قصة: فندق غراند

Vol. No. 1, Issue No. 4 - October-December 2021, ISSN: 2582-9254

1
1408

قصة: فندق غراند

قصة لـ: ناميتا غوخالي
كاتبة هندية ومديرة مؤسِسة لـمهرجان جيفور للآداب، الهند
ترجمة: د. مخلص الرحمن
أستاذ مساعد ورئيس قسم اللغة العربية، كلية ايتش. بي. التابعة لجامعة بردوان، الهند

————————————-

خارج النافذة المفتوحة في الساحة، ترتفع طَقطَقَة حوافر الخيول، كان فندق غراند في كراكوف لطيف وكريم الضيافة، وقد بهت لونه بحصافة، لقد أخذني بداخله بعد شهور من السفر الدولي والمطارات غير المضيافة، كعمتي العجوز التي تعاملت مع أجيال من الأقارب الصعاب.

لقد كان عاما سيئا وكئِيبا للغاية، توفي والدي، وطلقني زوجي، ومات كلبي من سلالة الترير التبتي بعد إصابته بفيروس بارفو.[1] وأصبت بمرض الصلع وتساقطت كمية كبيرة من شعر رأسي بدون سبب على الإطلاق، كما حدثت أشياء أخرى، لا أريد التفكير فيها الآن، أريح رأسي ملفوفًا في خمار حريري ناعم، وأستمع للأصوات القادمة من النافذة المفتوحة.

كان في الغرفة الزهرية غابة من السراخس الكثيفة بها زنابق بنفسجية جميلة، هل هي حقيقية؟ أقوم لكي ألمسها، ولا يساعدني ذلك على الإطلاق، لا أستطيع أن أعثر على ذلك، ولا ينفعني شمها فأنفي وأذني مسدودان بسبب السفر، أخرج العملات المعدنية من محفظتي، كيسها مثقل بالفينينغ والبنسات وبعض الزلوتي من رحلة التاكسي، لا أستطيع التفكير في أي شيء، لم أعد أفهم شيئًا، أنا امرأة واقفة أمام نافذة في غرفة فندق غير مألوفة، متأملة الخارج، لكنها لم تعد غير مألوفة، فهذه الغرفة – قد بدأت تداعبني، وتهدئني، وتُدخلني بداخلها.

أفكر في كل فندق غراند أقمت فيه استحضر ذكرياته، أعدّ قائمة لها، فندق غراند في شيملا، حيث كان قرد متجول قد مزق فستاني المفضل الوردي المكشكش، كنت في السادسة من عمري فأوقعتني هذه الحادثة في حزن لا عزاء له، وفندق أوبروي غراند، عندما قضينا أنا وحبيبي ليلة معًا، وكان زوجي – زوجي السابق الآن – قد اطلع على ذلك (صديقه في المدرسة كان هو المدير العام). كانت الغرفة تحتوي على سرير من أربعة أعمدة، ومطعم سمك ممتاز، حيث قضينا ليلة لا تُنسى، وبعد ذلك تم التخلي عني من قبل زوجي وهُجرت من قبل حبيبي، غراند دام آف تشورينغي،[2] من أطلق عليه هو حبيبي، كان بونغ،[3] وبنغلة، وبنغاليا.[4] ولا يزال يتصل بي أحيانا، لا أفتقده فقد كان رجلا ماجنا، فيما أفتقد زوجي وهجره لي خطوة سيئة.

مكثت في فندق غراند في مدينة نوارا إليا في شهر العسل. إنه قصر استوائي إليزابيثي، حيث سادت رائحة عشب الليمون والقرفة في مداعبتنا. زوجي – زوجي السابق – كان لديه شارب، ويدغدغني في أغرب الأماكن، نوارا إليا تعني إنجلترا الصغيرة. حاكم سيلان، السيد فلان أو آخر، كان يعيش هناك في عام 1800م أو كذا، هذا هو التاريخ، كل ذلك مثل زواجي. كان لديهم حديقة زهور بما فيها الدهلية والخطمي والخشخاش، وبستاني فخور للغاية بحديقة ينجليش.[5] أتذكر اسمه كان ستانلي. ربما سأذهب هناك مرة أخرى في وقت ما، لفندق غراند في نوارا إليا.

أريد أن أعود إلى الحاضر، لذلك بدأت بالبحث عن الأشياء في جوجل بشكل إلزامي. هذا إدمان غير مضر – يجعلني أشعر بأنني جزء من العالم مرة أخرى، كما تم تصنيف فندق غراند في المرتبة الـ54 من بين 223 فندقًا في كراكوف. يوصف بأنه متحفظ وساحر، وكان في السابق مقر إقامة أميرة بولندية. يبدو أن المبنى كان موجودًا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. كما ذكر في الإنترنت، بمجرد دخولك إلى الفندق، ستنسى بسهولة القرن الحادي والعشرين. بعد افتتاح الفندق عام 1887م، ظهرت مقالات في الصحف عن أفخم وأحدث فندق في بولندا. وأكتشفت أن جوزيف كونراد كان قد أقام في هذا الفندق.

بعدها انتقلت إلى حسابي على الفيسبوك، فيه كان زوجي وخليلي السابقان كلاهما قد أعرب عن إعجابهما لأني في كراكوف. الملف الشخصي لزوجي السابق يضم الآن صورة لحبيبته الجديدة. إنها قصيرة وسمينة، وبالتأكيد أقل جاذبية مني. إذن لا يوجد لديه أي ذوق، هل يوجد؟

لقد نمت. وسائد جيدة. أحلام عظيمة. ففي معظم الليالي، أحلم بالبحيرات. حلمت ببحيرة مجففة في بوشكار عندما كنت هناك مع زوجي – أو كان حبيبي؟ كان أمرا مُشَوِّشا. وبعد ذلك، كنت بجانب بحيرة أخرى في حلم آخر، في فندق بيكولا في أوداي بور، وبجانبه كافيه ديو لاك (Café du Lac)، حيث جلست عارية في حلمي ملامسة ثديي المتدلي.

في صباح اليوم التالي، أحسست بالألم، في قلبي، وفي ثديي. لم يختفي ذلك بل بقي مثل بقايا محببة في أعيني الجافة، وارتديت بدلة رسمية وأحذية ضيقة، ومشيت في السوق الساحرة حيث ذكرتني خشخشة الحوافر بعطلات الطفولة في محطات التل في هيمالايا. حضرت اجتماعا حيث تجول عقلي ولكن الاجتماع انتهى بابتسامات الموافقة والمصافحة الدافئة.

في المساء، اقترح شخص غريب في بهو الفندق أن أذهب معه “إلى المقبرة”. كان “يوم كل الأرواح”، ولهذا السبب طلب مني ذلك. ولم يكن مصاص دماء أو أي شيء من هذا القبيل. كان أستاذا جامعيا متقاعدا من الولايات المتحدة. كان أجداده قد عاشوا في كراكوف لكن لم يتم دفنهم في المقبرة التي زرناها، ماتوا في داخاو أو أوشفيتز، لم يكن متأكدًا في أي منهما. كما توفيت زوجته في ذلك العام بسبب سرطان الثدي. لكنه لم يعد يتحسر عليها، أو هكذا قال، وقلت لنفسي إنه يجب علي أن أمرّ بالتصوير الشعاعي لثديي قريبًا، كما أقول في أغلب الأحيان.

ذهبنا معًا إلى المقبرة في سيارة أجرة. لم يكن ذلك المكان بعيدا. بدا مثل ديوالي كما كانت الأضواء والزهور في كل مكان. لا توجد ألعاب نارية بالطبع. أشار ذلك الغريب- كان اسمه فرانز – إلى قبر والد كونراد. فحصنا الجدار الوعر من الصخور الخشنة وأومأ بعضنا البعض بشكل حزين.

قال فرانز: لقد غفرت للموت – وكنا واقفين محاطين بالأضواء والزهور – الموت والمحتالين الذين يظنون أنهم عملاء لارتكابها. هو استدار نحوي بنظرة عميقة، وبدا غريبا من خلال الضوء الوامض للمصابيح والشموع، حتى بدا أنه مجنون، هل هو مصاص دماء؟

شعرت بالذعر، ووجدت نفسي أقرأ قصيدة لإميلي ديكنسون:

لأنني لم أستطع التوقف من أجل الموت،

هو توقف من أجلي بلطف؛

أمسكت العربة بنا توا

والخلود.

الآن عليه أن ينظر إلي بدهشة. “بقلم إميلي ديكنسون” كما اختتمت. بعد ذلك استقرت الأمور بيننا. تعرف بعضنا على البعض – شخصان وحيدان في مقبرة في “يوم كل الأرواح”.

ذهبنا لتناول العشاء في الحي اليهودي، إلى مطعم مهجور حيث تناولت حساء اليقطين وتناول فرانز …- نسيت ماذا. في الفندق، بجانب المصعد، أعطاني قبلة على خدي وبطاقة زيارته. كانت رائحة فرانز متعفنة ولكني أحسست برائحة الزنابق والزهور في المقبرة من كمّه.

في الصباح، قمت بتسجيل المغادرة وغادرت إلى المطار، غيرت الرحلة مرتين. كنت متعبًة جدًا، ونسيت المطار الذي كنت فيه. كلها تبدو متشابة، وهناك دائمًا هنود في كل مكان. ثم رأيت الفتاة مع البيندي[6] على جبهتها، ويداها مضمومتان في ناماستي المغرية، ودلتني إلى حمام السيدات. ذكرتني الصورة العملاقة أنني كنت في المطار الجديد في دلهي، مدينة وصفتها في الماضي بالمنزل.

الهوامش:

[1] Parvo virus

[2]. The Grand Dame of Chowringhee

[3] Bong: مصطلح نشأ في الهند في الثمانينات من القرن العشرين ويستخدم ازدراء للطبقة المتوسطة المثقفة من ولاية بنغال الغربية

[4] Bangla: اللغة البنغالية، Bengali: انتماء إلى ولاية بنغال

[5] ‘Yinghlish’ garden

[6]  بيندي – نقطة تضعها المرأة الهندية (الهندوسية) على الجبين.

……………….. ***** ……………….

1 COMMENT

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here