مظاهر الأخلاق في رواية “أرض النفاق” لـيوسف السباعي

Vol. No. 1, Issue No. 4 - October-December 2021, ISSN: 2582-9254

0
2199

مظاهر الأخلاق في رواية أرض النفاق لـ يوسف السباعي

بقلم

د. تجمل حق
أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية، كلية مهيتوش نندي (التابعة لجامعة كلكتا)
هوغلي، بنغال الغربية، الهند

————————————

ملخص البحث:

رواية “أرض النفاق” رواية كتبها الروائي البارع والسياسي المحنك يوسف السباعي، تتحدث هذه الرواية عن الانحطاط الخلقي وانحلال القيم الرفيعة في حياة الإنسان الاجتماعية والسياسية والثقافية ومناحيها المختلفة في إطار نقدي ساخر. اتخذ الكاتب فيها أسلوبا روائيا مميزا يشهد على تفوقه العلمي وبراعته الفنية ونظرته الثاقبة، وحكى قصة خيالية ونقد بها المجتمع نقدا لاذعا عنيفا، وكشف ما فيه من وباء الأخلاق الدنيئة، وبين أن النفاق هو سيد المواقف في مجتمعنا، وقد عرض الكاتب قضية الأخلاق في الرواية بمقارنتها بالنفاق لتوضيح الفرق بين هذين الضدين،  ولو أنه تحدث عن المجتمع المصري بصفة خاصة ولكن يخيل إلينا عندما نقرأ روايته أنه تحدث عن المجتمع العالمي بأسره ومشهده السياسي والاجتماعي، لأن الإنسان مهما اختلف موطنه وعرقه يتشابه بعضه بعضا في كثير من السلوكيات والأخلاق، ولهذا يقول الروائي يوسف السباعي في روايته “إن الإنسان هو الإنسان، غشاش مخادع كذاب في كل أمة وفي كل جيل”[1]. هذه المقالة البحثية تلقي الضوء على مظاهر الأخلاق في هذه الرواية البديعة شكلا ومضمونا.

الكلمات المفتاحية: يوسف السباعي، أرض النفاق، الأخلاق، مصر، رواية سياسية، النفاق.

المدخل:

رواية أرض النفاق من أروع الروايات العربية التي تتميز بمحتواها وجودة ثيمتها وبراعة سردها وساردها، كتبها الكاتب الكبير والقاص الشهير والروائي العبقري والمسرحي العظيم يوسف السباعي و نشرها عام ١٩٤٩م، ترجمت هذه الرواية إلى العديد من اللغات، وحولت إلى فيلم يحمل اسم الرواية نفسها عام ١٩٦٨م. تقع هذه الرواية في ٢٨٧ صفحة، وتعددت طباعتها من مطابع متنوعة، ونالت شهرة كبيرة، وأثرت في المجتمع المصري تأثيرا بالغا حتى قال النقاد إن هذه رواية مبشرة بنهاية العهد الملكي في مصر حيث أن صدورها سبق ثورة يوليو بثلاث سنوات فقط، وقد تناول النقاد والكتاب والباحثون هذه الرواية نقدا وتحليلا من زوايا متعددة ومنظورات مختلفة. تقول الكاتبة الكويتية باسمة العنزي عن هذه الرواية: “أرض النفاق” رواية قديمة جديدة تستحق القراءة، لما تبقي من متعة وما تبعث من تساؤلات، وما تلقي من أمنيات أبرزها أن ينتشر تجار الأخلاق بيننا، ويقل منسوب النفاق من حولنا”[2]. وقالت أيضا: “كيف لرواية كتبها أديب مصري قبل أكثر من نصف قرن أن تبدو لقارئها العربي، وكأنها تعبر عن الوقت الراهن بكافة تفاصيله السياسية والاجتماعية والنفسية؟”[3]. فهيأ بنا نطلع على الفكرة الرئيسية لهذه الرواية الممتعة.

الفكرة الرئيسية في الرواية:

هذه الرواية تتكون من شخصيتين رئيسيتين وهما الراوي وتاجر الأخلاق، والقصة هي أن الراوي يمر ذات يوم بطريق بعيدة من ضوضاء المدينة، فيشاهد لافتة غريبة مكتوبة عليها، “تاجر أخلاق بالجملة والقطاعي، والمحل له فروع في جميع أنحاء العالم”[4]. فيندهش لما يقرأ ويشك في سلامة نظره فيعود القراءة مرة أخرى، ويجد أنه بالفعل حانوت لتاجر أخلاق فيتحمس لزيارته ويسأل صاحب الدكان عن بضاعته فيشرح له أنه يبيع الأخلاق، وهذه الأكياس موضوعة فيها مساحيق لأنواع منوعة من الأخلاق من الصدق والصبر والإخلاص والصراحة والعفة والكرم وما إلى ذلك من الأخلاق المحمودة، فطلب الراوي منه أن يزن له رطلا من الشجاعة،  فقال نحن لا نبيع هكذا، إن مقياس البيع هنا بالزمن، فيمكنك أن تأخذ مقدار شجاعة يوم أو عشرة أيام مثلا، ولا نقبض ثمنا هنا، الحساب سيكون يوم الحساب، فابتاع جرعة الشجاعة لعشرة أيام، وعرف كيفية تناولها فوصف له تاجر الأخلاق : “قم بإذابة مسحوق الشجاعة في كوب من الماء القراح وتقلبها جيدا ثم تجرعها مرة واحدة”[5].

اندهش الراوي لما سمع وشاهد، وبدأت تقلقه أسئلة عديدة، هل الأخلاق بضاعة يمكن الاتجار فيها؟ أ تاجر الأخلاق نصاب ومحتال ابتكر طريقة جديدة للدجل أم بعقله لوثة وجنون؟ ولذا سأله سؤالا منطقيا، لماذا لا تأخذ جرعة من الأخلاق وتكون فى مصاف عظماء القوم؟ فقال له هل تظن أن الأخلاق المحمودة تدفع بالإنسان إلى مصاف العظماء والزعماء؟ لا يجب أن تتوافر المزايا والأخلاق في رجل لكونه زعيما وقائدا في هذا العصر، ولوكان الأمر كذلك لما تكدست هذه البضائع على الرفوف، والحقيقة أن الإنسان لا يحتاج الأخلاق المحمودة في هذا الزمن، وقد أصبحت عتيقة بالية لا تلائم نفوس هذه الأجيال، ولا تصلح لزعمائهم، ولو حاول أحد الخوض في معركة الحياة متسلحا بالأخلاق الكريمة فيتهمه الناس بالجنون. وسأل الراوي صاحب الدكان لماذا لا تجرب بيع بضائع أخرى من مثل النفاق والمكر والجبن والرياء والخسة، فأجاب قائلا: “إن لذلك قصة قديمة، فقد كان حانوت الأخلاق عندما أنشئ لأول مرة يكتظ بكل أنواع البضائع، فأقبل الناس يتزاحمون وكلهم كانوا يطلبون النوع الآخر، أي الجبن والنفاق والمكر والرياء والخسة، واشتد تزاحمهم في الحانوت، وكان النفاق أكثر البضائع رواجا، كلهم كانوا يطلبون النفاق، واشتد الزحام حتى قتل من الناس خلق كثير، وأخيرا أصدر الحاكم أمر إغلاق الحانوت وبالاستيلاء على كل ما به من نفاق، وأضحى النفاق بذلك بضاعة حكومية، ووضعت الحكومة لتوزيعه بالبطاقات ولكن المحسوبية تدخلت في الأمر، ففاز الموالين للحكومة ومحاسيبها بنصيب الأسد وحرم سائر أفراد الشعب، وشاءت الحكومة أن تعمم فائدته، وبعد التأني والتفكير، توصلت إلى حل معقول وهو إلقاء كمية من النفاق في النهر وتلويث المياه بها، وبذلك يستطيع كل إنسان أن يجد نصيبه من النفاق، حتى سرى في كل ما يأكل الناس ويشربون ويزرعون، فأضحوا قوم النفاق وأضحت أراضيهم أرض النفاق[6].

وبعد أن سمع الراوي هذه القصة، تردد في تناول جرعة الشجاعة، ولكنه رضي نهائيا أن يشربها على سبيل التجربة، واعتقد أنها أمر أيام معدودات، فذهب إلى بيته وشرب المسحوق، وبعد قليل بدأت تتغير حاله وبدت عليه ملامح لم تكن من قبل، فبدأ ينتصر للضعيف ويعلو صوته على كل ظلم وينتقد على كل ما يخالف قانونا، ولا يخاف أحدا مهما كبر أو علت منزلته بين الناس، ونقد مديره والوزير فتم فصله عن الوظيفة الحكومية، وخاصم شرطيا لظلمه على امرأة، وتعارك مع الناس لأخلاقهم السيئة وسوء المعاملة،  وجراء ذلك، جرح وتهشم وصار خائر القوى، فذهب إلى تاجر الأخلاق وطلب منه  مسحوقا آخر ما عدا الشجاعة، لأنه لم يعد يتحمل مفعولها وتبعاتها وويلاتها ليوم واحد، فكيف يمكن تحملها حتى الأيام التسعة الباقية؟ فأعطاه مسحوق المروءة، وشربه، فأخذ يعطف على الناس ويرثي لحالهم، وبدأ يتبرع ويساعد المحتاجين والمنكوبين والمضطهدين، وأعطاهم كل نقوده حتى الملابس، وبسبب المروءة المفرطة، لم يستطع التفريق بين من يستحق معونته وبين من يحتال عليه،  فقلبه كان يرق للمحتالين أيضا، فأصبح مخدوعا في كل مكان، ورجع إلى بيته صفر اليدين مساء، فظن أهل بيته من تغير حاله أنه جن جنونه، فحاولوا حبسه داخل البيت وإدخاله في مستشفى المجاذيب ولكنه فر من البيت فرارا، ولجأ إلى تاجر الأخلاق قائلا له: لا يمكن أن أعيش وسط الجبناء والمحتالين والمنافقين متحليا بصفتي الشجاعة والمروءة، وطلب منه أن يسمح له انقضاء الأيام الباقية عنده، فرضي، وفي الليل، شاهد الروائي كيسا للأخلاق في زاوية الدكان فسأله عنه، فرد أن هذا كيس أخلاق من النوع المركز، لو شربه الناس لذهب عنهم الرياء والنفاق، فتفكر في نفسه أن المشكلة هي أن يكون الإنسان الواحد متخلقا بالخلق الحسن ومحاطا بمجتمع فاقد للأخلاق، ولذا قرر أنه سيسرق هذا الكيس ويلقيه في النهر الذى يشرب منه الناس، فيكون الجميع يتساوون في الأخلاق، ونجح في تنفيذ هذه الخطة، ومنعه من ذلك تاجر الأخلاق، لأن هذا سيجر البلاء إليه، ولكنه لم يسمع قوله، وقد تغيرت حال الناس بعد شرب ماء الأخلاق وذهب عنهم الرياء والنفاق وحل محلهما الصدق والإخلاص في كل عمل، وبالتالي بدأت تنكشف سوءات الناس وأولياء الأمور بصفة خاصة، فحدثت الاضطرابات وهاج الشعب هياجا لما شاهد الأشياء بجوهرها والأشخاص بدون قناع، فخافت الحكومة وخشيت من انتشار وباء الأخلاق الذي ينتهي بإطاحة سلطتها وزوال سلطانها، ونصحت الناس ورجال الحكومة خاصة أن يشربوا الماء المعلب المستورد من خارج البلاد، وأصدرت أمر حبس تاجر الأخلاق والراوي، وقبضا، وحكم عليهما بالإعدام، وبعد المرافعة التي تقدم بها الراوي،  تحول الحكم من الإعدام إلى الحياة، والقضاة اعتبروا أن أقسى عقاب لهما هو إبقاؤهما حيا حتى يذوقا مرارة الأخلاق ومصائبها وبلاياها، وبعد إطلاق سراحهما، حملتها الجماهير على أكتافهم، وخرجوا بهما في مظاهرات صاخبة، وهتفوا بهذه الهتافات: يحيى عدو النفاق!! يسقط النفاق والمنافقون، لا نفاق بعد اليوم، نريد ماء الأخلاق، ليسقط أعداء النفاق. وبدأ الناس يخلطون ماء الأخلاق في مياه غير ملوثة واحتفظت الحكومة بها للوقاية من وباء الأخلاق.

وهكذا سرت الأخلاق بين الناس، وعم الرخاء والسعادة في البلاد، وبدأ الناس يعيشون عيشة ماتعة رغيدة، وزاد طلب مسحوق الأخلاق حتى كاد أن ينتهي، فقال تاجر الأخلاق للناس، سأعوضكم عن المسحوق ببضع كلمات يكون لها المفعول الأكبر من المسحوق، تتبعوا هذا المبدأ في حياتك: “عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، ضع نفسك دائما مكان سواك[7]“، لا تنسوا هذا المبدأ، لا تحفظوه عن ظهر قلب فقط، بل اعملوا به.

هذا هو ملخص الرواية، وتجلى لنا من ذلك أن الكاتب يوسف السباعي تناول أعقد القضايا قضية الأخلاق، وهى من أكبر المشكلات الاجتماعية لا في المجتمع العربي فحسب بل في المجتمع العالمي، ومشكلة النفاق تتصدر قائمة الأخلاق الدنيئة، ولذا اعتبرها الكاتب ظاهرة خطيرة ضاربة في نفسية وعقلية الإنسان، وعزا إليها أسباب ضياع الأخلاق وتدهور القيم في المجتمعات العالمية، والرواية تشتمل على سبعة عشر فصلا، وكل فصل تناول قضية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالنفاق ودواعيه أو توابعه، وحقا، أن النفاق له حضور طاغ  في مجتمعنا، وقد تغلغل في النفوس وأفسدها، وهو السم القاتل الذي لا يهلك الإنسان عاجلا ولكنه ينهكه من الداخل وينخر جسده فإذا هو يصير عظاما نخرة عاجلا أم آجلا، ونظرا إلى مفاسده وعواقبه الوخيمة، شدد الإسلام على عقاب المنافقين، فقال في محكم تنزيله “إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار”(النساء، الآية 145.)

مظاهر الأخلاق في الرواية:

أثارت رواية “أرض النفاق” قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية متعددة، وصرفت أذهاننا بذلك إلى قيمة الأخلاق، إنها وضعت اليد لا على الجرح العربي فقط بل على جرح الإنسان وضربت على الوتر الحساس، وشنت غارة على المختفين بغطاء النفاق، وأكدت على أنه لا بد من إزالة النفاق وتبديده لكي تنعم البشرية ولا ترزح تحت وطأته، فقال يوسف السباعي في روايته ” لولا النفاق ما سلب من صاحب حق حقه, وما طرد شعب من أرضه ليحل  الغريب في أرضه، لولا النفاق ما اعترف بالضيف ربا للبيت, وبرب البيت دخيلا متجهما، لولا النفاق ما اتهم أصحاب القنبلة الذرية العرب المسالمين بأنهم خطر على الأمن وسلامته، هذه يا سادة هي سخرية النفاق والمنافقين.. ويا لها من سخرية رائعة!!

يا حضرات القضاة، هذا هو بعض ما فعل النفاق بالعالم، أما ما فعل بأمتنا فهو جم وفير.

أمة من عشرين مليونا، يعيش أرباعهم على هامش الحياة ليس بهم من الآدميين شبه و لا صلة.

أمة يعيش ثلاثة أرباعها، عيش البهائم.. حفاة عراة، لا يكادون يأخذون من الحياة إلا ما يبقيهم على قيد الحياة.

أمة ثلاثة أرباعها عبيد، لا يملكون من أمرهم شيئا، ومع ذلك فهي أمة ديمقراطية، بها برلمان والسلطة فيها هي سلطة الشعب: يا للنفاق!! يا للرياء!!”[8]،

وكتب في ذم النفاق كثيرا، وأتحاشى عن نقله خشية الإطالة، وتحدث الكاتب في روايته عن السياسة كثيرا لكونه سياسيا محنكا، ولأن السياسة أهم ما تؤثر في حياة الإنسان في مختلف الأصعدة، فشدد على تنقيتها من النفاق والمكر والخدعة والخسة والغش وكل ما ينافي الأخلاق الفاضلة، ويرى لو تنزهت السياسة من هذه الرذائل لصلح حال الشعب وعمت السعادة والرخاء في الدولة، وفى هذا السياق، نقد على كثير من الممارسات السياسية الدنيئة، ومنها البطء المميت في الأعمال الحكومية فقال :”الآلة الحكومية تسير كالسلحفاة تتسكع وتتهادى وتغفو وترقد”[9]

وصور الروائي البارع يوسف السباعي في أسلوب بديع حال الملفات التي تتعلق بمصالح الشعب في الدوائر الحكومية، وكيف تكون ملقاة في الرفوف والدرج؟ وتخيم عليها العناكب وتعلوها الأتربة وتدور في أروقة الوزارات وتنتقل من طاولة إلى طاولة، وحجمها يزيد يوما فيوما يثقل كاهل العاملين في الوزارة، والشعب يئن والوضع يصيح وينتظر الإصلاح ويطول الانتظار فيموت صاحب الملف الذي تقدم به لنيل حقه ووضع البلد يتحول من سوء إلى أسوأ.

لم ينتقد الروائي يوسف السباعي على الدوائر الحكومية فقط بل نقد أيضا على الشعب لبعض السلوكيات المذمومة، ومنه ما قال في ذم القذارة. “هذه المرأة.. لا شك فقيرة، ولكن ما دخل فقرها، في هذا التفنن في القذارة!؟ ماذا يكلفها أن تغتسل وتغسل طفليها!؟ ماذا يكلفها أن تبعد نفسها عن كوم القذارة!؟ ماذا يكلفها لو غطت حلواها (إذا كان لا بد لها من بيع الحلوى) بقطعة قماش نظيفة!؟ ماذا يكلفها لو أمسكت في يدها منشفة رخيصة من القماش تذب بها الذباب عن وجهها وعن طفليها!؟ لن يكلفها كل ذلك إلا أمرا واحدا.. وهو إتلاف تابلوه القذارة الذي تفننت في عمله بالاشتراك مع زرافات الذباب واكوام القمامة.”[10]. وقال أيضا “إن هؤلاء البشر كلاب مسعورة، وأفاع رقط.. فإذا دفعتك مروءتك إلى أن تعطيهم إحسانا فاقذف به إليهم ثم اجر من أمامهم.. أعطهم الفضل وفر منهم.. لا تنتظر حتى مجرد الشكر.. انج بنفسك.. واذكر المثل.. اتق شر من أحسنت إليه”[11]..

وكذلك تحدث الكاتب عن مجتمع الشحاذين واحتيالهم وكيف يغشون السذج والبسطاء وكيف يعيشون في مثل الجحور في أكداس من القمامة والعفونة؟ قد أكد الروائي الفاضل في روايته أن الحكومة تعرف مشكلتهم وتعلم كل العلم عن الأحياء الفقيرة وأوضاعها المرزئة، وبإمكانها إنهاء هذه المشاكل ولكنها تماطل وتتظاهر أنها لا تعرف عن هذه المشاكل، وكثيرا ما تعالج الحكومة المشاكل وشؤون الشعب باللجان والاجتماعات، وتحسب أنها أدت مهمتها، ولكن نتائج هذه اللجان والاجتماعات لا تظهر إلا بعد فوات الأوان.

 تحدث الكاتب أيضا عن الصحافة الصفراء المأجورة لكونها من الأركان الرئيسية للحكومة، فقال. “…. المقالات البراقة الزائفة التي فعل بها المكياج ما فعل، والتي تخرج كلماتها من بين أنامل الكتاب.. الأنامل المأجورة.. لا من بين الضلوع أو من أعماق القلوب..

كل ما ترونه أمامكم ليس إلا مقالات بالثمن.. إما لسد خانة أو ملء فراغ أو لحاجة في نفس يعقوب…

أيها القراء المخدوعون.. إن هدف الصحيفة الأول، أية صحيفة، ليس الوطنية ولا الثقافة ولا خدمة الشعب ولا حرّية الرأي…… ولا شيء أبدا من كل هذه الخزعبلات، إن هدف الصحيفة الأول هو بيع الصحيفة هو المكسب، هو أكل العيش”[12]

ويمكننا القول إن الكاتب القدير يوسف السباعي صور تدهور الأخلاق في المجتمع المصري والعربي خاصة والمجتمع العالمي عامة بكل دقة وأمانة، وأطنب في ذكر تفاصيل الحدث لإيضاح الموقف والمعاني. وقال في نهاية هذه الرواية:

“هذه قصة النفاق والمنافقين وأرض النفاق، قصة قد يكون فيها بعض الشطط وبعض الخيال، ولقد كنت أنوي أن أختمها كما يختم كتاب القصة عادة قصصهم الخيالية على أنها حلم، وعلى أنى فتحت عيني فوجدت نفسي راقدا على الأريكة في الدار ولكن يخيل إلى أن ما بها من حقائق قد طغى على ما بها من خيال. يا أهل النفاق!! تلك هي أرضكم.. وذلك هو غرسكم … ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض ما بها.. فإن رأيتموه قبيحا مشوها، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم … لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة. أيها المنافقون!! هذه قصتكم، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر. “[13]

الخاتمة:

اتضح لنا مما سبق أن الرواية “أرض النفاق” رواية اجتماعية واقعية تكشف سوءات مجتمعنا، وهي تحوي قضايا أخلاقية تهم الحكومة والشعب على السواء، ومع أن الرواية كتبت في منتصف القرن العشرين ولكنها متناغمة مع واقعنا في القرن الحادي والعشرين، ولغة الرواية ممتازة وراقية كما يظهر من الاقتباسات المنقولة، وهي زاخرة بالأمثال والحكم لم أنقلها هنا خشية الإطناب والإطالة، وأهم شيء ما يميز الرواية هو أن كاتبها عاش الواقع الذي سجله في روايته، ولذا أحسن وصف الأحداث وتصوير الواقع في قصة بديعة سردها خيالي ومدلولها مرآة صافية للحياة والمجتمع الإنساني.

[1] . السباعي، يوسف: أرض النفاق، مصر: دار مصر للطباعة، ص: 65

[2] . العنزي، باسمة: لغة الأشياء/تاجر الأخلاق، جريدة الراي، نشر المقال في 28 يونيو 2010م، الرابط:

www.alraimedia.com/ampArticle/192811

[3] . المرجع السابق

[4] . السباعي، يوسف: أرض النفاق، ص: 9

[5] . المصدر السابق، ص: 18 (بتصرف)

[6] . المصدر  السابق، ص: 24 (بتصرف)

[7] . المصدر  السابق، ص: 285

[8] . المصدر السابق، ص: 279

[9] . المصدر السابق، ص: 78

[10] . المصدر السابق، ص:114، 115

[11] . المصدر السابق، ص: 172

[12] .  المصدر السابق، ص: 257

[13] . المصدر السابق، ص: 286

المصادر والمراجع:

  1. السباعي، يوسف، أرض النفاق، دار مصر للطباعة، سعيد جودة السحار وشركاءه، القاهرة، مصر
  2. . العنزي، باسمة: لغة الأشياء/تاجر الأخلاق، جريدة الراي، نشر المقال في 28 يونيو 2010م، الرابط:

www.alraimedia.com/ampArticle/192811

  1. عيسى، عماد الدين: يوسف السباعي- فلسفة قلم وحياة، هيئة الكتاب، القاهرة.
  2. ويكيبديا العربية، كلمات البحث “أرض النفاق و “يوسف السباعى”

……………….. *****……………….

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here