مساهمات العلامة غلام علي آزاد البلغرامي في إثراء الأدب العربي

Vol. No. 1, Issue No. 4 - October-December 2021, ISSN: 2582-9254

0
1067

مساهمات العلامة غلام علي آزاد البلغرامي في إثراء الأدب العربي

بقلم

د. محمد ميكائيل
 باحث هندي ومتحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.

————————————-

ملخص البحث:

لعبت الهند دورا ملموسا في تنمية اللغة العربية وترويجها منذ طلوع نورالإسلام على أفق بلاد الهند و سمائها، وقام علماؤها بجهود جبارة في سبيل خدمة لغة الضاد، ولاتزال تعتني الهند باللغة العربية وآدابها وأنجبت العلماء والكتاب الذين اهتموا بإثراء اللغة والأدب ولايزالون يهتمون بها اهتماما بالغا درسا كان أو تدريسا، شرحا كان أو تعليقا، تأليفا كان أو تصنيفا. نبغ حسان الهند العلامة غلام علي آزاد البلغرامي من بينهم الذي ذاع صيته في اللغة والشعر والبلاغة والعروض والتاريخ والسير. ومارس علوم اللغة والعروض ممارسة تامة، وترك آثارا أدبية ومؤلفات قيمة وتراثا ثمينا للباحثين والطلاب في مجالات شتى. فهذه الورقة البحثية ستركز على مساهمة العلامة غلام على آزاد البلغرامي بعد إلقاء نظرة عابرة على حياته وبيئته التي عاش فيها.

الكلمات المفتاحية: غلام علي آزاد البلغرامي، الأدب العربي، حسان الهند.

عصر العلامة غلام علي آزاد البلغرامي:

ولد حسان الهند غلام علي آزاد البلغرامي في عهد كانت الدولة التيمورية تميل إلى الإنحطاط وسلطات القوات الاستعمارية من الإنجليز والفرنسيين والبرتغال تترسخ في أنحاء بلاد الهند، ومما زاد الطين بلة أن الهند واجهت فتنة كبرى عقب وفاة أورنك زيب حينما الأمير التتاري الشهير “نادرشاه” ملك أفغانستان توغل في الهند وشن عليها غارات عديدة وقتل الأبرياء وسفك الدماء بلاحساب، فأدت هذه الغارات والنهب والسلب إلى الانحطاط الفكري واليأس والتشاؤم لدى المسلمين[1] ولذلك نجد أن العلوم والفنون في أواخر عهد الدولة التيمورية قد تسربت إليها آثار للركود والعجمة والركاكة، لأنهم ركزوا على الولوع بحفظ الهوامش والمتون والشروح فحسب، وابتعدوا كل البعد عن العين الصافية للأدب العربي الأصيل وعن كتب القدامى الأصلية في الأدب والفلسفة والفقه وما إلى ذلك، وفقدوا التذوق العربي السليم، وانهمكوا فيما ليس من الأدب في شئ مثل التلاعب بالكلمات والتدرب على التعبيرات الصعبة الثقيلة.

ولكن هذا لا يعني أن ركب الحضارة والثقافة كان قد وقف، وليست هناك أي نشاطات علمية بل هناك عدد لا بأس به من العلماء والأدباء البارعين الذين كانوا نشطاء في ميدان العلم والأدب، وحملوا راية الحضارة والثقافة على كواهلهم، وفتحوا العقول وحطموا التزمت، وأعادوا إلى الإسلام مجده وكرمه، ومنهم الشيخ الملا نظام الدين السهالوي والشاه ولي الله المحدث الدهلوي صاحب تصنيفات عديدة رائعة قيمة والسيد عبد الجليل البلكرامي والسيد دلدار علي الشيعي المجتهد والسيد سلام الله المحدث والشاه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي والسيد عبد العلي والعلامة فضل حق الخيرآبادي والسيد تراب علي والسيد محمد حسن والسيد ثناء الله الباني بتي وأمثالهم كثيرون.

أما المدن التي كانت تعرف بحضارتها وثقافتها الزاهرة في ذلك الوقت كانت هي دلهي عاصمة الهند وجونفور وأوده ولكناؤ ودكن وجانس ودسنوي ومئو وأميتهي وسنديلة وكاكوري وخيرآباد وكولكاتا[2] وكذلك بلدة بلغرام كانت مولد العلام غلام علي آزاد البلغرامي شهدت نشاطات أدبية خالصة لم تشهدها أرض الهند من قبل إذ ظهر فيها العلماء والأدباء على مرور السنين وتبوأ عدد كبير منهم مكانة كبرى في الأدب العربي[3].

ولادة العلامة البلغرامي ونشأته:

ولد العلامة غلام علي آزاد البلغرامي في التاسع والعشرين من شهر يونيو عام ألف وسبعمائة وأربعة في بلدة بلغرام في أسرة كريمة علمية، كان هو ينتمي إلى السادات الحسينية الوسطية نسبة إلى ابي الفرج الواسطي الذي كان يقطن في واسط وهي مدينة قديمة في العراق بين البصرة والكوفة[4]، ولكن بعض الناس أنكروا نسبة آزاد إلى السادات الواسطية الزيدية حتى أنهم أنكروا نسبة آزاد إلى بلغرام حيث يقولون إن آباءه كانوا من صمدن من أيالة فرخ آبادي وفي مقدمتهم الشيخ غلام حسن ثمين الفرشوري ومحمد محمود ومقبول أحمد[5]،  على كل حال نشأ آزاد في أسرة علمية كريمة كانت تتمتع بمنزلة رفيعة في مجالات العلم والدين وأكمل مراحله التعليمية في جوء علمي وثقافي وفي بيئة أدبية صالحة وقرأ الكتب الدراسية بداية ونهاية على السيد طفيل محمد الأطردلي البلغرامي الذي كان فاضلا معروفا في ذلك العصر، وتعلم آزاد قواعد العروض والقوافي وفنون الأدب من خاله السيد محمد بن عبد الجليل البلغرامي والحديث وأصوله وبعض الموضوعات الدينية من أبيه[6]، ثم بايع السيد لطف الله الحسيني في عنفوان الشباب في جمادي الأخر عام 1137 الهجري وأخذ عنه الطريقة والخلافة[7].

كان العلامة آزاد محبا للسفر والترحال فلذلك قام بعدة رحلات مهمة في حياته، فهذه الرحلات أكسبته علوما جمة في حياته الأدبية وكذلك أخذ العلوم والمعارف ما استطاع أن ينفع، فأولى رحلته كانت إلى دلهي عاصمة الهند حيث استفاد من المصادر العلمية المتوافرة، ثم سافر إلى السند عام 1142 الهجري وكتب هناك كتابا في سيرة شعراء الفارسيين باللغة الفارسية بإسم “يد بيضاء” وقد نال هذا الكتاب شهرة واسعة عند الأدباء والعلماء، و في عام 1150 الهجري نزعت نفسه إلى زيارة الحرمين الشريفين، فقام بواجب الحج وقرأ في المدينة المنورة صحيح البخاري على الشيخ محمد حياة السندي وأخذ عنه الإجازة واقتطف ثمارا من غصون بركانه[8]، ثم رجع إلى الهند عام 1152 الهجري وسافر إلى دكن وسكن بأورنكآباد[9] حيث حصلت صلة الود والصداقة بينه وبين نظام الدولة ناصر جنك خلف نظام الملك آصف جاه، فاحتفى به الأمير وبالغ في إكرام مثواه، وإن نظام أصر عليه لاختيار منصب من مناصب الدولة والإمارة ولكنه رفض وقال “إن الدنيا مثل نهر طالوت، غرفة منه حلال والزيادة عليها حرام”[10].

أقام آزاد في هذه المدينة إلى آخر حياته واختلف الناس في سنه ووفاته فوفقا للقول الصحيح والأرجح إنه توفى عام 1200 الهجري -وكان عمره في ذلك الحين أكثر من تسعين سنة- في أورنك آباد ودفن بالموضع الذي يعرف الآن بالروضة.

مكانة العلامة البلغرامي العلمية:

تبوأ العلامة آزاد البلغرامي مكانة علمية رفيعة وصار اسمه يلوح في سماء العلم والأدب. إنه بذل جهودا كثيرة في تطوير العلوم والفنون وساهم مساهمة جبارة في تعريف الهند وعلمائها وصلحائها وأدبائها في كل أرجاء العالم عبر مصنفاته العلمية ومؤلفاته القيمة، وكان متضلعا في عدة لغات عالمية منها السنسكرتية والهندية والأردية والفارسية والعربية وكان يفهمها فهما دقيقا وينطق بها بكل طلاقة حتى أنه كان يقول الشعر وينظم المنظومات بهذه اللغات، واهتم بفن الرجال والتاريخ والسير اهتماما بالغا وترك لنا آثارا ملموسة. إنه كتب عدة كتب قيمة وكلها تعد من أهم المصادر التاريخية منها يد بيضاء وسرو آزاد، وروضة الأولياء ومآثر اللكرام ومآثر الأمراء وشرح قطعة نعمت على خان وشجرة طيبة وسبحة المرجان وغيرها، الكتاب الأخير (سبحة المرجان) خاصة نال شهرة فائقة بين الأوساط العلمية.

كل من هذه الكتب يبرهن على الدقة والبراعة في التحقيق والتحليل للأحوال التاريخية الموجودة عنده، إذا قلنا إن آزاد أول من عكف على تدوين سيرة العلماء والشعراء في الهند فلا نبعد عن الحق لأنه إن لم يكن يكشف الستار عن أحوال هؤلاء لم يمكن لنا أن نتعرف على علمهم وفضلهم ومساهماتهم في مختلف الفنون من العلوم والآداب.

ومع أن بعض التسامحات قد وقعت من آزاد لقلة المصادر التاريخية وصعوبة وسائل السفر إلا أنه قدم لنا ثروة علمية هائلة، وبفضل مساعيه المشكورة ظهرت على منصة الشهود طبقة من الرجال الذين خدموا فن السيرة والتاريخ خدمة صادقة منهم النواب صديق حسن خان القنوجي وعبد الحئ الحسني والسيد رحمن وغيرهم.

مساهمات العلامة البلغرامي في إثراء الأدب العربي:

مما لاشك فيه أن العلامة غلام علي آزاد البلغرامي ساهم مساهمة كبيرة في تطوير وترويج الأدب العربي في كل أصقاع الهند وجعله أدبا رائعا حيا ذا سمات بارزة وأدخل إليه لونا جديدا وقام بكثير من الابتكارات في الأدب العربي، إنه نظم الشعر واستخدم فيه الكلمات الهندية والمفردات السنسكريتية والأفكار العجمية والبحور والأوزان الفارسية أيضا التي ما كانت توجد عند أي شاعر آخر قبله. إن عدد أشعاره العربية يبلغ ثلاثة آلاف، لم يقل أحد من الشعراء الهنود هذا العدد الهائل من الشعر في اللغة العربية، وكذلك أنه كتب عددا ملحوظا من الكتب باللغة العربية كلها يتسم بعلم غزير ولغة سهلة رائعة وخيال دقيق عال، إنه شرح صحيح البخاري واهتم بالسير والتاريخ ونقد على بعض كتاب العرب نقدا نافعا. وترك في هذين الميدانين آثارا ملموسة حية. وكتابه “سبحة المرجان” يعد من أهم المراجع في سيرة علماء الهند وأدبائها وصلحائها وكذلك إنه قدم فيه بعض النماذج النادرة للمحسنات البديعية في التعقيد واللون العجمي ولكن هذا ليس لعدم ثقافته وضلوعه بالأدب بل بسبب العهد الذي عاش  فيه وصعوبة مشاكل السفر إلى الدول العربية وقلة التبادل الثقافي مع العرب في ذلك الوقت.

أعماله النثرية:

أود هنا تقديم نبذات عن بعض أعماله النثرية التي لها قيمة أدبية وعلمية وتختزن النماذج الرائعة للأدب واللغة.

  1. سبحة المرجان:

يعد هذا الكتاب “سبحة المرجان في آثار هندوستان”  من أهم المؤلفات التي كتبها العلامة البلغرامي لأنه أول كتاب عربي في الهند يتضمن أحوال العلماء والأدباء الهنود كما أنه يميط اللثام عن مساهمة الهند في مختلف العلوم والفنون ولاسيما فن البلاغة والبديع، هذا الكتاب يشتمل على أربعة أبواب، إنه ذكر في الباب الأول الأحاديث والأقوال الماثورة التي وردت في مدح الهند وفضائله، وأما الباب الثاني فهو يحتوي على تراجم علماء الهند وفضلائها، وهذا الباب من أهم أجزاء الكتاب إذ ذكر فيه المؤلف سيرة خمسة وأربعين رجلا حسب تاريخ وفاتهم، والباب الثالث يسلط الضوء على ذكر كل من البديع والمحسنات والاستعارات العربية النادرة في الأشعار العربية وقد اعتنى العلامة البلغرامي فيه بنوع من الابتكار في ذكر  الاستعارات الفارسية والسنسكرية التي دخلت في اللغة العربية، والباب الرابع يتمحور في ذكر المعشوقات والعشاق وهو فن خاص يأخذ بمجامع القلوب.[11]

  1. ضوء الدراري في شرح صحيح البخاري:

هذا الكتاب – ككتبه الأخرى لم تتم طباعته حتى الآن- يحتوي على شرح صحيح البخاري إلى نهاية كتاب الزكاة، وهو شرح ممزوج بالمتن ملخص من “إرشاد الباري” شرح البخاري لأحمد بن محمد القسطلاني، كتبه العلامة البلغرامي خلال إقامته في المدينة المنورة إلا أنه لم يتمكن من إكماله لأسباب، وهو يقول بنفسه “هذا آخر كتاب الزكاة ولما بلغت هذا المكان سكت القلم عن الجريان وتكاثرت العوائق عن الكتابة”[12].

إنه اتخذ في هذا الكتاب منهجا منطقيا لشرح الأحاديث وتحليلها واعتمد على المذاهب الفقهية المختلفة في الاستدلال على ما كان يريد أن يستنتج، وكذلك نجده يعبر عن وجهاته الدينية وميوله إلى التضرع إلى الله حين يحلل الأحاديث النبوية ويزنها على قسطاس العقل والحكمة.

  1. شفاء العليل في الإصلاحات على أبيات أبي الطيب المتنبي: لقد انتقد العلامة غلام علي آزاد البلغرامي في هذا الكتاب ديوان شاعر العربية المشهور أبي الطيب المتنبي وأشار فيه إلى كثير من الأخطاء والعثرات اللغوية والنحوية واللفظية والمعنوية التي حدثت من المتنبي[13]. محاولته هذه كانت لغرض الإصلاح والتصويب لا لغرض الإساءة إلى عزة المتنبي وكرامته ومكانته الشعرية، وقد استفاد البلغرامي عند تأليف هذا الكتاب من “شرح الواحدي على ديوان المتنبي” و “شرح أبي الفتح” وهو كتاب غير مطبوع.
  2. شمامة العنبر فيما ورد في الهند من سيد البشر: هذا الكتاب أيضا غير مطبوع ألفه العلام البلغرامي عام 1750هـ، وذكر فيه الأحاديث التي ورد فيها اسم الهند وكذلك ذكر أقوال المفسرين والمحدثين فيما يتعلق بفضائل الهند[14].
  3. تسلية الفواد في قصائد آزاد: هذا الكتاب يشتمل على بعض قصائد آزاد وكذلك على أحوال العلماء والأدباء الذين أنجبتهم أرض الهند عبر القرون[15].
  4. كشكول: إن هذا الكتاب يحتوي على موضوعات مختلفة اقتطفها المؤلف من كتب شتى وفيه تعليقات ومذكرات عن بعض الوقائع الهامة.

مساهمات العلامة البلغرامي الشعرية:

إن العلامة غلام على آزاد البلغرامي كانت له جوانب عديدة. إنه ساهم في ترويج الأدب العربي، وشرح الحديث ونقد بعض الأدباء السالفين وترك آثارا ملموسة في فن الرجال والتاريخ، وخدم العلم خدمة صادقة خالصة وبلّّغ الإسلام إلى قلوب الناس، ولكن المجال الذي اكتسب فيه صيتا واسعا وشهرة فائقة عالمية حتى سمي بـ”حسان الهند” هو مجال الشعر. إنه أظهر فيه ابتكاره ونبوغه وانفراديته ورفع مستوى الشعر العربي الهندي وأدخل فيه لونا جديدا وصبغة هندية، واختار لشعره بحورا فارسية وهندية واستخدم فيها الكلمات والمفردات الهندية والأردية والسنسكريتية، لا يعرف لأحد من شعراء الهند من يكون له الشعر العربي بهذه الكثرة والمثابة مثل ما كان للآزاد البلغرامي. كان شاعرا مطبوعا حاضر البديهة، وقد منحه الله قدرة كاملة على النظم بحيث كان ينظم قصيدة كاملة في يوم واحد، يذكر السيد عبد الحئي الحسني هذه البداهة فيقول “كلما يتوجه آزاد إلى النظم تحضر المعاني لديه صفا صفا وتتمثل بين يديه فوجا فوجا”[16].

فقد ترك العلامة غلام علي آزاد عشرة دواوين وكل منها يشتمل على مئات من الأشعار، وكذلك ترك سبعة دفاتر والقصائد ولمنظومات الأخرى التي تدل على براعته في قرض الشعر والقصائد[17].

إن أول ديوان له ظهر عام 1188هـ. وكل ديوانه يتضمن قصيدة أو قصائد للحصول على البركة كما قال هو في آخر الديوان العاشرٍ “إني نظمت سبعة دواوين وسميتها بالسبعة السيارة وأكثرها في التغزل، وتوّجت رأس كل ديوان بمدح النبي صلى الله عليه وسلم تيمنا”[18].

فجميع الدواوين والمجموعات الشعرية الفخمة لآزاد تدل على قريحته الخصبة في قرض الشعر وتضلعه الكبير من الأشعار العربية والفارسية والهندية والأردية والسنسكريتية، وتتجلى منها مساهمته الكبرى في خدمة اللغة العربية والأدب العربي، فإذا افتخر آزاد بأنه ما سمع قط من أهل الهند من يكون له شعر عربي على هذه الكثرة والمثابة فهو أحق أن يفتخر به.

خصائص شعر العلامة البلغرامي:

إن شعر العلامة غلام علي آزاد البلغرامي يتسم بصمات وخصائص لم تجمع في شاعر هندي آخر في اللغة العربية، فإن آزاد شاعر مطبوع وموهوب يبتكر المعاني ويبدع الأفكار ويختار لها ألفاظا ملائمة جزلة ويقدم أمام القراء تصوير ا واضحا لما يتدفق به قلبه من عواطف ووجدان ويعبر عن مشاعره وأحاسيسه تعبيرا دقيقا، إنه يستخدم في شعره الإرشادات والكنايات والصنعة اللفظية والمحسنات الكلامية بكثرة، ويأتي في شعره بالتخيلات والتصورات والتشبيهات والمفردات والقوافي والبحور والأوزان الهندية والأردية والفارسية والسنسكرتية ويقرض الشعر العربي في جميع أصناف الشعر الفارسي.

إن العلامة البلغرامي بدأ كل ديوانه بقصيدة أو قصائد مديحية تيمنا، وكذا نجد في قصائده شعر “المقطع”، وهو أسلوب في الشعر الفارسي والأردي حيث يُدرج الشاعر اسمه في آخر القصيدة، إن هذا النوع من الكلام لا يوجد في كلام العرب لأنه غير طبيعي في اللغة العربية مع ذلك قرض البلغرامي قصائد عديدة في الرديف ورتبها في ديوان مستقل كما قال هو في الرديف:

عين الصواب جنابة الحسناء                    قتل المحب عناية الحسناء

ترجم قبري بعد دفن الجسم من            رجم الغوير رعاية الحسناء

تبكي على قتلى النساء                               ترحما القتيل رثاية الحسناء[19]

إنه نظم الشعر في “المستزاد” أيضا كما نجده في ديوانه الخامس، هذا أيضا نوع من الكلام الفارسي أدخله البلغرامي إلى الشعر العربي بأسلوب بارع إنه نظم ديوانا كاملا في هذا القسم إذ لم يسبق إليه ذهن قبله كما قال:

لا أطلب من غصون روض الوعاء قطف الثمرات بل أطلب من سماع صوت الورقاء سفح العبرات.

أستعطف ناظرا وأستأذنه أن أجلس قدر طرفة بالغناء نحت الأثلاث

إن غلام علي آزاد البلغرمي سمي بعض قصائده في ديوانه السادس “مطالع الصعقاء” وذلك لأنه استخدم فيها خمسة مطالع ولا شك في أن هذا من ابتكار وخصائص البلغرامي في الشعر العربي وكذلك نظم فيه قصيدة في الترجيع وهو كما حدده بنفسه في اللغة ترديد الصوت في الحلق كترديد أهل الألحان، كما قال هو في الترجيع:

مولاي حزنت في هواكا              من يكشف غمي سواكا

والله لقد أهنت ضيقا                   من ينزل بعده حماكا

إن شعر العلامة آزاد البلغرامي ليس مجرد تقليد واتباع وإنما هو مبتكر فيه، إنه تكثّر بالتغزل، والغزل الهندي مصدر غزله في الشعر العربي، فأبرز العلامة آزاد البلغرامي نواحي عديدة في الغزل العربي واتبع ذوق الهند في التشبيب بالنساء وبيان حسنهن، وترك على القراء أثرا ملموسا بــإرجاعهم إلى ذوق سليم، ها هي براعته في التغزل في الأبيات التالية:

     لا اشتكي والله من جفواتها                   أنا طالب للذات لا لصفاتها

    ياللعناية إن أنت بإساءة                          يا للكرامة إن آرت حسناتها

   رمت الشفاء من السقام بسرحها           فمرضت طول لعمر من لحظاتها

صحيح أن العلامة البلغرامي اتبع ذوق الهند في التشبيب بالنساء وبيان حسنهن ووصف المناظر الهندية الفطرية، ولكنه بعض الأحيان قلد الشعراء الجاهلين ووصف الأطلال والديار والدمن والصحراء في شعره كما اتخذ أسماء معشوقاتهم لشعره كما هو يقول:

تغد بني سلمى وما أنا جانيا                      فكيف يكون الحال إن كنت عاصيا

قصدت مرارا أن أودع حبها                       فأصبح رائ بعد ذلك واهيا

إن الجانب المهم الرئيسي لشعر العلام البلغرامي هو مدح النبي صلى الله عليه وسلم بطرق مختلفة وأساليب عديدة حتى لقب هو بـ”حسان الهند” في العالم لإجادته في مدائحه النبوية كما يكتب الأستاذ فقير محمد الجهلي “أن آزاد أوجد في مدحه النبي صلى الله عليه وسلم معاني كثيرة نادرة لم يتفق مثلها لأحد من الشعراء المفلقين، وأبدع في قصائده المديحية لم يبلغ مداها فرد من الفصحاء المتشدقين”[20]. كما يقول حسان الهند البلغرامي:

              عصر النسيم سوى من الوعاء                  وأفادني بشرى من الحسناء

              وأزال عن ذنف سقاما معضلا                  وضع المهيمن عنه كل بلاء

              أعجب بمعتل صحيح الذي في                 تصحيح المراضي من الأدواء[21]

إنه يجيد الرثاء أيضا حيث يقدم أمام القراء تصويرا واضحا لما يتدفق في قلبه من عواطف الحزن والألم ويعبر عن مشاعره وأحاسيسه تعبيرا دقيقا فهو يقول:

              ياللأحبة ساروا في التباشير                      فاسود يومي كأحداق اليعاقير

              نحن الجسوم هم الأرواح فارتحلوا        وحلفونا كأمثال التصاوير

وكذلك يوجد في شعره الاتجاه الوطني فهو يحب وطنه حبا جما ويتفانى في الإشادة بذكره كما يقول هو:

              قد أودع الخلاف آدم نوره                          متلألأ كالكواكب الوقاء

              والهند مهبط جدنا ومقامه                      قول صحيح جيدا لاسناد

المأخذ على العلام البلغرامي:

إن كل عالم أو أديب يكون فيه أو فى كلامه حسن أو عيب، وهذا أيضا كان مع البلغرامي فلا شك في أنه ساهم مساهمة جبارة في تطوير الأدب العربي الهندي، ويلوح اسمه في سماء الأدب بكل وضوح، ولكنه مع ذلك ما تجنب بعض العيوب، كما قال الأستاذ معصوي “إن أبرز شئي يعد ميزة شعر العلامة آزاد من وجهة نظر الشعر الهندي قد يكون ذلك أكبر عيب في كلامه من وجهة نظر الشعر العربي، دخلت في شعر آزاد تعبيرات هندية ولذلك لا نجد في كلامه أساليب عربية”[22]. وقال العلامة شبلي نعماني “أن آزاد يمتاز بكثرة شعره العربي والفارسي ولكن الحقيقة أن كلامه لا يخلو من غلبة العجمية بالرغم مما يشغل منصبا عاليا في العلم والأدب وقد يتعذر أن يسمى كلامه عربيا، وهو يفتخر بأنه أدى دورا كبيرا في نقل الأفكار العجمية إلى العربية ولكن العارف بهذه  الناحية يعلم أن ذلك عيب” [23].

وكذلك اعترض عليه بعض الناس لاستخدامه البحور والأوزان والقوافي الفارسية والأردية وكثرة استعماله المحسنات البديعية من اللفظ والمعنى والتشبيهات والاستعارات والإشارات البعيدة غير الرائجة في الأدب العربي ونظم قصائده ومنظوماته في المستزاد والترجيع والرديف والتقطيع الذي كان غير مألوف  في الأدب العربي، وكذلك استعماله للفردات والكلمات السنسكرتية والهندية يخرج شعره من اللون العربي.

هذه هي بعض الانتقادات التي أوردها العلماء في سياق شعره، مع هذا كله إنه كان أديبا ممتاز وعالما بارعا وناثرا جيدا وناظما كبيرا كما قال الدكتور فضل الرحمن الندوي “إن شعر آزاد مصبغ بالصبغة الهندية كما يظهر من أسلوبه ومعانيه، ثم إن الشعر العربي في عهد آزاد كان يتصف بالزخارف والصنائع اللفظية والمحسنات الكلامية فكان من الطبيعي أن يتأثر آزاد بهذا الاتجاه الشعري ولكن مع ذلك فاق جميع معاصريه في هذا النوع من الشعر، وعلى كل حال يعد آزاد بحق أبرز وأعظم الشعراء الذين أنجبتهم بلاد الهند”[24]. وقال النواب صديق حسن خان القنوجي”إنه لا يعرف لأحد من علماء الهند من يكون له الشعر العربي بهذه الكثرة والمثابة”. وكذلك قال العلامة عبد الحئ الحسني “إن آزاد قد ترك عشرة دواوين وعددا كبيرا من مجموعات قصائده في مختلف أنواع الشعر لا سيما في المدح والغزل ولا نجد أحدا من الشعراء الهنود من ترك أكثر من ديوان في الشعر العربي إلا نادرا”.

خلاصة القول:

يتجلى من هذه الأقوال المأثورة من العلماء الكبار أن العلامة آزاد البلغرامي كان عالما ممتازا وأدبيا بارزا وشاعرا كبيرا وناثرا ذا طراز عال، ما أنجبت أرض الهند مثله إلا نادرا كما أنه ساهم مساهمة قيمة  في تطوير اللغة العربية والأدب وترويجه في الهند، وترك لنا آثارا ملموسة ملحوظة في النثر والشعر، فيجب علينا بكوننا طلاب الأدب أن نقوم بتحقيق أعماله القيمة وتنقيحها وتهذيبها ونشرها بكل جد وإخلاص لتكون مصدرا علميا هائلا للجيل القادم، والله لايضيع أجر المحسنين.

 الهوامش:

[1] . الندوي، محمد إسماعيل، تاريخ الصلات بين الهند والبلاد العربية، ص 237.

[2] . الحسني، عبد الحئ، الثقافة الإسلامية في الهند، ص10-11.

[3] . الحسني، عبدالحئ، نزهة الخواطر، المجلد الثاني، ص139.

[4] . البلغرامي، العلامة غلام علي آزاد، سبحة المرجان، المجلد الأول، ص298-299.

[5] . البلغرامي، محمد محمود، تنقيح الكلام في تاريخ خطة باك بلكرام، المجلد الأول، ص9.

[6] . راجع مقدمة السيد علي الزبيدي لمختار، ديوان السبعة السيارة لأزاد.

[7] . العلامة آزاد، مآثر الكرام، ص 108-113.

[8] . البلغرامي، غلام علي آزاد، سبحة المرجان في أثار الهندوستان، المجلد الأول، ص 302.

[9] . العلامة آزاد، مآثر الكرام، ص 174-175.

[10] . الحسني، عبدالحئ، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظرـ، المجلد الثاني، ص202.

[11] غلام علي آزاد البلغرامي وكتابه سبحة المرجان في آثار هندوستان، أقلام الهند (مجلة إلكترونية فصلية محكمة) السنة الثالثة، العدد الثالث (يوليو-سبتمبر 2018)

[12] . البلغرامي، العلامة غلام علي آزاد، في ضوء الدراري في شرح صحيح البخاري، ص75.

[13] . أطهر رضا، غلام علي آزاد البلكرامي: رائد المديح النبوي في الهند، المنشور في “أقلام الهند” مجلة الكترونية فصلية محكمة، السنة الخامسة، العدد الأول، يناير-مارس 2020.

[14] . Persian literature: C.A Story, Vol -1, Part-2, P-859

[15] . مظهر البركات، ص1.

[16] . نزهة الخواطر ، للدكتور عبد الحي الحسني، ج6، ص-211

[17] . دواوين آزاد، الديوان العاشر، ص 294.

[18] . الديوان الرابع لآزاد، ص168.

[19] . الديوان الأول لغلام على آزاد البلكرامي ص 1،2، مطبوعة كنز العلوم حيدرآباد دكن.

[20] .  سبحة المرجان في آثار هندوستان ص -31

[21] .  المرجع السابق نفسه ص 23،24

[22] .  مجلة  ثقافة الهند، المجلد17، العدد1، ص:107

[23] . مقالات شبلي، ج5، ص:122.

[24] . سبحة المرجان في أثار هندوستان لغلام علي البلغرامي تحقيق: الدكتور فضل الرحمن الندوي،ص 188.

المراجع والمصادر:

  1. الندوي، محمد إسماعيل، تاريخ الصلات بين الهند والبلاد العربية، دار الفتح، عام 1970م.
  2. الحسني، عبد الحئ، الثقافة الإسلامية في الهند، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة 2015م
  3. الحسني، عبدالحئ، نزهة الخواطر، المجلد الثاني،, دار ابن حزم، الطبعة الأولى، عام 1999م.
  4. البلغرامي، العلامة غلام علي آزاد، سبحة المرجان، المجلد الأول، دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، عام 2015م
  5. العلامة آزاد، مآثر الكرام، مطبع مفيد، عام 1910م.
  6. البلغرامي، العلامة غلام علي آزاد، في ضوء الدراري في شرح صحيح البخاري،
  7. “أقلام الهند” مجلة الكترونية فصلية محكمة، السنة الخامسة، العدد الأول، يناير-مارس 2020.
  8. A. StoreyPersian Literature: A Bio-Bibliographical Survey. VolumeII, Part 2: E.​Medicine (London: Royal Asiatic Society, 1971
  9. الديوان الأول لغلام على آزاد البلكرامي، مطبوعة كنز العلوم حيدرآباد دكن، لا توجد سنة الطبعة.
  10. مجلة  ثقافة الهند، المجلد17، عام 2014م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .  *****. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here