى في اللغة الفارسية يقول غيان شاند نقلا عن البروفيسور حبيب الله غضنفر” هذه النماذج لكلام الشعراء الفارسيين في القرن الرابع، وإذا قمنا بتقطيع هذه النماذج فوجدنا أن هذه الأشعار تخرج من إطار العروض العربي” فلذلك قام الأدباء الفارسيون بإجراء بعض التغييرات حسب أذواقهم واحتياجاتهم ولكن الهنود لم يهتموا بكثير من التغييرات رغم احتياجاتهم وطبائعم المحتلفة، فشهد الشعر الأردي تطورا مرموقا، أما علم العروض فهو كما كان.
عضّ علم العروض الأردي بالنواجذ على جميع المصطلحات والبحور والزحافات والعلل التي تروج في علم العروض العربي مع أن بعض علماء اللغة الأردية حاول وضع بعض الأركان مع زحافات جديدة، كما وضع أبو ظفر عبد الواحد تفعلة أفاعلن وفاعلن تن، واستخرج كمال أحمد صديقي، ستة بحار: بحر الجميل تفعلتها مفاعلاتن، بحر الخليل تفعلتها مفتعولن، بحر الشميم تفعلتها مفاتفعلن، وبحر كشير تفعلتها مستفعلتن وبحر نيهال مفتعلاتن[9] بالإضافة إلى ذلك، وبذل الفاروقي مجهودات في تطوير العروض ومصطلحاته حسب الطبائع الأردية ولكن لم يستطع أن يجعله ساري المفعول بين الأوساط العلمية الهندية.
وبمرور من الزمن حاول بعض النقاد في اللغة الأردية أن يحرر العروض الأردي ويجعله فنا مستقلا ولكنه مال إلى العروض السنسكريتي وبذل قصارى مجهوداته في إثبات أن العروض الأردي أو بعض بحوره مأخوذ من العروض السنسكريتي ويحتل في هذه القائمة اسم العروضي كندن لال كندن.
ومن الشباب المثقفين الذين اهتموا بالعروض الأردي واخترع فيه بحرين وسهل العروض لدى الطلاب والباحثين الأستاذ جنيد أكرم الفاروقي وبحوره المبتكرة كما يلي
الأول “بحر غنا” وتفعلته مفاعلن مفاعلن مفاعلن
والثاني “بحر كبير” وتفعلته مفاعلاتن مفاعلاتن مفاعلاتن
ولكن هذه البحور و المصطلحات لم تنل القبول والإعجاب كما ينبغي بين الأوساط العلمية ولم يتم نشر هذه الأفكار على نطاق واسع.
فخلاصة القول إن علم العروض الأردي مستمد من علم العروض العربي، و في يومنا هذا في حاجة ماسة إلى علماء ونقاد يهتمون به أكثر ويطورونه تطورا مرموقا مثل العلوم اللغوية الأخرى ويجعلونه حرا من قيود اللغة العربية ومستقلا يقوم على أسس ومصطلحات تليق بالطبائع الأردية لأن طبائع اللغتين مختلفة تماما.
الهوامش:
[1]الفيروزآبادي، القاموس المحيط كلمة عرض، ص 645
[2]التبريزي، الخطيب، كتاب القافي في العروض والقوافي ص 17
[3] المرجع السابق
[4] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، كلمة عروض
[5]الدكتور عبد العزيز عتيق، علم العروض والقافية ص7
[6]عباد، أبو القاسم إسماعيل، كتاب الإقناع في اعروض وتخريج القوافي ص3
[7] العمدة لابن رشيق القيرواني : باب فضل الشعرص 306
[8]غيان شىاند جين، اردو کا اپنا عروض،ص 7 ريخته بي دي ايف
- [9]صدیقی، کمال احمد، آہنگ اور عروض، ص من 97 الى 96 ترقی اردو بیورو دہلی
المصادر والمراجع:
- ابن جني، أبو الفتح عثمان: كتاب العروض، حققه أحمد فوزي الهيب جامعة كويت: دارالقلم للنشر والتوزيع كويت ط 8 : 1989
- أبو النجا، الدكتور حسين: في أصول العروض، دار مدني، الجزائر 2003.
- أبو النجا، الدكتور حسين: قوافي الشعر العربي، دار مدني، الجزائر 2003
- أبو النجا، الدكتور حسين: أوزان الشعر العربي، دار مدني، الجزائر 2003.
- الأخفش، أبو الحسن سعيد بن مسعدة: كتاب القوافي، حققه الدكتور عزة حسن :دمشق 1970
- حقي، عدنان: المفصل في العروض والقافية وفنون الشعر، دارالرشيد، دمشق بيروت
- خاقاني، محمد عمـان: عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي في الأدبين العربي والفارسي: اللجنـة الوطنيـة العمانية للتربية. 2007
- الدكتور زبير دراقي، وعبد اللطيف شريفي: محاضرات في موسيقى الشعر العربي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1998.
- الدكتور سيد البحراوي: العروض وإيقاع الشعر العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993.
- الدكتور علي يونس: نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام1993.
- الدكتور محمد بن حسن بن عثمان: المرشد الوافي في العروض والقوافي، دارالكتب العلمية بيروت
- الدكتور نايف معروف: الموجز الكافي في علم البلاغة والعروض، دار بيروت المحروسة للطباعة والنشر، ط، ث منقحة 2008.
- الربعي النحوي، أبو الحسن علي بن عيسى: كتاب العروض، حققه محمد أبو الفضل بدران، بيروت 2000
- الشافعي، جمال الدين عبد الرحيم: نهاية الراغب في شرح عروض ابن حاجب، دارالجيل، بيروت ط1 1989
- شوشتري، خليفة: الجامع في العروض العربي بين النظرية والتطبيق: تهران
- عبد الله عطية، الدكتور عبد الهادي: ملامح التجديد في موسيقي الشعر العربي، جامعة الإسكندرية، بستان المعرفة للطبع والنشر 2002
- علي، عبد الرضا: موسيقى الشعر العربي قديم وحديثه، دار الشرق للنشر والتوزيع، الأردن 1997.
- القـزويـني، الخطيب: كتاب الكافـي في العـروض والقوافي، حقـقه الحساني حسن عبد الله، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط، ث 1994.
- نويوات، موسى الأحمدي: المتوسط الكافي في علمي العروض والقوافي، بدون التاريخ. والطبعة
- آسی، محمد یعقوب: فاعلات اردو عروض کا نیا نظام، مکتبہ قرطاس پاکستان.
- پروفیسرعبد المجید ایم اے: جدید علم العروض، لالہ رام نارائن آلہ آباد، 1939
- ڈاکٹرمحمد اسلم ضیاء: علم عروض اور اردو شاعری، مقالہ پی ایچ ڈی زیر نگرانی عبادت بریلوی
- راز سرو، سرور عالم: آسان عروض اور شاعری کی بنیادی باتیں
- روحی، پروفیسر اصغر علی: العروض و القوافی، انوار الاسلام ضلع بھاول نگر 1941
- سروش، محمد اجمل: اردو غزل میں عروضی تجربات، روہی بکس فیصل آباد
- صدیقی، کمال احمد، آہنگ اور عروض، ترقی اردو بیورو دہلی
- عظیم آبادی، مرزا واجد حسین: چراغ سخن، مطبع گلشن امین آباد لکھنؤ 1915
- فاروقی، شمس الرحمن: عروض آہنگ اور بیان، قومی کونسل برائے فروغ اردو زبان دہلی
- فن شاعری: سید ظہور احمد، دہلی
- منشی عزیز الدین: استاد شاعری، لاہور بازار کشمیري.
……………….. ***** ……………….