مساهمة النساء في تفسير القرآن الكريم في العصر الحديث
بقلم
د. محمد روح الأمين
أستاذ مساعد، كلية مهيتوش نندي التابعة لجامعة كلكتا، هوغلي، بنغال الغربية، الهند
————————————-
ملخص البحث:
لعبت النساء دورا كبيرا في بناء العالم كونها جزءاً مهما من المجتمع الإنساني كالرجال، و كائن لطيف من خلق ربنا عز وجل. وقد وهبها الله من الحقوق والواجبات مثلما أعطاها للرجال، وجعلها رفيقة مؤنسة في حياة الإنسان. وقد لعبت المرأة دوراً بارزا في شتى ميادين العلوم والفنون على مر العصور، ونراهن يقبلن على علم التفسير بحثا وكتابة، الأمر الذي أكسبهن مكانة مرموقة في هذا الميدان. و إذا أمعنا النظر في العصور المختلفة منذ صدر الإسلام إلى العصر الحالي رأينا أن عنايتهن بدراسة القرآن الكريم و تفسيره بلغت مبلغا عظيما، و قد تركت بعض النساء بصماتهن جلية في هذا المجال. لا يمكن أن نحصيها جميعا هنا، ولذا سنذكر أشهر و أبرز مفسرات القرآن في هذه المقالة.
الكلمات المفتاحية: تفسير القرآن، جهود النساء، ملامح تفسير النساء.
المقدمة: إذا أمعنا النظر في أوراق الكتب من التواريخ بحثا عن مساهمات النساء وبصفة خاصة خدمات النساء المسلمة من عهد صدر الإسلام إلى العصر الراهن، فإننا وجدناها شريكة في جميع مجالات ومرافق الحياة اليومية، فلم تكن حياتهن محصورة داخل الجدران الأربعة. بل وجدناها يمارس جميع الأعمال التي كانت مناسبة لها، فعلى سبيل المثال شاركن في التجارة، وكذلك زحفن إلى ساحات الحرب، واستشهدن في سبيل الله. وإضافة إلى ذلك أدين الواجبات المنزلية. و هناك نساء أخريات نظمن الأشعار، وروين الأحاديث النبوية وعلمن الفقه والأصول وكذا فسرن القرآن الكريم، ومارسن العلوم والفنون والأدب والطب والجراحة وهلم جرا.
وفي العصر الحديث رأينا الكثيرات من عالمات الإسلام يهتمن بالتفسير اهتماما بالغا. وبجانب تأليف التفسير، نشأت مدارس وجامعات ومعاهد للتفسير مع إنشاء مدارس الألسن والإستمرار في عملية التفسير بكل جدية. وعند النظر في مساهمات النساء في العلوم الإسلامية في العصر الحديث نرى أن لهن نشاطا ملموسا في الدراسات القرآنية.
العصر الحديث:
وفي العصر الراهن بلغت العناية بدراسة القرآن الكريم و تفسيره مبلغا عظيما، و قد أثبتت بعض المفسرات مقدرة فائقة في هذا المجال. وفيما يلي نذكر مساهمات بعض النساء الجليلة في هذا الميدان.
مساهمة المفسرة عائشة عبد الرحمن:
ومن أشهر و أبرز مفسرات هذا العهد هي عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ المصرية. لا نعرف الكثير عن شخصية المفسرة لندرة المصادر المترجمة لحياتها، وكل ما أعرفه عنها أنها امرأة فاضلة كريمة من أهل مصر. السبيل الوحيد في معرفة سيرتها هو ما توافر لدي من مؤلفاتها، و استطعت أن استشف منها طرفا من شخصياتها والمهم منهجها في تفسيرها لبعض السور القرآنية.
إنها ولدت بشاطئ النيل في السادس من نوفمبر عام 1913م، و لما بلغت الخامسة من عمرها حفظت القرآن الكريم عند شيخها الشيخ مرسي مدارس القرآن المسماة بالكتاتيب والتي كانت منتشرة في القري، و في ذلك الوقت لم يكن تعليم الفتاة سهلا ميسرا على الرغم عائشة استطاعت الالتحاق بمدارس البنات ثم الكلية والجامعة العربية بمساعدة جدها الشيخ إبراهيم الدمهوجي. فحصلت على شهادة الكفاية للمعلمات عام 1929م وكذلك حصلت على شهادة الدكتوراة بتقدير ممتاز. و كان عنوان الرسالة “دراسة نقدية لرسالة الغفران” و الجدير بالذكر أنها أديبة و ذات قلم سيال، محبة للعلم و مجالسه و قارئة ممتازة تعي ما تقرأ و تسمع و تستفيد و تفيد،
أعمالها و مؤلفاتها:
كانت الأدبية و الباحثة عائشة ناشطة في مجال الدعوة و لها نشاطات تربوية واجتماعية من خلال ما قرأت عنها من المقالات على شبكات الانترنيت.
أما مؤلفاتها فهي تقارب أربعين كتابا . و كذلك هي تنتقل بين التفسير الذي حمل عنوانا مشتركا لسور من الطوال والمفصل و بين القصة الهادفة كما في التفسير “القرآن و حقوق الانسان” و “القرآن و الجغرافية” و “القرآن و مشكلة الترادف” و”الإعجاز البياني للقرآن” و”التفسير البياني” و”القرآن وقضايا الإنسان” و في السيرة النبوية لها كتب قيمة كما “أم النبي” و “نساء النبي” و”بنات النبي” و “السيدة زينب سكينة بنت الحسين “و” مع المصطفى عليه السلام “و” تراجم سيدات بيت النبوة “وفي القصة مجموعة قصص هادفة أخرى بعنوان سر الشاطئ و” امرأة خاطئة” والريف المصري” و “قضية الفلاح “و رجعة فرعون” و “صور من حياتهن” و” أرض المعجزات “و هلم جرا.
ملامح تفسيرها و منهجه:
وفيما يخص مساهمات بنت الشاطئ في الدراسة القرآنية، فقد كان كتابها عن التفسير البياني للقرآن الكريم بمثابة حلقة وصل بين الدراسات العربية والدراسات القرآنية، و لم يكن تفسيرا شاملا للقرآن بل اقتصر على بعض السور القصيرة والمتوسطة في جزئين. وقد اعتمدت بنت الشاطئ المنهج الإشراقي الذي يعتمد على القلب و تأثرت فيه بولدها، واعتمدت المنهج العقلي الذي يعتمد على العقل و تأثرت فيه بأستاذها وهو زوجها الشيخ أمين الخولي، واستطاعت أن تستفيد منهما معا. والمنهج الذي بنت عليه تفسيرها و أخذته عن أستاذها أمين الخولى وضع له ضوابط في “مناهج تجديد” و شرحها عدد من طلابه، وقد ذكرت بنت الشاطئ هذا المنهج وخصته في مقدمة الطبعة الخامسة لتفسيرها وهو:
1) الأصل في المنهج التناول الموضوعي لما يراد فهمه من كتاب الإسلام، و يبدأ بجمع كل ما في الكتاب المحكم من سور و آيات في الموضوع المدروس.
2) في فهم ما حول النص: ترتب الآيات فيه على حسب نزولها لمعرفة ظروف الزمان والمكان، كما يستأنس بالمرويات فى أسباب النزول من حيث هى قرائن لابست نزول الآية، دون أن يفوتنا ما تكون العبرة فيه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي نزلت فيه الآية. وإن السبب فيها ليس بمعنى الحكمة أو العلية التي لولاها ما نزلت الآية. والخلاف فى أسباب النزول يرجع غالبا إلى أن الذين عاصروا نزول الآية أو السورة، ربطها كل منهم بما فهم أو توهم آية السبب في نزولها. و ترتيب السور والآيات كما جاءت فى المصحف توفيق يأمر الله، كما قررت ذلك المفسرة، و درجة ثبوت هذا الترتيب أقوى من درجة ثبوت ما صح من روايات ترتيب النزول، و قد أخذت به فيما لا يعارض دلالة ترتيب المصحف، كما التزمت به المفسرة في عدة مواضع[1]. و خالفته فى مواضع أخرى[2] .
3) في فهم دلالات الألفاظ: نقدر أن العربية هي لغة القرآن، فنلتمس الدلالة اللغوية التي تعطينا حسن العربية للمادة في مختلف استعمالاتها الحسية والمجازية، ثم نخلص للمع الدلالة القرآنية باستقرأء كل ما في القرآن من صيغ اللفظ، وتدبر سياقها الخاص في الآية والسورة، و سياقها العام القرأن كله.
4) في فهم أسرار التعبير: نحتكم إلى سياق النص في الكتاب المحكم ملتزمين ما يحمله نصا و روحا. و نعرض عليه أقوال المفسرين فنقبل منها ما يقبله النص، ونتحاشي ما أقحم على كتب التفسير من مدسوس الإسرائيليات وشوائب الأهواء المذهبية، و بدع التأويل[3] .
و الحقيقة أن هذا المنهج الذي أسندته المفسرة و نسبته لأمين الخولي أصله الأستاذ محمد عبده وسار على نهجه من تبع مدرسته في التجديد والبعد عن التقليد أمثال الخولي ورشيد رضا والمراغي على تفاوت بينهم في الإلتزام به، ففي الوقت الذي وجه فيه الشيخ عنايته بتجلية الهداية القرآنية من حيث هو كتاب هداية إلا أن مدرسته أثرت في الاتجاه الأدبي البياني لأن من أهدافه الأولى الإصلاح اللغوي، أما الخولي فقد نحا في التجديد إلى الدراسة الأدبية التي أثمرت في جهود تلاميذته وأولهم بنت الشاطئ. وكذلك تأثرها بالمنهج الإشراقي اقترن بتميزها لمنهجها الذي خالفت فيه المنهج الباطني والبهائي[4] كما تميز تأثرها بالمنهج العقلي بإبراز الإتجاه الأدبي الذي ظهر واضحا في عنوان تفسيرها البياني[5].
الداعية المفسرة زينب الغزالي: ولدت الداعية الإسلامية المفسرة زينب بنت محمد الغزالي في يناير 1917م في قرية في محافظة البحيرة، ونشأت بين والدين ملتزمين بالإسلام، وكان والدها رحمه الله من علماء الأزهر الشريف، وكانت عربية الأصل، ينتهي نسب والدها من أبيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و أما نسب أمها فينتهي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، و قد أثرت التربية الدينية أشد الأثر فيها[6]، وكان يناديها نسيبة تيمنا بالصحابة الجليلة نسيبة بنت كعب المازنة الأنصارية، وكان حريصا على تنشئتها تنشئة إسلامية متكاملة، وتوفيت عام 2005م وكان عمرها يناهز 88 سنة.
تعليمها:– جمعت زينب الغزالي بين الطرفين في العلوم: المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على أخذ العلم من شيوخه وأهله مباشرة كما أنها بعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها إلى القاهرة للعيش مع إخوتها الذين يدرسون ويعلمون هناك. و لم يوافق أخوها الأكبر محمد على تعليمها رغم إلحاح زينب وإصرارها. وكان يقول لوالدته: إن زينب قد علمها والدها الجرأة، و لا تستمع إلا لصوتها و لعقلها. و كانت والدتها ترى أن عليها طاعة أخيها، لأنه بمثابة الوالد، لكن أخاها الآخر وهو الأخ الثاني الذي رأى أن تعليمها سوف يقوم أفكارها و يصوب رؤيتها للأشياء. و اقتني لها الكتب وأهمها كتاب لعائشة التيمورية عن المرأة الذي حفظت زينب أكثر مقاطعة. لكنها لم تكتنف بالكتب والقراءة الحرة، بل ذهبت لمقابلة مدير مدرسة وقصت عليه قصتها وموقف شقيقها الأكبر من تعليمها وطلبت منه أن يقبلها طالبة في مدرسته. وعندما سأل عن والدها وأخيها عرفها و عرف أسرتها. و أعجب بذكائها و جرأتها. فطلب منها إحضار أخيها علي الذي يؤيد تعليمها ليسجلها في المدرسة. وهكذا تم قبولها ودرست في المدارس الحكومية، لكنها لم تكتف بذلك بل تلقت علوم الدين على مشايخ من رجال الأزهر الكبار في علوم التفسير والفقه، ومنهم الشيخ عبد المجيد اللبان وكيل الأزهر، والشيخ محمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف، وكذلك أخذت العلم من الشيخ علي محفوظ من هيئة كبار العلماء بالأزهر.
أعمالها ومؤلفاتها:
تعد مكتبتها من أضخم المكتبات التي يحتوي عليها بيت عالم وفقيه، وتضم كتب التفسير والفقه إضافة إلى العلوم الحديثه والكتب الدعوية والحركية، وقد ألفت مجموعة من الكتب والمؤلفات منها “ابنتي” في جزائن، و”مشكلات الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة “في جزائن أيضا، و”أيام من حياتي” وكذلك نظرات في كتاب الله “وكتب أخرى.
تفسيرها “نظرات في كتاب الله ومنهجه”:
تكشف لنا مؤلفاتها أنها عالمة و فقيهة واعية لعصرها ولما يدور من حولها من أحداث، ويبرز ذلك في كتابها: نظرات في كتاب الله الذي فسرت فيه الفاتحة والسبع الطوال والتوبة ويونس وهود. لقد كان القرآن ملاذها في السجن فكانت تكتب على هامش المصحف بعض العبارات التي كانت تراها تفسيره، لكنها أخذ منها هذا المصحف والتفسير ولم تكمله، وعندما خرجت بدأت تستعيد ثانية هذه المعاني، وبالفعل كتبت تفسيرها و طبع منه الجزء الأول سنة 1994م و ما زال الجزء الثاني غير منشور[7]. وكانت تطمح إلى أن تكون أول امرأة تكتب تفسير القرآن، و نجحت في ذلك واستقبل عملها استقبالا حسنا، وكتبت عنه الصحف والمجلات باعتبارها خادمة للقرآن الكريم، و يمكن رصد أبرز ملامح تفسيرها و أسسه فيما يأتي بإيجاز :-
أولا: تبدأ كتابة تفسيرها بعد بيان نوع السورة مكية أو مدنية وعدد آياتها، بذكر فضائلها إن وجدت وما ثبت من أسباب نزولها كما فعلت في مطلع سورة آل عمران [8] حيث ذكرت قصة وفد نجران للمدينة 9هجرية، ومناظرة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، ثم دعوتهم للمباهلة، و لكنهم أبوا و رضوا بالجزيرة. و قد استدلت بذلك على وجوب الدعوة لغير المسلمين، و على نسخ الإسلام للشرائع السابقة.
ثانيا:– تعتمد في تفسيرها على المأثور من القرآن والثابت من الحديث، وأقوال الصحابة والتابعين والسلف، ففي معنى التقوى في مطلع سورة البقرة أوردت معناها في آية أخرى من آل عمران، وأوردت حديثا نبويا يفسر معنى التقوى وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم “لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس [9] وأوردت أيضا قولا للإمام عمر و علي وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين[10].
ثالثا:– تعتمد على كتب التفسير المتقدمة منها المأثورة، والحديثة المعروفة وأهمها تفسير ابن كثير و القرطبي، و في ظلال القرآن لسيد قطب الذي يتوافق تفسيرها معه على خط واحد وهو التوجيه الدعوى و الأدبي، و تستأنس أحيانا بتفسير الرازي.
و قد استفادت المفسرة من مشايخ عصرها حيث درست في المدارس، وتلقت علوم الدين على مشايخ من رجال الأزهر الكبار في علوم التفسير والفقه وعلوم الحديث، ومن بين الأساتذة الذين ذكرتهم “الشيخ عبد المجيد اللبان وكيل الأزهر، والشيخ محمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف، وكذلك أخذت العلم من الشيخ علي محفوظ من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والشيخ علي جعفر من قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف. ويوجد أساتذة كبار أجاز ها في علوم الحديث، ومن بينهم الشيخ عليان من كبار هيئة العلماء ورئيس الفقه الشافعي في الأزهر الشريف هو الذي أجازها برواية الحديث.
رابعا: التنبيه على إعجاز القرآن في الحروف المقطعة، وضرب الأمثلة والتشبيه لتقريب المعني، فبعد أن تذكر اختلاف العلماء وأقوالهم بإيجاز في تفسير الحروف المقطعة، تستأنس بقول سيد قطب بأنها لبيان التحدي والإعجاز، فتقول: “إنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف وهي في متناول المخاطبين من العرب… و الشأن في هذا الإعجاز هو الشان في خلق الله جميعا، و هو مثل صنع الله في كل شيئ و صنع الناس”[11].
خامسا: الدفاع عن حقوق المرأة بنبذ التقاليد السيئة، والتمسك بحقوقها الشرعية المنصوص عليها، ففي تفسيرها لآية العدة للزوجة المدخول بها التي توفي عنها زوجها لا خلاف في عدتها أربعة أشهر وعشرا. و لكن ذلك يختلف بالنسبة للحامل فتقول ردا على ما طرأ في هذه المسألة من خلط و بدع بمنع المرأة من حقوقها :”فإذا كانت حاملا ووضعت ولو بعد وفاة زوجها بليال فقد انتهت عدتها، وعندها يحق لها الزواج، ولهذا فلا يحق لنا أن تعترض على المرأة التي تقضي فترة عدتها، ثم تتزين بعدها و تخلع عنها ملابس الحزن، أو أعلنت عن رغبتها في الزواج، و لهذا فقد قال الله تعالى: “فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف”[12]. ثم استشهدت لذلك بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حديث سبيعة الأسلمية التي مات عنها زوجها وضعت حملها بعده بليال فاتت الرسول حين أمرها وليها بالعدة أربعة أشهر وعشر فسألته عن ذلك، قالت سبيعة : “فافتاني بأنني حللت حين وضعن حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي[13]، وتعلق المفسرة قائلة :” وسبحان الله العليم الخبير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم أن للمرأة طاقة تحدد لها أمر العدة على قدر احتمالها، وربما تشد بعض النساء عن هذه القاعدة، إلا أن القواعد لا تبنى على الشواذ، و القاعدة هي ما قرر الله سبحانه، و في قوله صلى الله عليه وسلم :”تزوجي إن بدأ لك”حكمة بليغة، فلا حرج على من صبرت عاما أو أكثر أو العمر كله، إلا أن القاعدة التي يجب الأخذ والتقليد بها، ما قرره الله سبحانه و نبيه صلى الله عليه وسلم[14].
سادسا: عدم الخوض في تفاصيل القضايا اللغوية والفقهية وتجاوز الخلافات الفقهية والمذهبية حرصا منها على الوفاء بالمعاني الدعوية الإسلامية، وتقتصر على المعنى العام للأحكام ففي تفسيرها لقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى و قوموا لله قانتين”[15]. ذكرت أن هناك خلافا أي صلاة فقالت” و نقول :إن الله تركها كذلك دون تسمية حتى يحافظ المسلمون على الصلوات كلها، وأن بعضها أفضل من بعض، و الله أعلم “، و ترجع أحيانا كترجيحها القول بالنسخ لآية عدة المرأة أربعة أشهر و عشرا، للآية التي قبلها في المتاع إلى الحول.
سابعا: الربط بين الآيات القرآنية في السياق الواحد، و ربطها بالواقع في الوقت نفسه مثل التاهون في دفع الزكاة التي تجعلهم يتقبلون الربا ومن ثم يستحقون الحرب من الله و رسوله، ففي تفسيرها “وآتوا الزكاة”[16] ، بعد آية محق الربا تقول: “و قد ضاعت بيننا من بين ما ضاع فريضة الزكاة حتى إنها لم تعد إلا سلوكا فرديا، يقوم به الصالحون المحسنون من الناس: سرا أو جهرا، و شاعت مرارة المحق والتخبط في ظلمة نظام ربوي ساحق”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا “[17]. و علاوة على هذه هناك تشرع بتفسير الآية بعد الربط الذي تظهر فيه حسن التناسب بين الآيات مازجة بين العقل والنقل. ولمخالفة الطول ما أوضحت جميعا.
الباحثة المفسرة حنان لحام:
لا نعرف الكثير عن شخصية هذة المفسرة لعدم وجود المصادر المترجمة لحياتها، ولكن كل ما أعرفه عنها أنها إمرأة كريمة فاضلة من أهل الشام، ولها أسرة و رزقت بالأولاد والأحفاد، اشتغلت بالتدريس فهي مربية أجيال و باحثة. و قد حاولت الاتصال بها عن طريق البريد الِإكلتروني لمعرفة طرف من سيرتها العلمية و لكن لم أتلق ردا. ومن المؤكد أنها مشهورة في شبكات الإنترنت كـ “باحثة سورية” وقرأت عنها من المقالات تحت مسمى المذكورة. وحاولت استخلاص منهجها في التفسير من خلال استقراء ما استطعت الحصول عليه من تفسيرها، ومن قراءة صفحات لها يدرك القاري أنها أدبية وكاتبة بارعة تستفيد و تفيد، وقارئة ممتازة تحفظ ما تقرأ وتسمع وكذلك إنها محبة للعلم، عاشت سنوات في مكة المكرمة. ومن ملامح شخصيتها: الصبر والمثابرة، حيث قابلت باستهجان بعض من نصحها بترك الكتابة في مجال التفسير والاكتفاء بالقصص، كما ذكرت في مقدمة تفسيرها لسورة آل عمران. و في مكة عدت إلى التحضير من جديد حيث قدمت تفسير السور الثلاث: البقرة، و آل عمران والنساء في مدرسة القرآن. وكانت سورة النساء، إذ تم تدارسها قبل ذلك مع نخبة من الطالبات الجامعات لما فيها من أحكام تخص المرأة.
مؤلفاتها:
أما مؤلفاتها فهي أكثر من أربعين مؤلفا تتنوع بين التفسير الذي حمل عنوانا مشتركا “نظرات في كتاب الله” لسور من الطوال والمفصل و بين القصة الهادفة، ففي التفسير نجد أنها كتبت: أضواء على سورة يس، أضواء وتأملات من سورة طه، وسورة لقمان، و سورة النور، وأخيرا تفسير سورة التوبة. والجدير بالذكر أن لها مجموعة قصص هادفة من القرآن مثل ليلة القدر، وسورة الإخلاص، وسورة الكوثر، و كذلك قصة أصحاب الفيل، والعاديات، وكذلك قصة ذي القرنين وهلم جرا.
منهجها في تفسير القرآن الكريم:
أولا: لقد اهتمت المفسرة الاستدلال بالقرآن الكريم و السنة في توضيح معاني الآيات وربطها بما له علاقة به، وكذلك عملت على إيراد الأحاديث النبوية الشريفة مما يتصل بمعاني تلك الآيات، فمن ذلك ما أشارت إليه في تفسير قوله تعالى: “أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل”[18]، فقالت قد يكون النهي عن سؤال المعجزات كما قال اليهود “لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة”[19] وقد يكون النهي كما ورد في الآية “يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”[20]. وقد ورد في الحديث “ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، و لإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه” [21].
ثانيا: تأثرها في التفسير بالمنهج الأدبي الإشراقي: خاصة وأن المؤلفة ذات تكوين أدبي، فقد أصدرت سلسلة من القصص للصغار والناشئين والراشدين. ولعل بروز الظاهرة الأدبية في تفسيرها يجعلها تتجاوز أحيانا بيان معنى الكلمات أو المفردات إلى التعليق عليها والإشارة إلى ما يحيط بها، و هي في ذلك تصدر عن روح أدبية تقصد منها التأثير في القارئ ليعيش مع أجواء القرآن في ظلال الإيمان، والأمثلة على ذلك كثيرة وخاصة في مقدمات السور. ومثال ذلك ما بدأت به سورة طه فقالت “ليس هذا تفسيرا أكتبه لكنها نبضات قلب أشرقت عليه سورة طه، و نفحة بعض عبيرها، إيه يا أمير المؤمنين يا ابن الخطاب :أتذكر ما فعلته بك” طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”[22]، وعمر الفاروق جبار الجاهلية يسمعها فتنكسر أغلال قلبه. وتتهاوى السدود والجدران أمام شلال النور المتدفق مع “طه” إلى أغوار نفسه. فتنجاب الظلمات. و يتهاوي الظلم والجبروت. و تنكشف حقيقة الله المحب لعباده، الخالق لكل شيء، أمام ناظريه فيركع القلب ويسجد نائبا منيبا. وتزغرد الآفاق لميلاد هذا العبقري.
ثالثا: بروز اتجاه التفسير الموضوعي في تناولها وتقسيمها لموضوعات السورة الواحدة، فمادة تفسيرها ليست مقسمة بحسب تتابع الآيات، ولكن تجمع الآيات في الباب الواحد لتنتظم تحت عنوان واحد، ففي سورة آل عمران مثلا جعلت التفسير في فصول ستة: في الكتاب، وفي الذين نزل عليهم الكتاب، وتوجيهات للمؤمنين، وغزوة أحد، ومن مواقف اليهود، و أولوا الألباب يتفكرون. وهكذا في بقية السور.
رابعا: معالجة قضايا اجتماعية كما في تفسيرها لقوله تعالى “لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب”[23]. حيث تنقل رأي صاحب المنار والظلال في أضرار المدح مع أدلة من الرسول صلى الله عليه وسلم الحذر من الرغبة في أن تمدح على أعمالك حتى تكون الأعمال خالصة لله، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدح لما له من أثر ضار على الإنسان من غرور وغفلة، فبعض الناس يضره المدح وبعضهم يشجعه الثناء، و رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يثني على بعض أصحابه لدفعهم إلى الخير. و لذا فالأمر دقيق ويحتاج إلى نضج وحكمة بحيث يوضع المدح في مكانة والنقد في مكانه… كما أنها تناولت قضايا مهمة في حياة المرأة، فبرزت عناصرها في تفسيرها بصورة واضحة، في محاولة منها لحل تلك القضايا في ضوء تعاليم القرآن، كالمواريث والعدة والحجاب وخصوصا في تناولها لسورتي النساء و النور.
خامسا: تجاوز القضايا الخلافية وعدم الوقوف عندها: لأنها لا تؤثر في الإيمان، وتعدها مضيعة للوقت كما في تفسيرها لقوله تعالى: “إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك و رافعك إلي”[24]، فبعد أن ذكرت وجوه المعاني التي نقلتها عن المفسرين في معنى متوفيك و رافعك، و هل كانت بالموت أو النوم، و الرفع هل كان بالروح أم بالروح والجسد و ذلك كله من الأمور الغيبة، قالت :فإن هذا لن يؤثر في إيماننا بالله القادر على كل شيء. فالذين يقفون عند الآية ويجادلون في الرفع والوفاة والكيفية ليست لديهم الأدلة الصريحة، فهم يضيعون الوقت والجهد دون طائل والأولي تجاوز هذه الوقفات.
سادسا: ربط التفسير بأحوال العالم المعاصر مثل تفسيرها “فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين”[25]، بربط الأمر بسنن الله في الحياة الدنيا فمن يسخرها ويستخدمها يحصل على النتيجة و لو كان كافرا، و الله يعطي الملك لأصلح المتعاصرين، و لا يشترط أن يكون العذاب في نزع السلطان منهم. و ظهور مرض الإيدز كطاعون جديد يعتبر أحد صور هذا العذاب الشديد الذي ينزل بالمتنكرين لأحكام الله…..
و استأنست برأي رشيد رضا صاحب المنار في قضية المباراة حين وقف عند كلمة “ونساءنا ونساءكم”[26]، واستنتج منها أهمية مكانة المرأة في المجتمع…. وتابعت رشيد رضا للشروط التسعة التي يجب أن تتوافر في الداعي عند تفسيرها لقوله تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.[27] ويلاحظ تأثرها بمنهجية بعض الأعلام مثل جودة سعيد في مؤلفاته وخاصة كتاب “اقرأ” و”حتى يغيروا ما بأنفسهم” كما ذكرنا آنفا.
سابعا: محاولة المفسرة ودعوتها إلى التجديد في الفهم و الاستفادة من التقدم العلمي، كما حثت في مقدمة تفسيرها لسورة البقرة على تعميق الفهم لآيات الأنفس والآفاق فتقول: “إنني أتطلع إلى تجديد في الفهم والتكفير يتناسب مع الفتح الذي حصل في آيات الآفاق والأنفس، و ليس هذا يسيرا علينا نحن الذين لبثنا قررنا في دائرة مغلقة غائبين عما يجري حولنا من نمو و تقدم، نخاف من كل جديد و نرفضه وخاصة في علم التفسير، لأنه تفرق بين التجديد والتفسير بالرأي الذي هو اتباع للهوى، واستشهدت بقول ابن تيمية: إن صريح المعقول لا يخالف صحيح المنقول “و برأي محمد إقبال رحمهما الله…..
الخاتمة: وفي خاتمة المطاف يمكننا أن نقول بأن النساء قدمن إسهامات كبيرة في مجال التفسير قديما وحديثا، وكان اهتمامهن بذلك نابغا من اهتمامهن بالإسلام، وشعورهن بالمسؤولية في نشر تعاليمه القائمة على فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. و ما لها من دور في إصلاح المجتمع، و في عصر صدر الإسلام كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها رائدة النساء في ذلك. ولقد جاءت مساهمات النساء متواضعة في التأليف والتصنيف عموما، و التفسير خصوصا. ولم يعرف عن النساء أنهن فسرن القرآن الكريم كاملا لا في العصر الحديث ولا في صدر الإسلام. و في العصر الحديث ظهر عدد من أعلام النساء المفسرات النبيلات، بذلن جهودا كبيرة وواضحة في التأليف، أجد منهن بنت الشاطئ، و زينب الغزالي، و حنان لحام. وعلى الرغم من مساهماتهن في هذا المجال إلا أنهن لم يفسرن القرآن الكريم كاملاً، بل فسرن أجزاء انتقائية غلب عليها التفسير الموضوعي، كما غلب على المفسرات الاتجاه الأدبى، أو الدعوي أو الأثنين معا.
الهوامش:
[1] الدكتورة بنت الشاطئ، عائشة عبد الرحمن: التفسير البياني للقرآن الكريم،ج 2، ص 14 ، القاهرة، دار المعارف،1990م.
[2]. المصدرنفسه، ج1، ص 195.
[3] . المصدرنفسه ، ج 1 ،ص11.
[4] عبد الرحمن، عائشة: القرآن و قضايا الإنسان ص 259، دار المعارف، تاريخ النشر 2019م.
[5]الدكتورة بنت الشاطئ: التفسير البياني للقرآن الكريم. ج1 ص 25-26.
[6] ابن الهاشمي، الداعية زينب الغزالي: مسيرة جهاد و حديث من الذكريات من خلال كتابتها، مجلة كلية الشريعة والدراسة الاسلامية العدد 25، 2007م جامعة قطر، ص 202 .
[7]. المرجع نفسه، ص:207.
[8]. الغزالي، الداعية زينب: نظرات في كتاب الله، ج 1 ، ص 189 – 190.دار الشروق 1994م.
[9]. ابن ماجه ( ابو عبد الله محمد بن يزيد الربعي القزويني): كتاب الزهد، باب الورع والتقوى ج2 ص 1261 المكتبة الإسلامية،نقلا من موقع الويب لـ المكتبة الاسلامية، . https//www.google.com
[10]. الغزالي، الداعية زينب: نظرات في كتاب الله، ج 1 ، ص 20 – 21.دار الشروق 1994م.
[11] المصدرنفسه :ج 1،ص 19-20.
[12] سورة البقرة، الآية: 234
[13] رواه البخاري في كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا. ج 2 ص 569، سنة الطباعة 1985م. المكتبة المصطفائية بديوبند، يوبي ،الهند.
[14] الغزالي، الداعية زينب: نظرات في كتاب الله، ج 1 ، ص 141 – 142.دار الشروق 1994م.
[15] سورة البقرة، الأية: 238.
[16] سورة البقرة، الآية : 277
[17] سورة البقرة ، الآية: 287
[18] سورة البقرة، الآية: 108
[19] سورة البقرة، الآية: 55
[20] سورة المائدة، الآية: 101
[21] رواه مسلم في كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر ج 2 ص 975.المكتبة الإسلامية، نقلا من موقع الويب لـ شبكة اسلام ويب: https//www.google.com
ملحوظة: و في هذا الحديث ذكر اللفظ “فدعوه” ” بدلا من” فاجتنبوه” في موضع آخر .
[22] سورة طه، الآية: 1-2
[23] آل عمران، الآية: 188
[24] سورة آل عمران، الآية: 55
[25] سورة آل عمران، الآية: 56
[26] سورة آل عمران، الآية: 61
[27] سورة آل عمران، الآية: 104
المراجع والمصادر:
- ابن الحجاج، مسلم. صحيح مسلم المكتبة الإسلامية، نقلا من موقع الويب لـ المكتبة الإسلامية، شبكة اسلام ويب: https//www.google.com.
- ابن الهاشمي، الداعية زينب الغزالي: مسيرة جهاد و حديث من الذكريات من خلال كتابتها، مجلة كلية الشريعة والدراسة الاسلامية العدد 25، 2007م جامعة قطر .
- ابن الهاشمي، الداعية زينب الغزالي:نظرات في كتاب الله، لزينب الغزالي، ج 1،دار الشروق 1994م.
- ابن ماجه :كتاب الزهد، باب الورع والتقوى ج2 ص 1261 المكتبة الإسلامية، نقلا من موقع الويب: https//www.google.com
- البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري، المكتبة المصطفائية بديوبند، يوبي، الهند، سنة الطباعة 1985م.
- بنت الشاطئ، الدكتورة عائشة عبد الرحمن: التفسير البياني للقرآن الكريم، ج 2ص 14/ص189 ج1’القاهرة،دار المعارف. سنة النشر 1990م.
- عبد الرحمن، عائشة :القرآن و قضايا الإنسان ص 259، 343 الناشر دار المعارف، تاريخ النشر 2019م.
- موقع الويب لـ المكتبة الاسلامية، https//www.google.com ،تاريخ التصفح 1998م.
موقع الويب لـ أوقاف، عربي، شبكة اسلام ويب: .waqfeya.com1998م