الكاتبة وفاء عبدالرزاق وتأرجح صور الصراع بين السريال والواقع..!! مجموعة (المتحولون) أنموذجا

Vol. No. 2, Issue No.4 - October-December 2022, ISSN: 2582-9254

0
77

الكاتبة وفاء عبدالرزاق وتأرجح صور الصراع بين السريال والواقع..!! مجموعة (المتحولون) أنموذجا

  وجدان عبد العزيز

شاعر وكاتب من العراق

—————————

قرأت مجموعة (المتحولون) للكاتبة وفاء عبدالرزاق، فكانت من أول مقطع قصصي فيها عكست صراعا من أجل إثبات الشخصية، وظل هذا الصراع يتصاعد عبر المقاطع، وبسرد الراوي العليم بالشخصية وتحولاتها، رغم أن هناك غرائبية في الأحداث، كون الشخصية امرأة تعيش الوحدة والغربة، وهذه الوحدة الشديدة الوطأة على نفسها، جعلت من أفكارها غرائبية، تحاصرها وتتحول إلى أشكال وصور تارة تكون مع الواقع، وأخرى صور من الغرابة تفارق الواقع بعيدا، وجاء سردها القصصي ليخبرنا عن قدرة ناجحة في الإدارة واحتواء الأحداث، فالسرد علم صاغ مصطلحه تودوروف في كتابه (قواعد الديكاميرون)1969 وعرفه بعلم القصة، بعد ذلك تطور هذا العلم على يد النقاد الآخرين امثال رولان بارت وجيرار جينيت وقريماس وجوليا كريستيفا وغيرهم، فأصبحت له عناصر، كالزمان والمكان والحدث والحوار والسرد وغير ذلك، هي ما نقصده بقولنا عناصر قصصية أو سردية، وتعددت وظائف السرد القصصي، كما يلي الوظيفة السردية ومعناها رواية الأحداث، وتقديم الشخصيات، ووصف الأمكنة، وكذا الوظيفة التفسيرية وتعني توضيح ما يحدث للشخصيات وتسليط الضوء عليها، والوظيفة الأخرى تسمى تواصلية وتعني التوجه إلى القارئ بالخطاب لأحداث نوع من التواصل، والوظيفة الأخيرة تسمى التقييمية وتعني التعليق من قبل السارد على الأحداث من وجهة نظره أو موقفه الفكري أو الأخلاقي، وللسرد عدة رؤى منها : تسمى “الرؤية من خلف” وتعني معرفة السارد كل شيء عن شخصيات قصته، حتى أعماقها النفسية، و”الرؤية مع” وتعني تساوي السارد مع الشخصيات في المعرفة، أي لا يقدم السارد اي تفسير للأحداث قبل أن تصل الشخصية ذاتها إليه، والرؤية من خارج ويكون السارد في هذه الرؤية أقل إدراكا ومعرفة من أي شخصية في القصة، وهو بذلك لا يمكنه إلا أن يصف ما يرى ويسمح، دون أن يتجاوز ذلك كما هو أبعد، كالحديث عن وعي الشخصيات وأفكارها مثلا، أو التعليق على الأحداث فهو سارد محايد. وبما أن مجموعة (المتحولون) ليست قصص مستقلة، إنما جاءت مقاطع سردية تحت عنوان واحد، تعددت فيها الوظائف السردية وكذلك الرؤى، ولاسيما “الرؤية من خلف”، و”الرؤية مع” المتلائمتان مع مجموعة (المتحولون)، حيث الشخصية تعاني الوحدة،  فالوحدة هي شعور بالعزلة، وقد يكون هذا الشعور، بسبب نقص العلاقات الحميمة، فتتراكم الهموم وتتحول إلى صراعات نفسية، تتولد منها أفكار تمتاز بالغرابة والجنون، وقد تلتقي مع جوهر قول “لامرتين” : (إن افكاري تفكر لي)، أي يبقى الإنسان ولاسيما ذلك الذي يملك قدرة الابتكار والإبداع، الاستغراق في التفكير في صور غرائبية، وكما في شخصية مجموعة الكاتبة وفاء عبدالرزاق وتحولاتها من حالة إلى أخرى مدعاة للتفكير فيها، ثم التفكير في هذه الحالات وإفرازاتها، ولماذا تكون؟ ولماذا الكاتبة خلقت هذه الأجواء؟ ولماذا تركت الأسئلة تتوالد والإجابات عنها محيرة؟ هل هي قصدية من الكاتبة أم هي راحت تتكور نتيجة ضغوطات الحياة؟

 وهكذا لا نجد جوابا ملائما مفصلا يلائم الإطارات الغريبة التي خلقتها الكاتبة .. يقول أفلاطون في محاورة “إيون” : (ان شعراء الملاحم الممتازين جميعا لا ينطقون بكل شعرهم الرائع عن فن، ولكن عن إلهام ووحي إلهي، وكذلك الأمر في حالة الشعراء الغنائيين الممتازين، وكما أن كهنة الآلهة كوبيلا لا يرقصون إلا إذا فقدو صوابهم، فكذلك الشعراء الغنائيون لا ينظمون أشعارهم الجميلة وهم منتبهون … ومادام الإنسان يحتفظ بعقله، فانه لا يستطيع أن ينظم الشعر أو يتنبأ بالغيب ….)2، وحينما نخضع نص قول افلاطون للتحليل، نخرج بنتائج قد لا تختلف كثيرا عن الرؤية الحديثة للإبداع الأدبي في عصرنا هذا، فالنتاج الأدبي لا يكون قصدي كاملة، إنما هناك إلهام من قدرة خفية تحركه، ولا تتحرك هذه القدرة، أو القوة إلا في حالة التأمل والاختلاء بالنفس … إذن الأدب  ليس عملاً ذاتياً محضاً، ولا يمكن، من ثم، وضعه خارج الواقع والتاريخ.. وكونه إنتاجاً شخصياً بالدرجة الأولى لا ينأى به عن اشتراطات الواقع والتاريخ والمؤتمرات الاجتماعية والإنسانية… والواقعية عموماً. هذا إذا لم ننس أن منتج النص الأدبي نفسه يتأثر بما يكوّن شخصيته من عوامل ومحددات واشتراطات: فيزيولوجية واجتماعية واقتصادية ونفسية وأخلاقية وسياسية وأيديولوجية…. أي إن المبدع محكوم بمؤثرات قادمة من خارجه، وعى ذلك أو لم يع.‏ هذا الأمر حدث في مجموعة (المتحولون)، وأخذ ابعادا غرائبية سريالية في اكثر الأحيان..

تقول الكاتبة في المقطع 1 : (في خضم استغرابها ورتابة العزف، تجسدت ربابة في المرآة، شيئا فشيئا تحولت إلى آلة عود،  تحولت إلى كيتار، ثم تلاشت الأشكال، والصوت، والأصابع، لكن بقي إصبع واحد مشيرا إلى إصبعها الموجه إلى ذات الأصبع في المرآة.).. إذن كان حديثا مرآتيا وتحولات خارج الواقع، واستمرت رؤى الشخصية تتحول من مقطع إلى آخر، وكأن الكاتبة تؤسس لخلق حالة لافتة في رفض الواقع وضغوطاته، واجتراح بدائل له، لكن تلك البدائل قفزت على الواقع، وراحت تعشش في عوالم سريالية، كما في قولها : (عشقت،، استعذبت العشق، استشرى مرض في اللوحة، ودار هو الآخر حول اللون الأحمر. فكسى محيط الدائرة بعض الصفرة الخفيفة، من جانب، بينما باقي المحيط استفحلت عليه صفرة داكنة)، فهنا عكست صراع الألوان من على لوحتها، دلالة على قدرة في السيطرة على اللوحة التي أمامها، بعيدا عن صراعات العالم المضطرمة، ومثالا آخرا قولها: (في الصباح، كان الزمن ذاته، بشكله المعهود، لم يتغير، لم يتحول، ما تحول هو اللون.. في البر، في البحر، في الأبنية العالية والدور البسيطة والقصور. بخطى متثاقلة اقتربت من السرير..)، وفي رؤيتها أن الزمن ذاته ومسار الدهر هو نفسه، المشكلة تكمن في ألوان الصراع، والدليل في نهاية المقطع، الذي يقول: (بخطى متثاقلة اقتربت من السرير..)، أي أنها ترسم مواقف الحياة وصراعاتها من وحي وحدتها وعزلتها.. وفي مقطع آخر، وهي خارج غرفتها تقول: (صمتَت أصوات الزهور والأشجار، أين عناقيد الورد الدامع؟ أين زهرة الكاميليا، زهور الكاردينيا… مدت يدها لتلمس الأرض، تحسست بقايا النساء المعطرات، مجرد قش، تحول إلى رماد.).

 ومن هنا بدأت ترسم مسار توالد الأسئلة، تلك التي تتوالد في عوالم تخلقها الشخصية، ثم تبدأ تتساءل حولها؟؟ جعلت هذه الأسئلة المتلقي في حيرة من أمرها، فهي تبدو بأحداثها سريالية خارج منظومة الواقع، إلا إنها تحمل صور محاكاة لأوجاع ذلك الواقع المؤلم ومن طرف خفي … لذا بدت الشخصية (ضجرة، التكرار ذاته، سطوة جسدها المنهك على الوسائد والسرير، حقيبتها المرمية على الأريكة، كتبها الثقيلة الوزن ملت هي الأخرى من تصفح أصابعها وتحديد بعض الملاحظات بالقلم العريض)، وكأني بالكاتبة ترسم مسار مختبر شخصيتها في غرفة، لاشك هي مكان ضيق، لكنه يتحمل صراعات الكون كله، فهي (كانت يوما تستشف الوجع اليومي وتخلق منه إرادة وتحدٍ، يمرون، يمرون، يمرون, عابرون يمرون، لا أحد كما  الله ساعة المغفرة. الناس في المدينة لا ظل لهم وقت تحوَل الشمس إلى حقيقة، ظلالهم تتحرك في الليل، وكلما أولعت الحياة نورها ليلا، كلما اختفى الجميع.)، لماذا أبقت الكاتبة وفاء عبد الرزاق بطلة القصة، تعيش تلك الوحدة القاتلة، ومن خلال هذه الوحدة ترسم لوحات صراعات العالم بطريقة سريالية، مبتعدة قدر الإمكان عن الواقع؟؟ بحيث جعلتها (امرأة مرمية أحشاؤها بين المدن أن تتقبل هذا الوضع المرهون بزنزانة الحياة الوحشية!! ها هي الحياة بوحشيتها جمعت كل مدنها وأخفتها في قفل بلا مفتاح، مجرد قفل لامرأة.)، الحقيقة هذا المعطى المهم، يعكس قدرة الكاتبة في خلق صوت معارض لصراعات الكون الغير مجدية، خالقة تساؤلات.. (السَّعادة طائر، يغني للزهور، في الفضاء، قلوب ترفرف، لا تخاف النسمة، ولا النسمة تخشى أن تفضح زهوها المعطّر. كي نكون تلك النسمة، لابد ألاَّ نخاف من أنفسنا ومن الآخرين، لأننا بكل بساطة، نسائم عطرة.)، وفاء عبد الرزاق تحاول محاولات في حرف مسار الصراع السلبي إلى صراع إيجابي، ثم تستمر في صور مقلوبة، (ركنت إلى زهرة النرجس في حديقة الدار، فاهتزت النسمة طربا لحضورها، واهتز ذيل كلبها مؤيدا نسمات راقصة. كم شعرت بدفء الدثار الأزرق، حين لسعتها برودة خفيفة مرت على جسدها بعد تحرشها بالستارة المشجَّرة. كانت الستارة كأنثى مرت عليها أصابع عاشق، فغمرتها غزلا واهتزازا. تنهدت لحظتها الراهنة، وغفت على ساعدها مثل طفل، بينما الكلب اتخذ جانب الفراش الأيمن، ليشم رائحة قلبها النابض، وغفا هو الآخر.)، أي أنها هربت من عالمها الإنسي إلى عالم الحيوان وتآلفت معه وتآلف معها.

 وكل هذا يعكس لنا جهدها في تكوين موقف محدد، استمرت تحيل ذهنية المتلقي له، فرغم أنه، (أنهكتها الكيانات الخطأ، والانكسارات الشاذة، الألم المسموع والصامت. أنهك مستطاعها، وما كان عليها ألاَّ تكون هي.)، وأعتقد أن بيت القصيد هنا إعلانها بهذه العبارة.. (وما كان عليها ألاَّ تكون هي.)، بعد ان يئست من هذا الصراع المستمر الغير مجدي.. (لا أصابع تصير أجنحة لتكتب، أو ترسم، ولا ألسنة تنطق بالحب.) وعليه لابد ان تكون هي لا غيرها، لتعلن العصيان الإنساني …

هوامش:

1ـ مجموعة (المتحولون) القصصية للكاتبة وفاء عبد الرزاق

2ـ كتاب (في الأدب الفلسفي) / الدكتور محمد شفيق شيّا / مؤسسة نوفل ـ بيروت ـ لبنان ط1لسنة 1980 ص63

……………….. ***** ……………….

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here