كلمة التحرير

Vol. No. 1, Issue No. 2 - April-June 2021, ISSN: 2582-9254

3
4499

كلمة التحرير

بقلم

رئيس التحرير أ.د. مجيب الر حمن
البروفيسور بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي، الهند

————————————

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فيسرني أن أقدم إلى القراء الأعزاء مجلتنا الفصلية الإلكترونية الفتية “مجلة هلال الهند” في عددها الثاني لفترة أبريل/نيسان-يونيو/حزيران 2021، وإذ نحن في هذه الظروف الوبائية القاهرة مما جعل هذا العدد يتأخر صدوره عن موعده المزمع مطلع أبريل، بالرغم من أن إدارة التحرير كانت مستعدة لإطلاقها في حينها لتوفر المواد المراد نشرها، وقد تم تأجيل إطلاقها لعدم حصولنا على الترقيم الدولي للمجلة لأن المكاتب الحكومية المختصة لهذا الغرض مغلقة طوال فترة الموجة الثانية لكورونا وأسباب أخرى يتعذر ذكرها ههنا، مع العلم أننا على وشك الحصول عليه في غضون الأيام المقبلة، لذلك نرى أن نقدم إليكم العدد الثاني من مجلتنا في انتظار ترقيمها الدولي، وبعد الحصول عليه سيُنشر على صفحة المجلة ليرفق مع كل المقالات المنشورة في العدد الأول والثاني بأثر رجعي بإذن الله.

إن فترة كورونا الممتدة منذ مطلع 2020 فترة منقطعة النظير في حياة كل منا، جلبت معها المحن والشدائد والويلات والخسائر، ومع بداية أبريل الماضي عصفت بالهند الموجة الثانية الشرسة لفيروس كورونا التي حصدت الآلاف من الأرواح، وخطفت منا كبار علمائنا وكتابنا وأدباءنا وشعرائنا وأساتذتنا ممن أناروا لنا الطريق، كما خسرنا أعز وأقرب أصدقائنا الذين شكلوا عماد حياتنا، ونحن إذ نستحضر ذكراهم ونتذكرهم تبكي عيوننا وقلوبنا حزنا وأسفاً، لكنها سنة الله في خلقه، والحياة لن تتوقف بل تمضي قدما مهما اشتدت عواصفها وقويت رياحها العاتية فهي مستمرة، ولنا في وباء الإنفلونزا الإسبانية التي اكتسحت قبل قرن من الزمان أي في عامي 1918م-1920م دروس وعبر، فقد حصدت حوالي خمسين مليون من البشر، أما الوباء الحالي فلم يتجاوز عدد الوفيات الناتجة عنه لحد الآن أربعة ملايين.

الحقيقة أن الكثير من كبار الشخصيات العلمية والأدبية الهندية في مجال العلوم العربية والإسلامية قد خسرناهم بسبب الوباء أمثال الأستاذ فيضان الله الفاروقي، والأستاذ ولي أختر الندوي، والشيخ ولي الرحماني، ومولانا وحيد الدين خان، والشيخ نور عالم خليل الأميني، والأستاذ محمد راشد الندوي، ومولانا المقرئ عثمان، ومولانا الشيخ حبيب الرحمن القاسمي،  والبروفيسور اشتياق دانش، والأستاذ صديق حسن، والأستاذ أمين عثماني، والأستاذ نذر الحفيظ الندوي وآخرين رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته، كما خسرت الجامعة الملية الإسلامية عددا من خيرة أساتذتها من أمثال البروفيسور رضوان قيصر، أستاذ التاريخ الذي تتلمذت شخصيا على يديه مطلع التسعينات وكان موضع إعجاب ومصدر إلهام أجيال بأكملها من الطلاب والأساتذة، بالإضافة إلى ما فقدته جامعة عليجراه الإسلامية بخسارتها عددا كبيراً من كبار أساتذتها وموظفيها وهي من الجامعات المنكوبة التي تأثرت بشكل كبير بفيروس كورونا، حقا إن موتهم خسارة عظيمة للأوساط العلمية والدينية في الهند.

لقد فتح لنا زمن كورونا عالما إلكترونيا واسع الفضاء للتواصل مع المبدعين والمفكرين والشعراء والأساتذة والباحثين العرب وأحسبه أحد إيجابياته المتفردة، فقرّب المسافات بأن مد جسور التواصل عبر المنصات الإلكترونية والندوات واللقاءات الافتراضية، وألغى الحواجز المادية ووصل الشرق بالغرب، والهند بالعالم العربي كمحاولة لتعويض التنقلات والسفر ومشاقه على المتدخلين والمشاركين، وأظن أن هذه الجسور الإلكترونية الممدودة هي الاخرى تحتاج إلى من يتناولها بعين الدراسة والفحص لنتمكن من تقييمها وتسليط الضوء على مدى نجاعتها، لذلك فإن إقامة اللقاءات والندوات والدورات التعليمية عبر المنصات الافتراضية مع مختلف الورشات العلمية بمشاركة هندية وعربية واسعة، كان قد أعطى ثمرة من التفاعل بين أساتذتنا وطلبتنا والأساتذة والباحثين العرب، وذلك بالاطلاع على مستجدات الساحة الأدبية والنقدية والفكرية في العالم العربي عن كثب.

مؤخرا صرّح الروائي الكبير واسيني الأعرج في اللقاء الأخير الذي أقامته المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام بلندن في 24 يونيو 2021 صرح رداً على سؤال فيما يخص نقد الأدب العربي المعاصر أن النقد العربي ضعيف المستوى، وأن الدراسات النقدية المنشورة لا تتجاوب مع واقع الإبداع شعراًً ونثراًً بحيث لا يستطيع أن يوجهه أو يؤثر فيه وتبقى معظم الجهود النقدية حبيسة الحقل الأكاديمي نفسه، بمعنى أن هناك فجوة قائمة بين الحراك الإبداعي والحراك النقدي أو بعبارة أخرى إن النقد العربي تقاعس ولا يعيش التجربة النقدية الحقيقية، ومن جهة أخرى يوجد من يقول إن هناك انغماساً في النظرية النقدية والمبالغة فيها، حتى صار ما يسمى بـ “فائض النقد”، على أية حال، فالمسلم به عند الأدباء والنقاد أن النقد الأدبي العربي يعيش أزمة ولا يمكن حلها بمعزل عن الواقع العام للثقافة العربية المعاصرة، وإشراك الجمهور في التماهي مع الحراك النقدي ليتحول إلى طرف أصيل في تلقي الأدب جنبا إلى جنب مع الناقد، للأسف الشديد، فإن مستوى قراءة النقد الأكاديمي في انحسار شديد، والرائج أكثر الآن هو النقد الصحفي والنقد الهزيل على وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك، والانستغرام وتويتر وغيرها، إذن فالمشكلة أكبر ليس أمام النقد العربي فحسب بل أمام حركة الإبداع ككل.

الطرح أعلاه عن حركة النقد في الأدب العربي ومكانته في الساحة الأدبية، يجعلني أحاول أن أضع اليد على إشكالية المقروئية وبالأخص مقروئية المجلات الأكاديمية، بما فيها مجلتنا ومدى ارتباطها بالحركة النقدية والإبداعية المعاصرة، ما يجعلنا نطرح التساؤلات التالية هل هدفنا هو إتاحة فرص للأساتذة والباحثين بنشر بحوثهم فحسب؟ ودون أن يكون لنا أي مساهمة في الحراك النقدي الأدبي الفعال أو دون جدوى علمية واقعية تذكر؟، ما مدى أصالة البحوث المنشورة فيها؟ وما هي حظوظها المرجوة لإضافة رصيد معرفي معتبر؟، تلك أسئلة تترك للقائمين على المجلة التأمل فيها بجدية ومسؤولية الوقوف عندها لتحسين الوضع الأكاديمي أكثر فأكثر، وذلك حتى يكون السعي الأكاديمي سعياً حقيقيا مثمراً بالنقد الذاتي.

نودُّ أن نؤكد لقرائنا الكرام والباحثين المهتمين بنشر بحوثهم على صفحات مجلتنا أننا جد حريصين على نشر بحوث علمية رصينة، وسوف نسعى إلى الارتقاء بمستوى المجلة إلى مصاف المجلات العربية العالمية، حلم يبدو بعيداً نوعاً ما مع بدايتنا الصعبة في خضم الظروف الراهنة وفتوة مجلتنا، فكل جهد في بدايته يكون ضعيفاًً، كالطفل الذي يتعلم الحبو في أوله ثم يمشي وتقوى عضلاته وقواه مع العمر ويكبر ويتعلم فنون الحياة ويمارس أنشطتها، هكذا سوف نواصل رحلتنا ونتعلم من تجاربنا ونسعى دائماً لنحقق هدفنا إن شاء الله.

نقدم لحضراتكم مجموعة من الأعمال والبحوث موزعة على فئات، ففي فئة الدراسات الأدبية والفنية والثقافية تضمّن هذا العدد ثماني دراسات علمية وهي: أولا دراسة أ.م. د. عبد الحسين أحمد الخفاجي بعنوان: “طه هاشم الدّليمي وجهوده في التراث العربي”، ثانيا دراسة د. عطية عز الدين الشيمي بعنوان: “المهارات اللغوية وأثرها في التواصل الفعال”، وثالثا دراسة الأستاذ الدكتور أشفاق أحمد بعنوان: “مدينة بنارس ومساهمتها في الآداب العربية حتى القرن التاسع عشر الميلادي”، ورابعها دراسة الأستاذين أ. م. د. عبد الحسين أحمد الخفاجي والمحاضرة الدكتورة بلاح مديحة بعنوان: “الدلالة اللغوية بين الوشائج الوجدانية والعلاقات الإنسانية” ، خامسا دراسة د. هناء شبايكي بعنوان :”الأفعال الكلامية في ديوان ابن خفاجة الأندلسي”، وسادسا دراسة د. زينب حسين كاظم بعنوان: “العتبات النصية في شعر يوسف الخال دراسة سيميائية”، وسابعا دراسة د. فريدة مغتات بعنوان: “تيمة قمع الأنوثة في رواية “الزنجيّة” للروائية الجزائرية عائشة بنور”، وأخيرا دراسة الأستاذ رفيق أختر بعنوان “الترجمة وأدوارها الفاعلة في بناء المجتمعات”. كما نقدم لحضراتكم في فئة “دراسات إسلامية” مساهمة واحدة مقدمة من طرف الدكتور محمد روح الأمين المعنونة بـ:” مساهمة النساء في تفسير القرآن الكريم في العصر الحديث”، ونتشرف بإدراج صنف الإبداع بمعية الدراسات والمقالات بعرض بعض من مساهمات أقلام الأساتذة والكاتبين الهنود وكبار الكتاب العرب، بأن نقدم لكم في هذا العدد مساهمة الكاتبة الهندية الكبيرة ناميتا غوخالي بقصة “النذر”، بترجمة د. مخلص الرحمن، وتقدم الروائية الجزائرية عائشة بنور قصة: “الفاجعة”، فيما تقدم الشاعرة والكاتبة موضى رحال قصيدة: “المعلقة الثامنة”، وتقدم الشاعرة د. لؤلؤة قصيدة ” عودوا”، ويقدم د. شفيق الإسلام ترجمة قصيدة الشاعر البنغالي العبقري والفذ القاضي نذر الإسلام الموسومة بـ “اللعنة”..

وإذ نحن بصدد أن نقدم لكم أيها القراء الأفاضل محتويات عددنا الماثل بين أيديكم لمجلتنا هلال الهند نشعر بالفرح والسرور ونعتذر عن تأخر صدورها لأسباب خارجة عن نطاقنا، غير أننا نتعهد بإصدارها مستقبلاًً في موعدها المحدد بإذن الله، ولا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر وخالص التقدير إلى كل أعضاء لجنة المحكمين الذين سهروا على قراءة البحوث ومراجعتها وتدقيقها، كما أتقدم بخالص التقدير والعرفان إلى فريق التحرير وأخص بالذكر الدكتور مخلص الرحمن والدكتور تجمل حق على جهودهما الحثيثة في إخراج المجلة إلكترونيا والسهر على كل ما يتطلبه ذلك، دون أن أنسى التقدم بالشكر الجزيل لأعضاء مختلف اللجان، وكل من ساعد ويساعد وشجع ويشجع في هذه المبادرة العلمية. سائلا المولى عز وجل أن يفرج عنا هذا البلاء والوباء وأن يعيد إلى حياتنا أمنها وأمانها وتعود إلى مسارها الطبيعي فقد خسرت الإنسانية كثيرا وعانى كثيراً جراء هذا الوباء، وخسر العلم بفقد ثلة من العلماء، ومن الله التوفيق والسداد في جهودنا ومبادراتنا العلمية.

 أ.د. مجيب الرحمن

رئيس التحرير

3 COMMENTS

  1. بدأت أتابع المجلة من العدد الأول، جهد مشكور، بحوث جيدة، ولكن عليها أن تعمل لرفع المستوى، وأيضاً غير مذكور في البحوث رقم العدد ورقم المجلد، ويجب أن يكون الإثنان مذكورين في الصفحة الرئيسة وأيضا في كل بحث. تمنياتي للمجلة الفتية بالمزيد من التقدم والنجاح.

  2. النقد العربي الحديث نقد طفيلي وغير متوائم مع الأدب العربي بتنوع معطياته بمعنى أنه تم استيراده كأداة أجنبية ويتم تطبيقها واستخدامها على محصول إبداعي نشأ في الوطن العربي، مهما كانت الأجناس الحديثة كالقصة والرواية والمسرحية والشعر الحر فنونا مستحدثة مستوردة من الغرب، إلا أنها يتم إنتاجها في بيئات عربية لها خصوصياتها الثقافية والحضارية تختلف اختلافاً جوهريا عن الآداب الغربية، ولذلك وفي كثير من الأحايين يبدو هذا النقد جافا وجائراً ومتكلفا فيه، ومن هذا المنطلق ثمة حاجة أكيدة لصناعة نقد عربي أصيل يتوافق مع المنتوج العربي بكل خصوصياته الثقافية والحضارية واللغوية وما إلى ذلك. هينئاً للكاتب على إثارة هذه الإشكالية الجوهرية والخطيرة، متمنيا له المزيد من التوفيق.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here