كلمة التحرير
بقلم
أ. د. مجيب الر حمن، رئيس التحرير
البروفيسور بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي، الهند
————————————
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد.
فنعود إليكم أيها القرّاء الكرام بعدد جديد، العدد الثالث، لمجلتنا البحثية المحكمة “مجلة هلال الهند” الإلكترونية الفصلية المحكمة بعد شهور من صدور عددها الثاني، وكان من المتوقع صدورها في مطلع يوليو، ولكن تأخّر صدورها عن موعدها لأسباب كثيرة لا حاجة لنا إلى ذكرها، المهم أننا سوف نسعى إلى سد الفجوة الزمنية في الأعداد القادمة، ونأمل أننا سنصدر العدد التالي في غضون شهر، أو شهر ونصف على الأكثر، وسوف يُخصص العدد بدراسة المنجز الأدبي للكاتبة والشاعرة الكبيرة وفاء عبد الرزاق رئيسة ومؤسسة المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام بلندن، وأدعو كل المهتمين بإرثها الإبداعي الثري إلى المساهمة ببحث في أحد جوانب إبداعاتها في الشعر الفصيح والنبطي والقصة والرواية لنجعل من العدد وثيقة مرجعية تاريخية للبحوث والدراسات عن الأديبة والشاعرة الفذة وفاء عبد الرزاق.
مما يدعو إلى الفرح والأمل أننا خرجنا من جائحة كورونا منتصرين عليها إذ بدت ملامح العودة إلى الحياة الطبيعية واضحة مع فتح المدارس والكليات والجامعات أبوابها للتعليم الحضوري وزوال القيود المفروضة في الحياة العامة لمنع انتشار الفيروس، غير أن بيانات الزعماء العالميين في هذا الشأن يوحي بتضارب في الآراء عن نهاية الجائحة، إذ قالت وكالة الأدوية الأوربية: الإصابات تراجعت لكن الجائحة لم تنته بعدُ، فيما قال مدير منظمة الصحة العالمية إن نهاية الجائحة باتت ممكنة ولكنها بعيدة، وقال الرئيس الأمريكي جو بادين “جائحة كورونا في الولايات المتحدة انتهت”. وإننا نرى أثر تراجع الجائحة فيما حولنا مع عودة الأنشطة الحياتية العادية إلى مسارها الطبيعي، وكلنا أمل وثقة أننا سوف ننتصر عليها وسنعود إلى حياتنا الطبيعية بشكل كاملٍ إن شاء الله.
وبهذه الثقة أقول إننا سنضاعف جهودنا للارتقاء بمستوى المجلة لنجعل منها مجلة عالمية تعنى بنشر أجود البحوث والمقالات في شتى جوانب اللغة العربية والأدب العربي بإذن الله وحوله.
يسرُّنا أن نقدم إليكم في هذا العدد تسعة بحوث وقصةً واحدة وترجمةً لقصة هندية بارعة ومنظومة شعرية، فالبحث الأول الموسوم بـ “الرَّصف النّصي شعر أحمد مطر أنموذجاً” للباحثين م. م. ابتهال كاظم وأحمد الطائي يقفان على موضوع (الرصف النصّي)، مقابلا دلالياً ونصيّا لمصطلح (السبك). ومع عناية الدرس اللغوي والنصّي الحديث بمصطلح (الرصف النصّي) فلم تُخصّص له دراسة قائمة برأسها كما يدعيه الباحثان. وهذا ما حملهما على دراسته، بمستواه النحوي؛ أي السبك النحوي أو ما يُعرف بـ(الاتساق النحوي)، متخذةً من بعض أشعار أحمد مطر أنموذجاً تطبيقياً للدراسة، بما يتناسب مع المساحة الزمنية المخصّصة للبحث، وإن هذا موضوع مبتكر، والبحث الثاني المعنون بـ “نظرية الجشطالت – (دراسة في المفاهيم والمبادئ الأساسية)” للباحث إسماعيل مهدي زوين الحسيني فيتناول البحثَ في نظرية الجشطالت التي عنيت – أكثر ما عنيت- بالإدراك، خاصة في مجال التعلم، كما أن رائدها الألماني “ماكس فرتهيمر” (1880-1943م) كان أبرز علماء نفس النظرية الذين ساهموا في إرساء قواعد النظرية؛ بما قدمه من تفسيرات وما حققه من أسس وثوابت ونتائج من خلال البحث والتجريب، في مجالات النظرية التطبيقية. كانت اهتمامات فرتهيمر الواضحة تتجه نحو التطبيق للنظرية في مجال التعلم المدرسي، خاصة لدى الأطفال، فكأن فكره وما اعتنقه بمخلص تجاربه مثل نقداً حاداً لطرق المعلمين المتبعة في تلقين الأطفال لا تعليمهم، تلك الطرق التي تقوم على الاستظهار لا الاستبصار المدرك للأشياء، مما حوَّل التعلم إلى ظاهرة جامدة لا تساهم في تنمية المهارات العقلية والذهنية لدى الأفراد، لذلك شدد على اتباع طريقة الاستبصار القائمة على الفهم كطريقة جديدة في التعلم، من خلال كتابه المعنون “التفكير الإنتاجي” حيث فرق بين الاستبصار وبين النوع الثاني الذي يعتمد على قواعد تقليدية قديمة وغير مناسبة للحل، والفرق بينهما يتوقف على مستوى المهارة لدى الفرد.
وأما البحث الثالث المعنون بـ “الإنشاء الطلبي في ديوان الشاعر السوداني إدريس جماع: دراسة بلاغية تحليلية” فقد تتبع فيه الباحث صلاح التوم إبراهيم الإنشاء الطلبي وأساليبه المختلفة في ديوان الشاعر إدريس محمد جماع، ليكون إسهاما منه في إثراء الأدب السوداني من باب علم المعاني للفائدة العامة. جاءت الدراسة في مقدمة وخمسة فصول، أوضح الباحث في الفصل الأول أسئلة الدراسة وأهدافها وأهميتها ومنهجيتها والدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع الدراسة. وتناول الفصل الثاني سيرة ذاتية عن الشاعر وشعره وديوانه. وفي الفصل الثالث قدم البحث لمحة عن علم المعاني ونشأته وتعريف الإنشاء. وتناول الفصل الرابع دراسة تطبيقية للإنشاء الطلبي في ديوان الشاعر. وتضمن الفصل الخامس أهم نتائج الدراسة والتوصيات.
وتناول البحث الرابع بعنوان “التناص الدينيّ في رواية “وا إسلاماه” لعلي أحمد باكثير” لكاتبه محمد توحيد عالم موضوع التناص شرحا وتحليلاً في ضوء رواية “وا إسلاماه” الشهيرة لعلي أحمد باكثير، وإن موضوع التناص ليس جديدا في الأدب العربي ولكن بروزه كأحد أهم المحاور والتجليات في فكر ما بعد الحداثة يضفي عليه أهمية بالغة.
أما البحث الخامس الذي جاء بعنوان “شعر طاغور الرومانسي: قصيدة القارب الذهبي أنموذجا” للدكتور شفيق الإسلام فقد تتبع فيه الباحث تجليات الرومنسية في شعر طاغور بعد أن ترجمها إلى العربية أولا ثم قام بشرحها وتحليل عناصر الرومنسية فيها، وقد ذكر في معرض حديثه عن المؤثرات في شعر طاغور وفكره مصادر تأثر طاغور بالرومنسية الذي برز كأحد كبار الشعراء في العالم في القرن العشرين.
ويليه بحث الباحث آصف إقبال خان بعنوان “التقليد العربي في أدبيات دراسات الترجمة: من المركزية الأوروبية إلى اللامركزية” تناول فيه تطور دراسات الترجمة في العالم الأوربي ومدى جنوحها إلى المركزية الأوربية، عرض فيه الباحث بعض الدراسات المهمة التي تحدّت المركزية الأوربية في دراسات الترجمة ومدى إغفالها عن تقاليد الترجمة الثرية في اللغات غير الأوربية بما فيها اللغة العربية.
وقام الباحث حامد رضا في بحثه المعنون بـ ” جمالية أدب الأطفال عند سناء الشعلان (بنت نعيمة المشايخ) بدراسة عناصر الجمال في أدب الأطفال عند الكاتبة البارعة سناء الشعلان من خلال رصد وتحليل عناصر الجمال الفني في قصص الأطفال لسناء الشعلان مع ذكر نموذج من قصتها “صاحب القلم الذهبي”.
وتناول الباحث محمد شفيق عالم موضوع “ثيمات الهوية في رواية “اسمي سلمى” لفادية الفقير، ذكر فيه أن ثيمة الهوية في الأدب العربي الحديث برز مع تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية وتدهورها في العالم العربي بعد أن ناء الاستعمار الغربي بكلكله على الأقطار العربية والإسلامية، ومن أهم ثيمات الهوية عند الباحث هي النفي والاغتراب، وثنائية الأنا والآخر، ومشكلة الاندماج الثقافي والتهجين الثقافي. عرضت الروائية الأردنية فادية الفقير الهوية باحترافية كبيرة من خلال بطل الرواية “سلمى” التي تشكو من تشتت الهوية بين الفضاءين: الوطن الأصلي بسبب القوانين الصارمة للمجتمع الذكوري في الأردن وفي المجتمع البريطاني الحر أيضا تواجه مشكلة الاندماج الاجتماعي والتكيف الثقافي.
والبحث التاسع والأخير في هذه الفئة هو الدراسة الموسومة بـ “تجليات الربيع العربي في رواية “تدمر شاهد ومشهود” للكاتب محمد سليم حماد فيقدم الباحث عادل عفان فيه دراسة عن تمظهرات الربيع العربي في الرواية المذكورة، فقد كُتبت الرواية في فترة متأخرة بعد أن اكتسحت ثورات الربيع العربي معظم البلدان العربية.
وأما في فئة القصة فنقدم قصة قصيرة للكاتبة الشهيرة “عائشة بنور” الجزائرية بعنوان “ليست كباقي النساء” علماً أن الأديبة عائشة بنور اشتهرت برواياتها وقصصها وفازت بجوائز عالمية عديدة.
وفي فئة القصة المترجمة نقدم قصة شهيرة “تيسري قسم” (القَسَمُ الثَّالِثُ)، للكاتب الشهير فانيشوار ناث رينو (1921-1977م) أحد أبرز وأشهر الكتاب في أدب لغة الـ”هِندي” بعد عملاق الرواية الهندية والأردية “بريم تشند” (1880-1936م)، وقد أنتج فيلم مشهور جدا “تيسري قسم” (القَسَمُ الثَّالثُ) (1967م) على هذه القصة، وعُدّ الفيلم أحد أكثر الأفلام الهندية قبولا وشهرة ونال الفيلم جوائز كثيرة منها جائزة الدولة كأحسن فيلم روائي في عام 1967م، وأيضا تعتبر روايته “ميلا آنشل” من أفضل الروايات في أدب لغة “هندي” وترجمت إلى العربية بعنوان “الوشاح المدنس”، ونُشرت في دولة الإمارات العربية المتحدة في 2021 (مترجم الرواية كاتب هذه السطور)، أما مترجم هذه القصة (القَسَمُ الثالث) فهو الأستاذ القدير والبارع الدكتور أحمد محمد عبد الرحمن القاضي أستاذ الأردو في جامعة الأزهر وأستاذ الأساتذة ورائد دراسات الأردو في مصر، وقد جاءت الترجمة بلغة سلسلة ورشيقة وراقية ستعجب القراء الهنود الذين يعرفون قيمة هذه القصة ومكانتها في أدبنا الهندي الحديث.
وأخيراً نقدم منظومة شعرية “المربع” للشاعر الهندي الشاب عبد نعمان الفيضي.
ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر والامتنان إلى كل من تعاون معنا في إصدار هذا العدد وعلى رأسهم المحكمون الذين قاموا بمراجعة البحوث مراجعة دقيقة، وأشكر بوجه خاص الأستاذين الشابين مخلص الرحمن والدكتور تجمل حق الذين يساعدانني في تحرير المجلة، وفي الحقيقة يقومان بكل ما يتطلبه إصدار المجلة ويعفيانني من الأعباء الكثيرة، أشكرهما على جهودهما وأتمنى لهما مستقبلا باهرا في مجال البحث العلمي.
نحن في أسرة المجلة شاكرون لكم جميعا على حسن تعاونكم، ونتمنى أن يلقى هذا العدد قبولا حسنا لديكم، آملين مشاركتكم إيانا بآرائكم ومشوراتكم عن المجلة كي نسهر عليها أكثر وأكثر حتى تلبي توقعاتكم في المجلة.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
أ.د. مجيب الرحمن
رئيس التحرير