حنا مينه: إسهاماته الروائية في الأدب العربي

Vol. No. 1, Issue No. 4 - October-December 2021, ISSN: 2582-9254

0
803

حنا مينه: إسهاماته الروائية في الأدب العربي

بقلم

قمرالإسلام
 باحث في الدكتوراه،  مركز الدراسات العربية والإفريقية،  جامعة جواهر لال نهرو،  نيو دلهي،  الهند.

————————————-

ملخص البحث:

حنا مينه (1924-2018م)،  هو روائي سوري من أشهر الروائـيـيـن السوريـيـن والعرب.  ويلقب بعدة ألقاب منها: شيخ الرواية السورية ونجيب محفوظ سوريا وأبو القصة السورية الحديثة وغير ذلك. كتب حنا مينه روايات متعددة في شتى الموضوعات.  وترك لنا أكثر من أربعين رواية عربية خلال حياته الأدبية.  ومن أهمها: المصابيح الزرق،  الشمس في يوم غائم،  والمستنقع وغير ذلك. وتحتوي رواياته على مضامين مختلفة. إنه كتب بدقة في رواياته عن الحياة و المدن الساحلية،  و البحر،  والغابة،  والأحياء الفقيرة،  ومشاكل الناس وعواصفهم وتطلعاتهم.

ومن هنا نرى أن رواياته تمثل الصوت الجديد في العالم الأدبي والعربي.  فهو كان دائما يقف إلى جانب الفقراء ضد الأغنياء،  وضد الفساد.  وكان يقود ثورة أدبية في كتاباته من أجل خلق وعي جديد للشعب العربي.  وبالإضافة إلى ذلك،  تناول فيها الكاتب أيضا قضايا اجتماعية وسياسية مختلفة.  وهي في غاية من الأهمية لمضامينها الجديدة والجريئة وأسلوبها الأدبي الرشيق.  ونظرا إلى ذلك كله،  ازداد اهتمام الأدباء والكتاب بكتاباته وأعماله الأدبية.  وسأتناول في هذه المقالة البحثية تعريف هذه الشخصية الأدبية البارزة وأعماله الإبداعية.

الكلمات الرئيسية: حنا مينه،  رواية،  سوريا،  قضايا اجتماعية،  الأحياء الفقيرة،   المدن الساحلية.

نبذة عن الكاتب حنا مينه:

حنا مينه نجم لامع من النجوم اللامعة في سماء الرواية العربية في سوريا والعرب.  إنه أحد أعمدة الرواية العربية في إثرائه لفيوض الخطابات السردية وتمازجاتها التاريخية والسيرة والواقعية مع الخيالات. وساهم في تطوير الرواية العربية السورية،  وكما شارك في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب.  وتميزت أعماله الأدبية من الروايات والقصص بالواقعية الاجتماعية والصدق والمعاناة.

وقبل مناقشة موضوع البحث يجدر بنا أن أقدم عن نشأته وحياته العلمية والوظيفية.

ولادته:

ولد الأديب الشهير حنا مينه في مدينة اللاذقية على الساحل السوري،  في التاسع من آذار/ مارس عام 1924م لأسرة فقيرة. [1]

حياته العلمية:

وكان ولدا وحيدا لعائلته وهو أخ لثلاث بنات.  ويزعم أنه ولد بالخطاء فيقول عن نفسه  “رزقت أمي بثلاث بنات كن في ذلك الوقت ثلاث مصائب،  فطلبت من ربها أن ترزق بصبي كيف ما كان يكون،  فجئت أنا هكذا كيفما اتفق. “[2]

وكان أبوه قد هاجر من “مرسين” إلى مدينة اللاذقية سنة 1922م.  وبعد ولادته مرض أبوه مرضا شديدا فغادرت العائلة اللاذقية إلى بلدة “السويدية” في لواء إسكندرونة. [3]عاش طفولته في قرية السويدية القريبة من “لواء إسكندرونة” في حالة من البؤس والشقاء.

ثم هاجرت بعد ثلاث سنوات إلى إسكندرونة.  وفي الثامنة من عمره سجلته أمه في مدرسة أرثوذكسية.  وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة وأكمل منها تعليمه الابتدائي.  وفي بدء العام الدراسي،  انتقل من المدرسة الأرثوذكسية إلى مدرسة دينية أخرى وهي “المدرسية الرشيدية”. [4] وكانت المدرسة تقع في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة،  وكانت مشهورة بين مدارس إسكندرونة كلها.  وفي هذه المدرسة قرأ كتاب المدارج وكتاب المشوق.  فحصل على الشهادة الابتدائية سنة 1936م.[5]

ثم لم يدخل أي مدرسة بعد التحصيل الابتدائي لسوء الأحوال المعيشية والفقر المدقع الذي كان يعيش فيه.  وكانت الشهادة الابتدائية تلك الأيام،  هي المرحلة الأخيرة من التحصيل في مدينة إسكندرونة.  ولذا هذه الشهادة الوحيدة التي حصل عليها كانت تعتبرها الوالدة أرقى شهادة في سوريا.  ومن سوء الحظ قد كانت مرضت الوالدة وأصيبت بالروماتيزم فانقطعت عن العمل تماما بسببه.

ثم عاودت الحالة القديمة في العائلة.  فتوقف عن الدراسة في الثانية عشرة من العمر بسبب الفقر واضطر للعمل لكي يساعد عائلته الفقيرة.  ولذلك نجد في حياته أنه حمل الشقاء طفلا،  والعمل السياسي الوطني شابا،  والقلم كهلا،  والحكمة ناضجا وفي كتاباته نرى كل هذه المراحل من حياته.

حياته العملية:

خرج الأديب من البيت للبحث عن عمل. واشتغل أولا أجيرا في بائع حلويات إفرنجية.  ثم عمل في حمل حقائب المصطافين من السيارات إلى بيوتهم. ولقد عمل الكاتب كحمال صغير في المرفأ لكي يقدم مساعدة لعائلته ويشتري الدواء لأمه المريضة. [6] مع أنه في ساعات العطالة،  بين الضحى والظهر،  حيث يقل مرور السيارات؛ فعزم على أن يعمل في مقهى. فعمل مستخدما في بقالية ومساعدا في إحدى الصيدليات وصانعا في دكان حلاق مدة طويلة حتى أتقن الصنعة. وفي وقت الفراغ انصرف إلى القراءة ومطالعة الكتب وحفظ الشعر. إنه كان لا يترك جريدة ولا كتابا يقع بين يديه بدون قراءة.  فعاش حياة صعبة في الفقر والتـنـقـل وراء الرغيف من مكان إلى مكان. وعمل في مهن شتى واكتسب تجارب غنية.

هاجر مع عائلته من اللواء إلى اللاذقية عام 1939م وكان في الخامسة عشر من عمره. [7] ثم افتتح فيها دكانا للحلاقة.  وكان زبائنه من الفقراء والبحارة.  فاختزن في أعماقه كثيرا من قصصهم الأسطورية عن صراعهم اليومي مع الخطر. وبهذه الطريقة عاشر البحارة في ميناء اللاذقية وعلم حياة البحر والسفر.

كانت الحرب العالمية الثانية قد تركت سورية في دوامة من الاضطرابات. وكان الأديب حنا قد دخل المعترك السياسي الحزبي مبكرا منذ أن كان فتى وناضل ضد الاحتلال الفرنسي، وكان يشارك في الحركة الفكاهية ضد الفرنسيين ويشترك في المظاهرات. فقبض عليه وحكم عليه بالسجن، وسجن عدة مرات في حياته. وذكر الأديب في روايته “الشراع والعاصفة” عن حياته في السجن “لقد كان السجن المعلم الأول لي،  لقد قرأت فيه كثيرا من الكتب،  وكنت أرتعش أمام كل كلمة جديدة،  وكان سجين مثقف يشرح لي معاني الكلمات الصعبة،  وكنت أبكي من الفرح.”[8] وحينما تكررت المظاهرات ودخوله في السجن خاف الزبائن  وهجروا دكانه للحلاقة فاضطر إلى إغلاقه.

إنه بدأ بالكتابة منذ تلك السنوات حين كان يعمل في مهنة الحلاقة. ثم بدأ يرسل بعض القصص إلى الصحف الدمشقية.  نشرت له مجلة “الطريق” اللبنانية أول قصة قصيرة بعنوان “طفلة للبيع” في عدد كانون الأول لعام 1945م.  فصار اسمه معروفا محبوبا لدى القراء الذين افتتنوا بهذا النفس الجديد الحنون.

كان حنا يبيع علنا في الشوارع جريدة “صوت الشعب”. [9] ويروي حنا أنه كانت هناك صعوبة في توزيع الجريدة بسبب مقاومة الإقطاعيين الذين حاولوا اغتياله وضربوه بالخنجر ليلا في أحد الشوارع؛ وظنوا أنه قد مات.  وعلى الرغم من ذلك لم يذهب إلى المستشفى خوفا من معاودة الاغتيال. وفي سنة 1948م غادر الأديب حنا مينه اللاذقية متوجها إلى بيروت حيث مضى بها بضعة أشهر متسكعا في شوارعها للبحث عن عمل. وظل متصلا بالحياة الثقافية الأدبية في وطنه عن طريق المراسلة. ويقضي الوقت بالكتابة متأثرا “بغوركي”[10] ويترجم له قصة “فرنكا أو ليسوفا” ويراسلها إلى جريدة “الإنشاء” في دمشق.  ولذلك أصبح حالما وعاد إلى دمشق.

ثم بدأ عمله الأدبي هناك في جريدة الإنشاء الدمشقية محررا متمرنا ويستقر فيها سنة 1948م. [11] فيتدرج بسرعة فيها حتى يصبح رئيس تحرير جريدة “الإنشاء” الدمشقية وفي نفس الوقت محرر الصفحة الأدبية وصفحة السياسة الخارجية في عدة جرائد.  وتعتبر هذه المرحلة من حياته مرحلة النجاح في الحياة إذ تغير وضعه الاقتصادي. قد بين الأديب حنا عن هذه المرحلة في كتابه ” الأبنوسة البيضاء”: ” له مكتب وكرسي مثل الخواجات،  ينادونه يا أستاذ، ويتكلم بالتلفون مثل الأفندية، ويكتب على أوراق نقلا عن الراديو،  والناس يدخلون عليه ويخرجون”.[12] ومنذ بداياته ارتبط الأديب بالحركة الشعبية النضالية في سبيل التحرر الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.

وفي بدء من العام 1959م اضطرته ظروف سياسية قاهرة إلى الرحيل عن سوريا. ثم بدأت مرحلة التشرد والبطالة والعطالة في حياته. وتتكون هذه المرحلة من فترة ما بين 1959م و1969م. وفي هذه المرحلة يواجه الهجرة ومغادرة الوطن، لأنه اتهم بأنه شيوعي من قبل النظام الوحدي الجديد بأنه مثقف يساري متطرف. فظل في منفاه الاختياري طوال ثماني سنوات، منتقلا بين بلد وآخر منفردا وأحيانا ترافقه زوجته وأولاده.

فغادر الأديب حنا مينه دمشق متوجها إلى بيروت بسبب اشتغاله بالسياسة والعمل السري. وعاش فترة في لبنان مختفيا من 1959م إلى 1960م.[13] ثم توجه إلى الصين حيث درس فيها الجانب التطبيقي من اللغة العربية لطلاب الجامعة أي المحادثة وتركيب الجمل الأدبية وعاش فيها فترة من 1960م إلى 1965م. وكذلك سافر إلى المجر حيث قدم برامج أدبية من الإذاعة العربية وعاش فيها من 1965م إلى 1967م.  إنه زار خلال هذه الفترة بعض الدول الأوروبية.

              وكما قال الأديب عن حياته في تلك المرحلة: “كنت أعاني البطالة،  والغربة والفقر والجوع وأحسد الكلب لأن له مأوى، وقد نمت تحت الجسور،  وطوفت في الشوارع حتى الصباح وعملت أجيرا وافترقت عن زوجتي وأولادي،  وانتظرت رسائل الوطن كالغريق الذي يتمنى نسمة”.[14]

وبعد هزيمة الجيوش العربية في حربها مع العدو الصهيوني عاد الأديب حنا إلى أرض الوطن “اللاذقية” عام 1967م  وبقي  فيها ستة أشهر يبحث عن عمل ولم يحصل عليه فعاش فيها حياة مضطربة. فغادر إلى دمشق حيث عمل.  وحاول فيها أن يعمل حلاقا ولكن بمساعدة صديقه سعيد حورانية[15] حصل على العمل في إذاعة دمشق حيث كان يكتب المسلسلات الإذاعية باللغة الفصحى والعامية. وحول الأديب فيها روايته الثانية ” الشراع والعاصفة” إلى مسلسل إذاعي في ثلاثين حلقة.[16]

وفي نهاية عام 1969م تعاقد الأديب حنا مع وزارة الثـقـافة والإرشاد القومي التي عمل بها خبيرا في مديرية الثقافة والترجمة. وابتداء من ذلك التاريخ تحسنت ظروفه المادية واتسمت حالته بالاستقرار النفسي والاجتماعي. ثم تفرغ للإنتاج الأدبي والإبداعي.

ساهم الأديب حنا مينه بصورة كبيرة في تأسيس “رابطة الكتاب السوريين” في سوريا عام1951م.[17] وهي الرابطة التي أسست للأدب التقدمي الطليعي والواقعي في سوريا. وكان من أعضائها سعيد حورانية، شوقي بغدادي، صلاح دهني، مواهب كيالي، حسيب كيالي وغيرهم. نظمت الرابطة المؤتمر الأول للكتاب العرب عام 1954م بمشاركة عدد من الكتاب الوطنين والديمقـراطيين في سوريا والبلاد العربية. وكان يدعو فيه إلى إيجاد وإنشاء اتحاد عربي للكتاب باسم” اتحاد الكتاب العرب”. وتم تأسيس اتحاد الكتاب العرب عام 1969م. وكان حنا مينه أحد مؤسسيه. وانضم في صفوفها عدد كبير من كبار كتاب مصر وسوريا ولبنان والعراق والأردن.

وفاته:

توفي الكاتب والروائي الشهير حنا مينه في سوريا يوم 21 أغسطس عام 2018م عن عمر يناهز 94عاما، حسبما أفادت وكالة أنباء النظام (سانا). وقد أذيع نبأ وفاته رغم أنه أوصى منذ كان في الخامسة والثمانين من عمره بألا تذيع أية وسيلة إعلامية نبأ موته قائلا إنه شبع من الحياة.[18]

إسهاماته الروائية في الأدب العربي:

إن البداية الأدبية للكاتب الشهير حنا مينه كانت متواضعة جدا حيث تدرج في كتابة الرسائل للجيران، وكتابة العرائض للحكومة، ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان، وبعد ذلك تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة. وبدأ بكتابة القصص القصيرة وكان ينشرها منذ تــلـك السنوات حين كان يعمل حلاقا في مدينة اللاذقية.  وكان قد أرسل قصته الأولى بعنوان “طفلة للبيع” إلى الصحف السورية في دمشق. ثم نشرتها له مجلة “الطريق” اللبنانية في عدد كانون الأول سنه 1945م. [19] وكان نشرها مفاجأة له وجواز مرور إلى عالم الصحافة والنشر. ولكن لم يجمعها في كتاب معين فضاعت خلال تنقله المستمر.

وبدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية،  وللأسف ضاعت من مكتبته فتغيب عن الكتابة للمسرح. وبعد تدرجه في كتابة الرسائل والأخبار والمقالات الصغيرة والمسرح. ثم اتجه نفسه إلى كتابة الروايات والقصص بعد ذلك. واشتهر في كتابة الروايات العربية. وعندما نبحث عن أعماله الروايات العربية، نجد أنه ترك لنا أكثر من أربعين رواية عربية. كتب حنا مينه روايات متعددة في شتى الموضوعات. وأصبح بها عزيز الإنتاج في مجال الأدب العربي. وعلى صعيد آخر فتحت أعماله الروائية آفاقا واسعة للرواية السورية إذ امتدت وانتشرت في أغلب أرجاء الوطن العربي وانتـقلت من بلد إلى آخر محطمة قيود الحدود المصطنعة بين البلدان العربية طارقة قلوب الملايين من القراء الذين تبينوا قيمتها منذ أول قراءة لرواياته العربية.

إنه صور معاناة طبقة كبيرة من المجتمعات العربية. رسم فيها صورة طفولته البائسة ومرارة عيش الناس المعدمين وكيف أن الطبقات الرفيعة المستوى قد توقع ظلما على الطبقات الفقيرة. وصور حياة الفقر بكل ملامحها. فكانت رواياته تضع اليد على موضع الألم. وكتب الكاتب مينه عن نفسه ووالدته وعائلته التي تشردت من لواء إسكندرونة، قبل أن يمخر عباب الرواية مواجها عين العاصفة؛ كما كتب عن العوالم السفلية للمرافئ ومدن الساحل المفتوحة على أهوال البحر.

ومن الواضح أن هذه الروايات تحكي واقعهم وكان كاتبها عايشهم لحظة بلحظة. منها عدة روايات خصصها للبحر الذى عشقه واسترسل في حكاياته. وكانت أولى رواياته الطويلة التي كتبها عام ١٩٥٤م هي “المصابيح الزرق”،  وتـوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك. وجدير بالذكر أن الكثير من رواياته العربية تحولت إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية في سوريا. وفي هذا الصدد أستطيع القول إن روايات حنا مينه هي وليدة عصره وبلاده السورية التي قد خرجت تحت تأثيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية من النواحي العديدة وكذا تعتبر روايات مينه إحدى لبنات البناء الروائي السوري.

وهذه هي دراسة عابرة عن مسار الكاتب الروائي، ولدى حديثنا عن رواياته يتسنى لنا أن نتصدى لتعريف رواياته المهمة بالإيجاز فيما يأتي:

  1. المصابيح الزرق، رواية، 1954م: صدرت هذه الرواية عام 1954م  في دمشق.  وهي رواية تسجيلية استغرق الكاتب مينه في تأليفها ثلاث سنوات كاملة. وهي تصور حياة جماعة من الناس البسطاء في مدينة اللاذقية خلال أيام  الحرب العالمية الثانية، وتصور من ورائها حياة اللاذقية وسوريا أو بكلمة واحدة الجو المحموم الذي كانت تعيشه سوريا أثناء أيام الحرب. وفيها ينتقل الكاتب حنا من تصوير أثر الحرب في الناس إلى تصوير الحياة بكاملها، وكيف لعبت فيها أزمة الحرب دورا كبيرا دفعت فيه الناس للكفاح في سبيل العيش. وقد لاقت الرواية اهتماما كبيرا من التلفزيون السوري؛ فحولت إلى مسلسل تلفزيوني بالاسم نفسها، كما ترجمت إلى اللغتين الروسية والصينية.
  2. الشراع والعاصفة، رواية،  1966م: صدرت هذه الرواية عام 1966م  في دمشق.  وهي رواية تسجيلية أخرى أمضى الكاتب ثماني سنوات بعد رواياته الأولى لإصدار روايته الثانية. وهي قصة مدينة سورية ساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية حيث يصور فيها الكاتب ببراعة مدهشة أثر الحرب وما تركته من عواصف في بلاد يحـتـلها الفرنسيون وأبرز التناقضات التي كانت تفترس مجتمعا غير متجانس. وتعد هذه الرواية من أفضل 105 روايات عربية، وقد ترجمت هذه الرواية إلى اللغة الروسية كما تحولت إلى فيلم بالاسم نفسها.
  3. الثلج يأتي من النافذة، رواية،  1969م: صدرت هذه الرواية عام 1969م في بيروت. كتبها الكاتب حنا في مرحلة صعود البورجوازية الصغيرة وسيطرتها. وتقوم الوظائف السردية فيها على فكرة رئيسية وهي “حياة المناضل السياسي” وكيف يواجه هذا المواطن واقعا اجتماعيا غير عادل. [20] ويصور فيها الكاتب وضع المسيحيين في البيئات الشعبية في لبنان، وصراع اليساريين مع حكوماتهم.
  4. الشمس في يوم غائم، رواية، 1973م: صدرت هذه الرواية بطبعتها الأولى عام 1969م في بيروت. وهذه  الرواية تعد من أولى رواياته المستقاة من الساحل حيث ولد وترعرع. وإنها تناولت أوضاع سوريا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية خلال أيام الانتداب الفرنسي بأسلوب بليغ ومبسط. ويطلع القارئ بها على المشاهد المأساوية من الحياة في ضواحي المدن والأحياء الفقيرة. ونظرا إلى أهميتها التاريخية ترجمتها منظمة اليونيسكو إلى الفرنسية، وكما ترجمت إلى الإنكليزية في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية.
  5. الياطر، رواية، 1975م: صدرت هذه الرواية للمرة الأولى عام 1975م في بيروت. وتعبر هذه الرواية عن الرؤية الماركسية التي تـنـتـصر للبروليتاريا الممثـلة في البحارة. وترجمت إلى الفرنسية والإسبانية والرومانية.
  6. بقايا صور، رواية، 1984م:صدرت في طبعتها الأولى عام 1984م عن دار الآداب بيروت. وهي الجزء الأول من ثلاثية السيرة الذاتية للروائي السوري حنا مينه. يقدم في هذه الرواية بقايا الصور العالقة في قرى اللاذقية مكان ولادته، ومتنقلا مع عائلته بينها بحثا عن مأوى ومصدر رزق، وما شهدته عيناه الفضوليتـان من ملامح سجلها بعد عقود بلسان الروائي وإحساسه.
  7. الرجل الذي يكره نفسه، رواية، 1998م: هي رواية فلسفية صدرت بطبعتها الأولى عام 1998م عن دار الآداب بيروت. يفلسف الكاتب نفسه رمزيا مع البومة والوطواط والعنقاء والعثة والحية. ويحاكم نفسه بنفسه ويمتحن وجوده.[21]

الخاتمة:

عرفنا مما ذكرناه بأن شخصية حنا مينه شخصية عظيمة، وله دور بارز ومكانة مرموقة في الرواية والصحافة العربية في سوريا خلال القرن العشرين. وإن “حنا مينه” يعتبر من أحد أعمدة الرواية العربية في إثرائه للأدب وشموله لأنواع البيان وتناوله لأحداث الحياة والمجتمع وتصويره الرائع للعواطف والأخيلة حتى اشتهر بـ”شيخ الرواية السورية” و”نجيب محفوظ سوريا” و”أبي القصة السورية الحديثة”.

وكما اتضح لنا أن رواياته كانت تتميز بتنوعها الشديد واتساع آفاقها،  وموضوعاتها ورحابة دلالاتها، وأنها روايات البطولة والصراع والنضال ضد الاستعمار والبورجوازية والظلم بأشكاله كافة. ومعظم رواياته في الحقيقة كانت للدفاع عن الفقراء والمسحوقين ومهضومي الحقوق. وقصارى القول إن الكاتب حنا مينه كتب رواياته الشهيرة باللغة العربية الفصحى التي تدل دلالة واضحة على رسوخ قدمه في تاريخ الرواية العربية ونضج خبرته في فن الرواية العربية.

الهوامش:

. [1]مينه، حنا: الرواية والروائي، (دمشق، دار البعث،  وزارة الثقافة،  ط1،  2004م) ص:8.

[2]. جمانة محمد نايف الدليمي: تطور أدب الرواية في سوريا حنا مينه أنموذجا،  مجلة كفربو الثقافية،  ع29 أيار 2014 م.

[3]. مينه، حنا: الشراع والعاصفة، (بيروت، دار الآداب،  الطبعة الرابعة،  1982م) ص:7.

[4].  المصدر السابق،  ص:366.

[5].  مينه، حنا: حوارات . .  وأحاديث في الحياة والكتابة والروائية، (بيروت، دار الفكر الجديد،  الطبعة الأولى 1992م) ص: 350.

[6].  المصدر السابق،  ص: 407.

[7]. الخوري،  نزيه: وقائع الندوة النقدية التكريمية للمبدع حنا مينه، (دمشق، منثورات الهيئة العامة السورية للكتابة، وزارةالثقافة،  2010م) ص: 209.

[8].  مينه، حنا: الشراع والعاصفة، (بيروت، دار الآداب،  الطبعة الرابعة 1982م) ص: 7.

[9].  مينه، حنا: أشياء من ذكريات طفولتي، (بيروت، دار الآداب،  الطبعة الأولى2010م) ص: 119.

[10].  مكسيم غوركي أحد أشهر الكتاب الروس.  كان أديبا وناشطا سياسيا وماركسيا روسيا ومؤسس الطريقة الأدبية الواقعية الاشتراكية التي تجسد النظرة الماركسية للأدب،  وكما تم ترشيحه للحصول على جائزة نوبل للأدب لمدة خمس مرات.

[11]. مينه،  حنا: الشراع والعاصفة، (بيروت، دار الآداب،  الطبعة الرابعة 1982م) ص: 8.

[12].  مينه، حنا: الأبنوسة البيضاء، (دمشق، اتحاد الكتاب العرب،  1976م) ص: 123.

[13]. مينه،  حنا: حوارات . .  وأحاديث في الحياة والكتابة والروائية، (بيروت، دار الفكر الجديد،  الطبعة الأولى 1992م) ص:351.

[14].  الخوري، نزيه: وقائع الندوة النقدية التكريمية للمبدع حنا مينه، (دمشق، منثورات الهيئةالعامةالسوريةللكتابة، وزارةالثقافة،  2010م) ص: 209.

[15].  سعيد حوارنية(1929-1994م) كان أديبا وقاصا سوريا.  وكان عضوا مؤسسا في رابطة الكتاب السوريين.  وكان من رواد القصة القصيرة في سوريا.  وقد اشتهر بأسلوبه الواقعي.  له عدد من المؤلفات الإبداعية في القصة القصيرة،  من أهمها: سنتان وتحترق الغابة، 1964م.

[16].  البا ردي، محمد: حنا مينه: روائي الكفاح  الفرح، (بيروت، دار الآداب،  الطبعة الأولى 1993م) ص: 24.

[17]. مينه، حنا: حوارات . .  وأحاديث في الحياة والكتابة والروائية، (بيروت،  دار الفكر الجديد،  الطبعة الأولى 1992م) ص: 350.

[18]. ناصر كامل: حنا مينه. . الوصية والدائرة المغلقة على “المستنقع”،  مجلة القافلة،  سبتمبر-أكتوبر 2018م،  ع 5، ص:59.

[19]. مينه، حنا: حوارات . .  وأحاديث في الحياة والكتابة والروائية، (بيروت، دار الفكر الجديد،  الطبعة الأولى 1992م) ص: 350.

[20].  محمد كامل خطيب،  عبد الرزاق عيد: عالم حنا مينه الروائي(بيروت، دار الآداب،  الطبعة الأولى1979م)  ص: 42.

[21].   د.  خليل محمد خليل: موسوعة أعلام العرب المبدعين في القرن العشرين(2) (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،  الطبعة الأولى 2001م) ،  ص: 1123.

المصادر والمراجع:

  1. مينه، حنا: الرواية والروائي، دار البعث، دمشق، الطبعة الأولى، ٢٠٠٤م.
  2. مينه، حنا: الشراع والعاصفة، دار الآداب، بيروت، الطبعة السابعة، 1994م.
  3. مينه، حنا: حوارات . . وأحاديث في الحياة والكتابة والروائية، دارالفكر الجديد، بيروت، الطبعة الأولى، 1992م.
  4. مينه، حنا: أشياء من ذكريات طفولتي، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى، 2010م.
  5. مينه، حنا: الأبنوسة البيضاء، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1976م.
  6. مينه، حنا: المصابيح الزرق، دار الآداب، بيروت، الطبعة السابعة، 1995م.
  7. مينه، حنا: بقايا صور، دار الآداب، بيروت، الطبعة الخامسة، 1990م.
  8. الباردي، محمد: حنا مينه روائي الكفاح والفرح، دار الآداب، بيروت، 1993م.
  9. الخطيب، محمد كامل (وعبد الرزاق عبد): عالم حنا مينه الروائي، دار الآداب، بيروت، 1976م.
  10. الخوري نزيه: وقائع الندوة النقدية التكريمية للمبدع حنا مينه، منثورات الهيئة العامة السورية للكتابة، وزارة الثقافة، دمشق، 2010م.
  11. حمارنة، سمر: هكذا قرأت حنا مينه، مطبعة دمشق،  دمشق،  2001م.
  12. جمانة محمد نايف الدليمي: تطور أدب الرواية في سوريا حنا مينه أنموذجا، مجلة كفربو الثقافية،  ع29 أيار 2014 م.
  13. ناصر كامل: حنا مينه. . الوصية والدائرة المغلقة على “المستنقع”، مجلة القافلة، سبتمبر- أكتوبر 2018م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .  *****. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here