نغمات وتقسيمات على “تراتيل الماء” مجموعة قصصيّة لسناء الشعلان
بقلم
د. شوكت علي درويش
الجامعة الأردنية، الأردن.
————————————-
رتل رتلاً الشّيء: تناسق وانتظم انتظاماً حسناً…ورتّل الكلام: أحسن تأليفه، ورتّل القرآن: تأنّق في تلاوته، وثغر رتل: حسن التنضيد، وثغر مرتّل: منضّد مستوي الأسنان.
فقد جاءت تراتيل الدّكتورة سناء متناسقة منتظمة انتظاماً حسناً، ففي المجموعة الأولى “تراتيل الماء”: “الماء وحده هو الذي يحفظ سيرة الحقيقة، ولذلك كتُب عليه الرّحيل أنّى كان”(1) والتي تجمعها تراتيل ثمانية؛ ماء السّماء، وتراتيله المقدّسة، وماء الأرض، تراتيله مكاء وتصدية، وماء البحر، وتراتيله سخط، وماء البحيرة، وتراتيله بكاء، وماء النّهر، وتراتيله رقص، وماء الينبوع، وتراتيله حكايا، وماء الشّلال، وتراتيله عشق، وماؤهما، وتراتيله نسل.
ففي الترتيلة الأولى: ماء السّماء”تراتيله مقدّسة” ترتيلة الشّهيد، وبوصف متناسق ومتناغم تدغدغ القاصة عواطفنا نحو مولود ”نفسه الدّنيويّ الأوّل كان مسلولاً من نفس أمّه التي لفظت نفسها الأخير… ولكنّها ما حضنت منتظرها، ولا هو حضن”(2) ومع لاقاه بطلنا من شظف العيش وقسوة بيئته إلاّ أنّه كالماء ينزل من السّماء نقيّاً صافياً، كقلب الوليد، امتلأ قلبه إيماناً وثقة، فوقر في قلبه، وصدّقه عمله، وظهر على جوارحه ”قلبه يشبه ماء السّماء ، طاهر، ومبارك من الرّب، لم تسمّه يد بشر أو جان، ولم يتلاعب به شيطان خنّاس، مكانه في العلياء”(3)
جاء صفاؤه من فطرته التي فطره الله عليها، فطرة الإيمان”لأنّه لا يعرف إلاّ الخير والعطاء والبذل، ولم يُخلق إلاّ لذلك، الشّيء الوحيد الذي يسكن بياضه، هو الرّحمة والعطاء على الرّغم من حرمانه المتواصل الذي لا يعرف هوادة”(4).
ولأنّه يعرف أنّ النّصر للأتقياء، ولكن لابدّ من “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة”(5) “كان أوّل المتطوعين لصدّ أولئك المعتدين على أرض الوطن”(6)، ولم يفكّر في شهرة، أو صيت، ولذا ”خرج وحيداً إلى الجهاد، مفاخراً بجسده الصّغير المتآكل المختزل كلّ الشّهداء والأبطال والأبرار(7)وكان يسعى ليكون مع “فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصّديقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً”(8) “صادق سلاحه، وضمّه إلى قلبه، وكان الجزء الأصعب من ساحة الوغى نصيبه…بصدره الفقير الصّغير ذي الضّلوع الناتئة استقبل رصاصات العدو…وقبل أن يسقط أرضاً كما ينبغي لكلّ شجرة مغتالة أفرغ أمانته من الذّخيرة في أجساد رهط من جنود الأعداء ثم استسلم ليديّ أمّه الأرض، وابتسم برضاً لأوّل مرّة في حياته يخال نفسه فيها منصفاً؛ إذ رأى روحه تُحمل ببَرَد الماء، وتسعى نحو مستقرّها الأبيض الأزليّ في السّماء”(9) مصداقاً لقوله تعالى- : “ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يُرزقون”(10) صدق الله العظيم
وفي “ماء الأرض”: تراتيله مكاء وتصدية ”تنقلنا إلى الرّذيلة، وفي “ماء البحر “تراتيله سخط ”نعيش مع الجاسوسيّة والحبّ، وفي “ماء البحيرة: تراتيله بكاء “نعيش مع الجذام= التمرّد.
وفي “ماء النّهر”: “تراتيله رقص”، “مقاومة من نوع آخر، أمل العودة إلى فلسطين، نعيش مع رقص الفلسطينيّ الذي هرب من العدو الصّهيونيّ الذي: “داهم قريته المسالمة حتى مع الموت والنّسيان والأحلام المنفيّة، كان ليلتها فتيّاً لا يملك سوى الأحلام وعمل شاق في الأرض”(11)، كان وأهل قريته راضين بمعيشتهم، وبطبيبهم الحلاّق الشّعبي وبأدويته الذي كان يعالج ألم عينيه، “والذي نصّب نفسه منذ زمن بعيد طبيباً للقرية، ورضي به النّاس إكراماً لفقرهم، وذلاً أمام فاقتهم وعجزهم”(12)
ونقله الأخوة إلى ما بعد النّهر، ”وألف وعد نُحر على هذه الضّفة وهو يؤمّل النّفس بالعودة، أقسم على أن لا يكن جبلاً أو كهفاً أو مخيماً أو معتقلاً، وأن يعسكر في هذا المكان من الضّفة الأخرى حتى يعود، وطال الانتظار(13) وظلّ ينظر إلى الضّفة الأخرى، وينمو الأمل بقرب العودة متسمّراً في مكانه لا يبرحه ”وعندما خيط سلام مع العدو”(14) فقد حلاوة الأمل “ويمّم نحو الوطن، وألقى نفسه دون انتظار عون من أحد- في النّهر مجدّفاً نحو الضّفة الأخرى، و وجيب قلبه المشتاق هو بصره الدّليل، ومازال حتّى الآن يجدّف، وإن لم يكن يجيد السّباحة”(15)
وفي “ماء الينبوع: تراتيله حكايا، “رفض الخرافة والثّورة، وفي “ماء الشّلال: تراتيله عشق “الوهم؛ وهم العاشق، وفي “ماؤهما” التمييز بين الذّكورة والأنوثة. ولا أدري لِمَ لم تأتِ القاصّة على “ماء الصّحراء: تراتيله سراب”؟!
سيرة مولانا الماء:
تقول د. سناء الشعلان: “سيرة مولانا الماء هي سيرة الحياة، بها أُرّخت الأزمان، وكُتبت الحقب، وفي حضنه انبثقت الحياة؛ فمولانا الماء هو الحياة، فمرحى ليرة الماء، وما أطولها من سيرة…”(16) ففي “سيرة التّكوين “وُجد وحيداً بكلمة “كن” فكان، وسخّرت له كلّ ما قدرت عليه من الأضّداد: الموت والحياة، الدّفء والبرد، الخوف والأمن… ، وتكريماً لمولانا الماء، فقد جعل الله الجبّار عرشه العظيم فوق صفحات ماءه”(17) وجعلت الأضدّاد رمزاً للمؤمنين والكافرين، لتصل إلى العطش رمزاً إلى الضّعف البشريّ، فتقبّله المؤمن والكافر، وحاول كلّ منهم الاستئثار بالماء، لتبدأ شرارة الحرب التي لن تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وفي “عروس مولانا الماء” زمجر الماء وأرعد وأبرق، وحاصر وأغرق، فأطعمه المؤمنون الأشرار من البشر، وتظهر الكاتبة العجز البشري كقيمة “ثم بعد أن نفد مخزونهم من المغضوب عليهم استسلموا للعجز”(18)، فغضب على الصّيادين، فتقدّمت ابنة أحدهم لتقدّم نفسها قرباناً؛ لتظهر الكاتبة قيمة التّضحية.
وفي “حوريات الماء” تبرز قيمة الخداع على لسان كاهنة الماء الذي جمّل في نفوس الفتيات التّضحية كلّ سنة بحسناء، وأخبرهنّ بأنّهن سيتحوّلن إلى حوريات بعد موتهنّ، ولكنّ مولانا الماء سخر “من خبث كاهنه الأكبر، وقرّر أن يغرقه في أوّل فيضان؛ لأنّه مقت خداعه”(19) لأنّ كلّ مخلوق مهما كان شريراً، ومولانا الماء مخلوق “فهو ما زال يحمل صفاته الطّاهرة التي كان يملكها عندما كان سحاباً وغيوماً”(20).
وفي “عرّافة الماء “الحبّ يولّد السّعادة، ويهب الرّاحة، فبعد أن شعر بالوحدة، تراجع ماؤه وانحسر، ولم يعد يسمع التّوسلات، وتطلّع إلى من يسامره، وكانت من أحبّته “متنسّكة في الصّحراء… وتزوّجته… وغدت آلهة الولادة والزّيجات والولاء والعدل”(21)، لتقول لنا الكاتبة: وراء كلّ عظيم امرأة.
وفي “تحولات السّيد” كانت زوجته غيورة، وكان هو عابثاً، “ولم يكن من الصّعب أن يجد الفساد في أجساد الكثير من العامة والخاصة… وبقدر ما كان يسعده عبثه، كان يتقزّز من فساد البشر، ويتقيّأ طويلاً في مائه كلما عاد من لياليه الحمراء”(22).
وفي “مذكرات مولانا الماء “تبرز قيمة النّسيان، وقيمة الكتابة والقراءة، وعكف على كتابة مذكراته مستعيناً بزوجته العرّافة. وفي “الطّوفان” تبرز قيمة التحدّي والصّمود أمام الجور “حتى أوهاه التّعب ونام”(23)، وفي المدينة الفاضلة “تبرز قيمة الحاجة إلى الماء، وعلى الماء كانت أوّل المعارك في العهد الجديد”(24)، وفي “عام مولانا الماء “تبرز قيمة التّحدّي والثورة، وحدهم الثائرون الذّين لهم سير مختلفة…”(25)
س. ص.ب. لعبة الأقدام:
ففي “س: القدم العرجاء تهوى لعبة الأقدام أيضاً؛ فالعجز الإنسانيّ لا يحرم الإنسان من التمنّي، مع أنّه يعرف أنّ من المستحيل تحقيق أمنياته. وفي “ص: “الضّفائر السّوداء تتقن لعبة الأقدام “تبرز القاصّة استمراريّة الحبّ وانتقاله إلى “حبّ الولد مع محبّة أمّه”.
وفي ع: عليك أن تحضر جسدك معك كي تلعب لعبة الأقدام “تعالج القاصّة قيمة الاستهتار، وما تخلّفه من غصّة في نفوس المنكوبين الذين لا يأبه بهم كثير من النّاس ولاسيما الصّغيرات اللواتي يصمّمن “على ممارسة لعبتهنّ المفضّلة غير آبهاتٍ بجنون أم خسرت وحيدتها لأجل لعبة أقدام”(26)
وفي “لعبة الأقدام: من حق الأقدام أن تتمرّد على الأعراف والعادات والأحزان “المكلومون” الأم المجنونة”، والعاشق الذي شاخ، والعرجاء “رقص ثلاثتهم كما لم يرقصوا يوماً، وعلت أصواتهم وهم يرددون بفرح مستحيل مداهم “س. ص.ب. لعبة الأقدام…في حين بكى كثير من سكان الحي من لعنة الجنون…وحرمت الأمهات لعبة “س. ص. ع” على بناتهنّ إذ يتشاءمن من هذه اللعبة اللعنة التي تسكن الأقدام، وتأكل القلوب”(27)
وفي “سفر البرزخ: قصة الخلاص الأولى”(من صفر إلى…) قصة خلق آدم-عليه السّلام- وحواء من ضلعه، وسيطرة الأقوياء جسديّاً وماديّاً على الضّعفاء، وقيمة الكلمة وأثرها على تحرّر النّفس وتحرير المستضعف.
وفي “قصة الخلاص الأخيرة “(من … إلى صفر) الحرّية، لابدّ لها من الكلمة، وهي المرشد إلى الهداية والنّور والمساواة؛ ليفقهوا:
النّاس، النّاس من بدو وحاضرة بعض لبعضٍ وإن لم يشعروا خدم
المفصل في تاريخ ابن مهزوم وما جادت به العلوم:
“التّاريخ يكتبه المنتصرون، وأنا منتصر بمعنى ما، إذن من حقي أن أكتب التّاريخ كما أشاء، وها قد شئت”(28)
- ففي ابن زريق لم يمت؛ تتناول د. سناء شعلان دورة الحياة، وخلط الماضي بالحاضر والتدليس والإدعاء الكاذب، لتصل بنا أنّ الحق لا يموت، مهما عظم يحاول طمسه وقتله “وردتني آلاف التقارير من مصادر موثوقة تفيدنا بأنّ ابن زريق بحقّ هذه المرّة لم يمت!!!”(29)
- وفي شهريار يتوب “إنّ كيدكنّ عظيم”(30)، وتعالج قيمة الغيرة مع الاحتيال لتبرير فعلتها(فعلته) لتزيينها في اعين الآخرين غير مبالية(مبال) بما يؤول إليه مصير الآخر.
- وفي جالاتيا مرة أخرى؛ يحبّ المرء أن يمدح بما يملك من موهبة، ويتغنّى بما يسعده من إبرازه؛ وهذا حال بجماليون، ولكن “الجميلات منهنّ آثرن عضواً شبقاً رشيقاً على موهبته الخالدة، وزهدن به، وبكلّ ما صنعت يداه هبة الإله زيزس”(31)، ونحت تمثالاً يحوي كلّ نقائص المرأة، ويتمثّل كلّ عيوبها الجسديّة، ويستحضر فيها كلّ ما ينفّر ويعزّز، ويزهد حثالة الرّجال وعفونتهم بامرأته التّمثال المسخ(32)، وأمّا (أفروديتا) همست في أذن جالاتيا بكلمة العشق “لأنّها ستسهر طويلاً فيما بعد لتراقب عذاب بجماليون على يدّي جالاتيا العاشقة المسخ”(33)
- وفي (3)(أ) تتمثّل الغيرة في “وفكّرت – أفردويتا- أن تتوسّل لبجماليون لينحت لها رجلاً مسخاً لكي يكون عاشقاً لها”(34)
- وفي(3)(ب) الموت والفناء وبقاء المحبوب مسيطراً على الحبيب، فبعد موت(جالاتيا)، وتحولّها إلى رمل تذروه الرّيح الذي انطلق في رحلة أبديّة لا تعرف نهاية، وغدا يستمتع بمطاردة بجماليون له في أصقاع الدّنيا، ويطالبه بردّ رذاذ معبودته جالاتيا”(35)
- وفي “مسرور المجنون “الروتين القاتل، وحبّ ممارسة ما يهوى بلا تفكير، وتنفيذاً لما يُؤمر، فلما لم يجد من يأمره قتل الآمر.
- وفي “معروف الإسكافيّ” خطأ يسوق سعادة.
- وفي “السّندباد السّماويّ” تؤمن القاصّة بغرق أمريكا- حسب النبوءة- وعلى أيدي “البنتاجون”، وتربطه بحكايات ألف ليلة وليلة: وبقرار مسبق مبيّت لم يرد في تقرير أيّ مخابرات دوليّة إلى أرض الحكايا، وهبط في الرّحلة الثانية من رحلاته في كتاب ألف ليلة وليلة، ونسيكابوس اكتشاف الأرض الجديدة، وانبرى يبحث باهتمام عن اسم الرّخ طائر السّندباد السّماويّ”(36)
- وفي “حذاء سندريلا” المظهر مخادع يجرّ وراءه الويلات، ويقود في النّهاية إلى سوء ما هو تحت بريقه.
- وفي “شمشموم الجبّار” و”العذراء الذّبيحة” و”ثورة اللصوص” و”الخيل والماء والنّار وما يزرعون” تعليقات مجتمعيّة واعية.
حكاياتها:
1- في الحكاية الأم، لم يكن هناك إرث يومها، ولكنّها سيطرة حبّ الظهور بزعم “أنّها قد أهدرت شرفها وفق زعمه، فاستحقّت الموت بعرف طقوس الدّم المتوارثة”(37)
2- وفي الحكاية النّموذج ممارسات خاطئة تحت مسمّى الشّرف؛ ففي اللوحة الأولى الطّمع في أموال القتيلة؛ الطّمع في الميراث “لأنّها قالت لأخيها الظّالم لا”(38).
وفي اللوحة الثانية الطّمع في ميراث “وتبجّح قائلاً: إنّه محا عارها الذي لا يُمحى إلاّ بالدّم الذي غلا في مرجل غضبه باتقاد متوحّش عندما أُسقط في يديه، وعلم أنّ القاتل لا يرث من قتل”(39).
وفي اللوحة الثالثة “اشتهرت في الوسط الإبداعي، فغار منها “طار نجمها-فيما كتبت- وحطّ نجمه فيما كتب، عرفها النّاس، وجهلته الحروف”(40) وعندئذٍ حاكمها بمنطق الخيال لا بجرم الحقيقة…وبالطبع غسل بذبح أخته النّعجة ثوب شرفه المزعوم الذي لطّخته أخته الآثمة الخاطئة التي فرّطت بشرفها المُصان”(41)
وفي اللوحة الرّابعة مدارة العجز مقابل المرأة، فقتلها “الفحل الشّهم!!! فالذّنب كلّه كان ذنبها، فهل من اختارت أن تذهب زوجة مع الرّجل الذي يريده والدها وأخوتها”(42)
وفي اللوحة الخامسة الاعتداء على المحارم “والمرأة الطّفلة الضّحيّة …إذن هي من دون شكٍّ من أغرت عمّها البريء كحمل وديع بالاعتداء عليها، وقد أخذت جزاءها وفاقاً، وأراحت وارتاحت”(43)
وفي اللوحة السّادسة إهمال يقود إلى جريمة، بينما في اللوحة السّابعة محاكمة قتيلة بريئة “وحكم ببراءة الأخ الذي انتقم لشرفه، وقتل الأخت الضّحية، وترك الذّئاب تسعد بصيدها الثمين، وتضّجع في الشّمس ريّانة شبعانة دفئانة”.(44)
وفي اللوحة الثامنة انتقمت المرأة لكيانها ولوجودها فـ”أرسلها سريعاً بمذكرة إعدام مستعجلة إلى العالم الآخر؛ لأنّها قاتلة آثمة”(45).
أمّا في الحكاية المأساة “فتسلّل ذكر ما، اسمه…في ليلة معتمة، وقتلها…، فغسل بدمائها شرفه الملطّخ بالعار، وسلّم نفسه للقضاء الذي كان به رحيماً، ولموقفه متفهماً، فحُكم عليه بشهر من العمل الشّاق، وبغرامة مقدارها قرش لا غير؛ فأرواح المخطئات لا تساوي الكثير”(46)
قاموس الشّيطان:
الألف: أحدث؛ لكلّ وجهة هو موليها لون أسود، لا يليق ببياض حياته. أخلص للون الأسود، فطمس بياض حياته.
الباء: بدا؛ بدا المرض يعمّ وينتشر، حتى أنسى الإنسان أنّه إنسان.
الثاء: ثلثا؛ ثلثا نهاره يراقبها، لم يحقّق ما تمنّاه، باتهامها بغرابة الأطوار.
الجيم: جمعهم؛ قرّر أحدهم أن يحتجّ، فقتله الزّعيم، ففجر موته غضبهم.
الحاء: حالته؛ قادته للسؤال “أتصدّق أنّ المجانين في كلّ مكان حتى في مستشفى المجانين؟!”(47)
الدّال: دلّلها؛ والدها الحاني، فعاشت الفضيلة، دمّر أخوتها فضيلتها، فغدت من عاشقات الظّلام.
الذّال: ذاتي؛ ضدّ يبحث عن ضدّه.
الرّاء: ردفاها؛ يتراقص عليهما الشّيطان، ولا شأن لها بما يقدّمه الأبطال للأوطان.
الزّاي: زائر؛ يستمتع بالجزاء من جنس العمل، يُذِلّ ويُذَلّ، ولا يصدق الاسم على المسمّى.
السّين: سنين؛ “تجيد التّضامن والتعاضد في سبيل الخداع والكذب والغشّ”(48).
الصّاد: صمودهم؛ في منازلهم، جعلهم منارات بطولة بعد أن جنوا ما زرعه الأبطال.
الضّاد: ضمّ؛ فجوره حياتيّاً جعل منه ممثلاً شهيراً وإنساناً شقيّاً.
الطّاء: طال؛ انتظارهم في معاملهم ليستنسخوا “مسخاً مخيفاً يحوي كلّ جمال البشر دفعة واحدة”(49)
الظّاء: ظاهر، ظاهر القرية (المكان) “يمارس فيه أجمل فعلين في حياته في آن واحد، ودون تخرّج “الكتابة وطرح فضلات الجسد”(50) فيختلطا معاً “فيستر خبثها بخبثه”(51)
العين: عقدوا، العزم على بناء وطن، وبعد كلّ ما قدّموه “دخل الوطن في غرفة العناية الحثيثة…دون سبب محدّد”(52)
الغين: غيوم؛ البؤس والشّقاء التي تتأتّى من التسلسل الهرمي للسّرقات والتي جعلت قاعدة الهرم “يطالعون غيوم السّماء، ويطلبون عون من جعلها تحلّق في البعيد” (53)
الفاء: فايز؛ في سلب حبّات عيون الآخرين، بعد أن سرق فايز الغني كلّ أحلامه “فجدّ وعمل وباع وبيع حتى أصبح اسمه فايزاً”(54)
القاف: قانون؛ بلا روح جثّة بلا حياة، عمل بتفانٍ وإخلاص لخدمة القانون، خُرق ممن هم فوق القانون “الذين يعدّون القانون شباك عنكبوت، تعلق فيها الحشرات الضّعيفة، وتفتك بها الطّيور الجارحة، ونفسخ نسيجها حدّ التلاشي، عندها صمّم على أن يكون القانون بروح لا جسداً دون الحياة، وطبّق فعل العدل، وقتل الوحش الآدمي الذي استهان بكرامة ابنتها، وبروح القانون، وسعد بفعله وإن أصبح مجرماً في نظر القانون!!!”(55)
الكاف: كانا؛ أخوين متحابين، فرّقهما سيف الفتنة “فدفع الوطن ثمن فرقتهما، ولبست أمهما السّواد عليهما طوال عمرها”(56)
اللام: لا؛ وفاق مع تباين المفاهيم، واختلاف الأذواق.
الميم: مقبرة؛ كالقصر تليق بأسرة فارهة، يقوم على خدمتها من لا يجد مأوى له ولأسرته.
النّون: نعى؛ نفسه، لم يكترث أحدٌ ممّن كان يظنّ أنّهم سيرثونه، ويشاركون الأهل في النّعي في الحضور، وفي الصّحف، بحث فـ “فلم تكن أخلاقه السّيئة، ومكائده اللئيمة وجحوده المتصل، وبخله الكبير، وعقوقه منها، ثم آل إلى أنّ لا أحد يستحقّ دعابته الكبيرة”(57)
الهاء: هي؛ دموعه القليلة تسيل بسرّية في قبو المنزل حيث لا يراه أحدٌ إلاّ زهراته الرّاحلة”(58)
الواو: وقف؛ مجنون النفق بيده المشلولة، لا يقبل صدقة، ولكن ينتظر فاتنة النّفق، رفضته صاحبتها، أنقذها المارة، عادت “في اليوم الثّالث تعبر النفق مبكراً حيث لا مارة يصدّون مجنونة عنها عندما يمطرها بكلمات الذّكورة الملهبة”(59)
الياء: يمرّ؛ خالفت القاصّة أسلوبها، إذ لم تبدأ قصتها بـ يمرّ، بل تعجّلت الأمر لتقول: “هو من عبيد والدها الوالي”(60)أحبّته واشترته وأعتقته بعد أن سمعته يقول: “إنّ الحبّ للأحرار لا للعبيد”(61)
أحزان هندسيّة:
ففي 1- “أحزان نقطة المركز” تُميّز نقطة المركز بالثبات، والكلّ يدور حولها، وفي فلكها، تتمنّى أن تنفلت كالآخرين، لكن تفرّدها بخصائص (المنغوليّة مثلاً) يميزها عن الآخرين.
وفي 2- “أحزان خطين متوازيين”؛ الاعتداد بالرّأي، وعدم التّنازل عن فكرة آمن بها، وآمنت، جعلها يسيران في خطين متوازيين، ولما شاخا تمنيا لو لم يكونا خطين متوازيين “لكن قدرهما كان التجاوز أبداً دون لحظة لقاء”(62)
وفي 3- “أحزان مثلّث” هندسيّاً زوايا المثلّث نسخة مكررة لثلاث مرّات عن حالة واحدة، “أمّا حزنها هي، فزاويته منفرجة على ألم الرّوح، وفي زاويتين أخريين يقف اللّوم (ما قامت به من توزيع أعضاء جسم ابنها السّبعة لتبعث بها حياة آخرين) والموت (الذي خطف ابنها الفتى) اللذان يعصرانها”(63) وكادت تقسم على أنّ ابنها ما يزال على قيد الحياة.
وفي 4- “أحزان مربّع”؛ حصرته زوايا أربع: زوج وزوجة وأمّه وأمها، عاشوا في دفء أضلاع المربّع، عزّ على الأمّين وفاقهما، كلّ ادّعت ملكيته، تحطّمت الأضلاع، تبعثرت الزّوايا “فغدوا جميعاً مربّعاً حزيناً لا يعرف السّعادة؛ لأنّ زواياه أحبّت بغير ما يجب. (64)
وفي: 5- “أحزان دائرة” تضحّي بطلة القصّة لإسعاد الآخرين، أخويها أولاً، ووالديها أخيراً.
خرافات أمّي:
“لا أعرف من أين لأمّي بكلّ هذه الحكايا الأسطوريّة العجيبة، ولا أعرف لماذا نسيت كلّ شيء، حتى نسيت من أكون، ولكنّها بقيت محتفظة ببئرها السّحريّ من القصص دون أن تغفل عنها أو تنساها”(65)
الخرافة الأولى؛ الحسد قيمة قد تفقد المحسود سعادته.
الخرافة الثانية؛ الحسد والغيرة والمثابرة والجدّ قيم حياتيّة يُتحلّى بها بنو آدم.
الخرافة الثالثة؛ السّعي المتواصل والجدّ يقودان إلى النّصر.
الخرافة الرّابعة؛ برّ الوالدة وأثارها.
الخرافة الخامسة؛ “لا يجوز لكلمة الحقّ أن تنام”(66)
مع كلّ خرافة هامش لخصلة من خصال الأم، لعلّها تمثّل صدى أحزانها التي حرصت على قصّها قصصاً تتمثّل شقاءها.
نفس أمّارة بالعشق:
عشقتُ وعشقتُ وعشقتُ كلّ أصناف البشر، حتى”غادرني ضيف لذيذ حلو اسمه الشّباب”(67) واعترافاً بريادتي فقد عُيّنتُ، وعُيّنت… وعلى الرّغم من كلّ قصص عشقي لم أعشق قطّ”(68)”وهذا قدر الأنفس الأمّارة بالعشق المولعة بكتابة الرّجال الذين لا يأتون حقيقة إلاّ على الورق، ولا شيء غير الورق، فنفسي أمّارة بالكتابة أيضاً”(69)
مليون قصة للحزن:
“خمسون عاماً قطعها يرتحل، ويدوّن في سفره العظيم قصصه المضمّخة بمعاناة أهلها، حتى عرف القاصي والدّاني، وغدا كتابه مضرب الأمثال، ورأس الشؤم، وطلسم الأسحار، … وهرم وشارف على الموت، وهو يبحث عن القصة المليون، كان ما يزال يجهل أنّ قصة حياته المختزلة في جمع أحزان النّاس، وتدوينها هي القصة المليون لرحلته المثقلة بالهمّ والضّنك والحرمان…”(70)
بلغة التّراتيل العذبة، وموسيقاها الشّجيّة، ونغماتها الطّربة، وألفاظها الرّقيقة، وترجيع هديل حمامتها، خرج الماء الدّافق من عين العاشقة، ليسيل ماء سلسبيلاً بين الضّفتين، ويقرّ في رحم العطاء، ليخرج هموم القاصّة وأنّاتها، وتطلعاتها، وأمنياتها مختلطة ومتفاعلة مع هموم البشر وأنّاتهم، وتطلعاتهم وأمنياتهم لتصبغ ما ينصب فيها من جداول بصباغ نفسها ليتشكّل وليداً جديداً(قصصاً) فيه ما فيه من الدّواء والغذاء ودفء واللقاء.
هذه “تراتيل الماء”؛ ماء د. سناء شعلان.
……………….. ***** ……………….
الهوامش:
- سناء شعلان: تراتيل الماء، ط1، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع بدعم من وزارة الثقافة الأردنيّة، عمان الأردن، 2011، ص11.
- نفسه: ص11.
- نفسه: ص11.
- نفسه: 11-12.
- القرآن الكريم: الأنفال60: 8.
- سناء شعلان: تراتيل الماء، ص12.
- نفسه: ص12
- القرآن الكريم: النساء: 69: 4.
- سناء شعلان: تراتيل الماء، ص12.
- القرآن الكريم: آل عمران169: 3
- سناء شعلان: تراتيل الماء، ص18.
- نفسه: ص12.
- نفسه: ص12.
- نفسه: ص12.
- نفسه: ص12.
- نفسه: ص25.
- نفسه: ص25.
- نفسه: ص27.
- نفسه: ص28.
- نفسه: ص28.
- نفسه: ص20-30.
- نفسه: ص31.
- نفسه: ص32.
- نفسه: ص33.
- نفسه: ص33.
- نفسه: ص42.
- نفسه: ص27.
- نفسه: ص53.
- نفسه: ص56.
- القرآن الكريم: يوسف: 28: 12
- سناء شعلان: تراتيل الماء، ص59.
- نفسه: ص59.
- نفسه: ص60.
- نفسه: ص61.
- نفسه: ص61.
- نفسه: ص67.
- نفسه: ص73.
- نفسه: ص74.
- نفسه: ص74.
- نفسه: ص74.
- نفسه: ص75.
- نفسه: ص75.
- نفسه: ص76.
- نفسه: ص77.
- نفسه: ص77.
- نفسه: ص78.
- نفسه: ص85.
- نفسه: ص88.
- نفسه: ص90.
- نفسه: ص91.
- نفسه: ص91.
- نفسه: ص91.
- نفسه: ص92.
- نفسه: ص93.
- نفسه: ص93-94.
- نفسه: ص94.
- نفسه: ص97.
- نفسه: ص97.
- نفسه: ص98.
- نفسه: ص98.
- نفسه: ص99.
- نفسه: ص105.
- نفسه: ص 105.
- نفسه: ص107.
- نفسه: ص112.
- نفسه: ص117.
- نفسه: ص126.
- نفسه: ص126.
- نفسه: ص 127.
- نفسه: ص 130-131.