جماليات المسرح في الجامعة، مسرحية “دعوة على شرف اللون الأحمر” لسناء شعلان نموذجا
بقلم
أ. صبرينة جعفر
جامعة محمد بوضياف المسيلة /الجزائر
————————————
الملخص:
يعتبر المسرح الجامعي ركيزة هامة من ركائز الأنشطة التربوية التي تسهم في نمو شخصية المتعلم فكريا وبدنيا وروحيا وتؤدي إلى خلق الشخصية الواعية المتكاملة القادرة على ربط النظري بالواقع العملي الملموس ومواجهة المواقف الحياتية بشجاعة وثبات، لقد أثبتت الدراسات والأبحاث أن التحصيل عن طريق المتعة يكون أكبر بكثير عما يقدم بشكل مباشر، كما أكد خبراء علم النفس وآلية التلقي أن التلقي عن طريق الإثارة والمتعة والتشويق يجعل الطالب أكثر تحصيلا وأوسع خيالا وأشد انتباها.
مسرحيّة “دعوة على شرف اللون الأحمر” للأديبة سناء شعلان- مثلت في العام 2010، من فرقة مختبر المسرح الجامعيّ في الجامعة الهاشميّة، الأردن من إخراج عبد الصمد البصول وعُرضت في مهرجان فيلادلفيا التّاسع للمسرح العربيّ، وفازت بجائزة أحسن نصّ مسرحيّ- لها من الجماليات ما يميزها عن باقي المسرحيات.
الكلمات المفتاحية: المسرح، الجامعة، الطالب، جماليات، تلقي، سناء شعلان، نص مسرحي، مسرحية “دعوة على شرف اللون الأحمر”.
نص المقال:
شمس الأدب العربي ولؤلؤته، وأيقونته الأدبية المتألقة “سناء الشعلان” ذات الأصول الفلسطينية، فهي ابنة بيئتها، ابنة الخليل، جاءت كتاباتها كمرآة عاكسة لواقعها المعيش، فهي لا تنطلق من العدم بل نتاجها الأدبي الزاخر المتنوع في شتى الميادين ينبض بصدق ما كتبت وعاشت ليس هي لوحدها بل لأبناء شعبها ووطنها وأمتها الجريحة، فحسّها الإنسانيّ النبيل حلق بها إلى الأعلى إذ كان لها جواز سفر إلى العالمية فهي تعبر عن هموم المجتمع والعربي بطبيعة الحال بوجه خاص فهي تقول: “قام العربي المهجر والمغترب وأنا شريكة العربي الأسير أو المعاصر أو السجين أو البطل الثائر وأنا فرد في كل حرب أو نزوح أو لجوء”[1].
فهي امرأة على حسب قولها: “مخلوقة من مادة الحياة والسعادة والرغبة والجمال وقد وجدت الجمال في العلم والأدب والكتابة ولذلك اخترت هذا الثالوث الجميل فهو تميمتي المقدمة في الحياة”[2].
الأديبة تحلق بنا في عملها هذا الموسوم بـ”دعوة على شرف اللون الأحمر” إلى عالم وفن المسرح حيث مثلت عام 2010 من طرف فرقة مختبر المسرح الجامعي في الجامعة الهاشمية، الأردن إخراج عبد الصمد البصول وعرضتها في مهرجان فيلادلفيا التاسع للمسرح العربي وفازت بأحسن نص مسرحي”[3].
إذا هذه المسرحية تندرج تحت باب المسرح في الجامعة وافتكت الجائزة بتصدرها أحسن نص مسرحي، وهذا الشيء الذي يجعلني أبحث فيها كاشفة عن مواطن الجمال فيها والشعرية التي احتوتها، حيث جاء عنوان بحثي “جماليات المسرح في الجامعة، مسرحية” “دعوة على أشرف الأحمر” سناء الشعلان أنموذجا.
فالأديبة “سناء الشعلان” صورة ناطقة لقلم المرأة الكاتبة المبدعة. المرأة عندما تبدع ستبدع حتما وتتميز وتنفرد بعالمها الأدبي الذي نسجته بقلمها السيّال، يقول “ماري كاردينال”: “على النساء فتح الكلمات التي لها قوة القانون من أجل اكتشاف معنى وجودهن”[4]. ويقول: “هيلين سيكسو”: “والآن أنا المرأة، سأفجر القانون… وسأفعل ذلك الآن من خلال اللغة”[5]. ويضيف مونيك وتغ: “قائلا: “إن الكلمات هي التي تعطي للواقع شكله”[6].
والمرأة المبدعة لا تعيش بمعزل عن غيرها، بل تستلهم مادتها من محيطها “إذ أن صوت المرأة الإبداعي لا يهمل القضايا الكبرى التي ترزح تحت وطأتها الأمة العربية اليوم سواء أكانت قضايا اجتماعية….أو قضايا سياسية حقوقية تطرح فيها المرأة قضيتها التي ما تزال تعرف في جوانب منها بعض التقصير”[7].
“هناك من ينظر إلى المرأة المبدعة بعين استصغار ولا يعطي أهمية لما تكتب وتبدع، وأنا أخالفهم الرأي، فهي كائن نابض بالحياة، تسعى بكتاباتها إلى مستقبل أفضل مشرق في جميع النواحي وأديبتنا “سناء شعلان” أفضل نموذج وصورة صادقة لهذا فتتميز بما تكتب أي إبداعيا بحيث “تأخذ الخصوصية ضمن المجال التجريبي الإبداعي بعدين أساسيين بعد مرتبط بمضمون الإنتاج وآخر باللغة والأسلوب”[8].
“فعلاقة المرأة باللغة باعتبارها مستوى تعبيري (نمطا من الوعي) قادرة على أن تضيف إلى اللغة تصورات جديدة والمرأة في هذا المستوى، لا تعمل على تحرير نفسها فقط بل إنها تعمل على تحرير اللغة والكتابة من استهامات الرجل حول المرأة وحول العالم في الوقت نفسه”[9].
التحليل:
عند قولنا المسرح فهو مكان الحركة والمشاهدة والمتعة والتشويق، الفرجة، الجمهور والديكور، عناصر تشابك فيما بينها لتوليد الشعور بالمتعة والتسلية ودرجة من النضج والوعي لدى المتلقي حيث “إن النقد والمسرح والصحافة أشكال تعبيرية إخبارية تعتمد على المعاينة والملاحظة والشرح والتفسير والتحليل لتولد إحساسا بالجمال عند المتلقي، إنها قراءة واعية للواقع بأنماط تعبيرية متخصصة تولد لدى المتلقي معرفة بالعمل موضوع الحديث وإحساسا بالمتعة والجمال واللذة الفنية”[10].
تعددت تعريفات المسرح وتشعبت إلا أنها اتفقت، وهنا سأقدم تعريفا قد راق لي “للمسرحي المغربي عبد الكريم برشيد وهو من أوائل المسرحين الذين وظفوا مفهوم الاحتفالية في أبحاثهم عندما قال: “….عندما نختلف فإننا نخرج عن العادي المبتذل فنتجاوز الذات وكل قوانين الطبيعة ومن هنا كان الاحتفال مرادفا للتحرر من المكان إنه تحد للواقع ومحاولة تجاوزه عن طريق خلق واقع فني لتتواصل الذات المختلفة ويموت فيه الواقع الجامد، إن الإنسان في أصله مجموعة من الاحتفالات المتصلة بعضها ببعض، احتفال في الموت، احتفال في الميلاد، احتفال في الختان والعرس وحينما تغيب المناسبة فالإنسان يخلقها، ومن هنا تكون الحياة احتفالا كبيرا ويكون المسرح وهو صورة مصغرة للحياة احتفالا كذلك….” [11].
وهكذا نجد المسرح يقوم على ثنائية (النص/العرض) حيث “أن الطرف الأول في الثنائية يجعله قريبا من الأجناس الأدبية، في حين يجعله الطرف الثاني جزءا مما يسمى بفنون الفرجة”[12].
هذه الثنائية صعبة التحقيق إذا لم تجد من يوفق بينهما، أي براعية الطرفين، كاتب المسرحية (النص)، ومن يعرض ويجسد هذا النص (الممثلين)، لأن “البحث عن الفرجة من خلال الفنون التقليدية التي مازلنا نباشرها حتى الساعة يجعلنا نطرح التساؤل المشروع عن كيفية كينونة المكان- الفضاء- المسرحي التقليدي في هذه الفنون، ترى هل البناء الفخم الذي نجده في قلب المدن العصرية؟ أو هو مجرد رجل فنان قادر بوسائل الإيهام على تقمص الشخصية والظهور كشخصية غائية؟ وهل النص هو فقط تلك الكتابة التي تعتمد الأنا والأنت نحو محاورة؟ أو هو الجمهور الذي يلقى به في قاعة وهو ملزم بالتسمر على كرسيه والإنصات وعدم المقاطعة والحال أنه في حياته العامة يناص حياة المسجد والبيت والعرس داخل أشكال هندسية يرتاح لها وفيها يمارس فرجته”[13].
إذا فالأمر معقد وليس بالهيّن.
مسرحية “دعوة على شرف اللون الأحمر” الأديبة: “سناء الشعلان” لها من الجماليات ما جعلها تفتك جائزة أحسن نص مسرحي وسأتطرق إليها من خلال: جمالية العنوان، جمالية العرض المسرحي، جمالية النص المسرحي.
I-جمالية العنوان:
أول شيء يشد انتباه القارئ (المتلقي) العنوان:
بحيث “يعتبر العنوان في نظريات النص الحديثة عتبة قرائية، وعنصرا من العناصر الموازية التي تسهم في تلقي النصوص وفهمها وتأويلها داخل فعل قرائي شمولي، يفعّل العلاقات الكائنة والممكنة بينهما”[14].
“فالعنوان حامل معنى وحمّال وجوه مواز دلالي للنص، وعتبة قرائية مقابلة له توجه المتلقي نحو فحوى الرسالة ومضمونها وهو حامل معنى من حيث كونه يوجه إلى مقصد بذاته أو يلمح للمحتوى…….وهو حمّال وجوه لأن القراءة استكشاف تأويلي، تشفير لبنية معجمية ودلالية تبحث في منطقة الدال عن الإمكانات المختلفة للتدليل”[15].
النص المسرحي كغيره من النصوص الأدبية له ما يميزه انطلاقا من عنوانه، إذ تكمن “أهمية العنوان في الخطاب الدرامي، من حيث أنه (علامة) للتواصل في ظل انهيار الاتصال الشفاهي، ونهوض الاتصال الكتابي، ليكون بمنزلة دليل استعلامات، يقود المتلقي إلى تضاريس النص، لذلك كان عنوان المسرحية هو المعلومة الأولى التي يتوجه فيه الكاتب للمتلقي مباشرة.
إذ يصطاد العنوان الفريسة، المتلقي فإنه يكون قد أنجز وظيفته الإغوائية لينتقل من ثم إلى وظيفته الإحالية (المرجعية) عبر التلميح إلى ثيمات النص ودلالاته إذ يعتبر العنوان جزءا من الإرشادات المسرحية له علاقة بمعنى المسرحية”[16].
العنوان مكون من 3 مقاطع، (دعوة، شرف، اللون الأحمر).
“دعوة: معناها العام الحلف، فهي لسان العرب “الدعوة، والمدعاة: ما دعوت إليه من طعام وشراب”[17].
“شرف: “الحسب بالآباء، شرف يشرف شرفا… فهو شريف، والجمع أشراف….والشرف: مصدر الشريف من الناس”[18].
“اللون الأحمر” لون أساسي، يدل على القسوة والثورة والغضب والإثم والخطر”[19].
وقراءتي للعنوان تجسدت كالتالي:
هناك دعوة يجتمع فيها أطراف معينة ومختلفة، ومبدأ هذه الدعوة وهدفها شريف وسامي أي القضية المتناولة والمتحاور عنها في هذه الجلسة والدعوة، شريفة ونبيلة ولكن السبيل لتحقيق هذا المطلب يكون بالتضحية والفداء والجهاد وهنا يعكسه اللون الأحمر.
وهذا العنوان المرمز يخفي دلالاته بعلامات إشارية تلميحية لا تصريحية وبهذا تتحقق الشعرية في أولى العتبات النصية وهو العنوان، فالعنوان له تأثير السحر على القارئ، “إذ من الممكن جدا أن يؤسس العنوان لشعرية من نوع ما حيث يشير مخيلة القارئ، ويلقي به في مذاهب أو مراتب شتى التأويل بل يدخله في دوامة التأويل، ويستفز كفاءته القرائية من خلال كفاءة العنوان الشعرية والعنوان بما هو لحظة تأسيس إما أن يؤسس لنصية شعرية أو ألا يفعل ذلك أبدا”[20].
وعند قراءتي لنص المسرحية فكت شفرة العنوان.
فاتضح لي أن المدعوين عناصر تمثل شرائح من المجتمع العربي “الروائية، الضابط، الطبيب، المجنون، السياسة، الغجرية العسكريان، المشاهدة والمشاهد، المخرج وموضوع الاجتماع واللقاء هو القضية الفلسطينية، وعكس ما تعانيه من ويلات الظلم والاضطهاد من خلال هذه الشخصيات وصراعها الحاد كان الهدف هو تحقيق الحرية وتحرر فلسطين من قبضة الكيان الصهيوني، وهذا لا يتأتى إلا بالاستشهاد، والتضحية أي وضع اليد باليد، والتكافل من أجل وطننا الجريحة فلسطين، وهذا عكسه اللون الأحمر في العنوان.
الأديبة “سناء الشعلان” عمدت على نقل تفاصيل الحياة اليومية من خلال شخصيات المسرحية وموضوعها العام وهذا النوع من التجريب يقوم بتقديم خبرات الحياة الشخصية “وهذا اتجاه يهتم بتفاصيل الحياة اليومية الدقيقة، ويحولها إلى موضوعة شعريّة تجسد مواقف الحياة أو مشاهدها التي يمارسها البشر كافة، مما يسمح بتعدد الرؤى التي ترصد لهذه المواقف التي كثيرا ما يستوي لديها رصد القبيح والاقتراب به إلى منطقة الجمالي”[21].
واللون الأحمر يوظف في أجزاء عديدة من المسرحية.
انطلاقا من وجوده في العنوان، وفي النص المسرحي والعرض أيضا”.
الطبيب رجل هو الآخر في منتصف الأربعينيات يلبس لباس طبيب…..وعلى معطفه الطبي الأبيض الكثير من بقع الدم، هيئته تشبه هيئة الجزار….المجنون يلبس ملابس ألوانها بين الحمراء وصفراء…..خلفها لافتة معلقة على حاملة خشبية كتب عليها بلون أحمر واضح بناء على رغبة المخرج الأحلام مسموح بها)…..إلى جانبها قارورة بها شراب أحمر وكأس به القليل من ذلك الشراب….
تفتح الستارة على نفس المكان……لافتة مكتوب عليها بخط كبير وأحمر (بناء على رغبة الجمهور الأحلام مسموح بها)….. وتخبوا الإضاءة تماما ويكشف عن شاشة كبيرة تعرض صورا من التعذيب والمعتقلات والقتلى وضحايا الحروب وتتلطخ الشاشة بالأحمر……ثم تطغى على الخشبة المسرح إضاءة حمراء….” [22].
2 – جمالية النص المسرحي:
“يمكن القول إن الكتابة الدرامية محكومة بحياتين… فالكتابة المسرحية هي الوجود الأول والعرض المسرحي هو الوجود الثاني: والعرض المسرحي يمضي ويتلاشى خارج رحم الزمن، ولو حاولنا أن نحتفظ به شريطا مسجلا لكنه رغم ذلك يتبخر محتفظا بالظل لأنه يفقد أنفاسه الحارة وحضوره الطازج أما الكلمات المسرحية هي التي تبقى والصورة التي ترسمها أطول عمرا”[23].
إنّ جمالية النص المسرحي (دعوة على شرف اللون الأحمر) تجسدت في الموضوع المتناول الذي حاكت فيه الأديبة الوضع العربي المعاش بشكل عام والواقع الفلسطيني على وجه الخصوص.
“فكانت الأديبة “سناء الشعلان” لسان العربي الأسير والمظلوم وصورته في كل حالاته وحملت قضاياه على عاتقها”[24].
فهي تعادي وترفض كل أشكال الاستبداد والظلم.
تصف الأديبة نص مسرحيتها قائلة: “إنه يجنح إلى التجريب المفتوح على التأويلات المتعددة والمتعالقة مع الكثير من الرؤى الوجودية الكبرى في الحياة الإنسانيّة وصولا إلى الانخراط في المبتغى الإنساني الكبير المتمثل في جملة أحلامه ووقائعه ومحرماته وتابواته وانكساراته وأحلامه وحقائقه[25].
فالمسرحية طرقت عدة قضايا، نجدها مقسمة إلى ثلاثة فصول تتلاحم لتكون المعنى العام للمسرحية، ابتدأت بعرض الشخصيات ومواصفاتها وتلتها بالتوصيف المكاني والضوئي لخشبة المسرح.
3– جمالية العرض المسرحي:
1-الممثل:
عند حديثنا عن العرض بالضرورة يتأتى لنا الممثل المسرحي في حركاته ولغته حيث نجد “الأيقونة الأساسية في المسرح جسد الممثل وصوته، فالممثل في الركح المسرحي ينتج دلالات جسدية مكملة للغة المنطوقة، وتصبح تلك الدلالات لصيقة بالعرض المسرحي ترمز إليه أكثر من اللغة البشرية التي تشترك مع فنون أخرى ولا تكاد تنفصل عنها”[26].
والشيء الجميل في مسرحية “دعوة على شرف اللون الأحمر” الأديبة “سناء الشعلان” اعتمدت فيها أسلوب التشخيص، فقدمت شخصيات مسرحيتها بفعل التشخيص على مستويات عدة منها التشخيص بالفعل، والمظهر، والفكر، والرأي والكلام والنوع الذي عكس جمالية أكثر حسب رأيي هو التشخيص بالمظهر حيث يعكس لنا الجانب الآخر للشخصية في طابع هزلي مما يعطي لها طابع السخرية والتهكم في مستوى جمالي راق، وهذه بعض الأمثلة.
التشخيص بالمظهر:
1-شخصية الضابط:
“رجل في منتصف الأربعينيات يلبس لباسا عسكريا هو مزيج من اللباس العسكري الرهين ولباس مهرج، وعلى عينيه مكياج صارخ ولامع يوحي بأنه مهرج أكثر من عسكري ويمسك سوطا يضرب الأرض به من آن إلى آخر”[27].
2-شخصية الطبيب:
“رجل هو الآخر في منتصف الأربعينيات، يلبس لباس طبيب ونظارات طبية على الرغم من أنه أعمى، كل حركاته تدل على أنه أعمى وعلى أنه لا يرى أبدا ولكنه يطالع مصدر الصوت فحسب وعلى معطفه الطبي الأبيض الكثير من بقع الدم هيئته تشبه هيئة الجزار أكثر مما تشبه هيئة الطبيب”[28].
3-شخصية المجنون:
“شاب في منتصف الثلاثينات، يلبس ملابس ممزقة ألوانها بين حمراء وصفراء، شعره أشعث وعلى رأسه قبعة أعياد ميلاد (طرطور) ويضع صفارة في فمه، يصفر بها من وقت إلى آخر”[29].
4-شخصية السياسيّة:
“تلبس بذلة سفاري زيتية اللون، شعرها مبعثر والكثير من الكدمات على وجهها وتعرج في مشيتها”[30].
5-العسكريان:
“….يلبس كل منهما بذلة عسكرية أنيقة شعرهما مصفف، ولكنهما يلبسان على رأسيهما قبعتا أعياد الميلاد (طرطور).
إن التشخيص بالمظهر أعطى بعدا شعريا جماليا للنص والعرض المسرحيين، مما أكسب الطابع الهزلي بفعل السخرية المجسدة في تشخيص الشخصيات وهذا الجانب الهزلي أنشأ لنا خطابات غير صريحة باستراتيجية تلميحية ذات طابع سيميائي.
إن التشخيص بالمظهر يعكس لنا عدم الاتزان والتوازن بين الشخصيات ووظائفها فجلها تعكس لنا تناقضات داخلية وخارجية تعيشها الشخصية وتتعايش معها.
2-الديكور:
الديكور جانب مهم في العرض المسرحي يسهم بدرجة كبيرة في تكوين خطاب العرض المسرحي وإيصاله للمتلقي بلغة تختلف عن اللغة المكتوبة والمنطوقة، حيث نجد “النص الدرامي يغادر كيانه عندما يرتقي خشبة المسرح، فلا يعدو أن يكون كيانا أدبيا متخيلا لخطاب العرض المسرحي وتلك هي ميزة الكتابة المسرحية وتشبه الباحثة (آن أو برسفيلد) النص الدرامي (النص المتقرب) أي الطافح بالفجوات القصدية والمتروك أمر ملئها للمتلقي، والمخرج المسرحي بوصفه مؤلفا ثانيا للنص”[31].
“يعتبر الديكور أكبر مؤثر في المتفرج لأنه مواجه له طيلة زمن العرض، بل يعتبر من أكثر عناصر العرض الجمالية أهمية وإثارة من حيث ملاءمته الفعالة للفضاء المسرحي ويتجاوز تصميمه على خشبة المسرح حدود الزخرفة الداخلية للمكان إلى عملية كشف دقيقة عن أجواء الحكاية ومجرياتها وشخوصها ويساهم بقسط وافر في التمثيل إذ باستطاعته أن يحدد مكان الممثلين في الوسط الملائم ليؤكد وجودهم فيه”[32].
تمكنت الأديبة سناء الشعلان وببراعة تقديم توصيف مكاني وضوئي وصوتي لخشبة المسرح في نص مسرحيتها، مما ساهم في بناء معنى المسرحية وتقريبه أكثر للمتلقي واختلف التوصيف في الفصول الثلاثة للنص المسرحي.
وهنا سأتحدث عن الإضاءة المسرحية فهي “لا تقل أهمية أو جمالية عن الديكور فالإضاءة وألوانها المتعددة الفنية تدفعنا إلى متابعة أداء الممثلين بمتعة وكل هذا يشكل حالة سينوغرافية جميلة على الخشبة، فالعين هي المعنية بالضوء لكن تأثيره يطال العقل والقلب أيضا، ومن البديهي أن الرؤية الواضحة تساعد على التلقي وبالتالي على التواصل مع ما يعرض على خشبة المسرح”[33].
الإضاءة في مسرحية “دعوة على شرف اللون الأحمر” جسدت بطريقة جمالية عاكسة لنا الممثلين والمكان والحدث المعاش والحالة النفسية الناتجة من سيرورة الأحداث وتأزمها.
“المسرح معتم إلا من بقعتين ضوئيتين مسلطتين على مكانين في خشبة المسرح، البقعة الأولى مسلطة على يسار المسرح حيث تجلس امرأة (غجرية)….البقعة الثانية مسلطة على طاولة خشبية…. تفتح الستارة على نفس المكان…. تتسع بقعة الإضاءة وتقوى حتى تظهر كل ما في المكان وصوت موسيقى هادئة يشمل المكان…..المسرح معتم تماما إلا من بقعة ضوء قوية مسلطة عليهم ومن ثم تسلط على كل ممثل سيتحرك بعد ذلك وإلى يسار المسرح لافتة كبيرة مسلط الضوء عليها بلون أحمر وبخط كبير “بناء على رغبة جهة سرية جدا منعت الأحلام إلى الأبد….”وموسيقى قلقة تعم المكان”[34].
فالإضاءة وظفت ببراعة وأدت إلى اكتشاف معنى العرض المسرحي بالتركيز على المهم فيه وتحديد درجة الحدة والهدوء في سير الأحداث وشدة التأزم من خلال تعتيم الإضاءة أو إنارتها أي تواتر درجاتها حتى استخدام الألوان فيها له من المعنى الكثير ما عكس اللحظة التي تتعقد فيها الأحداث لتبيين المسموح والممنوع على الممثلين، فسياسة التخويف والردع لهم تمت أيضا بالإضافة وخاصة باللون الأحمر.
“البقعتان الضوئيتان تتسعان وتكبران حتى تشملان الخشبة كلها…. ويعلو صوت موسيقى شديدة يعلوها قرع شديد يتناسب مع وقع كلام الشخصيات”[35].
3- الصراع:
“الصراع روح المسرحية وهو الذي يولد الحركة وينمي الأحداث ويمنحها التوتر والدلالة والتمايز عن الأحداث العادية ويضفي على الشخصيات وجودا مسرحيا متميزا وهو مصدر الجاذبية والتشويق وإثارة اهتمام المشاهدين”[36].
المسرحية قامت على الصراع الحاد بين الممثلين في شقيه الخارجي وبين الشخصية الواحدة في شقه الداخلي، حيث كانت حدة الصراع تعكس لنا حدة وتأزم الأوضاع المعاشة سواء على مستوى الفرد أو الأمة.
الصراع كان مرآة التناقض واللامعقول وعدم التوازن والإختلال النفسي والخلل التركيبي والقهر والمعاناة والاضطهاد والاستبداد والطغيان ولا مساواة، الخير والشر، الحق والباطل وكل ما ينتج عن الظلم والاستعمار. وهذا مقطع لصراع بين الروائية والغجرية.
“الروائية تضرب الأرض بالشوكة والسكين اللتين تأكل بهما: كاذبة بل هي ليلة تتكرر دائما…. تتكرر كثيرا….بالتحديد تتكرر في كل ليلة.
الروائية (بانفعال): بل الأحلام ممنوعة في كل ليلة.
الغجرية (بإصرار): بل مسموح بها الليلة فقط، لأن ضيوفك هذه الليلة مميزون.
الروائية (بتعال): هم ضيوفي كل ليلة.
الغجرية (بضحكة هستيرية): ولذلك باتوا مميزين وحميمين.
الغجرية: ولكنك قلتي أنت إنهم ضيوف كل ليلة!
الروائية: أنا لم أقل ذلك، بل أنت من تتوهمين ذلك”[37].
وهذا مقطع آخر:
“الغجرية: تخاطب الجمهور وهي تشير إلى لافتة معلقة فوقها
أنظروا أنا لا أكذب………مكتوب “بناء على رغبة المخرج الأحلام مسموح بها ولكنها مكتوبة بالطلاء الأحمر والأحمر غريب البارحة كتبها المخرج باللون الأسود
-(صوت المخرج يقول…..اللعنة دعينا من قضية الألوان وتابعي تمثيل دورك.
-الغجرية (بقلق): ولكنها مكتوبة باللون الأحمر والبارحة كانت مكتوبة باللون الأسود.
يقصفها الضابط قائلا (بلؤم): كل الأحلام مكتوبة باللون الأحمر.
-الغجرية (بهستيرية): أنتم كاذبون.
-السياسية (تضحك ضحكاا هستيريا): كله ممنوع، اللعنة عليهم.
-الطبيب (بجد وحزم): هي مجنونة وهي خطر على أمننا الوطني.
-الروائية (باستغراب): أي أمن؟ أي وطن؟ أتعني وطن ليلتنا؟
-المجنون: المجانين دائما خطر على الأمن، أمن من؟ لا ندري؟”[38].
أضفى توظيف الصراع بعدا جماليا للعرض المسرحي عاكسا تأزم الأوضاع المعيشة في الوطن العربي وفلسطين بوجه خاص.
سعت الأديبة “سناء الشعلان” إلى إنجاح نصها المسرحي ببراعة مذهلة عبر لغتها الخلاقة وحسها الإنساني النبيل.
فجاء العرض لإظهار هذا الجمال المتخفي عبر السطور والكلمات حيث “العرض ما هو إلا شكل جمالي يعبر عن رسالة ومواطن الجمال”[39].
وخلاصة بحثي هذا المصغر، عن أديبتنا (سناء الشعلان) وهي تصور لنا قضية فرد وأمة وشعب، بحس إنسانيّ وروح مشرقة على فجر الحرية الآت في الأفق المنتظر.
لامست بعض العناصر الجمالية في المسرحية بأبعادها المختلفة فكانت:
- جمالية عنوان المسرحية حاملا البعد السميائي.
- جمالية النص المسرحي حاملا البعد الإنساني.
- جمالية العرض المسرحي حاملا البعد الهزلي (السخرية) الخاص بالممثل.
أما عن الصراع والديكور (الإضاءة) فحملا البعد النفسي السيكولوجي للمسرحية.
وهكذا تختلف العناصر الجمالية بكل أبعادها لتحقق شعرية خاصة انفردت بها شمس أدبنا العربي “سناء الشعلان” ليسطع نورها في نفوسنا وليشرق غد أجمل لنحيا حياة أجمل في فضاء أرحب وأوسع يعمه الحب والخير والسلم والأمان.
الهوامش:
[1] مزوز، أسماء: التشخيص في مسرحيات سناء الشعلان، مسرحية دعوة على شرف اللون الأحمر، أنموذجا، رسالة ماستر، إشراف محمد زعيتري، قسم اللغة والأدب العربي، عدد الصفحات 185، جامعة محمد بوضياف المسيلة، الجزائر، ص31.
[2] المرجع نفسه، ص30.
[3] المرجع نفسه، ص30.
[4] أبوريشة، زليخة: أنثى اللغة، أوراق في الخطاب والجنس، دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع، 1000/2009، 1430هـ، ص09.
[5] المرجع نفسه، ص09.
[6] المرجع نفسه، ص09.
[7] معتصم، محمد: المرأة والسرد، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط01، 2004، ص10.
[8] (د.ة) كرام، زهور: السرد النسائي العربي، مقارنة في المفهوم والخطاب، المدارس شركة النشر والتوزيع، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1424، 2004، ص74.
[9] المرجع نفسه، ص85.
[10] تحريشي، محمد: في الرواية والقصة والمسرح، قراءة في المكونات الفنية والجمالية السردية، دار النشر دحلب، بابا حسان الجزائر، 2007، ص163.
[11] المرجع نفسه، ص180.
[12] بختي، صورية: عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي، مسرحية الشهداء يعودون هذا الأسبوع شهادة الماجستير، عبد المالك ضيف، كلية الآداب واللغات، جامعة المسيلة، 2014، 2015، ص07.
[13] تحريشي، محمد: في الرواية والقصة والمسرح، ص182.
[14] بازي، محمد: العنوان في الثقافة العربية، التشكيل ومسالك التأويل، دار الأمان، الرباط، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، الطبعة الأولى، 1433هـ، 2012، ص15.
[15] المرجع السابق، ص19.
[16] حسين، خالد حسين: في نظرية العنوان، مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية دار التكوين، ص420.
[17] مزوز، أسماء: التشخيص في مسرحيات سناء الشعلان، ص72.
[18] المرجع السابق، ص72.
[19] جعفر، صبرينة: جماليات الخطاب في القصة العربية القصيرة، دراسة نماذج مختارة، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة والأدب العربي، جامعة محمد بوضياف المسيلة، مذكرة الماجستير، إشراف، جمال مجناح، 2015/2016، ص121.
[20] قطوس، بسام موسى: سيمياء العنوان، وزارة الثقافة عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2001، ص58.
[21] الضبع، محمود: غواية التجريب، حركة الشعرية العربية في مطلع الألفية الثالثة، دراسات في الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2014-2015، ص257.
[22] الشعلان، سناء: دعوة على شرف اللون الأحمر، ص3-9، ص22.
[23] بختي، صورية: عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي، ص22.
[24] مزوز، أسماء: التشخيص في مسرحيات سناء الشعلان، ص67.
[25] المرجع نفسه، ص67.
[26] بلية، بغداد أحمد: سيميائيات الصورة، مقالات حول علاقة المتلقي بالمسرح والسينما التلفزيوني، منشورات دار الأدب، وهران، 2007، ص59.
[27] الشعلان، سناء: دعوة على شرف اللون الأحمر، ص01.
[28] المرجع نفسه، ص01.
[29] المرجع نفسه، ص01.
[30] المرجع نفسه، ص02.
[31] الأعسم، باسم: جمالية العرض المسرحي، مجلة شرفات، العدد الرابع، أيار – مي 2013، ص119.
[32] بختي، صورية: عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي، ص91.
[33] المرجع نفسه، ص95.
[34] الشعلان، سناء: دعوة على شرف اللون الأحمر، ص3-22-35.
[35] مزوز، أسماء: التشخيص في مسرحيات سناء شعلان، ص23.
[36] الشعلان، سناء: دعوة على شرف اللون الأحمر، ص4.
[37] الشعلان، سناء، المرجع نفسه، ص4.
[38] شعلان، سناء: المرجع نفسه، ص7-8-9.
[39] الأعسم، باسم: جمالية العرض المسرحي، ص120.
المصادر والمراجع:
- أبوريشة، زليخة: أنثى اللغة، أوراق في الخطاب والجنس، دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع، 1000/2009، 1430هـ.
- الأعسم، باسم: جمالية العرض المسرحي، مجلة شرفات، العدد الرابع، أيار – مي 2013.
- بازي، محمد: العنوان في الثقافة العربية، التشكيل ومسالك التأويل، دار الأمان، الرباط، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، الطبعة الأولى، 1433هـ، 2012،
- بختي، صورية: عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي، مسرحية الشهداء يعودون هذا الأسبوع شهادة الماجستير، عبد المالك ضيف، كلية الآداب واللغات، جامعة المسيلة، 2014، 2015
- بلية، بغداد أحمد: سيميائيات الصورة، مقالات حول علاقة المتلقي بالمسرح والسينما التلفزيوني، منشورات دار الأدب، وهران، 2007.
- تحريشي، محمد: في الرواية والقصة والمسرح، قراءة في المكونات الفنية والجمالية السردية، دار النشر دحلب، بابا حسان الجزائر، 2007.
- جعفر، صبرينة: جماليات الخطاب في القصة العربية القصيرة، دراسة نماذج مختارة، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة والأدب العربي، جامعة محمد بوضياف المسيلة، مذكرة الماجستير، إشراف، جمال مجناح، 2015/2016.
- حسين، خالد حسين: في نظرية العنوان، مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية دار التكوين.
- الشعلان، سناء: دعوة على شرف اللون الأحمر
- الضبع، محمود: غواية التجريب، حركة الشعرية العربية في مطلع الألفية الثالثة، دراسات في الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2014-2015.
- قطوس، بسام موسى: سيمياء العنوان، وزارة الثقافة عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2001.
- كرام، زهور: السرد النسائي العربي، مقارنة في المفهوم والخطاب، المدارس شركة النشر والتوزيع، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1424، 2004
- مزوز، أسماء: التشخيص في مسرحيات سناء الشعلان، مسرحية دعوة على شرف اللون الأحمر، أنموذجا، رسالة ماستر، إشراف محمد زعيتري، قسم اللغة والأدب العربي، عدد الصفحات 185، جامعة محمد بوضياف المسيلة، الجزائر.
- معتصم، محمد: المرأة والسرد، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط01، 2004.