كلمة التحرير

Vol. No. 1, Issue No. 1 - Jan-March 2021, ISSN: 2582-9254

4
9354

كلمة التحرير

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وبعد:

فمنذ حوالي سنة مضت والعالم يعاني الانغلاق على الذات من جراء  الحجر المفروض عليه في ظل جائحة كورونا والتي حوّلته إلى سجنٍ كبيرٍ، وحتى مع ظهور تباشير انفراج الوباء تزامناً مع بداية التلقيح والتطعيم ضد الفيروس مازالت الرحلات الدولية محظورة والجامعات والكليات والمدارس تدرّس عن بعد، بالمقابل وخلال أشهر الحجر الكلي والجزئي، تحوّل الناس إلى الانفتاح من نوع آخر في العالم الرقمي الافتراضي لإقامة ندوات شارك فيها المبدعون والمثقفون العرب والهنود جنباً إلى جنب، ليتاح المجال  للتفاعل الواسع ومد الجسور على المنصات الافتراضية مع كبار الشعراء والأدباء والنقاد الذين كنا نسمع عنهم ونقرأ كتبهم، واطلعنا على النسخ الرقمية للمجلات والجرائد الصادرة من الدول العربية والهند، وأثلج صدرونا معاينة عددمن أقسام اللغة العربية في الهند وهي تتولى إصدار مجلات علمية محكمة راقية، ويُعد البعض منها من أرقى المجلات العلمية المحكمة في العالم العربي محققة أعلى معامل للتأثير العربي، مما يبعث الأمل لدينا أن اتباع الشروط العلمية الصارمة ونشر البحوث الأكاديمية المنهجية للباحثين والمختصين الهنود والعرب وغيرهم يمكّننا من الوصول إلى المستوى الدولي، وذلك للتمكن من أداء الدور المنوط بنا لخدمة البحث العلمي وتعزيز الكفاءة العلمية والبحثية لدى الطلاب والباحثين والأساتذة الهنود.

نبعت فكرة تأسيس مجلة علمية محكمة رقمية جديدة باسم “مجلة هلال الهند” باللغة العربية أولاً من مدى إدراكنا لضرورة التعاون العلمي بين الباحثين الهنود والعرب من شتى الجامعات العربية والهندية، وثانياً لإتاحة الفرص للطلبة والباحثين والأساتذة الهنود للاطلاع على المستجدات البحثية في مجال الأدب العربي بأجناسه المختلفة من الشعر والقصة والرواية والمسرحية والاتجاهات الأدبية والنقدية للفكر العربي المعاصر، وثالثاً من منطلق إدراكنا  للصعوبات التي تواجه الباحثين الهنود في أقسام اللغة العربية في نشر بحوثهم في مجلات علمية محكمة، علماً أن النشر في المجلات العلمية المحكمة قد صار أمراً لازماً للترقية في الجامعات والكليات والـتأهل للتقدم بالطلب لمنصب المحاضر في الكليات والجامعات الهندية، على الرغم من تواجد العديد من المجلات العلمية المحكمة الصادرة عن أقسام اللغة العربية في الهند التي مازالت لا تلبّي كافة الاحتياجات للنشر لدى الباحثين والطلبة لأن أغلبها إما سنوية أو نصف سنوية  أو فصلية، وبذلك فإن فرص النشر فيها ضئيلة، من هذا المنطلق قررنا إصدار مجلة باسم “هلال الهند” تحت شعار “معاً لخدمة العلم ونشره”، من مدينة كلكتا تيمناً بمجلة “الهلال” التي كان يصدرها إمام الهند أبو الكلام آزاد من كلكتا والتي سجلت صفحاتها التاريخ المشرق لنضال الهند من أجل التحرر من براثن الاستعمار البريطاني، و لتكون “هلالاً من الأهلة في سماء الصحافة العربية” في الهند، كما نؤكد أن القائمين عليها سيبذلون ما بوسعهم من جهد لإصدارها بأعلى مستوى من الدقة المنهجية واستيفاء لشروط البحث العلمي، وسوف يقومون بإتاحة الفرص للباحثين الهنود لنشر بحوثهم العلمية الرصينة، كما ستفتح أبوابها للباحثين والباحثات من العالم العربي من أجل ضمان أن تكون هناك عملية تلاقح ومثاقفة فكرية بين العرب والهنود.

لقد كثر الحديث عن الهند ودورها الفعال في خدمة اللغة العربية وباقي العلوم والفنون العربيّة والإسلاميّة، ولمدة طويلة كانت الهند معقلاً مشرقاً لعلوم الحديث والتفسير والفقه والنحو  والصرف وغيرها من العلوم، واعتبرت مقصداً لعشاق العلوم الإسلامية من العرب ولاسيّما من شبه الجزيرة العربية لنهل علوم اللغة العربية على يد العلماء والمفسرين الهنود الذين برعوا في شتى أصناف العلوم الإسلامية والإنسانية، وهو دور معترف به سجلته صفحات التاريخ بحروف من  ذهبٍ عربيّاً وإسلاميّاً ودوليّاً، بالرغم من أن راهن اللغة العربية لم يرق بعد إلى مستوى الأسلاف لأسباب كثيرة مردها إلى ضعف المسلمين العلمي والثقافي والاقتصادي، فيما تحتفظ الهند ببقايا التراث العربي والإسلامي المتمثلة في الآلاف من الكتاتيب والمدارس العربية والإسلامية بالإضافة إلى أكثر من أربعين جامعة وما يزيد عن مأة كلية تحتضن قسماً للغة العربية، ومئات المجاميع العلمية ودور النشر التي تصدر الكتب والبحوث باللغة العربية في شتى الفنون الإسلامية،  وتسعى جاهدة – رغم ندرة الموارد وضآلة الوسائل – إلى خدمة اللغة والثقافة العربيّة والإسلاميّة في الهند.

مقالة الأستاذ الدكتور أحمد محمد عبد الرحمن القاضي أستاذ اللغة الأردية في جامعة الأزهر الشريف والمستشار الثقافي السابق لجمهورية مصر العربية في الهند في العدد الأول لمجلتنا ترصد ببراعة واقع اللغة العربية في الهند والتحديات أمامها، وهو بحكم ارتباطه العميق بالهند وإقامته الطويلة فيها واطلاعه عن كثب على حالة المسلمين وواقع اللغة والثقافة العربية في الهند أولى بأن يدوّن خواطره في الموضوع ويقدم وجهة نظر خبير عربي عن موقع اللغة العربية في المشهد اللغوي والأدبي والثقافي الراهن في الهند.

وتتلخص أهداف المجلة فيما يلي:

إتاحة الفرص للكتاب والباحثين لنشر أعمالهم العلمية والأدبية والبحثية، وإبرازها على المستوى العالمي.

توفير وعاء رقمي ومنصة إلكترونية لتعزيز المحتوى الرقمي العربي ونشره وترويجه عبر صفحات المجلة ذات الوصول المفتوح على الشبكة العنكبوتية.

مؤازرة أصحاب الأقلام المبدعة والرؤى الثاقبة الذين يساهمون في النهوض باللغة العربية والارتقاء بها، بنشر بحوثهم العلمية، ودراساتهم النقدية، ونتاجات قرائحهم الإبداعية.

مواكبة حركة التطور العلمي والبحثي في مجال اللغة العربية وآدابها محلياً ودولياًً والاهتمام برصد القضايا المعاصرة بالبحث والتحليل والتحقيق.

نشر الأعمال الأدبية والعلمية والثقافية والتراثية العالمية عن طريق ترجمتها من اللغات العالمية، بما فيها الهندية، إلى اللغة العربية.

الإسهام في بناء مجتمع معرفي بنشر البحوث والمقالات عالية الجودة في شتى المجالات مع الالتزام بالمعايير العلمية والعالمية الدقيقة للبحث.

تحقيق مبادئ الأمن والسلام والتعايش السلمي والحوار بين الأديان والحضارات والثقافات من خلال الإبداع.

إصدار أعداد خاصة في محاور هامة تخص أهداف المجلة التي من شأنها أن تكون ذات فائدة علمية كبيرة لطلبة وباحثي وأساتذة اللغة العربية في الهند.

إقامة جسر علمي وثقافي بين الهند والعالم العربي من خلال اعتماد وتنفيذ مشاريع علمية وبحثية مشتركة بهدف توطيد أواصر التعاون العلمي بين المهتمين بالشأن الثقافي العربي في الهند والعالم العربي.

يضُمُّ العدد الأول للمجلة تسعة بحوث وقصتين قصيرتين ومقامةً، وبذلك يبلغ عدد المحتويات المنشورة من بحث وإبداع 12 منشوراً، ففي قسم البحوث، نسعد بنشر مقال الأستاذ الدكتور أحمد محمد عبد الرحمن القاضي الذي سبق ذكره والذي يستعرض اللغة العربية في الهند بين الواقع والتحديات، ويستعرض الأستاذ الدكتور جلال السعيد الحفناوي من مصر في بحثه الضافي والقيّم جداً انحسار الخط العربي عالميّاً على مدى القرن العشرين، ويقوم برصد مدى تأثير الحرف العربي في عدد كبير من لغات العالم حتى مطلع القرن العشرين ثم انحساره تدريجيّاً بفعل الاستعمار الغربي وهيمنة الثقافة الغربية على معظم بقاع العالم، فيما قدم الدكتور طارق النعمان من قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة في بحثه قراءة ممتعة في قصيدة “لحظة صمت” لإيمانويل أورتز. وتشمل البحوث المنشورة الأخرى “سعود السنعوسي وإسهاماته الروائية” للدكتور تجمل حق، و”دراسة فنية لرواية شقة الحرية” للدكتور محمد ميكائيل، و”النزعة الإنسانية وأبعادها في الأدب العربي” للدكتور إنعام الآزاد، و”الطابع العلمي في فكر سلامة موسي” لمحمد شفيق عالم، و”شخصية المحدث شمس الحق العظيم آبادي في ضوء كتابه “عون المعبود شرح سنن أبي داؤود” لمحمد رفيق أختر، و”فدوى طوقان: شخصيتها وأعمالها” للدكتور ظفير الدين الندوي، وفي قسم الإبداع ننشر قصة قصيرة “أكاذيب مباحة” للكاتبة الأردنية الشهيرة سناء الشعلان، وقصة “ناسك هاريدوار” للكاتب الهندي الصاعد الواعد د. محسن عتيق خان ومقامة بعنوان “المقامة الوصفية في الجامعة الملية الإسلامية” للكاتب الموهوب د. محمد سليم الذي أحيا فن المقامة الجديدة في الهند.

وأخيراً لا بد من التنويه بأن الفضل في المبادرة بإصدار المجلة يرجع إلى أستاذين شابّين هما الدكتور تجمل حق والدكتور مخلص الرحمن محاضرين في قسم اللغة العربية في كليتين بولاية بنغال الغربية فقد طوّرا الفكرة والهيكل الأساسي للمجلة ولما أبلغاني بالفكرة وطلبا مني أن أقبل رئاسة تحرير المجلة لم أستطع أن أرفض طلبهما فهما من أنبل تلاميذي وأرى لهما مستقبلاً مشرقاً في المجال الأكاديمي، ورأيت من واجبي أن أشرف على المجلة وأقوم بدوري في الوصول بالمجلة إلى المستوى المنشود.

أتقدم بخالص الشكر والتقدير والامتنان إلى أعضاء هيئة التحرير، واللجنة العلمية، واللجنة الاستشارية، ولجنة التحكيم وجميع أولئك الذين تعاونوا معنا في هذه المبادرة العلمية سائلين المولى عز وجل لهم الجزاء الموفور.

 يشرفنا أن نقدم إلى القراء الكرام العدد الأول لمجلتنا الرقمية الفصلية المحكّمة “هلال الهند” مرحبين بكل الانتقادات والنصائح والملاحظات والتعليقات والآراء التي من شأنها أن تسهم في تطوير المجلة للوصول بها إلى المستوى المنشود، والتي نرجو أنها ستصب في مصلحة البحث والباحث وأدواته البحثية، عملاً بشعار المجلة “معاً لخدمة العلم ونشره”، والله ولي التوفيق.

أ.د. مجيب الرحمن

رئيس التحرير

 

4 COMMENTS

  1. مبادرة جميلة، اتمنى للمجلة كل التوفيق والنجاح في نشر بحوث علمية رصينة ورفيعة المستوى دون التهاون مع المستوى العلمي

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here