قصة…ليســــت كبــاقي النســـاء!!
القصة الفائزة بمسابقة الأديبة رولا حسينات في الأدب النسوي، بالأردن 2017م
الروائية عائشة بنـور
روائية جزائرية
——————–
كانت الفتاة النحيلة بملامح هندية، وشعر طويل أسود براق يزين قوامها الرشيق، تروح وتجيء في غرفتها، وعلى مرأى من مسمعه، كانت ضحكاتها تجلجل في الغرفة المطلّة على الطريق حيث كان وليد جالسا رفقة صديقه الثرثار مصطفى، يرتشف قهوته متأملا.
ظلّت الفتاة لحظّات وصوتها الصادح يتردّد في مسمعه، يرفع وليد بصره إلى النافذة مرّات ومرّات، وقد لاحظ مصطفى ذلك.
كان بيتها الموريسكي العتيق المطّل على البحر، يعانق زرقة اليًّم والسماء، ويعانق رنين صوتها شغاف القلب الذي هام بها.
كلّما مرّ وليد بالقرب من بيتها ليلا، يلمحها من بعيد تحت ضوء الغرفة تروح وتجيء، تلف جسدها في ثوب أبيض شفاف، ثم تطّل من النافذة مرّة على مرّة، وكأن أمراً ما يحيرها وكان يحلو له رؤيتها كل مساء، وهو يرتشف قهوته.
كان يقول في قرارة نفسه:
– كثيرا ما كنت أختلي بنفسي، ورّنة صوتها تخالجني من حين لآخر، وتنعش سويداء القلب، أطارد أحلامي معها، وتتضاعف خشيتي من رفضها قربي.
لم ألبث على حالتي تلك، وقد شغفني حبّها، وتملك جوارحي، وأنا الذي كنت لا أبالي بذلك، واستعدت ثقتي بنفسي في محاولة التقرب منها، وقررت أن أحادثها دون التريث أكثر.
مرّت الأيام، وعلى اتساع دهشتي فتحت فمي، ونظرت إليها وكأنها لم تكن هي، ولم أعبأ حينها بنصيحة صديقي مصطفى الذي نبهني للأمر قائلا:
– هذه المرأة ليست من مستواك المعيشي أولا، ولا من طينتك ثانيا.
قلت له حينها:
– أنني لا أقدر الابتعاد عنها، وأنني أشتهيها بالفعل!
ردّ عليَّ مستهزئا:
– ولكنها ليست المرّة الأولى التي تشتهي فيها النساء، وتبتعد حينما تنال مبتغاك!
قلت له، وقد غاضني قوله وأربكني:
– هذه المرأة ليست كسابقاتها!!
– هذه المرأة لا تضع لوحة زيتية على وجهها؟
– هذه المرأة لها عطر خاص، وطعم خاص!! هذه المرأة لها أنوثة !!
ورفع صوته في وجهي عاليا:
– ما هذا الهراء؟ امرأة ..امرأة.. أنوثة.. أنوثة..
وأردف وهو يحملق فيه:
– يبدو أنك أصبت بطعم الأنوثة، أو هبّت عليك ريحها يا صديقي العزيز.
– منذ متى، وأنت تغريك الأنوثة؟
….هه…هه…
ثم تركني، وحمل فنجان القهوة، الذي كنّا نتناوب على ارتشافها ببطء.
ضحكت عليه بعصبية، وافترقنا منذ ذلك الوقت، وحاولت الاقتراب منها يوما بعد يوم.
وبعد شهور من ملاحقتها ومتابعة تحركاتها وتصرفاتها، قلت في نفسي:
– هذه الفتاة السمراء سوف تفقدني عقلي، إذا ما بقيت على هذه الحالة .
تتبعت خطواتها وبإصرار كبير، وهي تدخل أحد المتاجر للتبضُّع، اقتربت منها، على أساس مساعدتها في حمل الأكياس رفعت بصرها نحوي، وابتسمت …
بابتسامتها تلك، فتحت شهيّتي للاقتراب منها أكثر فأكثر والتحدث إليها، والاعتراف لها بأنني مجنون بحبّها.
هذه المرّة لم أطمع في الكثير سوى أن تكون معي، وأن تبادلني نفس المشاعر، وبداخلي كنت أحسدها على اتزانها ورزانتها وحيويّتها….
……………….. ***** ……………….
* القصة منشورة في المجموعة القصصية “…ليست كباقي النساء “