نظرية الجشطالت
(دراسة في المفاهيم والمبادئ الأساسية)
بقلم
إسماعيل مهدي زوين الحسيني
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / جامعة الكوفة-كلية التربية للبنات
———————-
ملخص البحث:
لقد عنيت نظرية الجشطالت أكثر ما عنيت بالإدراك، خاصة في مجال التعلم، كما أن رائدها الألماني “ماكس فرتهيمر” (1880-1943م) كان أبرز علماء نفس النظرية الذين ساهموا في إرساء قواعد النظرية؛ بما قدمه من تفسيرات وما حققه من أسس وثوابت ونتائج من خلال البحث والتجريب، في مجالات النظرية التطبيقية. كانت اهتمامات فرتهيمر الواضحة تتجه نحو التطبيق للنظرية في مجال التعلم المدرسي، خاصة لدى الأطفال، فكأن فكره وما اعتنقه بمخلص تجاربه مثل نقداً حاداً لطرق المعلمين المتبعة في تلقين الأطفال لا تعليمهم، تلك الطرق التي تقوم على الاستظهار لا الاستبصار المدرك للأشياء، مما حول التعلم إلى ظاهرة جامدة لا تساهم في تنمية المهارات العقلية والذهنية لدى الأفراد، لذلك شدد على اتباع طريقة الاستبصار القائمة على الفهم كطريقة جديدة في التعلم، من خلال كتابه المعنون “التفكير الإنتاجي” حيث فرق بين الاستبصار وبين النوع الثاني الذي يعتمد على قواعد تقليدية قديمة وغير مناسبة للحل، والفرق بينهما يتوقف على مستوى المهارة لدى الفرد.
المقدمة:
يطمح هذا البحث إلى تسليط الضوء على نظرية الجشطالت إحدى نظريات التعلم من خلال تتبع المفاهيم الأولى للنظرية وروادها من ثم مناقشة آرائهم، ولا يقف عند الجانب النظري فحسب وإنما يلقي شيئا من الإيضاح على الجانب التطبيقي من النظرية، معتمدا على المصادر الأساسية للنظرية وعلى ما تيسر له من مصادر ومراجع أخرى، بهدف الوصول إلى نتائج ذات مؤدى معرفي. تناول البحث في التمهيد تعريف المصطلح، في جزئه الأول، وفي الجزء الثاني تناول رواد النظرية. ثم انقسم البحث إلى مبحثين، في المبحث الأول تناول البحث مبادئ التعلم بحسب نظرية الجشطالت، أما في المبحث الثاني فقد تناول افتراضات النظرية الجشطالتية، ليخلص البحث إلى الخاتمة. ومن الله التوفيق والسداد.
التمهيد:
أولاً- مصطلح الجشطالت: نظرية فكرية ظهرت في العقد الأول من القرن العشرين كردة فعل على الأوضاع الفكرية السائدة آنذاك والمتمثلة بالنظريات الميكانيكية والترابطية، فقد عارضت النظرية الجشطالتية في الأساس النظرة التي تتبنى بأنّ النفس ليست أكثرَ من المجموع الكلي المكون لها والمتمثل بمجموع الأحاسيس والمشاعر والدوافع والانفعالات وغيرها، لكنّ الجشطالتين ذهبوا إلى غير ذلك في فهم النفس، وإنما قارنوا ذلك في العقل، فالعقل البشري بطبيعة الحال أكثر بكثير مما يحتويه، ولا يمكن أنْ يحد بمكوناته، وعلى هذا فإن النفس البشرية تجري مجرى العقل في الإدراك. كما تعد النظرية الجشطالتية أكثر المدارس الكلية تحديداً، وأكثرها اعتماداً على البيانات التجريبية، وقد صبّتْ اهتمامها الأول على سيكولوجية التفكير– وهو عملية تظهر في الغالب خصائص لا يمكن تفسيرها تفسيراً مناسباً بمجرد النظر في الأجزاء فحسب- وعلى مشاكل المعرفة بصورة عامة، فسرعان ما امتدت النظرية لتشمل مجالات حل المشكلات والإدراك والجماليات والشخصية وعلم النفس الاجتماعي، والجدير بالذكر هنا أن النظرية الجشطالتية ليست من نظريات التعلم في أول وهلة، ولكنها تقدم الكثير لموضوع التعلم، كما أنها تقدم عددًا غير قليل من المقترحات الأساسية، التي تحمل بين طياتها جرعات من الحماس، للمضي قدماً في عملية التعلم، التي تنطلق من نتائج التعلم الرئيسة بشكل مباشر، لذا نجدها تختلف في فهمها للتعلم اختلافاً جذرياً عن وجهات النظر السابقة، بل إنها تتناقض تناقضاً حاداً مع وجهات النظر المعاصرة لها، والخاصة بالتعلم والتي ارتبطت بالمثير الشرطي وغير الشرطي، ونوع المثير وغيرها، فالجشطالت ترى أن الأساس في التعلم هو الفهم من خلال الاستبصار والإدراك([1])
ثانياً-رواد النظرية: لعلماء النفس الثلاثة الألمان (فرتهيمر و كوفكا و كوهلر) السبق في وصف العمليات النفسية بمصطلح الجشطلت([2]) ومعنى كلمة (الجشطالت) هو (صيغة) أو (شكل) (configuration ) أو (الهيئة) أو ( التنظيم) وكل هذه المعاني تشير إلى اهتمام أصحاب هذه المدرسة بخصائص النظام الجامع لعناصر أيّ ظاهرة، وهو ما يعطي أولوية الكل على الأجزاء، فالكل بالمعنى العام يتكون من أجزاء؛ وبهذا فإن كل جزءٍ يأخذ صفاته من الكل الذي يتشكل فيه([3]). فعندما نسأل عن الغصن فإن تصورنا يذهب مباشرة إلى الشجرة، وهي بهذا نظرة عامة شاملة، لا تتطلب بالضرورة خبرات متراكمة في الشيء المُتطَلب معرفتُه، فتصور الكل إلى الجزء هو أيسر بطبيعة الحال من تصور الجزء إلى الكل، فإن معرفة الأجزاء يتطلب معرفة تفصيلية بالشيء وممن يتكون، وهذا لا يعني أنهم أهملوا معرفة الأجزاء ولكنهم أرجعوها إلى النتائج المتحصلة من معرفة الكل من خلال الاستبصار والتحليل ومن ثَم الإدراك.
نشأت نظرية الجشطالت في ألمانيا حوالي 1912م ممثلةً في مذهب الفكر السيكولوجي الذي كان يعرف باسم (علم النفس الجشطالت) على يد رائده ماكس فرتهيمر الذي كانت له دراسات غير قليلة في الإدراك وأوضح قانون الامتلاء الذي يشتمل على التشابه والتقارب والإغلاق واهتم بدراسة التعلم عند الإنسان وتطبيقاته في مجال التربية، كما اعترض على فكرة تحليل السلوك إلى وحداته ومكوناته الأساسية حيث تبنى أن هذا التحليل يجعل السلوك يفقد معناه([4]).
المبحث الأول: مبادئ التعلم بحسب الجشطالت: على ضوء التحقيق والبناء التجريبي لنظرية الجشطالت في مجال الإدراك، توصل علماء الجشطالت إلى عدد من المبادئ التي تحكم عملية التعلم:
1-استعادة التوازن المعرفي أساسي للتعلم: بوصف التعلم ظاهرةً قائمة على أساس المنهج التنظيمي لتحقيق الإدراك؛ لذا فإن الجشطالتيين قدموا صياغة المشكلة كأولوية في عملية التعلم؛ ذلك لأن المتعلم يكون في حالة ارتباك معرفي إزاء المعرفة، فيسعى أول ما يسعى لحل المشكلة حتى إذا تيسر له ذلك تحقق التوازن المعرفي لدى المتعلم ([5]). وقد يتأتى ذلك من صياغة الأسئلة المتلاحقة في الذهن ثم بتتابع هذه الأسئلة تتولد خبرات لدى المتعلم تساعده في فهم المشكلة ومن ثم السعي لحَلِّها.
2-الكل يحدد الجزء: يدرك الفرد الأشياء بشكلها الكلي؛ لذا يجب على المعلم والمتعلم ايجاد صيغة لعلاقة الكلِّ بمكوناته ([6]). وربما المراد بالإدراك هنا إدراك انطباعي لا يتجاوز إلى غير ذلك؛ لذا فإنهم يقدمونه على عملية الإدراك الأخرى التي تكون نتيجة إيجاد المتعلم العلاقة بين الشكل الكلي للمعرفة ومكوناتها، فإذا كان هذا فإنه يحتاج إلى عمليات عقلية وذهنية كبيرة ونظرة عميقة في ذات الأشياء ومكنوناتها.
3-البناء على المألوف، يساعد المتعلم على الاستمرار بالتعلم: وهو ما يعني تراكم الخبرات الجديدة والمخزونة، وهي من أولويات الجشطالتيين في عملية التعلم، فمهمة المتعلم هو إيجاد نوع من التكامل والتناسق بين هذه الخبرات([7]).وهو موجود بالفطرة لدى الإنسان وهو أن يستحضر ما تيسر من مخزونه المعرفي في لحظة التعلم، لكن أصحاب الجشطالت جعلوه مبدأ أساسياً في عملية التعلم.
4-عرض المادة العلمية في شكل جشطالت جيدة التكوين ييسر تعلمها: التعلم عند الجشطالت ظاهرة ذهنية إدراكية، إذن فعرض المادة على صورة جشطالت مناسب للإدراك، ومفهوم الجشطالت الجيد يشتمل على المعنى والبنية، والتركيب والدلالة والتنظيم([8]).
5–يتحدد معنى المادة التعليمية في ضوء خصائص البناء المعرفي للمتعلم: التعلم ظاهرة تنظيمية إدراكية معرفية، أساسها اكتساب المتعلم القدرة على حل المشكلات وعند حل المشكلات يتخذ المتعلم كافة الأساسيات للتوصل لاستبصار المعرفي، لذا يتوقع مراعاة هذه الخاصية عند صياغة مهام التعلم في حل المشكلات([9]).
عملية التعلم برؤيا الجشطالت: لقد اهتم فرتهيمر بالتجارب في مجال الاستبصار بالتعلم المدرسي؛ فأجرى تجاربه على الأطفال، فوجد بأن المعلمين يستعملون الطرق التقليدية فقط في الحفظ والاستظهار؛ ولذلك وجّه نشاطه وأبحاثه للتعلم الفعال الذي يعتمد بدرجة كبيرة على فهم المتعلم وإدراكه لمعنى موضوع التعلم، أي استبصار الموقف التعليمي بما فيه عناصر وعلاقات. وقد وجد فرتهيمر أن الهندسة بصفة خاصة من المجالات المفيدة لهذه الأبحاث والتي تدرب الطالب على عمليه الاستبصار في حل المشكلات. ساعد فرتهيمر الأطفال على فهم الطريقة المعتادة لتعيين مساحة المستطيل، وكيف تنتج من الطبيعة الأساسية للشكل وذلك بتقسيم الطول والعرض عن طريق أعمدة رأسية، وأفقية إلى عدد من المربعات المتساوية. وبذلك تصبح مساحة الشكل مساوية للمجموع الكلي لعدد الأعمدة الرأسية المشتمل كل منها على عدد من المربعات الصغيرة يمثل العرض، وبعد أن تعرف الأطفال على طريقة تعيين مساحة المستطيل طلب منهم فرتهيمر تعيين مساحة متوازي الأضلاع. وانتظر ليرى ما سيفعله الأطفال. ومن بين المجموعات قالت طفلة: ” أنا لا أعرف تماماً ما الذي يمكن عمله؟ إن الأمر سيء هنا” ]وأشارت إلى الجزء الأيمن من الشكل[ ثم فجأة قالت: ” هل أجد مقصاً ؟ إن الشيء السيء هنا هو الذي نحتاجه هناك”. فسر فرتهيمر وصول الطفلة إلى الحل في هذه التجربة بأنها عرفت أن الأعمدة المتكونة من مربعات صغيرة لا يمكن عملها بسبب الخطوط المائلة في الشكل وأدركت أن الشكل لابد أن يتحول بطريقة ما إلى مستطيل لكي يمكن إيجاد مساحته ثم وصلت إلى الحل فجأة بعد أن استبصرت الموقف(([10].
شكل التجربة: (1)
شكل التجربة: (2) متوازي الأضلاع
وينتقد فرتهيمر تدريس الرياضيات في المدراس لأن المدرس عندما يدرس الطلاب القوانين والرموز يطلب منهم حفظها والخطوات التي يمكن استخدامها في حل المسائل الخاصة بها دون التعرف على التكوين الداخلي للموقف الذي ستستخدم فيه هذه القوانين، بينما يرجع الفضل في انتشار أفكار هذه المدرسة إلى كل من كوهلر و كوفكا، حيث قام الأول بإجراء تجارب عديدة على القرود وانتهى بتوضيح مبدأ التعلم بالاستبصار وتنظيم الخبرات السابقة بدلا من التعلم بالمحاولة والخطأ. بينما ألف الثاني كتاب نمو العقل وفي عام 1937نشر كتابه على أسس علم الجشطالت قدم فيه نقدا لنظرية ثورندايك في التعلم بالمحاولة والخطأ ([11])
ويرى ثورندايك أن التعلم عند الحيوان وعند الإنسان هو التعلم بالمحاولة والخطأ؛ فحين يواجه المتعلم موقفاً مشكلاً ويريد أن يصل إلى هدف معين فإنه نتيجة لمحاولاته المتكررة يبقي استجابات معينة ويتخلص من أخرى وبفعل التعزيز تصبح الاستجابات الصحيحة أكثر تكراراً وأكثر احتمالاً للظهور في المحاولات التالية من الاستجابات الفاشلة التي لا تؤدي إلى حل المشكلة والحصول على التعزيز. وقد وضع ثورندايك عدداً من القوانين التي تفسر التعلم بالمحاولة والخطأ، عدل بعض هذه القوانين أكثر من مرة وذلك سعياً للإجابة عن سؤال: لماذا يتناقص عدد الحركات الخاطئة بينما تبقى الحركات الناجحة أثناء معالجة الموقف وحل المشكلة([12]).
المبحث الثاني: افتراضات النظرية الجشطالتية:
1-يعنى التعلم بالوسائل والنتائج: يرتبط التعلم بالنتائج المترتبة على الأعمال التي نقوم بها، فالنتائج المتحصلة من سلوك معين هي في الغالب ذات معنى وترتبط ارتبطا وثيقا بهذا السلوك ([13]).
2 -التعلم القائم على الاستبصار يجنب الوقوع في الأخطاء: بحسب وجهة النظر الجشطالتية فإن التعلم القائم على تشكيل الارتباطات قد يوقع الأفراد في كثير من الأخطاء، ولكن التعلم الحقيقي القائم على الفهم والاستبصار يجنب الوقوع في الكثير من الأخطاء، وهذا من شأنه أن يوجه السلوك([14]). ومعنى ذلك أن التعلم القائم على الارتباطات دائماً ما يُتَحصلُ من خلال على نتائج نهائية ثابتة بالتالي هي لا تخرج عن دائرة الصح والخطأ، أما النتائج المتحصلة من خلال الاستبصار – وهي على رأي الجشطالتيين-لا تدخل في دائر الصح والخطأ وإنما ما بين الأخذ والرد؛ فهي إن لم تؤخذ كنتيجة نهائية تبقَ في موضع احترام.
3-التعلم بالاستبصار هو مكافأة بحد ذاته للتعلم: ترى نظرية الجشطالت أن نتائج التعلم من خلال الاستبصار هب بحد ذاتها معززات لهذا التعلم، فالرضا والابتهاج الذي يتوافق مع التعلم الحقيقي الناتج من إدراك العلاقات والمعنى الكامن في الموقف يشكل خبرة سارّة للفرد، وهي بمثابة مكافأة لتعلم تلك المواقف([15]) .
وهي في هذا الافتراض تهدم أهم أركان تلك النظريات التي تعتمد التعزيز مبدأ أساسياً، حيث يعد التعزيز عنصراً أساسياً في استمرارية عملية التعلم في كثير من النظريات، من خلال الثناء على المتعلم بتقديم هدايا وتعزيزات تجعله في رغبة دائمة للتعلم؛ من أجل الحصول على المكافأة، لكن الجشطالتيين، نظروا إلى التعزيز نظرة أعمق من سواهم حيث عدوا التعزيزات تكمن في رفد الفهم وتطوير الذات، مما يشكل حافزاً نحو التكامل الذاتي لدى الفرد، وهو بهذا لا ينقطع ولا يقف عند حد، بخلاف التعزيزات في النظريات الأخرى فهي مهما بلغت فإن لها حداً معيناً لا بد منه، وبالتالي يتوقف الفرد عن التعلم بانقطاعها، لأن الهدف من التعلم فيها هو الحصول على التعزيزات، وهذا ما يشكل خطراً جسيماً على الفهم، أما الهدف من التعلم في الجشطالت فهو من أجل التعلم ذاته.
4– الفهم والاستبصار يسمحان بانتقال أثر التعلم: ترى نظرية الجشطالت أن الفهم والاستبصار يؤديان الى اكتساب مبدأ أو قاعدة ترتبط بموقف معين، وإن مثل هذا المبدأ يمكن تطبيقه أو استخدامه في مواقف أخرى مشابهة للموقف الذي تم التعلم فيه، وبطبيعة الحال فان التعلم القائم على الحفظ والاستظهار غالبا ما يرتبط بالموقف الذي جرى التعلم فيه فهو سريع الزوال والنسيان وليس فيه أي قيمة انتقالية، في حين المواقف التي يتم تعلمها وفقا لعملية الاستبصار فهي أكثر بقاء وأكثر قابلية للانتقال إلى المواقف الأخرى المماثلة، وانطلاقا من ذلك، ترى نظرية الجشطالت أن التعلم بالاستبصار هو تعلم حقيقي غير قابل للانطفاء أو النسيان وهو بالتالي يشكل رصيدا ثابتا من مخزون الذاكرة ([16]).
أن يرتبط التعلم بموقف معين، وبعد ذلك يجب أن يصاحب الموقف عملية الاستبصار، لا الاستظهار، والفرق هنا هو أن الاستبصار يتم بشيء تدريجي في الذهن وهو طلب الفهم في الشيء من خلال التبصر له، أما الاستظهار فهو قائم على إظهار الشيء وليس شرطا أن يكون منوطاً بعمليات ذهنية منظمة.
فالتعلم بالاستبصار هو ذلك التعلم القائم على الفهم والإدراك التام للعلاقات القائمة بين عناصر الموقف، على خلاف النظرة السلوكية التي تصل إلى الحل من خلال جمع عناصر الموقف بعضها إلى بعض، كما أن الحل عند الجشطالتين يُكشف من خلال صياغة عناصر الموقف، فبتنظيمها تتضح العلاقات التي بينها، حينها يكون الوصول إلى الحل أمراً ممكناً، وهو كما أسلفنا يضع الجشطالتيون تنظيم الإدراك المعرفي عنصراً أساسياً في عملية الاستبصار.
التعلم بالاستبصار: يجري على تعليم الأطفال القراءة أنهم يجزؤون الكلمة إلى الأحرف المكونة منها، ثم يحصل أن يتهجى الطفل حرفاً حرفاً، وبصوته المفرد المجرد من الحركة، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً في مدارسنا اليوم، كما أن نظريات غير قليلة في ظاهرة التعلم تبارك هذه الطريقة، وهي طريقة التقطيع في التعلم، لكن الجشطاليين لم يتبنوا ذلك وعدوها من الطرق السطحية في التعلم، وإنما يفضلون اتباع مبدأ الاستبصار القائم على الفهم والإدراك قبل النطق حتى عند تعليم الصغار.
(تعليم القراءة والكتابة للأطفال الصغار، حيث يفضل اتباع الطريقة الكلية بدلا من الطريقة الجزئية، أي يحسن البدء بالجمل ثم الكلمات ثم الحروف بدلا من البدئ بتعليم الحروف، فمن الواضح أن الجمل والكلمات التي يبدأ بها الطفل تكون ذات معنى وذات أهمية في نظر الطفل، أما الحروف الجردة فيصعب على الطفل إدراك مدلولاتها) ([17]).
ولذلك عرفت النظرية الجشطالتية بالنظرية الكلية، حيث يتم الوصول إلى الأجزاء من خلال الكل، وذلك لتحقيق الإدراك.
(يمكن الافادة من النظرية الكلية بمراعاة الفكرة القائلة: بأن الكلّ يجب أن يسبق الأجزاء. وذلك بأن تطبق هذه الفكرة في خطوات عرض موضوع معين، إذ يحسن البدء بتوضيح النظرة العامة إلى الموضوع في جملته، وبعد ذلك ننتقل إلى عرض أجزائه واحداً بعد الآخر، إذ إن ذلك يساعد على فهم المدلول العام أو الوحدة الكلية للموضوع)([18]) .
الخاتمة:
- ظهرت النظرية كردة فعل على شيوع نظريات تقليدية ظاهرية، لا تنطلق إلى الجوهر وتحلل الكل، لذلك جاءت النظرية كإعادة تركيب للمفاهيم تنطلق من التجزئة من أجل الكل وليس العكس.
- جاءت النظرية كنتيجة من نتائج التفكير في مطلع القرن العشرين لذلك اعتمدت على المنهج التجريبي، وهي بهذا تتلاءم تماماً مع روح العصر لذلك لاقت شيوعا وانتشارا واسعاً.
- بنيت النظرية على التأمل والتحقق من المعارف كأنما هي إعادة فهم وتعريف.
- لم تأت النظرية بفهم خارج الفطرة البشرية بل استثمرت الطاقات الموجودة لدى الفرد والتي لم تستثمر أو لم توظف كما يجب.
- ولأنها نظرية لا تعتمد النتائج الموروثة فقد اعتمد الجشطالتيون على التجارب كثيرا في التحقق والتثبت.
- ولأن الجشطالتيين انطلقوا من المعنى والتأمل فإنهم يعدون التعزيز معنويا أكثر من كونه ماديا فالتعلم تعزيز بحد ذاته وعلى الفرد المتعلم أن يعي ذلك قبل التعلم، فحين يثبت عنده فإنه لن يتوقف في مسيرته، وهذا رفد مهم للعملية التعلمية.
الهوامش:
[1] ينظر: نظريات التعلم، مصطفى ناصف، ص199، وما بعدها.
[2] ينظر: سيكولوجية اللعب ، سوزانا ميلر ، ترجمة: حسن عيسى، صادر ضمن سلسلة عالم المعرفة (الكويت) 1978، ص49.
[3] ينظر: نظريات التعلم ، محمد جاسم ، دار الثقافة (عمان) الطبعة الأولى 2007، ص151، وما بعدها.
[4] التعلم بالاستبصار ، فاطمة رمزي المدني، ص10.
[5] ينظر: نظرية المعرفية في التعلم ، يوسف قطامي، ص 113.
[6] ينظر: المصدر نفسه: ص113
[7] ينظر: المصدر نفسه: ص114.
[9])) المصدر نفسه، ص114.
[10] المدخل إلى علم النفس، فائدة صبري الجوهري، جامعة الطائف (السعودية) ص 44، وما بعدها.
[11] فاطمة رمزي المدني، المصدر السابق: ص1.
[12] ينظر: نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ، بحث من إعداد ميعاد الحسيني وأخريات ، جامعة أم القرى (الرياض) ص9.
[13] ينظر: المصدر السابق:ص114.
[14] المصدر نفسه: ص114.
[15] ينظر: نظريات التعلم ، زغلول: ص188، وما بعدها.
[16])ينظر: المصدر السابق : ص189.
[17] التعلم أسسه وتطبيقاته، أبو علام : ص45.
قائمة المصادر والمراجع:
1- الشرقاوي، الدكتور أنور محمد: التعلم (نظريات وتطبيقات)، مكتبة الأنجلو المصرية: 2012م.
2- أبو علام، رجاء محمود : التعلم أسسه وتطبيقاته، دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان الاردن، الطبعة الأولى 2004م.
3- المدني، فاطمة رمزي: التعلم بالاستبصار، بحث منشور على موقع جامعة بنها http://www.bu.edu.eg/) ).
4- سوزانا ميلر، ترجمة: حسن عيسى: سيكولوجية اللعب، الصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني (الكويت) 1978، ص49.
5- الجوهري، فائدة صبري: المدخل إلى علم النفس، بحث منشور عن موقع: جامعة الطائف (السعودية)
6- ناصف، مصطفى: نظريات التعلم (دراسة مقارنة) ، عن سلسلة عالم المعرفة الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة (الكويت) 1978، ص199
7- عبد الرحيم، الزغلول عماد: نظريات التعلّم، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى 2012م.
8- جاسم، محمد: نظريات التعلم، دار الثقافة للنشر والتوزيع (عمان) الطبعة الأولى 2007
9- الحسيني، ميعاد وأخريات: نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ، بحث، جامعة أم القرى (الرياض)
10- قطامي يوسف: نظرية المعرفية في التعلم، دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الأردن الطبعة الأولى 2013م.
……………….. *****. ………………