موقع الحرف العربي على خريطة اللغات العالمية

Vol. No. 1, Issue No. 1 - January-March 2021, ISSN: 2582-9254

0
2744

موقع الحرف العربي على خريطة اللغات العالمية

ودرجات انتشاره وانحساره في القرن العشرين
أ.د. جلال السعيد الحفناوي
رئيس قسم اللغات الشرقية، كلية الآداب – جامعة القاهرة ، جمهورية مصر العربية

——————————————————-

مقدمة:

شهدت اللغة العربية والحرف العربي انتشاراً واسعاً خلال فترة قصيرة من الزمن، مع خروج الإسلام من الجزيرة العربية في بداية القرن السابع الميلادي إلى أن أصبحت هذه اللغة تربط بين شعوب مختلفة تمتد من شمال اسبانيا إلى شرق ووسط آسيا، ومن شرق أفريقيا إلى غربها. وقد أصبحت اللغة العربية منذ ذلك الحين لغة عالمية، وذلك لانتصارها الجغرافي الواسع في القارات الثلاثة للعالم القديم ولاستيعابها لثقافة الشعوب الأخرى غير العربية. وفي الواقع يتميز الإسلام هنا بدوره المثير في هذا الانتشار نظراً للارتباط الوثيق بينه وبين اللغة العربية والحرف العربي، ومن خلال هذا الارتباط شهد الحرف العربي في بداية العصر الحديث امتداداً آخر مهماً في أوربا الشرقية حيث انتشر الإسلام بفضل العثمانيين بين عدة شعوب في ألبانيا والبوسنة وكوسوفا.

وإلى جانب انتشار اللغة العربية في هذه المساحة الشاسعة، برز تأثير الإسلام في جانب آخر على قدر كبير من الأهميّة، ألا وهو تبني بعض الشعوب غير العربية للحروف العربية في كتابة لغاتها القومية مثل: الفارسيّة والتركيّة والأرديّة ومع هذا التحوّل أصبحت الحروف العربية، ولا تزال إلى الآن، أكثر الحروف انتشاراً في العالم بعد الحروف اللاتينية.

ولم تكتف شعوب الأمم الإسلامية التي استخدمت الحرف العربي في تدوين لغاتها به فحسب، بل طورت طرق كتابته بما اخترعته من خطوط مثل النستعليق لكي ترسم به لوحات فنية عظيمة.

وأضافت التركية والفارسية والأردية وغيرها من اللغات الإسلاميّة تعديلات طفيفة على بعض الحروف العربية لكي تتواءم مع خصائصها الصوتية والدلالية من خلال وضع نقطتين على حروف ج و ز و ب لتصبح چ و ژ و پ واضافة شرطة على حرف ك لتصبح گ وتنطق مثل الجيم المصرية.

وفي القرن العشرين حدث انحسار للحرف العربي نتيجة استعمار الغرب لبلدان الشعوب الإسلامية في آسيا وافريقيا وأوروبا وفرضوا على لغاتهم الحروف اللاتينية وحاولوا تنصيرهم.

وفي هذا البحث سوف نتتبع الخريطة اللغوية للحرف العربيّ ومدى انتشاره وانحساره في القرن العشرين، وسيتناول البحث المباحث التالية:

أولاً: الحرف العربي في آسيا وتدوين اللغات الأردية والفارسية والتركية والكردية والآذرية والبشتو والكشميرية.

ثانيًا: الحرف العربي في أفريقيا وتدوين اللغة السواحليّة ولغة الهوسا.

ثالثًا: الحرف العربي فـي أوربا وتدوين اللغة المورسكية والبوسنوية والمالطية والألبانية.

خاتمة: نتائج البحث

ملاحق البحث.

قائمة المصادر والمراجع.

أولاً: الحرف العربي في آسيا وتدوين اللغات الأردية والفارسية والكردية والآذرية والبشتو والكشميرية:

اللغة التركية:

اللغة التركية هى إحدى اللغات الشرقية الكبرى التي كتبت بها تاريخ الإسلام وصيغت فيها الثقافة الإسلامية. وهي اليوم تحوز أهمية عظيمة لانتشارها في شرق القارة الأوربية وربوع القارة الآسيوية.

وصلة الترك بالعرب صلة متناهية في القدم رغم البعد الجغرافي، ومما لا شك فيه أن القوافل التجارية التي كانت تسلك طريق الحرير قد قربت بين العرب والترك حتى أننا نجد اسم الترك يتردد في الشعر الجاهلي. فلما كان الإسلام وأخذ الترك يدخلون فيه طوعاً، ارتبطت الثقافة التركية بالثقافة العربية ووحدت بينهما الأخوة الإسلامية. وأصبحت اللغة التركية أقرب إلى اللغة العربية – في مفرداتها – من تلك اللغات التي يربطها بالعربية أصل واحد وشبه واحد.

وتصنف اللغة التركية ضمن مجموعة اللغات الأورالية الألتائية وتنتمي تحديداً إلى الفرع الألتائى. أما من حيث البناء فإن اللغة التركية لغة التصاقية (الحاقية).

وتنتمي اللغة التركية العثمانية إلى اللهجة الأوغوزية وهي اللهجة الغربية التي حملها السلاجقة ومن بعدهم القبائل التركية التي هاجرت من آسيا الوسطى الوطن الأم للأتراك إلى آسيا الصغرى.

وقد تفرعت التركية الغربية (اللهجة الأوغوزية) السائدة في آسيا الصغرى إلى لهجتين: الأولى هي التركية الآذرية وهي اللهجة التي يتحدث فيها اليوم تركمان أذربيجان وإيران والعراق. والثانية هى التركية العثمانية وهي التي سادت في الأناضول، هى نفس اللهجة التي يتحدث بها أتراك الجمهورية التركية حالياً.

وقد استعمل الأتراك في كتابة اللغة التركية القديمة الأبجدية الاورخونية أبجدية الـ كوك تورك وأشهر النصوص التي كتبت بها نقوش أورخون. أما الأبجدية الثانية التي استعملها الأتراك فهى الأبجدية الأيغورية.

ولقد اتخذ الأتراك الأبجدية العربية خطاً لهم اعتباراً من القرن العاشر الميلادي بعد قبولهم الإسلام ديناً. وظلت الحروف العربية مستعملة في كتابة اللغة التركية حتى ألغيت في نوفمبر عام 1928م وحلت محلها الأبجدية التركية الجديدة المأخوذة عن الحروف اللاتينية.

واللغة التركية هى لغة الدولة العثمانية وأهم اللغات التركية في التعبير عن الحضارة الإسلامية، وهي لغة الجمهورية التركية، وأهم اللغات التركية في العصر الحديث، يرجع تاريخ اللغة التركية إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وقد ازدهرت اللغة التركية في إطار الدولة العثمانية، ولذا تأثرت كثيرا بالعربية والفارسية، وكانت اللغات العربية والفارسية والتركية، تستوعب مجالات التعبير الحضاري في الجناحين الغربي والأوسط من العالم الإسلامي. وتسمى اللغة التركية في هذه الفترة باسم التركية العثمانية، وكانت تدون بالخط العربي. وقد عاشت التركية العثمانية في إطار الحضارة الإسلامية، وكانت المثل الثقافية في إطار الدولة العثمانية تجعل اللغتين العربية والفارسية أهم أدوات الثقافة الرفيعة، وأدى هذا الاهتمام بالعربية والفارسية إلى دخول عدد كبير من الألفاظ العربية والفارسية إلى التركية، ويتضح هذا التأثير بصفة خاصة في المجالين الديني والثقافي.[1]

 

وقد دخلت اللغة التركية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى مجالات التعبير عن الحضارة الحديثة، فتأثرت باللغة الإيطالية وباللغة الفرنسية في ألفاظ الحضارة والمصطلحات العلمية، وأخذ بعض الكتاب يطرحون قضية التجديد اللغوي باعتباره الطريق نحو التقدم والحضارة، ونادى كثيرون بالتقليل من الألفاظ الدخيلة من العربية والفارسية التي كان الفصحاء يتبارون في حشدها، وطالب البعض بمحاولة الاقتراب من لغة الشعب في التعبير الأدبي، وظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين محاولات لإصلاح نظام الكتابة بابتكار علامات إضافية تجعل الكتابة التركية أصدق تعبيراً عن الصوامت والحركات التركية. وعندما ألغيت الخلافات سنة 1924، وأعلنت الجمهورية التركية دولة علمانية كانت تركيا أول دولة تنفصل بإرادة حكامها عن الإطار الإسلامي الحضاري وتولى وجهها شطر الغرب. وفي ذلك العام أيضا كانت المحاولات الروسية الجنوبية لفصل الأقاليم الجنوبية عن الارتباط الحضاري بباقي أنحاء العالم الإسلامي قد اتخذت شكلا رسميا، وذلك بتعديل نظام كتابة اللغات التركية في جنوب الاتحاد السوفيتي من الخط العربي  إلى الخط اللاتيني ، ولذلك كان إعلان التحول إلى الخط اللاتيني  في تدوين اللغة التركية سنة 1928 نقطة تحول في التاريخ اللغوي والحضاري التركي، فكان إعلانا بالتحول عن الارتباط بالعربية والفارسية ودعوة إلى التقريب في اللغة التركية، وقد حاولت الحكومات التركية بقرارات رسمية التخلص من كلمات عربية وفارسية كثيرة كانت قد دخلت التركية وإحلال كلمات تركية بديلة. وعلى الرغم من كل هذه المحاولات فقد ظلت نسبة عالية من الألفاظ العربية والفارسية مستقرة في اللغة التركية، ولا تزال الدولة تسمى نفسها رسميا باسم Turkiye Cumhuriyeu دون رفض كلمة (الجمهورية)، وهي كلمة عربية ولكن تحول نظام الكتابة عن الخط العربي إلى الخط اللاتيني أوقف دخول كلمات عربية جديدة وفتح الباب لدخول ألفاظ كثيرة من اللغات الأوربية.[2]

اللغة الآذرية:

اللغة الآذرية هى لغة آذربيجان، وتسمى هذه اللغة باسم “آذرى” وتعد اللغة الآذرية أقرب اللغات من جانبي البنية النحوية والمعجم الأساسي من اللغة التركية، ومن الممكن أن يتفاهم آذرى بلغته مع تركي أناضولي بلغته في موضوعات كثيرة دون أن يكون أحدهما قد تعلم لغة الآخر، وكأن اللغتين لهجتان للغة واحدة. واللغة الآذرية هى اللغة السائدة في جمهورية آذربيجان السوفيتية الاشتراكية سابقاً – وعاصمتها باكو، وتوجد جماعات أذرية في إيران، ويقدر عدد أبناء اللغة الآذرية بحوالي ثلاثة ملايين ونصف (1959)، ثلاثة أرباعهم في جمهورية آذربيجان.

وكانت اللغة الآذرية في إطار الحضارة الإسلامية إحدى اللغات التي صنفت بها المؤلفات الأدبية. وهناك تراث أدبي آذري منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وبهذا تكون الآذرية أقدم في الاستخدام الأدبي من اللغة التركية وكان الأدباء الأدريون يجيدون العربية والفارسية، ولذا ظهرت ألفاظ عربية وفارسية كثيرة في أشعارهم وكتاباتهم. وظهرت محاولات عند بعض الأدباء للاقتراب من لغة الشعب، والإقلال من التفاصح بالعربية والفارسية، وكانت الصحافة الآذرية في أواخر القرن التاسع عشر عاملاً مبلوراً للوعي الوطني الآذري في إطار النهضة الإسلامية، ولكن إعلان جمهورية آذربيجان السوفيتية (1918)، ثم تحويل نظام تدوين اللغة الآذرية من الخط العربي  إلى الخط اللاتيني  (1924)، إلى الخط الكيريلي الروسي (1939) حددت الوجهة الحضارية للغة الآذرية إلى داخل الاتحاد السوفيتي، أما في إيران فتكتب اللغة الأدرية إلى اليوم بالخط العربي ، وبذلك بدأت مرحلة جديدة في آذرية الإطار الحضاري السوفيتي، فإذا كان الترك في جمهورية تركيا أحلوا محل كلمة “انقلاب” كلمة تركية الأصل هى Devrim فإن اللغات التركية في الاتحاد السوفيتي – ومنها الآذرية – تستخدم في هذا الصدد كلمة revolyustiya عن اللغة الروسية.[3]

اللغة الجغتائية:

اللغة الجغتائية – إحدى اللغات التركية ذات التاريخ الأدبي والثقافي، وقد دون الأدب الجغتائى منذ القرن الثالث عشر الميلادي بالخط العربي، وكانت اللغة الجغتائية في عهد الإسلام زاخرة بالألفاظ الفارسية والعربية، وكان تراثها محاكاة للتراث الفارسي والعربي. وظلت اللغة الجغتائية أهم لغات شرقي دولة التتار، إلى أن قام الأوزبك بطرد التتار من وسط آسيا وشرقي إيران في القرن السابع عشر، فأخذت لهجتهم الأزبكية في السيادة. واليوم يتحدث باللغة الأزبكية حوالي ستة ملايين، أكثرهم في جمهورية الطاجيك والقيرغيز والقازاق.

اللغات الوطنية للشعوب التركية في الاتحاد السوفيتي “سابقا”:

هناك مستويات لغوية كثيرة توسلت بها الجماعات التركية في جنوب أوربا ووسط آسيا، وكان استخدامها مقصوراً على الحياة اليومية عند هذه الجماعات. أما في مجالات الثقافة فقد كانوا – عند الضرورة – يتعاملون بغير لغاتهم المحلية، ولكن السياسة اللغوية للاتحاد السوفيتي جعلت هذه المستويات اللغوية المحلية لغات وطنية، ودونت هذه اللغات بالخط اللاتيني سنة 1928، وكانت الآذرية قد دونت بهذا الخط منذ سنة 1924، ثم عدل نظام الخط منذ سنة 1924، إلى الخط الكيريلي سنة 1928 وسنة 1940.

 وأهم هذه اللغات الوطنية للشعوب التركية في الاتحاد السوفيتي:

  • اللغة الأوزبكية: وهي أهم اللغات التركية في الاتحاد السوفيتي، ويتحدث بها أكثر من ستة ملايين أكثرهم في جمهورية أوزبكستان، وتوجد جماعات أوزبكية في جمهورية الطاجيك وجمهورية القرغيز وجمهورية القازاق. وتعد اللغة الأوزبكية أهم اللغات في جمهورية أوزبكستان إذ يشكل أبناءها أكثر من 60% من مواطني هذه الجمهورية.
    • اللغة الباشكيرية: هى اللغة التركية السابعة في الاتحاد السوفيتي، يتحدث بها حوالي مليون، أكثرهم في جمهورية الباشكير، وتوجد جماعات قليلة من الباشكير في جمهوريات أخرى داخل الاتحاد الروسي.
    • اللغة القرغيزية: هى اللغة التركية الثامنة في الاتحاد السوفيتي، يتحدث بها حوالي المليون، أكثرهم في جمهورية القرغيز.
  • اللغة التتارية: تُعد اللغة التركية الثانية في الاتحاد السوفيتي، ويتحدث بها حوالي خمسة ملايين، أكثرهم في جمهوريتي التتار والبشكير وكلتاهما من جمهوريات الاتحاد الروسي الذي يتكون من جمهوريات أخرى في الاتحاد السوفيتي، ولكن التتار يشكلون في جمهورية التتار حوالي نصف السكان فقط. والباقون من الروس والشوباش.
  • اللغة القازاقية: تُعد لغة القازاق اللغة التركية الثالثة في الاتحاد السوفيتي يبلغ عدد أبنائها أقل من أربعة ملايين، أكثرهم في جمهورية كازاخستان أي جمهورية القازاق، وتوجد جماعات قازاقية في الاتحاد الروسي وأوزبكستان. وكانت تكتب بالحرف العربي شأنها شأن اللغة التركية وتحولت أبجديتها إلى الأبجدية الكيريلية بعد احتلال السوفيت لها.
  • اللغة الآذرية: هى اللغة التركية الرابعة في الاتحاد السوفيت، يتحدث بها حوالي ثلاثة ملايين، أكثرهم في جمهورية أذربيجان، وهناك أقليات آذرية في جمهوريتي جورجيا وأرمينيا. وذلك بالإضافة إلى وجود الآذرية خارج الاتحاد السوفيتي في إيران. وقد دونت الآذرية منذ القرن الثالث عشر الميلادي بالخط العربي، وتدون إلى اليوم خارج الاتحاد السوفيتي بالخط العربي، ولكنها تدون في الاتحاد السوفيتي بالخط الكيريلي الروسي.[4]
  • اللغة الشوباشية: هى اللغة التركية الخامسة في الاتحاد السوفيتي، يبلغ عدد أبنائها حوالي المليون ونصف، يعيش حوالي نصفهم في جمهورية الشوباش، أما الباقون فهم في جمهوريات أخرى داخل الاتحاد الروسي.
  • اللغة التركمانية: هى اللغة التركية السادسة في الاتحاد السوفيتي، يتحدث بها حوالي مليون في الاتحاد السوفيتي أكثرهم في جمهورية التركمان وهناك جماعات تركمانية خارج الاتحاد السوفيتي في شمال العراق وتركيا وإيران وشمال غرب أفغانستان والقوقاز. وكانت تدون بصورة منتظمة منذ القرن السابع عشر بالخط العربي إلى أن عدل الاتحاد السوفيتي نظام التدوين إلى الخط اللاتيني ثم إلى الخط الروسي، وبذلك تدون التركمانية داخل الاتحاد السوفيتي بالخط الكيريلي الروسي وخارج الاتحاد السوفيتي بالخط العربي.

 الأبجدية اللاتينية:

كان الأتراك الآذريون هم أول من استخدموا أبجدية تمت إلى الأصل اللاتيني بصلة فقد بدأت الأفكار التي تدعو إلى تغيير الخط العربي إلى اللاتيني بين الآذريين منذ القرن التاسع عشر. فلقد تقدم المفكر الآذري ميرزا فتح علي أخوتروف بمشروع يقترح فيه إحلال أبجدية لاتينية سلافية محل الأبجدية العربية ولكن الوضع السياسي والاجتماعي لم يكن يسمح بتحقيق مشروع كهذا أو حتى مجرد مناقشته.

ولم يتحقق هذا إلا بعد الثورة الروسية وخاصة سنة 1922 حيث تقرر بقانون فرض في جمهورية أذربيجان السوفيتية الاشتراكية سنتي 23/ 1924 تطبيق الحروف الحديثة في اللغة التركية الآذرية. ومع هذا لم تطبق في التعليم إلا سنة 1925 وتعاقب استخدام الخط اللاتيني في جمهوريات الاتحاد السوفيتي وكان آخرها سنة 1957 ثم أعقبها الأتراك الموجودون في الصين حين كان القازاق والأيغور حتى سنة 1970 يكتبون اللغة التركية الأيغورية بالحروف العربية ولكن بعد هذا التاريخ تقرر استخدام أبجدية جديدة مشتقة عن الأصل اللاتيني.

وكان أتراك الأناضول الذين يعيشون في تركيا الحالية يستخدمون الأبجدية العربية إلى حين صدور قانون الانقلاب اللغوي في الأول من شهر نوفمبر سنة 1928 تحت رقم 1363 منهياً بذلك استخدام الخط العربي ومقررا استخدام الأبجدية اللاتينية التي تتكون من تسعة وعشرين حرفاً.

وبهذا، فإن كان الخط اللاتيني قد سهل استخدام اللغة التركية في القراءة والكتابة وقلل من نسبة الأمية بين الأتراك الذين يزيد سنهم عن ست سنوات فوصلت سنة 1970 إلى 4.67% بينما كانت سنة 1927 لا تتجاوز 10.6% بين الذين يزيد سنهم عن سبع سنين إلا أن هذا الخط قد خلق سداً منيعاً بين الأتراك المحدثين وثقافاتهم وحضاراتهم السابقة ولم يعد في مقدور مثقفيهم أو شبابهم الاطلاع على ما خلفه لهم أجدادهم على مدى ما يزيد على ألف سنة من تراث فكري وعقلي وأدبى بل في كل ما يتصل بفروع الحضارة الوارفة.

كذلك لابد من الإشارة إلى أنه في حين كان الخط العربي يوحد بين التراث أو الحضارة التي كانت تنتجها اللغة التركية في شتى لهجاتها أو اللغات التركية – كما يفضل المستشرقون واللغويون والباحثون الغربيون أن يسمونها – في مختلف بقاعها فإن الخط اللاتيني الذي استحدثت كل لهجة تركية فيه لنفسها ما يغطى احتياجاتها الصوتية جعل من العسير على أبناء لهجة ما الاطلاع على ما كتبه أبناء عمومتهم في لجهة أخرى بل يكون مدهشاً لغرابته على حد قول الأستاذ الدكتور طلعت تكين أحد المتحمسين للخط اللاتيني. ([5])

الشركسية:

اللغات الشركسية الثلاث، وهي الشركسية العليا والشركسية السفلى والكبردينية، أهم لغات القوقاز الشمالية. وعلى الرغم من أن المتحدثين بهذه اللغات لا يزيد عددهم عن ربع مليون فإن هذه اللغات أصبحت لغات مدونة داخل الاتحاد السوفيتي، وتؤلف بها الكتب المدرسية في أقاليم شمال القوقاز. وكانت تكتب بالحرف العربي ثم ألغى بعد الاحتلال الروسي.

 اللغات الداغستانية:

وهناك عدد كبير من اللغات في منطقة شمال القوقاز، ويزيد عدد هذه اللغات عن خمسين لغة يتحدث بها حوالي مليون ونصف. ومن أهم هذه المجموعة ما يسمى باسم اللغات الداغستانية، عددها 27 لغة، ويتحدث بها حوالي 900 ألف نسمة، وأشهر هذه اللغات الداغستانية لغة الآثار، ويتحدث بها 170 ألف نسمة. وكانت هذه اللغة تدون بالخط العربي، وعدل نظام كتابتها سنة 1924 إلى الخط اللاتيني، ثم أخذت تدون منذ 1938 بالخط الروسي، وإلى جانب هذه اللغات الداغستانية يوجد بالقوقاز الشمالي أكثر من عشرين لغة أخرى تتحدث بها جماعات لغوية قليلة العدد. [6]

اللغة الخوارزمية:

ظلت اللغة الخوارزمية محتفظة بالخصائص اللغوية للإيرانية الوسيطة قرونا طويلة في الحضارة العربية الإسلامية. وقد دون الخوارزميون لغتهم بالخط العربي، وهناك مخطوطات خوارزمية مدونة بالخط العربي دون تلك النقط الثلاث التي أضافها الفرس إلى حروف في الخط العربي لتكوين حروف جديدة، وثمة مخطوطات أخرى يقوم تدوينها على الخط العربي مع الاضافات الفارسية. وبهذا يعد تدوين تلك اللغة الإيرانية الوسيطة بالخط العربي مهما في وضوحه ولا يقارن بذلك النظام المعقد للفارسية الوسيطة وبالنظام غير المتداول للكتابة الصفدية، ولذا تعد دراسة تلك النصوص الخوارزمية المدونة بالخط العربي مفتاح فهم الكتابات الكثيرة باللغات الإيرانية الوسيطة المدونة بالخطوط المختلفة.

الإيرانية الحديثة:

تطلق هذه التسمية على عدة مستويات لغوية، وليست هناك لغة واحدة تحمل اسم الإيرانية الحديثة، بل هى مجموعة لغات ومستويات لغوية، وأهم هذه اللغات:

اللغة الفارسية:

اللغة الفارسية هى الفارسية الحديثة التي تستخدم في إيران في عهدها الإسلامي وعصرها الحديث، وتسمى هذه اللغة “فارسي” أو “دارى”، وترجع بداية تميز الفارسية الحديثة عن الفارسية الوسيطة إلى القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي والإسلام ولغة المراسلات الرسمية في العهد الساساني كما كانت لغة الطبقة العليا، وقد حدث التحول من الفارسية الوسيطة إلى الفارسية الحديثة في أواخر العهد الساساني، فالتغيرات الصوتية التي تميز الفارسية الحديثة في أقدم صورها عن الفارسية الوسيطة كانت قد حدثت في القرن السابع الميلادي.[7]

وعندما دخلت إيران الدولة الإسلامية بعد الفتح هاجرت إليها جماعات عربية كثيرة، ودخل الإيرانيون في الإسلام، وحاول كثير منهم العمل في الدولة الإسلامية وأراد بعضهم الإسهام في الحضارة الإسلامية بتأليف الكتب العربية، فكان على كل هؤلاء الطامحين تعلم اللغة العربية، وهنا بدأ الإيرانيون عصر ازدواج لغوى العربية لغة التأليف ولغة الدولة ولغة الدين وهى أيضا لغة الحياة، والفارسية بلهجاتها المختلفة يقتصر استخدامها على الحياة اليومية المحلية، وهكذا كانت العربية – وحدها – لغة الثقافة، فلم يؤلف الإيرانيون بغيرها حوالي ثلاثة قرون. لقد عرف القرن الثالث الهجري محاولة لجعل الفارسية لغة كتابة، ثم أصبح التأليف بالفارسية ظاهرة واضحة الملامح في القرن الرابع الهجري في إطار دولة البويهيين.

لقد تكونت الفارسية الحديثة في إطار الحضارة الإسلامية، وظلت اللغة العربية عند العلماء الفرس المصدر الذي يستمدون منه مصطلحاتهم العلمية. لقد دون الفرس لغتهم بالخط العربي، وكان استخدامهم للخط العربي تعبيرا عن ارتباطهم بالإسلام في وقت مبكر، بينما كان الزرادشتية والمانوية واليهود والمسيحيون يدونون الفارسية بخطوط أخرى، وربما يرجع تدوين الفارسية بحروف عربية إلى منتصف القرن الثالث الهجري، ولكن تطوير الكتابة العربية بإضافة النقط الإضافية لتكوين حروف مثلثة يرجع فيما يبدو إلى منتصف القرن الخامس الهجري.

وقد استقرت اللغة الفارسية لغة وطنية ورسمية في إيران منذ ذلك التاريخ، ودخلت بعد ذلك إلى شبه القارة الهندية لغة للآداب والثقافة، فكانت من أهم المواد الدراسية في معاهد التعليم الإسلامية في شبه القارة الهندية، واتخذت مكانها في هذه المعاهد إلى جانب اللغة العربية.

وعندما دخل الترك الدولة الإسلامية كانت الفارسية رافدا لغويا مهما قدم للغة التركية كثيرا من ألفاظ الحضارة والمعرفة، وبذلك ارتبطت الفارسية الحديثة بلغات كثيرة في العالم الإسلامي.[8]

اللغة الطاجيكية:

تنتمي اللغة الطاجيكية إلى لغات المجموعة الغربية من الفرع الإيراني من اللغات الهندية الأوربية. واللغة الطاجيكية هى اللغة الرسمية في جمهورية الطاجيك في الاتحاد السوفيتي. ويتحدث بها هناك حوالي ثلاثة ملايين. واللغة الطاجيكية أيضا إحدى لغات جمهورية أوزبكستان في الاتحاد السوفيتي. وتقوم السياسة اللغوية للاتحاد السوفيتي في جمهورياته الجنوبية على تحويل كتابة لغات هذه الجمهوريات إلى الخط الكيريل الذي تدون به اللغة الروسية. ولذا تكتب اللغة الطاجيكية بالخط الكيريلي الروسي.

اللغة الكردية:

تنتمي اللغة الكردية إلى المجموعة الغربية من الفرع الإيراني من اللغات الهندية الأوربية، وتتحدث بها جماعات الأكراد في العراق وتركيا وإيران. وهي إحدى اللغات الوطنية المعترف بها – اليوم – في العراق. ويقدر عدد المتحدثين باللغة الكردية بحوالي سبعة ملايين موزعين في شمال العراق وشمال غرب إيران وشرقي تركيا، ولذا دخلت ألفاظ كثيرة من التركية والفارسية والعربية اللغة الكردية.

اللغة البلوشية:

اللغة البلوشية إحدى لغات المجموعة الغربية من الفرع الإيراني من اللغات الهندية الأوربية، وهي اللغة السائدة في إقليم بلوشستان في جمهورية الباكستان، وتوجد جماعات بلوشية كبيرة العدد في أقاليم الباكستان الأخرى خصوصا في إقليمي البنجاب والسند، وهناك جماعات بلوشية في إيران وأفغانستان. وهناك تفاوت كبير في تقدير عدد البلوش في هذه المناطق، إلا أن دراسة حديثة عن البلوش تقدر عددهم بعشرة ملايين في الباكستان وستة ملايين في إيران وافغانستان، وذلك بالإضافة إلى عدة آلاف من البلوش هاجروا منذ حوالي قرنين إلى الخليج العربي والكويت، والبلوشيون لا يدونون لغتهم إلى الآن، ويكتبون باللغات الأخرى التي يعيشون في إطارها الحضاري.

لغة البشتو:

لغة البشتو هى اللغة الوطنية واللغة الرسمية في دولة أفغانستان منذ 1936، وهي لغة إقليم سرحد في دولة الباكستان وعاصمته بشاور، وهي بذلك لغة أكثر من خمسة عشر مليونا، وتكتب لغة الباشتو بالخط العربي حتى الآن.[9]

تدخل لغة البشتو ضمن مجموعة اللغات الأرية التي يتحدث بها ثلاثة عشر مليوناً من الأنفس في الجزء الأوسط الواقع بين القارة الهندية وفلاة إيران في مناطق “بشتونخوا” الجبلية التي تقع بين هرات ونهر السند.

وللغة البشتو لهجتان رئيسيتان هما اللهجة الغربية واللهجة الشرقية، وتنتشر اللهجة الغربية في هرات وقندهار وغزنى وكرديز وبنون. أما اللهجة الشرقية فتنتشر في ننكرهار وبشاور وسوات.

ويبلغ عدد حروف لغة البشتو ثلاثيين حرفا وهى تحتوى على الأصوات الهندية والإيرانية معاً.

ولغة البشتو تشترك في جميع الحروف المستعملة مع اللغة العربية، وهناك حروف مستعملة في لغة البشتو ولا تستعمل في اللغة العربية مثل: پ وچ وژ وگ.[10]

استقر العرب في مختلف الأقاليم الأفغانية، وباستقرارهم نشأت عمليتان أساسيتان، إحداهما عملية الممازجة والمخالطة والتفاعل بين الأفغان والعرب وعقائدهم، والثانية عملية الصراع بين اللغة العربية وآدابها وبين مجموعة اللغات الأفغانية وآدابها. فتمكنت العقيدة الإسلامية من القضاء على العقائد الأفغانية، وتمكن الخط العربي من التغلب على الخطوط الأفغانية البائدة، كما استطاع الأدب العربي أن ينافس الآداب الأفغانية.

انتقلت اللغة العربية من موطنها الأصلي إلى أفغانستان، فكان لها تأثيرها الواضح على اللغات الأفغانية، حيث قضت بقوتها الذاتية والدينية والسياسية على كل اللغات الأفغانية مؤقتاً، كما قضت بحروفها الهجائية على الأبجدية الأفغانية إلى الأبد، كما كان لها تأثيرها في الأساليب الأدبية الحياة الثقافية، والتراكيب النحوية، وفي كل فنون القول. وحلت اللغة العربية محل اللغات الأفغانية، وأصبحت لغة الأدب والعلم والمعرفة، ولغة الحياة الدينية العلمية.

وكانت لغة رسمية للدين والدولة، بعد أن خرجت منتصرة من المعارك اللغوية والأدبية التي دارت بينها وبين غيرها من اللغات الإقليمية في البلاد الأفغانية، لما لها من الهيبة الدينية، والتفوق اللغوي، والوقار الاجتماعي، والقوة الروحية والسياسية.

أخذت أفغانستان الخراسانية تستشعر منذ القرن الثالث ميولاً ونزعات قومية قوية، كان من آثارها في أوائل هذا العصر أن نشأت وتقابلت دويلات وإمارات أفغانية انفصالية كثيرة على الأراضي الأفغانية، فكان الطاهريون في نيسابور، وكان الصفاريون في سيستان، وكان السامانيون في آسيا الوسطى، الغزنويون في غزنه، والغوريون في بلاد الغور الجبلية. وكانت إمارة السامانيين أبعد الإمارات عن غزنه حاضرة اللغة العربية وآدابها، وقد هيأ لها ذلك أن تعمل على إحياء اللغات الوطنية الأدبية. وقد استمرت عملية إعادة الحياة إلى اللغات الأفغانية في العصور والدول التي تلت الدولة السامانية وتعاقبت على الأرض الأفغانية، ولم يكد ينتهي القرن الخامس الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي) حتى أخذت اللغات الأفغانية الحديثة تنمو شيئا فشيئا مستلهمة طريقها من الإحياء السابق الذي وضع أساسه أيام أبى مسلم الخراساني وتم تحريكه أيام الطاهريين، وقام الصفاريون ببعثه، وشيد عيه السامانيون قصور الآداب الإقليمية في اللغات المحلية، ثم أعقبهم في ذلك الغزنويون والغوريون والسلاجقة. وحينئذ بدأت اللغة العربية وآدابها تتراجع، وأخذ ظلها يتقلص تدريجيا، وشيئا فشيئا، حتى عاد الأدب العربي إلى بغداد، بعد أن حلت محله الآداب الإقليمية في ثوبها الإسلامي، واحتفظت اللغات الأفغانية بالهجائية العربية مضيفة إليها بعض الأصوات الخاصة بتلك اللغات. وهكذا زاحمت اللغات الأفغانية اللغة العربية، وأخذ الأفغان والفرس يحيون آدابهم القديمة، ويكتبونها بلغاتهم القومية، مستخدمين الحروف العربية.[11]

وقد نشأت اللغات الأفغانية التي قام الأفغان بإحيائها في القرن الثالث الهجري في حماية اللغة العربية، وفي ظلها، وتحت رعايتها، ورعاية آدابها، حيث تم إحياؤها بالأسلوب العربي، وكتبت بالحروف والهجائية العربية، وطعمت بالمفردات والمصطلحات والأوزان العربية، واستظلت بظلال فنون القول العربي، وهذه الأصوات والحروف الهجائية العربية التي تكتب بها اللغات الأفغانية تعطينا صورة واضحة، وبرهناً قاطعاً، ودليلاً عمليا على أن اللغات الأفغانية قد نشأت في حياتها الثانية تحت رعاية اللغة العربية، بعد أن كانت كأجل محتوم قضى على الحياة اللغوية والأدبية في بلاد الأفغان.

حروف الكتابة في البلاد الأفغانية:

استعملت في أفغانستان قبل الإسلام أربعة أنواع من الخطوط أو الحروف، وهى الخطوط الإغريقية ، والخروشيتية، والبهلوية، والسنسكريتية، ويبدو أن اللغات الأفغانية قد استخدمت هذه الأنواع الأربعة من الخطوط في عهود مختلفة من تاريخها الأدبي، وعلى درجات من التفاوت بين الأوضاع الثقافية واللغوية من عصر إلى عصر، ثم من إقليم إلى إقليم نظراً لتعدد اللغات واللهجات والأقاليم، وكان لهذه التعددية الإقليمية واللغوية والزمنية أثرها المؤثر في الأوضاع الأدبية بعامة وفي تعدد الخطوط وحروفها الكتابية واستخدامها في أفغانستان بخاصة، والدليل على ذلك نقش بغلان، وهو مكتوب بلغة أفغانية محلية بخط إغريقي، ونقش وردك، وقد كتبت بلغة أفغانية محلية بخط خروشتى، ونقش وزيرستان الذي يحمل لغتين إحداهما عربية بخط كوفي والأخرى سنسكريتية، وكان الخط البهلوي يستعمل في الأقاليم الغربية من أفغانستان القديمة. هذا بالإضافة إلى الخط الكوشاني أو البرهمي. وقبل ذلك الخط الباخترى في شمال أفغانستان.

والخط الخروشتى الذي لقى مصرعه في صراع مع الخط العربي منسوب على الأرجح إلى قبيلة “الخروط” الأفغانية الشهيرة. وفي معناه اللغوي اختلاف بين علماء الدراسات الأدبية الأفغانية. وهو مأخوذ من الخط الآرامي كغيره من خطوط المنطقة. ومنشأة أفغانستان حيث نشأ فيها، واستكمل مراحل تطوره بالتدريج حتى وصل في أواسط القرن الثالث قبل الميلاد إلى درجة الكمال. والخط الخروشتى الذي صرع الخط العربي يكتب من اليمين إلى الشمال كالخط الآرامي والعربي، وكان يروج في الجناح الجنوبى من جبال هندوكوش، أو بعبارة أخرى في قندهار، ومن هناك انتشر، وسيطر على جميع أنحاء آريانا الإفغانية، وعلى بعض المناطق الهندية والتركستان الشرقية.

نحن نعلم أن الخط العربي قد حل محل الخطوط الأفغانية كاللغة العربية التي حلت محل اللغات الأفغانية بعد دخول الإسلام في أفغانستان كما هو مبين في كتب تاريخ الآداب. وأما بالنسبة للحديث عن الخطوط الأفغانية في عصورها الجاهلية فإنه يجب علينا أن نعترف أن كل دراسة لهذا الموضوع ستبقى دراسة مبتورة ما دامت أرض تضن علينا بالكنوز التي ترقد في بطنها.

والخط الأفغاني (البشتونى) يتكون الآن من أربعين حرفا صائتا وصامتاً، ويكتب من اليمين إلى الشمال، وقد أضيفت إلى بعض الحروف العربية علامات تلائم نطق الحروف والحركات في اللغة الأفغانية. وهذا بعض مما عقد كتابة الأفغانية (البشتونية) وصعب تعلمها قدراً ما.

ومما لا شك فيه أن الخط العربي قد ساعد على انتشار الأفغانية، وسهل أمر تعلمها، وتعميمها، وتقريبها إلى اللغة العربية التي هى بمثابة أمها المرضعة، بعد أن كانت بعيدة عنها بحروفها القديمة البائدة. ولعل أول ما ألف بالأفغانية هو الكتب الدينية لتعلم الأصول، وأحكام الشريعة الإسلامية، وتفسير القرآن الكريم. [12]

كانت اللغة الأفغانية تكتب في الغالب بالخط الخروشتى، أو بأي خط آخر من الخطوط الكثيرة التي كانت رائجة في البلاد الأفغانية ولما جاء الإسلام، وتم فتح البلاد الأفغانية، وأصبحت اللغة العربية هى اللغة الرسمية والأدبية والعلمية، شأنها في ذلك شأن البلاد والأمصار الإسلامية الأخرى، وأهمل استعمال اللغات الأفغانية، وسقط خطها القديم من التداول والاستعمال، وبعد مرور قرنين من الزمان بدأت المحاولات لإحياء اللغات الأفغانية المندثرة، وعندما أثمرت المحاولات الانفصالية القومية، استبدل الخط الأفغاني القديم بالخط العربي الجديد.

وبالنسبة إلى الحروف والأصوات الأفغانية التي لا يوجد لها نظير أو مثيل في الخط والنطق العربي، فإن الأفغان قد استحدثوا لها حروفاً تعتمد على الأصل العربي مع إضافة بعض النقط أو الحلقات أو الشرط إلى بعض الحروف العربية، وذلك لنطق حروف هجائية أو أصوات أفغانية ليس لها ما يقابلها في أصوات الحروف العربية بفضل جماعة من رجال العلم والأدب في أفغانستان اكتملت الخطوط الأفغانية. ومما لا شك فيه أن كتابة اللغة الأفغانية بالحروف العربية تمثل سهولة كبيرة للناطقين باللغة العربية، حيث أنهم لا يبذلون مجهوداً كبيرا ووقتا طويلا في حفظ هذه الحروف كالمجهود الذي يبذلونه في تعلم اللغات الأوربية.

كان الخط المستخدم في كتابة اللغة الأفغانية مأخوذاً من الخط الآرامي، فتم استبداله بالخط العربي، وهذه اللغة تكتب حتى اليوم بالحروف والأصوات العربية، وقد بدأ استعمالها وتداولها في أفغانستان منذ أوائل القرن الثالث الهجري عندما بدأ الأفغان في إعادة الحياة إلى لغاتهم وآدابهم وتاريخهم وكيانهم المستقل، ووجودهم المنفصل عن الدولة العباسية في بغداد.

ولم تعد الخطوط الأفغانية القديمة البائدة صالحة لكتابة اللغات الأفغانية الإسلامية بعد أن اعتنق الأفغان الدين الإسلامي الخالد، وتهربوا منها بشدة لارتباطها بالعصور الجاهلية في أفغانستان بالإضافة إلى عدم ذيوعها بين الطبقات العامة من الشعب وصعوبة تعلمها لصعوبة أشكالها وتعقدها الشديد، بينما أمامهم الآن خط عربي بحروفه العربية المستساغة الميسرة التي يكتب بها وأصدق كتاب كريم آمنوا به ويقدسونه، من هنا أقبلوا على الخط العربي وحرصوا عليه حرصهم على القرآن الكريم. [13]

المجموعة الأندونيسية:

تضم المجموعة الأندونيسية عدة لغات في الجزر الكثيرة من المحيط الهادي ثم قورموزا وإندونيسيا وشبه جزر الملايو إلى مدغشقر في المحيط الهندي بالقرب من الساحل الشرقي للقارة الأفريقية. وبلغ عدد المتحدثين بهذه اللغات حوالي 190 مليونا في دول مختلفة في هذه المنطقة. وأهم لغات هذه المجموعة اللغة الأندونيسية ولغة جاوة.

واللغة الأندونيسية هى لغة الملايو في شكلها المتعارف عليه في دولة أندونيسيا، فالأصل التاريخي أن هذه اللغة كانت لغة ساحل سومطره ثم انتشرت بعد ذلك في الملايو وبورنيو. وقد دونت هذه اللغة التي كانت تعرف باسم لغة الملايو في القرن الثالث عشر بخط محلى، وعدل نظام الكتابة في القرن الخامس عشر الميلادي إلى الخط العربي، ثم حول بعد ذلك إلى الخط اللاتيني، وعندما أعلن قيام دولة أندونيسيا سنة 1947 أعلنت معها لغة الملايو لغة رسمية البلاد، ثم عدل اسمها إلى اللغة الأندونيسية تمييزا لها عن الأشكال اللغوية الأخرى – القديمة والحديثة – للغة الملايو.[14]

 واللغة الأندونيسية وأن تغلبت على اللغات الإقليمية في الاستعمال والرواج، وفي حسن الأداء وكثرة الانتشار، لكنها قد تأثرت ببعض اصطلاحات إقليمية وكلمات دارجة، وألفاظ من مناطق متعددة، فدخلت فيها اللغات الجارية على اختلاف انواعها، واللغات السومطرية مع كثرة أشكالها، وغيرها من لغات المناطق الأخرى من الأقاليم الأندونيسية، وذلك تكملة لما نقص من كلماتها، وإتماما لروحها اللغوية في أداء جميع الأغراض، وتأدية كل المعاني التي تتطلبها لغة من اللغات.

وعلى العموم فإن اللغة الأندونيسية لغة سهلة خفيفة، بسيطة لطيفة، سريعة التداول، قريبة التناول، قواعدها بمهدة لا التواء فيها، ثابتة لا استثناء فيها، تمشى على منوال واحد مترادف، وعلى برنامج مضبوط متكاتف، وتسلك طريقا لا تحيد عنها، غير أن حروفها الهجائية تفوق غيرها من اللغات بأربعة أحرف، إنه من ضروريات التلاؤم اللغوي، والتناسق النطقي، لتأخذ المخارج حروفا تدل عليها وتقوم بأداء التفسير والتعبير عنها، وتشير في الكتابة عليها، وتبين في اللفظ عن صورتها.

بما أن أصل الكتابة لهذه اللغة هى الحروف العربية تجد لكل هذه الحروف الأربعة المذكورة حرفا واحدا يشير إلى كل حرف منها، يقوم بذاته، ولا يشتبك مع حرف آخر ليدل عليه ويبينه بخلاف شأنه من الحروف اللاتينية الطارئة فيما بعد.

ففي الكتابة بالحروف اللاتينية تجد حرفين مشتبكين معا يدلان على كل حرف من تلك الحروف الأربعة، مما يبدى غرابتها، وعدم انسجامها، وتظهر من بادئ الأمر زيادتها على الحروف الهجائية اللاتينية التي لا يوجد لها مثيل فيها من قبل. [15]

ولكن أخذ التفكير في تغيير هذا الوضع الشاذ، والبحث عن طريق كتابتها بحرف واحد مؤد للغرض لتكون أسهل وأوفر في الوقت والحيز الكتابي وسرعة الكتابة والطباعة، وحتى تظهر بأنها من أصل حروف الهجاء، ومن صميم تكوين الأحرف الأندونيسية، لا تفترق عن غيرها من حروف الهجاء في التكوين والشكل، والوضع والصورة.

وتكتب اللغة الأندونيسية بالحروف العربية واللاتينية غير أن الكتابة العربية قليلة الانتشار في أندونيسيا بالنسبة للاتينية، ولم تعرف حاليا إلا في المناطق الداخلية من البلاد وفي القرى التي تهتم بدراسة القرآن الكريم والعلوم الدينية والكتب القديمة الموروثة، وقد يهتم أهل سومطرة وكاليمنتن وبعض جزر أخرى بهذه الكتابة لاتصالها بعقيدتهم الدينية، وتعليمهم الأولى.

ولكن هذه الكتابة لم تهمل البتة في أية منطقة ما من أراضى أندونيسيا بيد أنها تعلم في جميع المدارس كوسيلة لتلاوة القرآن ومعرفة الدين ومراجعة الكتب القديمة التي كتب بهذه الحروف.

وقد اهتمت وزارة الشئون الدينية بالخط العربي كفن من الفنون الجميلة، وتشجع من يتقنه، وتحث على تعلمه.

وقد انتشرت الكتابة اللاتينية لاعتماد المدارس عليها منذ عهد الحكومة الهولندية، وهي أساس الدراسة الأولية، وبها تكتب الصحف والمجلات والكتب المدرسية ولاسيما أنها لا تفترق عن الكتابة الهولندية في شيء بل تتفق معها كل الاتفاق حتى في طريقة النطق بحروف هجائها.

وقد أدخلت هولندا هذه الكتابة منذ أن دخلت تلك البلاد وأنشأت فيها المدارس، وأتت بالمطابع والآلات الكاتبة التي جل اهتمامها نشر هذه الكتابة في أنحاء أندونيسيا لتحل محل الخط العربي الذي يتصل مباشرة بروح الدين الإسلامي وبالثقافة القومية، وبالآداب القديمة، وبتاريخ الأبطال، وسير الرجال، وبالأيام الماضية التي كانت شعار المجد للإندونيسيين ورمز القوة لذلك الشعب الكريم.[16]

بهذا أصبحت الكتابة اللاتينية سهلة الاستعمال لعامة المتعلمين، وهي الكتابة التي استوفت مدتها في التطور الزمنى مع اللغة الأندونيسية، وصارت كأنها الخط الإندونيسي ولاسيما بعد زيادة الحروف اللازمة لهذه اللغة، والضرورية لتكملة حاجتها اللغوية.

إن الخط العربي لم يغفل – كما قلنا – في عهد الجمهورية الأندونيسية، لأنها تدرس بجانب العلوم الحديثة والدين الإسلامي، وقد كتب كثيرا من الكتب الدينية من قصص وروايات وغيرها بالحروف العربية – التي تعرف بالحروف الملايوية – وما زالت رائجة في أسواقها، ومستعملة بين أنصارها.

وهذه الكتابة كثيرة الانتشار في بلاد الملايو، إذ هى الخط الرسمي لأهل تلك البلاد إذ تصدر بها الجرائد والمجلات، وتكتب بها الرسائل وسائر المكاتبات ولم تؤثر فيهم انجلترا سوى في طريقة النطق بألفاظ لغتهم الأصلية التي قد مالت إلى النطق الإنجليزي وسوى دخول كثير من الكلمات الإنجليزية لتؤدي بعض معاني لا توجد لها ألفاظ في اللغة الملايوية الأصلية.

وما زالت طائفة من الكتب الأثرية من تاريخ وآداب، وقصص حروب، وأسطورة خيالية، وروايات تصويرية، وحكايات رمزية، مكتوبة بالحروف العربية.

وتلك الكتب تحفظ كتحفة ومرجع لمعرفة شئون الأمم الخالية، والوقوف على أحوال آبائنا في العصور الخلوية، أيام أن كان الاستعمار لم يخيم بعد على البلاد ولم تتأثر الحياة بهذه المدنية الطارئة على روح الشعب وحياته، وعلى نفسه وعقله والآتية عنوة من غير إرادة الأمة ودون عادتها وتقاليدها، ودون تصميمها وترغيبها.

إن الكتب الموضوعة بالحروف العربية قد يرجع عهدها إلى القرن السادس عشر أي بعد دخول الإسلام، وانتشار مبادئه في هذه البلاد، وبعد أن أخذت تتعرف إليه وإلى تعاليمه، وبعد دراسة عقيدته وتفقد أحواله وبعد معرفة عنصره وأساسه. [17]

لغات الفرع الهندي.

يوجد في شبه القارة الهندية لغات كثيرة معاصرة يدخل أكثرها في إطار الأسرة الهندية الأوربية، وأهم هذه اللغات الأردية والبنغالية والبنجابية والسندية والكشميرية والسرائيكية والملتانية والبلوشية، وتكتب هذه اللغات جميعاً بالحرف العربي عدا اللغة البنغالية التي تحولت إلى الحرف الديوناكري الهندي بعد انفصالها عن باكستان عام 1971م.

ويحتوي معجم ألفاظ هذه اللغات على مفردات عربية تصل في بعض الموضوعات الدينية إلى أكثر من 80%.

  • اللغة البنغالية: وكانت تكتب بالحرف العربي حتى عام 1971م ويتحدث بها أكثر من مائتي مليون نسمة في بنغالديش واقليم البنغال في الهند.
  • اللغة الأردية: هى لغة ينطقها سكان الهند وباكستان كلغة مشتركة Lingua franca وبالتالي هى لغة علم وثقافة وأدب أصوتها سنسكريتية، وفارسية وتغلب على مجموعة ألفاظها كلمات عربية تنطق باللهجة الفارسية، ونظرا إلى وجود ألفاظ فارسية وعربية ورغم أن بعض الباحثين يرى أنها لغة متفرعة من الفارسية إلا أن الواقع التاريخي والتحليل اللغوي ينفيان هذا القياس.

أما من ناحية النظم أو التركيب فلا دخل فيه للغة أجنبية، وإن كان يوجد بعض الشبه أو التأثير للغات التركية والفارسية. وهي نسب إلى فصيلة اللغات الآرية السنسكريتية كما قرره كل من جورج جرين وأبى الليث الصديقي، وعبد الواحد عبد الوافي وكما تدل الملامح اللغوية المشتركة بين لغات تلك الفصيلة. [18]

ومن ناحية الكتابة فهى تشمل جميع الحروف العربية، بجانب الحروف المعبرة عن الأصوات السنسكريتية والفارسية التي تميزها علاقات فارقة، وتكتب من اليمين إلى الشمال بدون علامات (الحركات).

وهي في ذلك تشبه العربية حيث يعتمد على السليفة اللغوية في القراءة، ووجود الحروف العربية – المنطوقة بها بلهجة فارسية – يتطلب من القارئ الاتقان في معرفة أصول الكلمات ومعانيها.

أما عدد الناطقين بها فيقال إنه 160 مليون نسمة، كما يقرره المسلمون وكتابهم مثل الدكتور خواجا أحمد فاروق استنادا لما كتبه جريسون عام 1916م فقد دلت الاحصائية آنذاك أن عدد الناطقين باللغة الهندستانية المحلية (أى اللغة الأردية) يبلغ 16.633.169 نفر وهناك عدد كبير من ناطقيها ممن نزحوا إلى بلدان في القارات المختلفة وهم يتوارثون هذه اللغة وشعرها في مهاجرهم مثل المسلمين في أفريقيا الجنوبية. ومن ناحية المناطق التي تعتبر موطن اللغة الأردية فهى اترابراديش، وبيهار، حيث ليس هناك لغة أخرى محلية تنافسها، وإن كانت الحكومات الهندية فرضت اللغة الهندوكية الناغرية في جميع أقاليم الهند وجعلتها لغة رسمية للبلاد بعد استقلالها من الاستعمار البريطاني عام 1947م. [19]

أما المناطق الأخرى التي تعتبر فيها الأردية اللغة الأولى هى حيدر آباد في الجنوب وكشمير في الشمال وكلكتا في الشرق وأمريتسار ولاهور في الغرب، فهي تعتبر لغة الثقافة والأدب، وإن كان للغات المحلية آداب، وتراث، يفتخر بها أهلها ويحافظون عليها.

وأبرز مثال لذلك اللغة البنجابية، فالناطقون بها يفتخرون على لغتهم وثقافتهم كما يفتخر كل إنسان على لغته ووطنه. ولكنهم رغم ذلك يؤثرون اللغة الاردية ويستعملونها في مواضع الجد، فقد نبغ من بينهم شاعر الإسلام محمد إقبال، وشاعر النشيد الوطني لباكستان حفيد جالندهرى صاحب الملحمة الإسلامية في عدة مجلدات. وظفر على خان الأديب الصحفي المعروف في أوساط العلم والثقافة في جميع الهند، وعدد كبير من الكتاب الإسلاميين وغير الإسلاميين، حتى من يعادى العقيدة الإسلامية مثل شاعر الأردية الحائز على جائزة لينين فيض أحمد فيض، فهو كان يقرض الشعر بالأردية رغم كونه بنجابيا لغة ووطنا، وشيوعيا عقيدة وديانة.

ثم إنها لغة علم إذ نقل إليها المسلمون التراث العربي والفارسي فتوجد فيها سلسلة من الكتب في العلوم الحديثة بجانب كتب التراث العلمي، وتوجد فيها ترجمات لمعاني القرآن أكثر من ثلاثمائة وخمسين ترجمة.

وترجمت إليها معاني الأحاديث النبوية كلها، من الصحاح والمسانيد، وتوجد فيها كتب في الفقه والأحكام والتاريخ الإسلامي، أما في السيرة النبوية فيوجد فيها ما لا يحصى كثرة. ولا تنقص جودة واتقانا وشمولا مما كتبت في اللغات الأخرى حتى في العربية، اللغة الأم للغات الإسلامية.

وهي لغة التدريس في المدارس والمعاهد الإسلامية الكبرى (ما عدا كلية اللغة العربية في جامعة ندوة العلماء) وهناك مراكز للبحث والترجمة والنشر أكبرها وأقدمها دار المصنفين (تأسست عام 1924م) في أعظم كره، (اترابراديش) وأنشئت على نهجها مراكز أخرى، وبجانبها مراكز النشر العلمانية تصدر سيلا من الروايات والقصص والكتب في النقد والترجمة، أما في الصحافة فلا يوجد لغة في الهند – ما عدا اللغة الرسمية – تضاهى الأردية من ناحية كثرة الصحف والدوريات كما أن للشعر نصيبا وافرا في الأدب الأردي القديم والحديث على سواء.

واللغة الأردية قوية التأثير في عقول الناطقين بها وبتعبير آخر أنه توجد في نثرها وشعرها قوة تحرك الأفكار، وتكون الآراء، وتغير الاتجاهات، والدليل على ذلك وجود عدد من المفكرين الذين لم يكونوا يتقنون غير هذه اللغة ولم يكتبوا إلا بهذه اللغة وقد تمكنوا من إحداث ثورات فكرية – إن صحّ هذا التعبير – وتكوين أحزاب من خلال خطبهم وكتاباتهم وشعرهم. مثل: محمد علي جوهر دفين القدس، الملقب بمولانا محمد علي زعيم المسلمين وأحد قادة حركة التحرير المعروف. فقد ألهب بنثره وخطبه حماس الجماهير، وحملهم على بذل الأرواح والأموال في سبيل الحرية. ومحمد إقبال الشاعر الإسلامي الذي أعاد إلى المثقفين من مسلمي شبه القارة الاعتزاز بالدين الإسلامي، وأبو الكلام آزاد، الخطيب المصقع الذي طبق صيته الآفاق وكان الناس ولا يزال بعضهم يتطرفون بتقليده، وأبو الأعلى المودودي الذي استطاع تكوين حزب خاص له حيث اقتنع عدد لا بأس به من المسلمين بفكرته واتجاهه.

هؤلاء كلهم لم يكتبوا بغير الأردية وإن كان مولانا محمد علي يكتب بالإنجليزية بجانب لغته الأردية ولكن التأثير الذي أوجده في الشعب كان نتيجة كتاباته القوية وخطبه وشعره بالأردية. [20]

ومن ناحية أخرى نجد مكتبة اللغة الأردية غنية بكتب المراجع والموسوعات والفهارس (بيوغرافيات)، فالموسوعة الأردية في واحد وعشرين مجلدا يساوي موسوعة “برطانيكا” في الدقة والشمول، ومعاجم مثل (اردو لغت) في ثلاث مجلدات كبيرة، ومعاجم أخرى ثنائية، مثل مصباح اللغات عربي – أردو وعبد الحق دكشنرى، أردو – إنجليزي وإنجليزي – أردو ومعاجم قرآنية، مثل لغة القرآن وقواميس المصطلحات الطبية والهندسية وغيرها. وجهود “ترقى اردوبورد” في هذا الصدد تجدر بالاستحسان والتقدير.

وكان لدولة حيدر آباد المنقرضة دور بارز في إحياء التراث العلمي ونشر الترجمات والبحوث العلمية، وكانت لغة التدريس في الجامعة العثمانية بحيدر آباد اللغة الأردية فألفت كتب في علوم طبقات الأرض، والأحياء، والمنطق، الكيمياء، والفيزياء، والطب الحديث، والعلوم، والهيئة، والهندسة، إلى آخر ما يحتاج إليه الطالب الجامعي في مختلف الكليات والمعاهد. وحيث تعتبر اللغة الأردية في باكستان اللغة القومية المشتركة والرسمية، فتأسست فيها دور للتأليف والطبع والنشر، وتخرج هذه المؤسسات كل عام عددا كبيراً من الروايات، والقصص، ودواوين الشعراء، ومجموعات للمسرحيات. ولا شك أن الأفلام الهندية والباكستانية تلعب دورا لا يستهان به في ترويج وبقاء هذه اللغة. وكانت دولة حيدر آباد المنقرضة معروفة في خدمة وترويج هذه اللغة، ولهذه المنطقة تاريخ عريق في نشأة هذه اللغة كما يقول الدكتور مولوي عبد الحق:

“وكان للأردية ثلاثة مراكز في الدكن (الإقليم الجنوبى للهند حيث كانت إمارة حيدر آباد المعروفة بخدماتها للمسلمين، والمعلومة بمصيرها بعد التقسيم واستقلال باكستان). أولها كولكنده وهي قصبة السلاطين، وثانيها بيجابور، وثالثها أحمد آباد ومن الطريف أن نلاحظ أنه لم تكن بين لغات هذه المراكز اختلافات ذات بال. ورغم تطور الأحداث والتغيرات في الحكم والسياسة وتقلبات الأمور. لا تزال هذه المنطقة وفية بلغاتها وثقافتها الإسلامية”. [21]

والصحف اليومية باللغة الأردية تصدر علاوة من مدن الهند والباكستان من لندن، وموريشيوس ودربن والكويت، وهونج كونج، كما تصدر جريدة المدينة المنورة بجدة الطبعة الأردية في موسم الحج. حيث توجد جاليات كبيرة للهنود والباكستانيين كما تذاع برامج باللغة الأردية من جدة، والكويت، بغداد، القاهرة، لندن، نيويورك، واشنطن، طوكيو، مانيلا… وغيرها من المدن الرئيسية في العام

ثانيا: الحرف العربي في أفريقيا وتدوين اللغة السواحلية ولغة الهوسا

اللغة السواحلية:

تعد اللغة السواحلية أهم لغات أسرة البانتو على الإطلاق، وأهم اللغات السائدة في شرقي أفريقيا، وفي هذه المنطقة تعد اللغات السواحلية وغاندا والأمهرية أهم لغات التعامل، أما الأمهرية فهي من الفرع السامي للأسرة الأفرو-آسيوية، وتدخل اللغتان الأخريان، وهما السواحلية وغاندا ضمن لغات البانتو.

هناك عدة آراء حول اللغات السواحلية وانتشارها والعوامل المؤثرة في ذلك. لا شك أن السواحلية من أسرة البانتو، ومعنى هذا أن بنيتها اللغوية تحمل السمات المميزة لهذه الأسرة منها مثلا تصنيف الأسماء وفق السوابق، فهناك مجموعة تبدأ بالمقطع – في Ki في المفرد. وهي سمة تجعلها بعيدة كل البعد عن اللغات الأفرو-اسيوية ولكن اللغة السواحلية زاخرة بألفاظ عربية بشكل يجعل الألفاظ العربية فيها عناصر حاسمة لا يمكن تصور اللغة السواحلية دونها، وعلى هذا فاللغة السواحلية ذا بنية بانتوية، ولكن مفرداتها بها نسبة عالية من العربية، وهي لغة أفر وآسيوية.

وقد أدت هذه الحقيقة إلى عدة فروض حول نشوء اللغة السواحلية، فمن قائل بأنها خليط “بين لغة بانتوية واللغة العربية، وهناك من يراها ثمرة اختلاط عرب اليمن والخليج بالسكان الأصليين في شرقي أفريقيا، وهناك من يرى أنها لغات نشأت من مجموعة لهجات بانتوية توحدت أثناء الاتصال بالعرب والاحتكاك بهم، وهكذا تدور هذه الآراء في إطار كون السواحلية لغة بانتوية بها مفردات عربية كثيرة.

يبدأ التاريخ اللغوي للغة السواحلية في الإسلام، فالحركة التجارية على الساحل الشرقي للقارة الأفريقية جذبت عددا من التجار العرب والفرس إلى منطقة بالقرب من مصب نهر تانا. واختلط الوافدون المسلمون مع الأفريقيين الذين دخلوا في الإسلام تنشأ عن هذا الاختلاط نمط حضاري جديد، وتكونت بيئة لغوية ظهرت في إطارها اللغة السواحلية.

وعندما قامت دولة الزنج وكان التعامل فيها باللغة السواحلية انتشرت هذه اللغة مع نمو الدولة. وبذلك أصبحت اللغة السواحلية لغة تعامل زادت منطقتها بمضي القرون فأصبحت لغة المنطقة الساحلية بين مقديشو وسوفالا، ولغة الجزر مثل زنجبار وكاره، بل وتكونت جماعات لغوية سواحلية في جزر القمر وعلى الساحل الشمالي لمدغشقر.

ويعد القرن التاسع عشر مرحلة هامة في التاريخ اللغوي للغة السواحلية، فقد دخلت إلى أعماق القارة الأفريقية من الساحل الشرقي، وكان النشاط التجاري للعرب في هذه المناطق وتعاملهم بها من عوامل نشر هذه اللغة إلى منطقة البحيرات في وسط أفريقيا والكونغو. فقد انتشرت السواحلية على طرق القوافل وفي المحطات التجارية، وبهذا دخلت إلى مناطق سادتها لغات أخرى من قبل. وكانت الحصيلة اللغوية بين هذه اللغات في إطار أسرة البانتو واللغة السواحلية من العوامل التي يسرت تعلم أبناء هذه اللغات للغة السواحلية. وكانت اللغة الوحيدة المنافسة للغة السواحلية في تلك المناطق هى لغة الماساى لغة رعاة البقر، وما أن حصد الطاعون أكثر من ثلثي الماساى سنة 1890/1891، حتى قلت مكانة هذه اللغة، وبذلك انعدمت المنافسة وفتح الباب أمام مزيد من الانتشار. [22]

وأتاح انتشار السواحلية عدة مستويات لغوية وعدة لهجات، وحاولت البعثات التبشيرية الإفادة من السواحلية الواسعة الانتشار، ولكن الخلاف في اختيار لهجة معينة تكون وسيلة تقريب المسيحية إلى أبناء السواحلية كان قائما، اختار الكاثوليك السواحلية المستخدمة في زنجبار التي كانت تعد فصحى، أفاد البروتستانت من المستوى اللغوي للسواحلية المستخدمة في الكونغو والمعروف باسم نجوانا، وعدوها لغة مغايرة متميزة عن السواحلية، ولكن هذه المحاولة لم تنجح وظلت المكانة قائمة في الكونغو للغة السواحلية الفصيحة.

لقد كتبت اللغة السواحلية عدة قرون بالحروف العربية، وكانت محاولات الأوربيين لتغيير نظام الكتابة هادفة إلى قطع الصلة الحضارية بين اللغة السواحلية والحضارة العربية الإسلامية، وفي سنة 1907 أعلنت الحكومة الألمانية إلغاء استخدام الحروف العربية في كتابه السواحلية في المنطقة التي احتلتها في شرقي افريقية.

وتستخدم اللغة السواحلية في مجالات مختلفة في دول شرقي أفريقيا، وخصوصا تنزانيا وكينيا وأوغندا على الترتيب. وقد أسست سنة 1930 هيئة لغوية تعنى بقضية تطوير اللغة السواحلية وجعلها معبرة عن الحياة الحديثة، وقد عدت هذه الهيئة اللغوية لهجة زنجبار المستوى اللغوي المنشود، واليوم تتفاوت مجالات استخدام اللغة السواحلية في دول شرقي افريقيا، بينما نجدها في تنزانيا لغة الصحافة والثقافة والتعليم العام والإدارة والنقابات والسياسة فإن السياسة اللغوية في أوغندا كانت تهدف إلى جعل التعامل بين أبناء الجماعات اللغوية فيها يتم بالإنجليزية لا باللغة السواحلية، وبين المكانة الرفيعة للغة السواحلية في تنزانيا ومحاولة إزاحتها عن مكانتها في أوغندا تجد السواحلية في كينيا في مركز وسط، فالسياسة اللغوية لا تهدف إلى تدعيم السواحلية وحدها بل إلى استخدام تسع عشرة لغة محلية في التعليم العام وجعل الإنجليزية لغة التعامل المشتركة إلى جانب السواحلية، ولكن الإنجليزية تمثل الطموح نحو الثقافة الحديثة والرقى الاجتماعي، وبذلك تقل مكانة السواحلية عن الإنجليزية في إطار السياسة اللغوية في كينيا وعلى الرغم من هذه المشكلات التي تواجه السواحلية على المستوى الرسمي فإنها على المستوى الشعبي ذات انتشار واسع ومن أهم اللغات الكبرى في القارة الافريقية.[23]

الهوسا:

تعد لغة الهوسا إحدى اللغات الثلاث الرئيسية التي يتكلم بها المسلمون وغيرهم في أفريقيا أولها وأكثرها انتشاراً اللغة العربية وثالثها اللغة السواحلية كما تعد أكبر الجماعات النيجيرية عددا وأقلها تحديدا من حيث الأصل العرقي، فالجماعة الناطقة بالهوسا تضم جماعات عديدة منها “الهيب” وهم الهوسا الأصليون الذين شنوا غارات على جيرانهم في الجنوب والغرب، وخلال هذه العملية تم استيعاب الكثير من الجماعات الأخرى لغوياً في إطار جماعة الهوسا، ومنذ القرن الخامس عشر بدأ الفولاني يدخلون مناطق الهوسا من الشمال والغرب واختلط جزء منهم بالهوسا واتخذوا من لغة الهوسا لغة لهم، وفي مطلع القرن التاسع عشر قام الفولاني بزعامة عثمان بن فودى بحركة تجديد ديني في إمارة الهوسا، ونشأ عن هذه الحركة قيام بنية سياسية ثقافية مشتركة تضم الجماعتين، ولذا تشير بعض الكتابات إلى هذه الجماعات المشتركة باسم الهوسا – فولاني.

والهوسا من ناحية الأصل هى اسم لغة قبل أن تكون اسم قبيلة أو جماعة معينة، ثم أصبحت بعد ذلك علماً على معظم سكان شمال نيجيريا وما جاورها من النيجر، ومع ذلك لا يمكن فهم الانتشار الواسع للغة الهوسا في غرب أفريقيا إلا بفهم طبيعة الهوساويين أنفسهم، فهم يعيشون على الزراعة المعتمدة على المطر في المقام الأول، ولما كان هناك فصل جفاف طويل، فقد اتجه كثير منهم في هذا الفصل إلى حرفة التجارة، وقطعوا نتيجة لذلك مسافات طويلة حتى بلغوا سواحل غرب أفريقيا فنجدهم في غانا كما نجدهم في داهومي وساحل العاج وغيرها، يعيشون كجماعات خاصة في أحياء خاصة بهم يطلق عليها Sabon gari (الحى الجديد) في إيبادان في جنوب نيجيريا.

وتخصصوا في تجارة سلعة معينة كثمار الكولا وتجارة الماشية، ومن هنا انتشرت لغتهم معهم أينما صاروا، ولغتهم من أهم لغات غرب افريقيا بعامة فهى اللغة الأم لما يتراوح ما بين 30 إلى 35 مليون نسمة بالإضافة إلى 15 مليونا آخرين ليسوا من الهوسا. وتستخدم كلغة تفاهم، وتنتشر الهوسا انتشارا واسعا في أكثر من نصف مساحة نيجيريا، وفي كل الولايات الشمالية كانت هى اللغة الرسمية إلى جوار الإنجليزية حتى عام 1966م.

والظاهرة اللغوية هناك في ذلك العدد الكبير من النيجيريين الذين يتكلمونها بطلاقة ولا يمكن لأى لغة من لغات جنوب نيجيريا أن تحتل نفس المكانة التي للهوسا في الشمال وبالطبع لم يكن هناك مجال أمام البعثات التبشيرية لتعمل في الشمال. ولغة الهوسا غنية بالتراث غير المكتوب، أى بالتراث المحفوظ فهناك قصص الحيوان والأساطير العديدة التي تعطى تفسيراً لكثير من الأحداث التاريخية. أما الهوسا المكتوبة منذ نحو قرنين مستعملة الحروف العربية ويطلق على هذا النوع Ajami كما في كتابات وروايات الحاج أبى بكر إمام. ويطلق على الهوسا التي كتبت بالحروف اللاتينية Boko أى الأجنبية (الغربية).[24]

أثر اللغة العربية على الهوسا:

كان للإسلام تأثير كبير على شعب الهوسا وينعكس هذا بصورة خاصة في اللغة ذلك أن اللغة العربية هى لغة القرآن ولغة الإسلام الذي يدين به الشعب الهوسا وقد تأثرت هذه اللغة كثيرا باللغة العربية وخصوصا بعد انتشار الإسلام في غربي أفريقيا، وكانت العلاقة الموجودة بين العرب وتلك القبائل هتى التي جعلت الهوسا أقدم اللغات الإفريقية التي تكتب بالحروف العربية.

وكانت أول الكلمات التي دخلت لغة الهوسا من العربية هى أسماء بعض البضائع المستوردة من البلاد العربية والتي لم تكن معروفة عند أهل تلك الولايات قبل ذلك مثل الحرير والزعفران والسرج وغيرها وكذلك أدخلت ألفاظ العقود من الأعداد من عشرين إلى تسعين، وبعض الكلمات التي لا يستغنى عنها التجار كالغش والأمانة وأمثالها ، فهذه الكلمات قد دخلت في لغة الهوسا في تلك الأيام  ومن ناحية أخرى فإن بعض التجار في تلك الولايات الذين كانوا يتعاملون مع البربر في الأسواق تعلموا من تلك اللغة أكثر من غيرهم ولعلهم كانوا يلقنون أبناءهم شيئا منها، أو يلتقطها أبناؤهم منهم.

وتعلّم شعب الهوسا مصطلحات دينية كالركوع والسجود والكفارة وغيرها، ولعله في أوائل تلك الفترة أيضا دخلت أسماء الأيام العربية وانتشر استعمالها حتى نسى الناس أسماءها وتنطق بالهوسا كالآتي: Asabat, Lahadi, Litinin, Talata, Laraba, Alhamis, Jumua.

ومن القرن الرابع عشر وجدت عوامل ساعدت في نشر التعليم الإسلامي والعربي منها زيارة الوفود والأفراد لبعض ممالك الهوسا التي بدأ أثرها يظهر من ذلك القرن، واستمر الحج عاملاً مهماً لنشر التعليم الديني والعربي خلال تلك القرون.

وبذلك فقد أخذت الهوسا من اللغة العربية مفردات كثيرة فقد استعارت لغة الهوسا والفولاني أكثر من 1400 كلمة من اللغة العربية، كذلك استعارت أوزانها الشعرية واستعملوا كثيراً من بحور الشعر العربي كذلك كان لاستعمال القافية الواحدة في نظم القصيدة الدور الكبير في إدخال عدد كبير من الكلمات العربية إلى اللغتين وذلك لأن القافية كانت تلزم أيضا أن يكون آخر البيت في القصيدة الواحدة حرفا واحداً واللغتان نظمتا شعرهما على النمط العربي، واستعانت كل واحدة منهما بالكلمات العربية.[25]

هذا بالإضافة إلى أن هناك صحفا تكتب بالحروف العربية مثل جريدة الفجر، وكانت كتابة الهوسا بالخط العربي في ظل حكم محمد بللو عام (1817-1837) حيث قام بوضع أسس كتاباتها عبدالله بن محمد شفيق الشيخ عثمان وأسماء بنت الشرخ (1749-1863م) وبعض أتباعه الأوائل مثل “قاسم دحل” و”محمد تكرو” وقد بلغت اللغة العربية أوجها في عهد محمد بللو حيث وفد علماء الدين من بلاد بعيدة إلى بلاط سكوتو، وأكثر ما ألف خلال العقود الأولى من امبراطورة سكوتو ، كان يتركز في حياة مؤسس الحركة وأفكاره وانتصاراته العسكرية، ولم تكن وفاة محمد بللو نهاية لما يوصف بأنه تدفق غير عادى للكتابة العربية  في الفترة من (1800-1850م) وكان معظم هذه الكتابات ذات أهمية تاريخية حيث كان أمير سكوتو مهتما بكتابة حوليات الأسرة المالكة، وتلا ذلك مرحلة واسعة في التأليف باللغة العربية في مجالات شتى، وإن كانت اللغات المحلية لا تزال منتشرة إلا أن هذا العرض يوضح لنا أن اللغة العربية أصبحت سائدة في هذه البلاد وأن أثر التعريب واضح في كل مظهر من مظاهر الحياة في شمال نيجيريا وعندما جاء الاستعمار الأوربي أخذت المدارس الحكومية في تعليم لغة الهوسا مدونة بالخط اللاتيني .

فهل نعمل على عودة اللغة العربية لغة القرآن الكريم إلى سابق عهدها في تلك الأنحاء من القارة الإفريقية؟ وبالفعل قد طلبت حكومة نيجيريا من هيئة اليونسكو الدولية مساعدتها في إعادة كتابة لغة الهوسا بالخط العربي. [26]

اللغة البربرية:

وصلت إلينا نصوص قليلة منها بالخط العربي وبخط بربري محلى في خصائص مشتركة، وتعد المستويات اللغوية البربرية الحديثة امتداداً للغة الليبية القديمة، وتقوم بنية الكلمة في البربرية على الصوامت والأوزان على النحو المعروف في اللغات السامية. وهناك عددا من الوحدات الصرفية في البربرية تؤدى بنفس الوظائف في اللغات السامية. أما أداة التعريف في البربرية آل ويبدو أنها مستعارة من العربية. وتوجد اللهجات في منطقة شمال افريقيا التي سادتها اللغة العربية بعد الفتح الإسلامي، خصوصا بعد منتصف القرن الخامس الهجري كلغة ثقافية، فقد أدت هجرة بنى هلال في منتصف القرن الخامس الهجري إلى تعريف مناطق بربرية كبيرة، وكان الفتح الإسلامي قد عرب منطقة صغيرة على الساحل التونسي. وتوجد اليوم جماعات بربرية قليلة العدد في لبيبا وتونس، ولكن أكثر البربر يعيشون في الجزائر والمغرب وموريتانيا والصحراء ويقدر عددهم بحوالي خمسة ملايين وهناك جماعات بربرية في دول أفريقية جنوب دولة المغرب.

ثالثًا: الحرف العربي في أوربا وتدوين اللغة المورسكية والبوسنوية والألبانية:

1- اللغة الألبانية:

اللغة الألبانية آخر لغة أوربية انتظم تدوينها إلى الآن، فقد دونت بعض النصوص باللغة الألبانية في القرن الخامس عشر الميلادي ثم كتبت بعدة خطوط، كتبها البعض بالخط اللاتيني وكتبها آخرون بالخط اليوناني، وكتبها المسلمون بالخط العربي. ولم يهتم أبناء اللغة الألبانية بالتأليف في لغتهم لأنهم كانوا على مر التاريخ مجموعة لغوية صغيرة في إطار دولة كبرى تتعامل بلغة غير اللغة الألبانية. وفي القرن التاسع عشر بدأت محاولات اصطلاح الخط وتطويره وليكون معبرا عن اللغة الألبانية ولم تسفر محاولات الإصلاح ولم يكتب لها النجاح إلا في أواخر الحرب العالمية الأولى، واللغة الألبانية لغة حوالي ثلاثة ملايين في ألبانيا وبعض مناطق يوغسلافيا، وهناك أقليات ألبانية صغيرة تعيش في مناطق مختلفة من جنوب شرق أوربا. [27]

أول أبجدية ألبانية بالحروف العربية

لما بدأ الانتشار والامتداد للكتابات الألبانية بالحروف العربية، بقيت هذه الكتابات دون نظام أبجدي موحد يعتمد عليه الجميع، مما كان يؤدى إلى بروز اختلافات في بعض الحروف. وهذا دفع بعض المثقفين إلى وضع نظام أبجدية للغة الألبانية التي كانت تكتب بالحروف العربية. وفي هذا الاتجاه قام الشاعر “شميمى شكودر Shemimi Shkodra” بأول محاولة لتحديد أبجدية للغة الألبانية على أساس الحروف العربية.

وتقوم هذه الأبجدية التي وضعها هذا الشاعر على خمسة وأربعين حرفا. أما الأبجدية الحالية للغة الألبانية فتعتمد على ستة وثلاثين حرفا فقط، وهذا الفارق يعود إلى وجود بعض الصوامت العربية التي أضافها الشاعر للأبجدية بسبب وجود المفردات العربية المستعملة حينذاك في اللغة الألبانية والتي تحتوي على هذه الصوامت.

وبعد هذه المحاولة اهتم شاعر آخر، “داود بوريشى Daud Borici بهذا الموضوع ونشر في استنبول سنة 1861 أول كتاب أبجدي للغة الألبانية بالأبجدية العربية.

وفي هذا الاتجاه لدينا ما يشير إلى أبحدية ” خوخا تحسين Hoxha Tahsin” إلا أن هذه الأبجدية للأسف لم تصل إلى أيدينا مع أن تاريخها يعود إلى سنة 1877م.

وفي سنة 1879 وضع العالم والشاعر “على أولشيناكو Ali Ulqinaku” أبجدية عربية أخرى للغة الألبانية. وقد استمر وضع الأبجديات العربية للغة الألبانية والكتابة بها في أماكن مختلفة.

وفي مطلع القرن العشرين ازداد الاهتمام للوصول إلى أبجدية عربية حاسمة ونهاية للأبجدية الألبانية، وذلك في ظل الصراع السياسي الذي أخذ يدور حول موضوع الاتفاق على أبجدية واحدة للغة الألبانية. وكان ممن تحمسوا لهذا الغرض الكاتب “رجب فوكا Rehxep Voka ” مفتي مدينة “مناستير Manastir” في ذلك الحين الذي كان يعتبر من أفضل علماء عصره. وقد صدرت أبجدية فوكا في كتاب أبجدي صغير سنة 1910، اشتمل على أبجديته المؤلفة من أربعة وأربعين حرفا، وكانت هذه الأبجدية من أفضل الأبجديات العربية للغة الألبانية إلا أن الملاحظة الأساسية على هذه الأبجدية تبقى حول عدد حروفها الكبير (44 حرفا)، في الوقت الذي كانت الأبجدية اللاتينية المنافسة لها تقوم على ستة وثلاثين حرفا. [28]

 التحول إلى الحروف اللاتينية مع تدخل القوى الخارجية:

كان التنافس بين الأبجدية العربية واللاتينية يدور في ظروف غير متكافئة في الساحة الألبانية، نظراً لأنّ الأبجدية العربية حتى مطلع القرن العشرين كانت تفتقد إلى دعم قوة ما من الخارج، بينما كانت الأبجدية اللاتينية تحظى بدعم عدة قوى خارجية (الفاتيكان، النمسا وايطاليا) التي كانت تحول دون ونشر الكتب الألبانية في هذه الأبجدية. وفي الواقع، كان هذا الاهتمام بدعم ونشر الأبجدية اللاتينية بين الألبانيين يرتبط برؤية سياسية بعيدة النظر. فقد كان الهدف الأساسي من تحويل الألبانيين عن الأبجدية العربية إلى الأبجدية اللاتينية هو فك الارتباط بين الألبانيين والشرق لأن التخلي عن الأبجدية العربية كان يعني الانفكاك عن الثقافة الشرقية والارتباط بالثقافة الغربية للاستفراد بالألبانيين بعد فصلهم عن الشرق الذي قد يدافع عنهم في لحظة الخطر.

ومنذ أن نظم المؤتمر الأول سنة 1908 كان موضوع الأبجدية يتطور بحدة خلال هذه السنة في الشارع وعلى صفحات والمجلات المختلفة مما كان يؤدى بدوره إلى فرز سياسي واضح بين أنصار الأبجدية العربية وبين المتحمسين للأبجدية اللاتينية حيث أن كل طرف كان يعبر عن رؤية مغايرة تدفعه للبحث عن مبررات مختلفة لدعم موقفه من هذه الأبجدية أو تلك.

وكان أنصار الأبجدية العربية يدافعون عن هذه الأبجدية لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بالدين والارتباط بالشرق ومنها ما يتعلق بخطر التغريب على الألبانيين. وبشكل عام يمكن تلخيص رؤية أنصار الأبجدية العربية كما يلي:

  • مسألة الأبجدية العربية لا تتعلق فقط بالألبانيين، لأن هذه الأبجدية هى لكل العالم الإسلامي من أندونيسيا إلى المغرب، ولذلك لا يمكن للألبانيين أن ينفصلوا عن هذه القاعدة.
  • رفض الأبجدية اللاتينية ينبع من كونها ترمز إلى “الشكل الغربي للكتابة” الذي يرتبط بـ “مرض” تقليد الحياة الأوروبية.
  • المنطق يفرض أن تكون الكلمة لرأيه الغالبية ولذلك لا يمكن للغالبية أن تتخلى عن أبجديتها “العربية” لتقبل أبجدية الأقلية “اللاتينية”.
  • الأبجدية اللاتينية تدعم بقوة من قبل القوى الغربية (النمسا وإيطاليا) التي تطمع في فصل الألبانيين عن الشرق تمهيداً لاحتلال مناطقهم.

أما المتحمّسون للأبجدية اللاتينية فقد اعتمدوا على عكس الحجج التي كان يتمسك بها أنصار الأبجدية العربية:

  • الدعوة إلى الاستمرار في الأبجدية العربية، كما في أفغانستان وسومطرة، يعنى تراجع الألبانيين ثقافياً إلى ذلك المستوى المتخلف الذي تعيشه تلك الشعوب.
  • استعمال الألبانيين للأبجدية العربية لمدة خمسة قرون أدى إلى عرقلة تقدمهم.
  • تبني الأبجدية اللاتينية ضروري للحفاظ على وحدة الشعب الألباني وذلك لتجاوز الانقسام بين الألبانيين المسلمين والألبانيين المسيحيين، الذين لا يقبلون بفرض الأبجدية العربية عليهم.
  • صعوبة تعلم الأبجدية العربية وسهولة تعلم الأبجدية اللاتينية، التي يمكن لـ “الراعي أن يتقنها خلال شهر ليقرأ بها الجريدة”.[29]

هذا الصراع حول الأبجدية بقي يتفاعل إلى سنة 1912، حين تغيّرت خارطة المنطقة نتيجة للحروب البلقانية، وقد انتهت الحرب البلقانية الأولى إلى هزيمة شاملة للقوات العثمانية. وفي إطار هذا تمكنت القوات البلقانية من احتلال المناطق الألبانية بسهولة، حيث قامت على الفور بتصفية حساباتها بشكل دموي مع الألبانيين الذين لم يجدوا من يدافع عنهم، وفي هذه اللحظة التاريخية الصعبة قامت حفنة من الألبانيين بإعلان الاستقلال في 28 تشرين الثاني 1912 فـي رقعة صغيرة حول مدينة فلورا Vlora. وقد جاء إعلان الاستقلال الألباني تحت تأثير النمسا. وفي 29 تموز 1913 وافقت الدول الكبرى مبدئيا على استقلال ألبانيا إلا أنها قيدت هذا الاستقلال بإعلانها البانيا “إمارة محايدة تحت رقابة الدول الكبرى” مع قطع كل صلة ألبانيا مع الإمبراطورية العثمانية. وفي هذا الاتجاه تبنت الحكومة الألبانية عمليا ومنذ البداية الأبجدية اللاتينية، بالإضافة إلى هذا، اندفعت الحكومة لتقضي بسرعة على الارتباط الديني مع الشرق. ففي 22 تشرين الثاني 1913 أعلنت الحكومة “القانون المؤقت للإدارة المدنية لألبانيا” الذي تقرر فيه فصل الحقوق المدنية عن الشريعة الإسلامية وفصل الهيئة الإسلامية في ألبانيا عن الارتباط بشيخ الإسلام. [30]

إن تقييم التجربة الألبانية، فيما يتعلق بالأبجدية العربية، يساعد المرء على تفهم أهمية العلاقة التي تربط بين اللغة والأبجدية. ففي هذه التجربة يبدو بوضوح أن الأبجدية تمارس تأثيراً حاسماً على اللغة والأدب، الذي يكتب فـي هذه الأبجدية، وعلى الاتجاه الثقافي العام للشعب الذي يكتب في هذه الأبجدية، أن التجربة الألبانية تكشف بوضوح عن الخلفيّة السّياسيّة لموضوع الأبجدية، وعن الدور السياسي الذي تمارسه الأبجدية فـي توثيق العلاقات التي تربط أمة بغيرها من الأمم، وبعبارة أخرى،  أن التجربة الألبانية تقدم لنا مثالا حيا عن الدور الذي قامت به الأبجدية العربية فـي ربط الألبانيين بالعرب وبالعالم الإسلامي لعدة قرون، وعن الدور المعاكس الذي قامت به الأبجدية اللاتينية فـي فك الارتباط سواء بين اللغة الألبانية واللغة العربية أو بين الأدب الألباني والأدب العربي وحتى بين الألبانيين والشرق.

وفي الواقع أن هذه العلاقة بين اللغة والأبجدية، أو نقل هذه الخلفية السياسية لموضوع الأبجدية، كانت واضحة للغرب الأوربي الذي قام بنشاط واسع، لدوافع قومية ودينية وسياسية متشابكة، لدعم الأبجدية اللاتينية ونشر الثقافة الغربية فـي المناطق الألبانية، التي كانت تمثل جانبا مهما للإسلام والثقافة الإسلامية فـي جنوب أوربا، وفي هذا الوضع كانت الأبجدية العربية تفتقد إلى من يهتم بها أو يدعم استمرارها، لأن العرب فـي القرنين الثالث عشر والتاسع عشر كانوا قوة تحت السطح بينما كانت الإدارة العثمانية فـي مرحلة تراجع وتفسخ. وفي الواقع كانت هذه الإدارة تعبّر عن (لا مبالاة) كبيرة، وخاصة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يتظاهر بالحماس لفكرة الجامعة الإسلامية، مع أن هذه الفكرة تفترض الاهتمام بمسألة الأبجدية العربية التي كانت تربط حينذاك بين الشعوب الإسلامية.

ويُلاحظ هنا أن الأبجدية العربية أثارت حولها الاهتمام بشكل أوسع فـي مطلع القرن العشرين، نظراً للتطورات التي طرأت على البلقان في ذلك الوقت. ففي سنة 1908 توسعت حدود إمبراطورية النمسا والمجر لتضمَّ مسلمي البوسنة، وبهذا أصبحت حدود الإمبراطورية العثمانية تنتهي في أوربا عند المناطق الألبانية، التي كانت هدفا لأطماع الدول المجاورة. وفي سنة 1908 أيضا قامت ثورة الأتراك الجدد ضد السلطان عبد الحميد، مما أدى إلى تبدل الوضع فـي استنبول. وقد شهدت سنة 1908 أيضا بداية الحرب المكشوفة في المناطق الألبانية بين أنصار الأبجدية العربية والمتحمسين للأبجدية اللاتينية، ومع أن السلطة الجديدة في استنبول كانت أقل حماساً للإسلام مما كان يتظاهر به السلطان عبد الحميد إلا أنها ألقت كل ثقلها في كفة الأبجدية العربية، وذلك لقناعتها بأن تبني الألبانيين للأبجدية اللاتينية يعني بالضرورة الانفكاك عن الشرق والارتباط بالغرب، وهذا يفترض بدوره الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية مما قد يشجع الشعوب الأخرى على سلوك هذا الاتجاه.

الإسبانية في حروف عربية:

كانت الإسبانية اللغة الوحيدة ذات الأصل اللاتيني التي كتبت فـي حروف عربية، وكانت البداية مع الموريسكيين، وربما قبلهم بقليل، والموريسكيون Los Morisicos اسم يطلق على من تخلف من مسلمي الأندلس في إسبانيا بعد سقوط دولة الإسلام هناك في 2 يناير 1942م، وأكرهوا رغم المعاهدات على اعتناق الكاثوليكية، واستجاب كثيرون منهم ظاهراً تحت ضواغط مرعبة وقاهرة، ثم منعوا من التحدث باللغة العربية، أو الكتابة فيها، وألزموهم أن يتحدثوا باللغة القشتالية (الإسبانية). فأخذوا يطالبون بتأجيل تنفيذ هذا القرار الأخير عاما وراء عام، عن طريق الالتماس والترجي طوراً، ومقابل دفع رشاوى عالية يدفعونها للإمبراطور شارل الأول، وحين نفدت أموالهم لم يكن أمامهم غير أن يطيعوا وأن ينفذوا القرار، فتكلموا القشتالية، ولكنهم كتبوها فـي حروف عربية، استجابة لشيء فـي أعماقهم يرتبط بماضيهم على التأكيد، وتعمية على ملاحقيهم، وأطلقوا على هذا اللون من الكتابة الأدب الأعجمي Aljamiado، أو “الخميادوا” كما ينطق فـي الإسبانية، وانتشر هذا التعبير بين المستشرقين ، ومع الزمن أصبح هذا الاسم يطلق على كل أدب أوروبي كتب بالحروفف العربية، وانتهت التجربة في إسبانيا عام 1613 بطرد الموريسكيين، أى المسلمين من وطنهم إسبانيا. [31]

ظل هذا الأدب مجهولا لا يعرف عنه إلا القليل جدا، ولم يتوصل العلماء إلى الكشف عن سره وحل رموزه تماما إلا فـي منتصف القرن الماضي، اعتمادا على القليل من مخطوطات هذه الكتابة، حين انهار بيت في قرية المونستير دى لاسييرا Almonacid de al Sierra، مركز المدينة، محافظة سرقسطة، شمال شرقي إسبانيا، فـي خريف  عام 1884م ، ووجدوا فـي غرفة خفية بين طابقين مجموعة كبيرة من المخطوطات، جيدة الحفظ، رائعة التجليد، عريية الخط، إسبانية اللغة، ظلت مختفية على امتداد ثلاثة قرون، دون أن يعرفها أحد ، أو يتوصل إلى اكتشافها مخلوق.

لم يتبيّن العمال الذين يقومون بهدم المنزل، وتمتعوا بقدر عظيم من الجهل، أية أهمية لهذه الكتب المسطورة في حروف عربية، فتركوها تلقى مصيرها بين الأنقاض ضياعا وتمزيقا، ولم يعيروها أية أهمية، وتركوها لمن يريد أن يحمل منها ما يشاء، ومزق الصبيان منها أكثر من ثمانين مجلدا، وأسلموها للنيران لتمدهم بشيء من الدفء يقاومون به قسوة الزمهرير، وحدث أن مر بهم أحد القسس الذين يعملون في مدارس الكنيسة في سرقسطة، فاشترى منها مجلدين رائعي التجليد، مما شجع العمال على عدم تمزيق ما يخرجونه منها من تحت الأنقاض، وأن يجمعوا منها ما كان بين أيدي الصبيان يعيثون به. وعندما سمع مراسل أكاديمية التاريخ فـي سرقسطة توجه إلى المكان فـي الحال، واشترى جانبا كبيرا مما لم يحرق أو يُمزق بعد من هذه المخطوطات، ولم يعرف أحد بالدقة عدد المخطوطات التي عثر عليها، ولا التي ضاعت أو أحرقت أو أنقذت، لأن الذين أدركوا أهميتها من العابرين والسكان استحوذوا عليها لأنفسهم دون أن يقولوا لأحد شيئا، وحين عاد القسيس للمرة الثانية حصل على خمسة وعشرين مخطوطا، وعرف أن عدد ما أنقذوه يبلغ مئة وأربعين مخطوطا، خمسون فقط من بينها كاملة، والبقية ناقصة، واستغرق فك طلاسمها كلها سنوات طويلة ، قامت بها جمعية نشر الدراسات، وانتهت إلى معرفة محتواها تفصيلا، ونشرت عنها تقريرا كاملا في يونيه 1910م. [32]

خاتمة:

  • على الرغم من اختلاف الأسر اللغوية بين اللغة العربية السامية ولغات الأمم الإسلامية في الهند وباكستان وإيران التي تنتمي لغاتها إلى أسرة اللغات الهندو أوروبية إلا أن هذا الاختلاف لم يكن عائقا في تطور هذه اللغات واستعارتها لكلمات ومصطلحات عربية سامية.
  • كان للقرآن والصلاة دور مهم في نشر اللغة العربية والحرف العربي.
  • طورت شعوب اللغات المكتوبة بالحرف العربي في كتابة الحرف العربي بطرق جمالية وفنية.
  • كان الإسلام ولا يزال أهم عوامل انتشار الحرف العربي بينما تلازم انحساره بقدوم الاستعمار وعمليات التبشير.
  • شهدت حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي اهتماماً واسعاً بالحرف العربي حيث قامت المنظمة العربية للتربية والعلوم (أيسيسكو) وهي منظمة منبثقة عن الجامعة العربية كأداة متخصصة لنشر اللغة والثقافة العربية فـي أفريقيا حيث قامت هذه المنظمة بإنشاء معهد الخرطوم للغة العربية 1974م لإعداد المتخصصين فـي تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وخاصة أفريقيا، وكذلك قام المعهد بنشر اللغة العربية والحرف العربي فـي أفريقيا، ويعتمد فـي ذلك على الخلفية اللغوية والعلاقات الوثيقة بين العربية وكل من السواحلية فـي شرق أفريقيا والهوسا فـي غربها.
  • أثبتت الدراسة أن طلاب الهند وباكستان وطاجيكستان وأفغانستان وكشمير يتعلمون اللغة العربية بسهولة ودون صعوبات لأن لغاتهم الأم تكتب بالحرف العربي، بينما واجه الطلاب الذين دونت لغاتهم الأم بغير الحرف العربي صعوبات ومشكلات فـي تعلم اللغة العربية واستغرقوا وقتاً ضعف الوقت الذي استغرقه الفريق الأول فـي تعلم اللغة العربية.
  • من نتائج الدراسة أن طلاب آسيا الأقرب جغرافياً وبشرياً من سكان الجزيرة العربية أكثر ميلاً لتعلم اللغة العربية وفي مدى زمني أسرع من طلاب أفريقيا، ويأتي بعدهم طلاب أوروبا، وقد لمس الباحث ذلك من خلال البحث الميداني ودراسة الخريطة اللغوية والأسر والمجموعات اللغوية.
  • ساهم معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها فـي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بتخريج الآلاف من الطلاب من مختلف جنسيات العالم وكانوا مشاعل نور وهداية فـي نشر اللغة العربية والحرف العربي والثقافة الإسلامية فـي بلادهم.
  • توصي الدراسة بضرورة الاهتمام والعناية بطلاب المعهد وإعدادهم لغوياً، ونفسياً، واجتماعياً، ودينياً، وعلمياً؛ لأنهم اللبنة الأولى لطلاب الجامعة الإسلامية وهم مضغتها إذا صلحوا صلح جسد الجامعة. والحرف العربي ركن أساس من أركان الأمن الثقافي والحضاري والفكري للأمة العربية والإسلامية فـي حاضرها ومستقبلها، واللغة العربية هي القاعدة المتينة للسيادة الوطنية والقومية.

ملحق رقم (1)

قائمة بلغات الشعوب الإسلامية المكتوبة بالحرف العربي

القائمة الأولى: اللغات الأفريقية التي كتبت بالحرف العربي

أنوك                                                                    ANUAK

بمبرا                                                                    BAMBARA       

باري                                                                   BARI

ديولا                                                                   DIOLA            

فديثي                                                                  FEDICHI  

فولا                                                                   FOULA

فوتا جالون                                                             FOUTA DJALON             

هوسا                                                               HAUSA                  

القبائلية                                                             KABYLE

المالنكية                                                             MALINKE 

الماندنغية                                                            MANDING

مبوم                                                                MBUM

ماندي                                                               MENDE                 

مورو                                                               MORO

موسي                                                              MOSSI

مورلي                                                              MORLE          

نوير                                                               NUER

السرغلاوية                                                       SARAKOLE                   

الشلحية (الوسطى)                                                SHILHA (CENTRAL)

الشلحية (الشرقية)                                               SHILA (EAST)  

الشلحية (الشمالية)                                                SHILA (NORTH)

شلك                                                              SHILUK                 

سنغاي                                                            SONGHAI

السونيكية                                                         SONINKE

سوسو                                                            SOUSSOU

السواحيلية                                                        SWAHILI

تيكار                                                             TIEKAR

تمني                                                              TIMNE                   

الولفية                                                           WOLOF   

زاندي                                                            ZANDE    

القمرية                                                          COMORO

لوجندا                                     LUGANDA

لوسوتو                                    LUSUTU  

مابان                                      MABAN   

القائمة الثانية: اللغات الآسيوية التي كتبت بالحرف العربي:

لغة البلوشي                                                               BALOCHI

لغة البالتي                                                                 BALTI

لغة البراهوي                                                             BRAHUI

لغة الدخيني                                                              DAKHINI

لغة جافا                                                                   JAVANESE

لغة كشمير                                                               KASHMIRI

لغة الكرد (كارمنشاه)                             URDISH (KERM. ONSHAHI      

لغة الكرد (كرمنجي)                              KURDISH (KURMANJI)

لغة الكردي (مكري)                                  KURDISH (MUKRI)

لغة لهند (هندكو)                                    LAHNDA;HINDKO

لغة لهندا (مولتان)                                     LAHNDA MULTANI

لغة مالاي العليا                                          HIGH MALAY

لغة المالايالام                                               MALAYALAM

لغة بنجاب المسلمة                                     MUSALAMANI PANJABI

لغة الباشتو                                                  PASHTO

اللغة الفارسية                                            PERSIAN 

اللغة الصوينية غرسي أو داري               SHINA GURESI OR DARID      

لغة السند                                                       SINDI

لغة السندنيس                                            SUNDANESE   

لغة التاميل                                                  TAMIL     

اللغة التركية (العثمانية)                                     SMANI TURKISH               

اللغة التركية (أذربيجان)                      AZERBAIJANI TURKISH

اللغة التركية (جاغاني)                                        JAGATAI TURKISH

اللغة التركية (كارايت)                                       KARAITE UTRKISH

اللغة التركية (كشغر)                                         KASHGAR TURKISH       

اللغة التركية (قازان)                                            KAZAN TURKISH

اللغة التركية (خرغيز الغربية)                          KIRGHIZ TURKISH

اللغة التركية (كوموك)                                     KUMUK TURKISH

 

اللغة التركية كرغيز الشرقية (التاي) (ALTAI)KIRGHIZURKISH              

أو أوازاق                                           OR OAZAQ TURISH

اللغة التركية (نغاي)                               NOGAI turkish

اللغة التركية (أوزيك)                            UZBERK TURDISH  

الأردية أو الهندوستانية                            URDO OR HINDUSTANI

 

القائمة الثالثة: لغات الشعوب الإسلامية فـي الاتحاد السوفيتي (سابقاً) وهم شعوب آسيا الوسطى، وكانت تكتب بالحرف العربي حتى عام 1928 حيث أوقفت بصدور قانون يحرم كتابتها بالحرف العربي هي:

الأذربيجانية                                                       AZERI

باشكيري                                                      BASHKER

تنرية القرم                                                     CRIMEAM TATTAR

قرة قلبا قي                                                  KARAKALBAK

القازاقية                                                       KAZAKH

القرغيزية                                                    KIRGEZ

كرسمي التتارية                                             KRESMEM TATTAR

كوميك                                                     KUMYK            

نوغاي                                                     NUGHAY

الطاجيكية                                                  TAJIK

التركمانية                                                 TURKIAM

أيغور                                                      UYGHUR

الأوزبكية                                                  UZBEK

تزية الفولجا                                                VILGA TATAY

 وقد وردت فـي كتاب:

Nationalities of the soviet East publications and writing systems. New- York, Colombia, NUI. PRESS. 1971, Library Of CONGRESS, W. NH.B 11 0193.

القائمة الرابعة: لغات الشعوب الإسلامية التي كتبت بالحرف العربي ولم ترد فـي أي من القوائم الثلاث:

التاميلية                                                                    TAMIL

البنجابية                                                                    BANJABI

سوندانية                                                                    SUNDANESE

صولوية (ج الفلبين)                                                      SULU      

غرب البنجاب                                                            LAHNDA  

جزيرة سومطرة                                (SUMATRA)

لغة آتشيه                                         ACEH

لغة منانغكباو                            MINANEKABAU

لغة باتل                               BATAL

لغة بنكا                              BANKA

لغة بالنبانج                     PALEMBANG

جزيرة جاوى:                      (JAWA)

لغة سوندا                   SUNDA           

لغة جاوى              JAWA      

لغة مادورا            MADURA

لغة لاتاوي               BETAWI  

لغة بانتين                 BANTAWI

جزيرة كلمتان:           (KALIMANTAN)

لغة بانجار BANJAR

جزيرة سلاويسي: (SULAWESI)

لغة بوغيس BUEIS

الهوامش:

[1] حجازي، محمود فهمي: مدخل إلى علم اللغة العام. دار الثقافة، القاهرة، 1992م.

[2]. المصدر السابق ص137.

[3] الصفصافى، أحمد المرسى: أوراق تركية، القاهرة: 2005، ص 16-17.

[4] المرجع السابق ص18-19، ومحمود فهمي حجازي: علم اللغة العام ص138.

([5]) المصدر السابق 29-30، ومحمود فهمي حجازي، علم اللغة العام، ص139.

[6] حجازي، محمود فهمي ، علم اللغة العام ص162، 163.

[7] المصدر السابق: 108-109.

[8] المصدر السابق: 110.

[9] المصدر السابق: ص111.

[10]حبيبي، عبد الحي ، لغة البشتو، السفارة الأفغانية، القاهرة، 155، ص15.

[11] صافي، محمد أمان: الأدب الأفغاني الإسلامي، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1425هـ، ص69.

[12] المصدر السابق: ص70-71.

[13] المصدر السابق: ص72-73.

[14] حجازي، محمود فهمي ، مدخل إلى علم اللغة العام. ص168.

[15] فخر الدين، فؤاد محمد ، تاريخ أندونيسيا الأدبي، القاهرة، 1960، ص80-81.

[16] المصدر السابق: ص85-86.

[17] المصدر السابق: ص86-87.

[18] ندوي، عبد الله عباس، اللغة الأردية، مكة المكرمة، 1420، ص21.

[19] المصدر السابق: ص22.

[20] المصدر السابق: ص23.

[21] المصدر السابق: ص24.

[22] حجازي، محمود فهمي ، علم اللغة العام، ص148-149.

[23] المصدر السابق: ص150-151.

[24] نوفل، محمد علي، التعدد اللغوي فـي نيجيريا، مجلة الدراسات الأفريقية، القاهرة، عدد 22، ص200.

[25] الغنيمي، عبد الفتاح مقلد، حركة المد الإسلامي فـي غرب أفريقيا، القاهرة، مكتبة نهضة الشرق، 1985، ص66-67.

[26] حجازي، مصطفى السيد، الإسلام ونشأة الكتابة فـي بلاد الهوسا، مجمع اللغة العربية، الجزء الحادي والستون، القاهرة، 1987، ص69.

[27]  حجازي، محمود فهمي ، علم اللغة العام، ص101.

[28] إسماعيل، بكر، تأثير العربي فـي اللغة الألبانية، مؤتمر الترجمة، جامعة الأزهر، القاهرة، 1998، ص2549.

([29]) المصدر السابق: ص2551.

[30] المصدر السابق: ص2552.

[31] مكي، الطاهر، الأدب الإسلامي المقارن، دار عين، القاهرة، 2002، ص95.

[32] المصدر السابق: ص96.

مصادر البحث:

أولاً: المصادر العربية:

  • إسماعيل، بكر: تأثير العربي فـي اللغة الألبانية. مؤتمر الترجمة. جامعة الأزهر. القاهرة. 1998م.
  • ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة. طبعة باريس. 1853م.
  • جامعة الدول العربية: العلاقات العربية الأفريقية، دراسات تحليلية فـي أبعادها المختلفة. معهد البحوث والدراسات العربية. القاهرة. 1978م.
  • حجازي، محمود فهمي: مدخل إلى علم اللغة العام. دار الثقافة. القاهرة. 1992م.
  • حجازي، مصطفى: أدب الهوسا الإسلامي. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض. 2000م.
  • حبيبي، عبد الحي: لغة البشتو. السفارة الأفغانية. القاهرة. 1955م.
  • حسن، إبراهيم حسن: انتشار الإسلام فـي أفريقيا. القاهرة. 1964م.
  • زكي، عبد الرحمن: الإسلام والمسلمون فـي شرق أفريقيا. القاهرة. 1965م.
  • ستودارد، لوثروب: حاضر العالم الإسلامي. ترجمة عجاج نويهض، وتعليق شكيب أرسلان. دار الفكر. بيروت. 1971م.
  • سعيد، شيخو أحمد: حركة اللغة العربية وآدابها فـي نيجيريا. القاهرة. 1982م.
  • صافي، محمد أمان: الأدب الأفغاني الإسلامي. جامعة الإمام محمد بن سعود. الرياض. 1425هـ.
  • عزيز، سيد حامد: المؤثرات العربية فـي الثقافة السواحلية فـي شرق أفريقيا. دار الجيل. بيروت. 1998م.
  • عنان، محمد عبد الله: دولة الإسلام فـي الأندلس. مكتبة الخانجي. القاهرة. 2003م.
  • فخر الدين، فؤاد محمد: تاريخ أندونيسيا الأدبي. القاهرة. 1960م.
  • فندريس: اللغة. ترجمة عبد الحميد الداخلي ومحمد القصاص. القاهرة. مكتبة الانجلو المصرية. 1950م.
  • قاسم، جمال زكريا: الأصول التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية. القاهرة. 1975م.
  • عبد المجيد، مها: الركائز اللغوية فـي العلاقات العربية الأفريقية. القاهرة. (د.ت).
  • محمود، حسن أحمد: الإسلام والثقافة العربية فـي شرق أفريقيا. القاهرة. 1965م.
  • المرسى، الصفصافي أحمد: أوراق تركية. القاهرة. 2005م.
  • موفاكو، محمد: الثقافة الألبانية فـي الأبجدية العربية. عالم المعرفة. الكويت. 1983م.
  • ندوي، عبد الله عباس: نظام اللغة الأردية الصوتي واللفظي والنحوي. مكة المكرمة. 1406هـ.
  • نصر، رجاء توفيق، السجل العلمي للندوة العالمية الأولى لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. جامعة الملك سعود. الجزء الثاني. الرياض. 1980م.

ثانياً: المصادر الإنجليزية:

  • A, millar: language and communication. New York 1952
  • T, language transfer. Cross-linguistics influencein language learning. Cambrige. 1987.
  • R- scharma, India language, Dialect, ALLAH abad 1932.

ثالثًا: الدوريات والقواميس:

  • الأعصر، أيمن: الأثر العربي فـي دول حوض النيل (شرق ووسط أفريقيا) مجلة آفاق أفريقية. العدد 170.
  • حجازي، مصطفي: الإسلام ونشأة الكتابة فـي بلاد الهوسا. مجلة مجمع اللغة العربية. الجزء الحادي والستون. القاهرة. 1987م.
  • طاهري، أمير: خطر فقدان الذاكرة التاريخية والتراث الحضاري. جريدة الشرق الأوسط. عدد 552.
  • عبد المجيد، مها: الحرف العربي واللغة السواحلية فـي شرق أفريقيا. مجلة آفاق أفريقية. الهيئة العامة للاستعلامات. القاهرة. عدد: 19.
  • نوفل، محمد علي: التعدد اللغوي فـي نيجيريا. مجلة الدراسات الإفريقية. القاهرة.
  • قاموس. Oxford, Jonson 1939

 رابعًا: مواقع الإنترنت:

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here