الحمد لله كفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد،
فنحمد الله كثيرا على توفيقه إيانا بمواصلة سيرنا على درب البحث العلمي من خلال مجلتنا “هلال الهند” الإلكترونية الفصلية المحكّمة والتي ستكمل سنتها الثانية بهذا العدد، وهو العدد الثامن منذ صدور المجلة في مطلع العام 2021م، مع حرص القائمين عليها على الارتقاء بها إلى مستوى مجلة عالمية، وقد حظيت البحوث المنشورة في المجلة بمتابعة جدية من القراء، وإننا نجدد دعوتنا إلى كل الباحثين في الهند والوطن العربي وبقية أنحاء العالم إلى إرسال بحوثهم العلمية للنشر فيها، وتزويدنا بمشوراتهم ونصائحهم القيمة والغالية بشأن رفع مستوى المجلة.
وفي ضوء قرار اللجنة العلمية بتخصيص أحد أعداده الأربعة في السنة بنشر بحوث ودراسات علمية عن المنجز الإبداعي والفكري لأحد رواد ورائدات العربي المعاصر لكي يمثل العدد مرجعا مهما للباحثين عن أعمال الكاتب أو الكاتبة، قمنا بنشر عدد كبير من البحوث في العام الماضي عن الكاتبة الأردنية الممتازة سناء الشعلان التي فازت مؤخرا بجائزة فلسطين عن مجموعتها القصصية “تقاسيم الفلسطيني”، وجاء العدد الضخم في أزيد عن 1000 صفحة متضمنا بحوثا ودراسات متخصصة عن مختلف جوانب إبداعات د. سناء الشعلان في الرواية، والقصة القصيرة والمسرحية وأدب الأطفال، والنقد الأدبي وما إلى ذلك.
وقد وقع اختيارنا للعدد الخاص لهذه السنة على قامة أدبية عملاقة وفاء عبد الرزاق، عراقية المولد، والمقيمة في لندن التي أغنت، ومازالت تغني، الأدب العربي الحديث بغزارة إنتاجاتها في شتى فنون وأجناس الأدب العربي شعرا ونثرا، فأصحبت ذات حضور عملاق على الساحة الأدبية في العالمين العربي والغربي، رُشحت لجائزة نوبل للآداب مرات عديدة من قبل جهات علمية مرموقة، فهي صاحبة دواوين كثيرة في الشعر الفصيح والنبطي، وذات مساهمات قيمة في الرواية، والقصة، والقصة القصيرة جدا، والدراسات الأدبية والفكرية، فضلا عن حضورها المؤثر على الساحة الثقافية من خلال مبادراتها المبتكرة المتمثلة في تأسيسها للمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام بلندن في العام 2016م والتي أصبحت منبراً ثقافيا عالميا راقيا يعمل على جمع المبدعين والمبدعات من أنحاء العالم على رصيف واحد من أجل نشر رسالة السلام العالمي في المجتمعات. نالت وفاء عبد الرزاق عددا كبيرا من الجوائز والتكريمات من الجهات العربية والغربية والشرقية، وخضعت أعمالها لدراسات على مستوى الماجستير والدكتوراه في الجامعات في أنحاء العالم حيث تجاوز عدد الأطاريح عن أعمالها التي نوقشت 103 أطروحة، فيما تم إدخال عدد من مؤلفات الكاتبة في مقررات البكالوريوس والماجستير لأقسام اللغة العربية في عدد من جامعات الغرب والعالم العربي، وتفتخر المجلة بأنها تتمتع بإشراف وفاء عبد الرزاق عليها، فهي دائما حريصة على التعاون العلمي مع أقسام اللغة العربية في الجامعات في أنحاء العالم ولا سيما في الهند التي تتمتع فيها باحترام واهتمام كبيرين، ولا يرجع اختيارنا لها كشخصية العام إلى انتسابها للمجلة، وإنما هو لأسباب علمية موضوعية وأيضا بفضل اطلاع الهنود على أعمالها، ويمكن الاطلاع على إنجازاتها الفذة والمبهرة في الأدب العربي من خلال السيرة الذاتية للكاتبة والشاعرة التي ننشرها مع البحوث المنشورة عن أعمالها.
نتشرف بنشر 29 بحثاً بأقلام النقاد العرب المعاصرين البارزين من ذوي حضور مؤثر على الساحة النقدية في الوطن العربي، وتناولت هذه الدراسات المتخصصة والمتعمقة مختلف جوانب إبداعاتها في الشعر والقصة، وتبرز وجوه التميز الفني في أعمالها، وإن القارئ لهذه البحوث يلمس بوضوح القيم الإنسانية النبيلة الراقية التي تتميز بها أعمال وفاء عبد الرزاق سواء في السرد أو الشعر الفصيح والنبطي والتي تميزها عن الكتاب العاديين إلى جانب شعرية اللغة التي تتدفق في سلاسة وعفوية في كتاباتها ومنظوماتها، يقول الباحث منذر بشير من تونس في بحثه المعنون بـ إشراقات الكلمة في شعر وفاء عبد الرزاق “حين تقرأ للأديبة وفاء عبد الرزاق تلج عوالم من الرمز وإشراقات من اليومي لا يمكن التصدي لسحرها فأنت القارئ المسكون بالحيرة زمن العنف والسطوة.إن صوت وفاء عبد الرزاق ينبجس من ثنايا الحلم ويوقع خطى الشعرية التي تحيلك لـ “شناشيل بنت الشلبي” وظلال جيكور ونخل العراق الباسق. ليس للشعر من أفق غير التماس الحب زمن الحرب والبحث عن رؤى متجددة لذوات متفردة وعصية على الذات المغتربة كما جال بخاطر الغريب لألبير كامو، ورؤى يوسف الخال في أسفار الخط على صفحات التاريخ, ذلك هو قدر الأديبة والشاعر العراقية وفاء عبد الرزاق في بحثها عن موطأ قدم لإشراقات الطفل في الكتابة وتجاوز التجريب الذي عرفه شعراء المعاصرة العرب والذين أطالوا التأملات المشهدية في شطحة صوفية أو شكوى عدائية، فهذه التجربة الفريدة في الكتابة تدعو للإنسانية وتخلص من رحم المعاناة, إنك إزاء تجربة شعرية وسردية في آن ولا تستطيع ولوج “مذكرات طفل الحرب” دون تصور تماهي ذات الشاعرة مع هذا الطفل الرحمي” .
تناول بعض هذه البحوث المتعمقة وجوه التميز الفني بشكل عام في كتابات وفاء عبد الرزاق، منها بحث الشاعر والناقد حسين عوفي البابلي المعنون بـ ” ما بين عبقري الرواية العربية الطيب صالح، والروائية وفـاء عبد الرزاق”، وبحث الباحث شريف النظامي بعنوان “وفاء عبد الرزاق نجمة عراقية في الأدب العربي الحديث” وغيرها إلى دراسات فردية لبعض نصوصها القصصية من منطلق رصد تجليات ووجوه البراعة الأدبية فيها واستجلاء ملامح البناء الفني ووعمق وتنوع المواضيع والقضايا المطروحة في قصصها ورواياتها، فمثلاً من دراسة أثر المفارقة في رسم الصورة الشعرية بين عنوان القصيدة وجسدها البنائي في شعر وفاء عبد الرزاق، إلى معالجة البناء الفني في قصة “حاوية زبالة “، ودراسة العجائبية في قصص وفاء عبد الرزاق، وتناول العنف الخطابي وارتباك الهوية في رواية رقصة الجديلة والنهر، ودراسة صرخة ضمير في رواية رقصة الجديلة والنهر، وتجليات النسق العجائبي في الرواية، وتخييل الإعاقة في رواية الزمن المستحيل، و توظيف اللغة من الدال الصوفي إلى التعبير الفني في ديوان مدخل إلى الضوء للشاعرة وفاء عبد الرزاق، وسردية الألم في روايات وفاء عبد الرزاق، وسيمياء الجسد والشخصية في رواية تشرين، وشعرية القصة في القصص القصيرة جدا، وعتبات النص ونص العتبات .. قراءة في مجموعة (نقط) لوفاء عبد الرزاق، إلى دراسة مزامير الألم في رواية رقصة الجديلة والنهر، ودراسة نقدية لقصص “نقط”، ودراسة نقدية عميقة لروايتي دولة شين وحاموت، وتأرجح صور الصراع بين السريال والواقع في مجموعة المتحولون، وتشظي الذات المؤنثة في رواية السماء تعود إلى أهلها بين فاعلية الهيمنة وإرادة الإقصاء، وجرائم العصابات الإرهابية وأهمية المنتج الأدبي في الكشف عن خباياه الوحشية: رواية رقصة الجديلة والنهر للروائية العراقية وفاء عبد الرزاق أنموذجاً، دراسة نقدية، و سّردية الإرهاب ومساءلة الواقع في رواية (رقصة الجديلة والنهر)/ مقاربة سيميائية، وقراءة متعمقة في رواية رقصة الجديلة والنهر، و معادلات الاغتراب الثقافي في المجموعة القصصة “نقط”، وهوية الانعكاس السردي في أعمال وفاء عبد الرزاق، ودراسة عن الموضوع النفسي في مجموعة “امرأة بزي جسد”، واخيراً بحث في أصداء الإرهاب في رواية “حاموت”، فكلها دراسات متخصصة ومتعمقة تبرز ثراء الفكر، وعمق الطرح، وبراعة الفن عند وفاء عبد الرزاق، بحيث لا يمكن للمهتم بأعمال وفاء عبد الرزاق الاستغناء عنها، وإن كان مازال هناك الكثير والكثير من الوجوه والأبعاد الفنية في أعمالها التي يبقى رصدها ودراستها، والتي قد تحتاج إلى موسوعة كبيرة نظرا لغزارة إبداعاتها في مختلف الأجناس الأدبية، ونأمل أننا سوف نتناولها في الأعداد القادمة.
يسعدنا كثيرا أن نقدم إليكم هذا العدد الخاص بدراسة أعمال د. وفاء عبد الرزاق آملين بأن يمثل العدد مرجعا مهما لدراسة المنجز الإبداعي والفكري لأحد رموز الأدب العربي المعاصر الذي أصبح عطاؤه/ عطاؤها كغيث منهمر، داعين لها بالمزيد من العطاء والإنجاز، والله ولي التوفيق.
أ.د. مجيب الرحمن
رئيس التحرير
……………….. ***** ……………….