المجتمع المصري كما يتجلى في رواية نجيب محفوظ “زقاق المدق”
بقلم: عبد المتين باحث في الدكتوراه، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة العالية، كولكاتا، الهند
imatinabdul@gmail.com
——————————–
ملخّص البحث:
يعد نجيب محفوظ من كبار الروائيين المصريين في القرن العشرين، وشهرته في العالم العربي قد بلغت ذروتها في الأربعينيّات حينما أظهر الناقد الأستاذ سيد قطب رأيه في أعماله الأدبية الباكورة . وقد أسهم بشكلٍ كبيرٍ في نشأة الرواية العربية وتطورها، وتميزت رواياته بتمثيلها للحياة الاجتماعية، والسياسية، والدينية لمصر في القرن العشرين، وقد تناولت رواياته معظم القضايا التي كان يعاني منها المجتمع المصري من قضايا المرأة، والمعتقلين السياسيين وما سواها. وإن رواية “زقاق المدق” قد تناولت تفاصيل الحياة في مرحلة الأربعينيّات وأيضا مدة الحرب العالمية الثانية، والأوضاع التي كانت داخل مصر، وفي الأحياء الشعبية بشكل عام، وفي زقاق المدق بشكل خاص، والذي يعد من الحارات الكائنة في منطقة الحسين بحي الأزهر الشريف بالقاهرة، وقد كان اهتمام نجيب محفوظ بتلك المنطقة كبيراً للغاية بهدف إظهار مدى واقعية الرواية من حيث اعتماده على جزء من القاهرة الفاطمية، لكي يزيد الأحداث الواقعية.
الكلمات المفتاحية: نجيب محفوظ، الرواية العربية، زقاق المدق، الانعكاس، الشؤون الاجتماعية.
نبذة عن حياته: ولد نجيب محفوظ يوم الإثنين 11 ديسمبر عام 1911م، في حي الحسين في منطقة الجمالية بمدينة القاهرة في أسرة متوسطة، وكان أصغر إخوته، وترعرع مثل جميع الأطفال في الحي، وكان له علاقة خاصة بوالديه ولا سيما بأمّه الحنون. ولما بلغ السابعة من عمره بدأت في مصر ثورة عظيمة ضد الحكومة البريطانية عام 1919م، التي تركت في نفسه أثراً عميقاً وقد ذُكِرَ في روايته “بين القصرين”. وانتقلت أسرته بعد هذه الثورة المهلكة من حي الحسين إلى حي العباسية، فنشأ كأنه وحيد أبويه؛ وذلك، لأن الفرق بينه وبين أقرب إخوته إليه سنا عشر سنوات، ومكث وحيداً مع أبويه بعد زواج إخوته الآخرين.
حياته التعليمية: التحق نجيب محفوظ أولا بكتّاب الشيخ البحيري بحي الجمالية لما بلغ الرابعة أو السادسة من عمره، فحفظ جزءاً من القرآن الكريم في ذلك الكتاب. ثم التحق بالمدرسة الإبتدائيّة الحسينية وتعلّم فيها علوماً ابتدائية. والتحق بمدرسة فؤاد الأول في المرحلة الثانوية بعد ما تخرج من المرحلة الإبتدائيّة وحصل فيها العلم، والجغرافية، والتاريخ، والحديث، واللغة العربية، والإنجليزية وحاز على شهادة الثانوية العليا في التاسع عشر من عمره عام 1930م. ثم التحق بقسم الفلسفة بكلية الآداب وتخرج بعد أربع سنوات من جامعة فؤاد الأول أي جامعة القاهرة الآن عام 1934م.
حياته العملية: عمل نجيب محفوظ مؤظفاً لمدة 37 سنة في مناصب حكومية شتّى بعد ما خرج من التلمذة في الجامعة، إذ بدأ حياته الوظيفية في منصب السكريتر بجامعة فؤاد الأول، وأقام في هذا المنصب ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى وزارة الأوقاف عام 1939م، وعمل فيها سكرتاريا برلمانيا حتى عام 1945م، ثم عاد مديرا لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة نفسها إلى عام 1956م، وعمل بعدها مديرا لمكتب وزير الإرشاد.
حياته الأدبية: بدأ نجيب محفوظ حياته الأدبية بدراسة الرواية البوليسية في أثناء دراسته الإبتدائيّة، والمقالات المختلفة في الصحف، والجرائد للقدامى والمحدثين حتى اكتسب خبرات وتجارب في هذه الموضوعات الأدبية وبخاصة في الرواية والقصص القصيرة. وقد بدأ الكتابة في منتصف الثلاثينيات وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة، ونشر روايته الأولى عام 1939م باسم “عبث الأقدار” التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية، وبدأ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي، وزقاق المدق. ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع بداية ونهاية، وثلاثة القاهرة، وجرب الواقعية النفسية في روايته السراب، ثم اتجه إلى الرمزية في رواية الشحاذ، وأولاد حارتنا. وقد عدّت أعمال نجيب محفوظ مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن عدّها تدوينا معاصرا لفهم الوجود الإنساني، ووضعيّة الإنسان في عالم يبدو وكأنّه هجر الله، كما أنها تعكس رؤية المثقفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة. وأن روايته الشهيرة أولاد حارتنا واحدة من أربع روايات تسببت في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب، كما أنها كانت السبب المباشر في التحريض على محاولة اغتياله. وبعدها لم يتخل تماما عن واقعية الرمزية، فنشر ملحمة الحرافيش كاملة في عام 1977م.
أهم أعمال نجيب محفوظ: قدم نجيب محفوظ عددا كبيرا من الروايات والأعمال الأدبية منذ بداية القرن العشرين، وحتى وقت قريب واستطاعت هذه الأعمال الأدبية أن تصور التاريخ الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي لمصر خلال القرن الماضي الذي يعد أهم القرون التي عاشتها مصر، وتركت بصمتها الواضحة على الشخصية المصرية. فمن أهم أعماله:
- رواية خان الخليلي
- رواية السكرية
- رواية الحرافيش
- رواية السراب
- رواية بين القصرين
- رواية بداية ونهاية
- رواية أولاد حارتنا
- رواية قصر الشوق
ميزاته في كتابة الرواية: أسهم نجيب محفوظ مساهمة كبيرة في نشأة الرواية العربية وتطورها ليس في مصر وحدها بل في العالم كله، وعالج الكتابة مبدعاً ومجدداً ما يزيد على ستين سنة ولا سيما إنه عبر بالرواية العربية من بدايتها الرومانسية التاريخية إلى الواقعية الاجتماعية، وقد بلغت الرواية العربية على يديه الذروة والقمة، فكان طيلة تاريخه مفكرا متأملا واسع القراءة والاطلاع ملتزماً بقضايا الوطن العرب، وهموم المجتمع الذي كان يعيش فيه منذ تسعين سنة، مالكا لأدواته الفنية وجريئاً في طرح رؤاه وفلسفته، وأن مصر قد عرفت مكانته في جميع مراحل إنتاجه وتوج في شيخوخته، فكان من أول الفائزين بجائزة الدولة التقديرية في بداية إنشائها، وعرف العالم أيضاً مكانته وقدره حق معرفته، وكان أول أديب عربي يفوز بجائزة نوبل العالمية في الآداب في عام 1988م.
التعريف برواية “زقاق المدق”: نُشِرَتْ هذه الرواية في عام 1947م، وهي أول رواية تترجم إلى اللغة الإنجليزية، وفيها أكد المؤلف أنّه مُصوَّر بارع للحياة المدنية التقليدية، يبدأ نجيب محفوظ روايته قائلا “تنطلق شواهد كثيرة بأن زقاق المدق كان من تحف العهود الغابرة، وأنه تألق يوما في تاريخ القاهرة المعزية كالكوكب الدرى” . وإن رواية “زقاق المدق” هي من أهم الروايات التي نشرت للروائي المشهور “نجيب محفوظ”، وهذه الرواية لاقت شهرة كبيرة في الأوساط الثقافية والعامة على حد سواء. ونالت شهرة عظيمة كعادة كل أعماله الأدبية، وأيضا تصدرت هذه الرواية قائمة الكتب الأكثر مبيعا زمان نشرها، كما أن شهرتها ما زالت مستمرة إلى الآن. إن أحداث الرواية تدور حول بيتين من بيوت زقاق المدق، البيت الأول هو ملك للسيد “رضوان الحسيني” وهو من الشخصيات الرئيسة في الرواية. وكان رضوان صاحب طلعة بهية وله لحية ويشع النور من جبينه. وقد تحدث المؤلف عن حياة رضوان والتي كانت مرتعاً للألم والخيبة واليأس. والبيت الثاني كان ملكاً للسيدة “سنية العفيفي” الحاجة سنية إمرأة يقارب عمرها الخمسين عاماً.
الشؤون الاجتماعية في رواية زقاق المدق: كتب نجيب محفوظ في موضوعات روائية كثيرة مثل: التاريخية، والشخصية، والنفسية والاجتماعية، والرومانسية، والدرامية ولكن مساهماته في الرواية الاجتماعية أكثر من غيرها، فمعظم رواياته قد كتبت في هذا الموضوع، ومن هذا الصنف روايته الشهيرة “زقاق المدق” فإنه كتب هذه الرواية في حي قديم من أزقة القاهرة، وصوّر فيها حياة أهل المدق السياسية، والدينية، والاقتصادية، وغيرها من الشؤون الإجتماعية.
صورة العائلات المصرية: فقد تجلت في روايته “زقاق المدق” أحوال الأسر المصرية المتوسطة التي تعيش وتسكن على جانبيها وتكسب من دكاكينها مثل: دكان العم كامل بائع البسبوسة كان على يمين المدخل، وصالون الحلو كان على يساره، فكان الحلو يكسب بالحلاقة ويعيش به، ويكسب العم كامل ببيع البسبوسة ويعيش به كما جاء في روايته، “بيد أن دكاكين عم كامل بائع البسبوسة على يمين المدخل وصالون الحلو على يساره” . وكان في زقاق المدق الوكالة الكبيرة المجاورة للسيد علوان للصالون وكان للسيد ثلاثة أولاد، هكذا كان في الزقاق أسر عدّة مثل أسرة المعلم كرشة صاحب القهوة، وكان له ولد اسمه حسين كرشة وابنة جميلة اسمها حميدة وهي بطلة الرواية، كذلك يعيش في الزقاق الشيخ درويش، وصانع العاهات زيطة، وجعدة الفران وزوجته حسينة الفرانة، وكانت تسكن فيها السيدة سنية عفيفي، هكذا تعيش فيها عدّة أسر كلّها من الأسر المصرية. لأن المدق كان من أزقة القاهرة القديمة وكانت أسرها قد تحفظ في بيوتهم الرسوم القديمة المتوالية من عهد آبائهم وأجدادهم.
يجتمع أهل المدق كل صباح ومساء في قهوة كرشة من العم كامل، عبار الحلو، السيد سليم علوان، السيد رضوان الحسيني، الشاعر وابنه وغيرهم، وكانوا يتحدثون جالسين في قهوة كرشة عن شؤونهم، هكذا صوّر الروائي نجيب محفوظ أحول الأسر المصرية، وهي من أعظم المواضيع في روايته.
الثقافة الاجتماعية: بين نجيب محفوظ في روايته جانباً من الثقافة الاجتماعية المصرية الفاسدة والرذيلة والسيئة مثل رغبة الشيخ الكبير من نكاح الشابة، وإرادة الشيخة من نكاح الشاب، كما كان في الزقاق صاحب الوكالة الكبيرة الشيخ سليم علوان، فكان كل وقت يسعى أن يدور خلف الشابة حميدة بنت المعلم كرشة الغريبة مع أن بينهما تفاوتا كبيرا في العمر، ومع ذلك كان السيد سليم سلوان يشتهي زواجها ويدور خلفها في الإياب والذهاب كل يوم في طريق المدارس كما نجد في الرواية: “عاد الزقاق رويدا رويدا إلى عالم الظلام: والتفت حميدة في ملائتها ومضت تستمع إلى دقات شبشبها على السلم في طريقها إلى الخارج وقطعت الزقاق في عنائه وفي مشيتها وهيئتها لأنها تعلم أن أعينا أربعا تتبعها متفحصة ثاقبة عيني السيد سليم علوان صاحب الوكالة وعيني عباس الحلو الحلاق” . وخاصة لما غاب عاشق حميدة عباس الحلو من الزقاق مشتركا في العسكر البريطاني أحس سليم علوان فرصة ذهبية لنكاح الحميدة، ولذا تقدّم لخطبتها رَضِيَتْ طَمْعاً للثروة التي ليست عند عاشقها عباس الحلو، ولكن أسرة السيد سليم علوان منعوه من الزواج ومع ذلك أنه لم يمنع نفسه حتى تعيّن ميعاد النكاح، ولكن نزل عليه المرض فنسئ الزواج ويئست حميدة عن الثروة. كما قال كاتبنا: “وعند ضحى الغد ذهبت أم حميدة إلى الوكالة سعيدة رخية البال لتقرأ الفاتحة مرة أخرى ولكنها لم تجد السيد سليم بمحله المعهود وسألت عنه، فقيل لها إنه تخلف عن الحضور اليوم فرجعت إلى البيت غير مرتاحة وقد تولاها الجزع، ولما أن انتصف ذاع نبأ في الزقاق بأن السيد سليم علوان أصيب ليلة أمس بذبحة صدرية وإنه في فراشه بين الحياة والموت! وقد عم الأسف الزقاق كله، أما بيت أم حميدة فقد سقط عليه النبأ كالصاعقة” . هكذا بيّن كاتبنا الثقافة الاجتماعية.
مناظر أزقة القاهرة القديمة: صوّر نجيب محفوظ في رواية زقاق المدق مناظر أزقة القاهرة القديمة من أحياء القاهرة، وأعظم أزقة القاهرية زقاق المدق. وقد بين فيها عن مقامات الأسر التي كانت تعيش في ذلك الحي من أسر التجار، والمعلمين، والعوام وغيرها وأيضا بين فيها مناظر أزقة الجمالية، والحسينية وغيرهما وكلّها من أزقة القاهرة القديمة. فصوّر فيها الحياة الاجتماعية المصرية القديمة فسرَد عن عاداتهم، وخِصالهم، ومعاملاتهم، ومعاشراتهم، وسلوكهم الداخلية والخارجية كما قال نجيب محفوظ فيها: “تنطق شواهد كثيرة بأن زقاق المدق كان تحف العهود الغابرة، وأنه تألق يوما في تاريخ القاهرة المعزية كالكوكب الدرى. أي قاهرة أعني؟ الفاطمية؟ المماليك؟ السلاطين؟ علم ذلك عند الله وعند علماء الأثر ولكنه على أية حال أثر وأثر نفيس، كيف لا؟ وطريقه المبلط بصفائح الحجارة ينحدر مباشرة إلى الصنادقية. تلك العاطفة التاريخية وقهوته المعروفة بقهوة كرشة تزدان جدرانها بتهاويل الأرابيسك هذا إلى قدم باد … ومع أن هذا الزقاق يكاد يعيش في شبه عزلة عما يحدق به من مساريب الدنيا إلا أنه على رغم ذلك يضج بحياته الخاصة، حياة تتصل في أعماقها بجذور الحياة الشاملة وتحتفظ إلى ذلك بقدر من أسرار العالم المنظوي” .
حالة الخدمة الطبية: وقد أشار نجيب محفوظ في رواية زقاق المدق إلى حالة الخدمة الطبية الرديئة في أزقة القاهرة القديمة. فكان فيها أطباء لا علم لهم ولا خبرة ولا تجارب ومهارة، فكانوا يعالجون الأمراض على حسب تجارب أنفسهم الطبية فلا تعلم في أي كلية ولا عند أي طبيب ماهر وحاذق كما كان في الزقاق طبيب الأسنان اسمه الدكتور بوشياه، وقد نجد في الرواية هكذا: “شكرا الله يا دكتور بوشي….،”
فسلم الدكتور عليه وجلس قريبا منه وكان الدكتور يرتدي جلبابا وطاقية وقبقابا! وهو دكتور أسنان، إلا أنه أخذ فنه من الحياة بغير حاجة إلى ممارسة الطب أو أية مدرسة أخرى، إنه اشتغل في جَدَاءِ حياته تَمَوّجِيّا لطبيب أسنان في حي الجمالية، ففقه فنه بحذقه وبرع فيه” .
الحالة السياسية: إلى جانب تصوير نجيب محفوظ للشؤون الاجتماعية في أزقة القاهرة القديمة أشار أيضاً إلى الثقافة السياسية الفاسدة بحيث لما يجيئ عهد الانتخاب يأخذ الناس صور الزعماء السياسيين مثل ما فعل عباس، إنه اشترى صورتين يوما للزعيم مصطفى النحاس وعلق إحداهما في الصالون وأهدى الأخرى إلى صاحبه العم كامل، فعلقها العم كامل في صدر محله، وابتاع صاحب دكان الطعمية بالصنادقية صورتين لسعد زغلول ومصطفى النحاس وعلقها في دكانه، واشترى المعلم كرشة صورة للخديوي عباس وعلقها في دكانه. هكذا كانت ثقافة أزقة القديمة بأن أهلها يعلقون صور الزعماء السياسيين في بيوتهم ودكاكينهم. ثم ذكر الأديب بأن الناس يصيحون بالإعلان العالي المرغوب زمن الإنتخابات، ويعلقون على الجدران أقوالا غريبة مزيدة كما كتب فتية الزقاق تحت صورة المرشح إبراهيم فرحات وعلقوها على الجدران كما جاء في الرواية:
“- انتخبوا نائبكم الحر إبراهيم فرحات
– على مبادى سعد الأصلية
– زهق عهد الظلم والعرى
– وجاء عهد العدل والكساء” .
الخادع والمظالم السياسية: ثم بين نجيب محفوظ صور الخادع والمظالم السياسية من قبل الحكومة البريطانية الاستعمارية، والاستبدادية في شخصية زيطة صانع العاهات، وفي شخصية العاشق الغادر والباطل الشرير وجيه آفندي، فكان صانع العاهات زيطة يخرج في الطريق في منتصف الليل ويظهر صناعته العجيبة ويدهش بها الناظرين جميعا، فكان الناس ينظرونه تارة صحاحا وتارة عميانا وكسحانا وأحدابا وفسعانا ومبتورى الأذرع أو الأرجل وكان الروائي نجيب محفوظ قد صوّر في هذه الشخصية حيل الإنجليز بأنهم يظهرون أمام الناس شيئا في الصورة الجيدة ويخفون تحتها صورا هائلة، هكذا الإنجليزيون يخدعون المصريين.
الخاتمة: وفي الاختتام يمكننا أن نقول إن الروائي نجيب محفوظ يعد من كبار الأدباء المصريين في القرن العشرين، وأن روايته زقاق المدق هي رواية اجتماعية واقعية تدور أحداثها حول الشؤون الاجتماعية من أحياء و أزقة القاهرة، وشخصياتها أيضا شخصيات حقيقية تمثل حياة أجيال كل الطبقات المصرية، وبهذه الشخصيات يحاول الكاتب أن يعكس صور المجتمع المصري. وزقاق المدق يحمل بين جوانبه نكهة الأحياء القديمة بما فيها من أرابيسك، وبما فيها من حياة اجتماعية مغرقة بالبساطة. لينتهي سريعاً كما انتهى مجده ببيتين متلاصقين عند باب يوصله بحي الصنادقية. من جانب آخر ينتهي الزقاق ليتصل بحوذية ثم إلى الحلمية. وتعد رواية زقاق المدق امتداداً لما قبلها من أعمال، فقد غاص برؤيته في تفاصيل الزقاق وسيكولوجية سكانه الذين يعانون كل ضغوط الفقر. وكأنَّ الزقاق نداء مخلص، ومرآة للمجتمع، ودعوة حارة مؤمنة، لدراسة، وقراءة، وفهم النفس المصرية في جميع أنحاء مصر، وممثل للبيئة بكل ما تحتوي من أزمات تسبب فيها الساسة وولاة الأمر.
قائمة المصادر والمراجع:
- مريم الشنقيطي، إمتزاج الشخصية في المكان في أدب نجيب محفوظ: زقاق المدق أنموذجا، جريدة الجزيرة، ع 14996، 19 أكتوبر 2013م، المملكة العربية السعودية.
- سليما الشطى، الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2004م.
- فاطمة موسى، نجيب محفوظ وتطور الرواية العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (مكتبة الأسرة) القاهرة، 1999م.
- د. نبيل فرج، نجيب محفوظ حياته وأعماله، الهئية المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص 63.
- على شلش، نجيب محفوظ، الطريق والصدى، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1993م.
- رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشرق، القاهرة،2011م.
- كمال سعد محمد خليفة، دينامية الفضاء الروائي دراسة تحليلية في رواية زقاق المدق، دار الكتب، بيروت، 2005م.
- سمير فريد، نجيب محفوظ والسينما، الشهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، مصر، 1990م.
- جويدة يحياوي، البنية الزمانية والمكانية في رواية زقاق المدق.
- مصطفى، معجم شخصيات نجيب محفوظ، دار الشرق، القاهرة، 1998م.
- سيد قطب، النقد الأدبي أصوله ومناهجه، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الشرعية السادسة 1990م.
……………….. ***** ……………….