ثيمات الهوية في رواية “اسمي سلمى” لــفادية الفقير
محمد شفيق عالم
باحث في الدكتوراه، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.
alamshafiq92@gmail.com
———————–
ملخص البحث:
برزت ثيمة الهوية في الأدب العربي الحديث مع تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية وتدهورها في العالم العربي جراء غرز الاستعمار الغربي أنيابه في الأقطار العربية والإسلامية، ومن أهم ثيمات الهوية؛ النفي والاغتراب، وثنائية الأنا والآخر، ومشكلة الاندماج الثقافي والتهجين الثقافي. عرضت الروائية الأردنية فادية الفقير الهوية باحترافية كبيرة من خلال بطل الرواية “سلمى” التي تشكو من تشتت الهوية بين الفضاءين: الوطن الأصلي بسبب القوانين الصارمة للمجتمع الذكوري في الأردن وفي المجتمع البريطاني الحر أيضا تواجه مشكلة الاندماج الاجتماعي والتكيف الثقافي. يسعى هذا البحث إلى تحليل شخصيات الرواية لتبرز ثيمات الهوية في الرواية.
الكلمات المفتاحية: ثنائية الأنا والآخر، الحنين إلى الوطن، العنصرية، الاغتراب، الاندماج الثقافي، الهوية.
ملخص الرواية:
تحكي الرواية قصة الفتاة البدويّة “سلمى” التي هربت من قريتها “الحمى” في أردن إلى مدينة إكستر البريطانيّة، بسبب علاقة غير شرعية مع شاب من أقربائها اسمه حمدان، الذي أنجبت منه دون زواج طفلة اسمها “ليلى” لكنها لن تراها بعد ولادتها وهي في السجن الذي يهدف لحمايتها من بطش عائلتها التي تحاول قتلها لأجل الشرف. وخلال مكوثها في إكسترا، لا تستطيع سلمى التخلّص من ذكريات الألم والعذاب والقسوة التي لاقتها في مجتمعها الأوّل. وبعد سنوات من التشرد والضياع في المغترب البريطاني تزوجت من رجل بريطاني “جون” وتشكّلت أسرة ثم أنجبت طفلًا وبعد أن أنجبت سلمى طفلا، قررت على الفور العودة إلى قريتها “الحمى” لتبحث عن ابنتها التي لم ترها من قبلُ على الإطلاق، ولدى عودتها تجدها قد قُتلت منذ شهرين على يد عمها إذ رماها في بئر عميق بسبب فعل أمّها الذي أدّى إلى إنجابها بحجة أن البنت صورة الأم. ثم تقتل سلمى على يد أخيها للسبب نفسه. وأما حمدان فهو يدعها ويتبرأ منها بعد أن حملت جنينه في رحِمها واعتبرها عاهرة. وأما المجتمع الأبوي الذكوري فهو أيضًا خلّّى سبيله بدون إدانة كأنه لم يفعل شيئًا ولم يكن مسئولًا عما حدث. وأما في المجتمع الأوروبي فلم تستطع التكيف إلا بشق الأنفس بسبب العنصرية الصارمة والتمايز الطبقي، ومن هنا تكشف الغطاء عن مقولات الغرب في حقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة، والعدالة الاجتماعية. وتقدم الرواية تصويرًا واقعيًا وموقف امرأة تقف في وجه تحدّيات صعبة لا تقهر، وفي نهاية القصة، ماتت على يد شقيقها الذي هو رمز للحياة البدوية الأبوية[1].
تسرد الرواية تراجيديا حزينة، ومأساة فتاة وتدخل في غمار الذات الأنثوية وهمومها وهواجسها. صدرت الرواية أصلا باللغة الإنجليزية، ونقلها إلى العربية الشاعر السوري عابد إسماعيل. تروي الروائية هذه الحكاية بضمير المتكلم وبصيغة الماضي خارجًا عن القص التقليدي، ويتداخل السرد على المستوى الزمكانية الروائية.
ثيمات الهوية في الرواية:
البحث عن هوية الذات: كما سبقت الإشارة إلى أن الرواية “اسمي سلمى” تتناول قضية فتاة عربية تضطر للهروب من مجتمعها العربي الراضخ للعادات والتقاليد المتخلفة والمتناقضة مع الدين والإنسانية إلى مجتمع مدني غربي يحترم فيه الإنسان الآخر ويقدر التعايش بين الشعوب. فالعادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع الأردني لعبت دورا سلبيا في أزمة هوية المرأة العربية وامتهانها التي أجبرت سلمى للهروب من مجتمعها وفقد هويتها والاضطرار للانتقال إلى عالم آخر يدعي بالمساواة بين الرجل والمرأة.
غير أنه تخيّب ظنّها إذ الحال في الواقع كان عكس الحقيقة فكل شخص غربي – حسبما تقول الرواية – عنصري وينظر للقادمين إلى الغرب بأنهم أدنى منه مكانة ومجرد من الحقوق الأساسية التي تتمتع بها المواطن الغربية وتتغنى بها منظمات الحقوق الإنسانية الغربية، وتتفاخر بها. ومن هنا تتمخض عن الرواية مشكلة الهوية واعتراف الذات الآخر، وتتفاقم هيمنة “الأنا” لتزيِّنَهُ طمس هويات الآخرين.
ما دامت العنصرية تهيمن جاثمة على صدور الشخوص الروائية في الشرق أي الأردن وفي الغرب البريطاني؛ هنا العنصرية الجنسية وهناك العنصرية العرقية، كلتاهما تحاولان طمس هوية الآخرين وتخلق مشاكل في اعتراف الآخرين، وحتى إن استطاع أحد الحصول على الجنسية الغربية فليست نهاية العنصرية بل بداية لتمييز عنصري آخر، حيث تظل مواطِنة من الدرجة الأدنى لا تتمتع بكامل حقوق المواطًَنة، وفي المنفى عانت التميز والاعتداء العنصري[2]، كما عانت من الشوق والحنين للعودة إلى الوطن لتلتقي ابنتها التي لم ترها منذ زمن، ولكن العنصرية الجنسية لا تدعها أن تلتقي ابنتها التي قتلت بيد عمها قبل وصولها إلى الأردن، ثم تقتل هي بيد شقيقها.
غياب الاسم في الرواية:
البطلة تشكو من تشتت الهوية بين الفضاءين الوطن الأصلي والاغتراب البريطاني، وذوبان حاضرها في ماضيها، وبالتالي أنها تحرم من اسمها فعندما تغادر سلمى الأردن هاربة من انتقام أهلها، تتنكر ويُختار لها اسمًا آخر “سالي آشر” بعد أن تبنتها إحدى النساء الإنجليزيات بعد تهريبها من الأردن. ولا تحصل سلمى على حريتها وكيانها المستقل إلا على حساب غياب الاسم وفقد علامتها الحقيقية للهوية. ومن هنا لاتزال سلمى تحنّ إلى اسمها الحقيقي الذي يحمل هويتها ولم تنسها ولو في فصل واحد في الرواية كما تبوح بهذا السرّ وتبين سبب عودتها لقريتها “الحمى” وتقول: “مع كل خطوة أسير باتجاهها. كان يجب أن أذهب وأعثر عليّ”[3]. فالعودة للحمى هي ذاتها العودة لاسمها الحقيقي “سلمى” ولهوية روحها وذاكرتها التي عجزت طوال السنوات التي قضتها في بريطانيا أن تنساها[4].
مشكلة الاندماج الاجتماعي والتكيف الثقافي:
المغترب العربي في المجتمع الأوربي يواجه مشكلة الاندماج الاجتماعي والتكيف الثقافي، فمع أن سلمى هاجرت إلى الغرب، وحصلت على الجنسية الأوربية مع الآخرين لكنها واجهت مشكلة في الاندماج الاجتماعي إلى أن عادت إلى الأردن لئلا ترجع بعد إذ ذهبت ضحية الشرف بعد أن قتلها شقيقها. وهي ترفض الغربة بكافة أشكالها حتى أسمائها المستعارة ولو قدمت لها مأوى آمنًا وابنًا وعائلةً[5]، ومن ثم تركت العائلة ورضيعها وارتحلت إلى ماضيها وموطنها القديم.
الاعتراف بهوية المرأة في المجتمع الأردني:
المرأة هي صبية في الطفولة محببة لدى المجتمع الأردني؛ فالأب والأم والشقيق كلهم يتبادلون الحب ويكنّون لها محبة وشفقة. يقول والد سلمى وهو يتحدث عن ابنتها سلمى: “سمَّيْتكِ سلمى، لأنكِ نقية ونظيفة وسليمة. اسمك يعني المرأةَ ذات اليدين والقدمين الناعمتين، من أجل أن تعيشي في رغدٍ بقيةَ حياتك سلمى، يا فتاتي الصغيرة، يا قلبي، ليبقيك الله معافاةً سلميةً حيثما ذهبت، يا عزيزتي”[6]. والأخ أيضًا كان يعاملها معاملة حب وشفقة، تقول سلمى: “حين كنت صغيرةً كان يشتري لي حلويات راحة الحلقوم..”[7]. لكن عندما كبرت وبلغت سن المراهقة وتكوّن لها كيان ووجود وذات مستقلة تغيرت المواقف، كما تقول سلمى: حين كنت صغيرةً كان يشتري لي حلويات راحة الحلقوم ولكن بعد بضع سنين، بدأ يشدّ شعري بأصابعه البنّية الرقيقة”[8]. وشقيق سلمى هنا لسان المجتمع الذكوري السلطوي يهدد كيان المرأة ووجودها لأن سلمى أصبحت امرأة ولها رأي وخيار في الحب والعيش. حتى الحبيب يغير فكرته تجاه الفتاة. حمدان رجل بدوي وسيم سقطت في حبّه عندما رأت صورته في الماء أثناء سقيها في البستان، وتبادل حمدان الحب معها حتى أصبحت حاملًا، لكن إثر معرفته بأمر الحمل تغير موقفه من حبيبته تمامًا وبدأ يعامل معاملة سيئة ودعاها “عاهرة” وهي تدعوه “سيدًا”[9]. وفي هذا التغيير الجذري في علاقة حمدان نرى موقف أحب الرجال لدى المرأة التي لا تستحق لها الاحترام وأنه لا يتحمل مسئولية ما لما حصل. تقول سلمى: “أنت مسؤول عما فعلت لي. فأنا حامل وأنت أب لما حملت”[10]… فبالجملة الاعتراف بهوية المرأة كونها ذاتا فاعلة ولها كيانًا ووجودًا يعطيها حقًا للخيار مرفوض في المجتمع الأبوي الذكوري الأردني.
أزمة “الأنا”: تتمثل أزمة “الأنا” في موقف الشقيق والحبيب والعادات والأعراف القبلية. أي المجتمع هو بمثابة “الأنا”. حيث تعيش سلمى داخل مجتمع بدوي ومعايير أخلاقية وقيم ثقافية معينة تجعل المرأة مسؤولة بدلًا من الرجل على الجريمة التي يقترفان معًا. ويقرر المجتمع إدانة المرأة لا الرجل؛ لأنه لا يعترف بالآخر أي المرأة. فليس هناك أحد يأخذ مطاردة للرجل الزاني أو يقتله لفعله الإجرامي لأنه ليس مسؤولا عما ارتكبه من الفاحشة، وعكس ذلك تُلقى المسؤولية على المرأة وهي الخاطئة ويجب قتلها لأنها تنتهك قواني المجتمع الذكوري وتخرج على تقاليدها…. كما تتمثل أزمة الأنا في تعامل الغرب مع الشرق والمهاجرين. يقول يوسف حمدان: “تقوم رواية “اسمي سلمى” للروائيّة فادية الفقير البريطانيّة من أصل أردنيّ على قصّة ذات بعدين: يتناول الأوّل منهما جرائم الشرف والنظام الأبويّ في المجتمع العربيّ والإسلاميّ، والآخر يتتبع ما يتعرّض له المهاجرون من بؤس وظلم وتحيّز في بلاد الشتات”[11] فقد عانت سلمى والآخرون من تشرد وضياع وتحيّزٍ.
علاقة الأنا بالآخر:
هذه الرواية تنظر إلى الحياة الغربية بنظرة واقعية عميقة غير حالمة أو مزيفة، بل عرضت لصورتي الأنا والآخر بموضوعية وبحرفية عالية، وعبرت الروائية بإشكالية الأنا والآخر في بلاد الاغتراب البريطاني. وإن لجأت سلمى إلى المهجر البريطاني لكنها لم تجامل في تزيين صورة الآخر الغربي بل نقلتها بكل صدق وموضوعية فنية ووازنت بين الأنا والآخر.
فبالرغم من حميمية ذاكرة الذات حول ماضيها في الحمى في بلدها الأردن لم يمنع البطلةَ كلُ ذلك من تصوير عيوب المكان ونقد أهله وسكانه وتقاليدهم وعاداتهم المسيطرة عليهم وتخلفهم عن الركب الحضاري الإنساني البنّاء، كما لم يحجبها وجودها في الغرب في انجلترا وبالتحديد في مدينة إكستر، وفي انتسابها إلى جامعة المدينة نفسها، عن نقد حياة المغترب في ذلك الفضاء الملوث بالعنصرية.. والأنا هنا متفوق يمارس استغلال الآخرين ويزدريهم، والآخر مضطهد خائف[12]، كما نرى في هذا الاقتباس:
“لم أكن أذهب إلى الجامعة كثيرا، لأنني كنت أشعر بأن الجميع يعرف كل شيء عن جميع المواضيع. هم يقرأون كتبًا لا أستطيع فهمها، ويتحدثون لغة لا أتقنها، وينظرون باستعلاء إلي لأن إنكليزيتي سيئة. في اللحظة التي كنت أهدأ فيها بالسير باتجاه الجامعة عبر التلال، كان قلبي يبدأ بالخفقان مثل مطحنة تطحن حبات القهوة في هاون مهباش بدوي. كنت أشعر بصغري قبالة البناء الضخم العتيق، بأبراجه وسقوفه العالية. حين دخلت المبنى أخيرا، بدأت أرتعش”[13].
فالأنا هنا هي سلمى الشرقية لا تفهم الكتب التي تقرأها، ولا تتقن اللغة التي يتحدثها الآخر، لأن لغتها سيئة. فعلاقة الأنا بالآخر هي علاقة المستعمِر بالمستعمَر والرئيس بالمرؤوس.
هوية الروح الهجينة:
رواية “اسمي سلمى” تعكس هوية هجينة غير هوية خالصة وصافية ومنتمية لواحدة من الولاءات والانتماءات ولا تعترف بثقافة فضاء واحد، ولا مكان واحد، وإنها هوية متمردة ومتحولة ومتقلبة تتجدد دومًا، تجمع بين المكونات القديمة والحديثة؛ فالبطلة الروائية سلمى تهرب من سمات القبلية وأعرافها وتصل إلى بريطانيا، فتستفيد من الهوية الغربية لكنها لا تلبث إلا وتعود إلى الشرق لأن كيانها لا ينفك عنها. وهوية سلمى مزيجه من القيم الشرقية والغربية[14].
البُعد الحضاري التعددي: تتناول الرواية البعد الحضاري والثقافي بكل دقة وإمعان حيث تمتزج الأبعاد الحضارية الشرقية والغربية وتثير الرواية مقولة التعامل مع الذات في صنع هوية إنسانية كونية متسامحة مع الآخر وفق منظومة حضارية تحترم جميع الانتماءات الاجتماعية والدينية والأنساق الطائفية والأعراق المختلفة مع الانسجام التام في النسق الثقافي الجديد والمتعايش مع الآخر بكل صدق وإخلاص وبرفض التطرف والعنصرية. وتُترك السمات الحضارية الشرقية والغربية تعمل عملها في صياغة الهوية عبر الحدود الجغرافية.[15] وضعف لغة سلمى الإنجليزية علامة تشيء بضعف حضاري وإنساني عميق تشعر بها المغترب العربي.
معاناة المرأة الفاقدة للذات والهوية:
تعكس رواية “اسمي سلمى” صورة المرأة العربية التي لا كيان لها ولا اعتراف لِذاتِها في المجتمع فحقوقها مهملة، وأن لديها واجبات أكثر من حقوقها مقارنة بالرجل، ولا تستطيع أن تفعل ما يمكن فعله للرجل. تقتل ابنة سلمى التي لا ذنب لها سوى ولادتها نتيجة علاقة غير شرعية، وفي نهاية القصة تموت “سلمى” على يد شقيقها محمود، فالمرأة في ذاك المجتمع تواجه منتهى الظلم والعدوان، وتساق إلى الموت، تقول: “فجأة سمعت أصواتًا خلفي. امرأة تتوسل إلى رجل من أجل ألا يفعل شيئًا. شاب يقول: إنه واجبه، يجب أن يظلّ رأسه مرفوعًا. العار لا يمحوه إلا الدم”. والشاب هو الشقيق، والمرأة التي تتوسل ألا يقتلها “الفتاة” هي الأم، لكنه يقول: “يدكِ عنّي، أيتها المرأة العجوز المعتوهة”[16]. فالمرأة الأم هي أيضًا لا شيء في عين الرجل حتى الابن. ولا تستطيع إنقاذ فلذة كبدها من براثن ابنه وشقيق الأخت. تقول سلمى: “حسبت أني سمعت صوت أمي يقول: يمكنك أن تأخذ المزرعة، وكلّ ما أملك، إن لها ابنًا رضيعًا الآن، أتوسّل إليك…”[17] لكن لا يعمل توسلها بشيء. تقول سلمى: “حين أدرت رأسي، شعرت بألمٍ باردٍ يخترق جبهتي، هناك بين عيني، ثم، مثل دمٍ في ماء، سال الألم وانتشر”[18]. هنا يبدو الاستبداد والظلم والطغيان تجاه المرأة على القمة. فيه مهانة للمرأة في المجتمع القبلي الذكوري. تبدو المرأة هنا أداة لإشباع الغلائل الجنسية، ومفعول لشهوة الرجال. تقول سلمى: “كنت أميز خطواته الخفيفة التي كانت كمخالب الضبع وهي تلامس الأرضَ، قبل أن تقفز ثانيةً بأقصى سرعتها. يمسك بكاحلي، كاتمًا ضحكتَه المخنوقة. نتعانق تحت السماء النيلية الدكناء وبين الظلال السود للأشجار. يمسّد شعري ويقول: أنتِ غانيتي وسبيتي”[19]. ففي هاتين الكلمتين “الغانية” و”السبية” إهانة وإذلال للمرأة. ووظفت الروائية كلمات ساقطة بالنسبة للمرأة مثل “القذارة”، و”عاهرة”، و”مذنبة” تدل على مدى امتهانها في المجتمع الذكوري وكيف تعيش بذلّ وهوان.
الاعتراف بذات المرأة في المجتمع الغربي:
عندما ضاقت بها الأرض بما رحبت فرت هاربة من الشرق العربي إلى الغرب البريطاني لاجئة في ظل الثقافة الغربية المسيحية لتجد نفسها في مجال فسيح وتتنفس بالحرية. تقول: “ألصقت الفوطة الصحية بسروالي الداخلي وسحبته فوق ساقيّ الحليقتين، المطليتين بالزيت، وأدركت أخيرًا أنني حرّة”[20]، فالمرأة في الثقافة الغربية تقبل المرأة بكيانها وتحترم بوجودها وتشعر هنا بالراحة والهدوء، ولكنها تحنّ إلى موطنها الأصلي وتشعر بالاغتراب أيضا في جانب آخر، وذلك بسبب تواجد العنصرية الجنسية في المجتمع الغربي ومشكلة الاعتراف بالآخر.
الاغتراب والحنين إلى الوطن الأصلي:
الاغتراب من ثيمات الهوية المهمة. عالجت الروائية قضية الاغتراب بعد ما هاجرت البطلة إلى إكستير البريطاني، وذاقت ويلات العنصرية الجنسية في موطنها الأصلي وتشعر هناك بالراحة والاطمئنان والحرية لكنها تحنّ إلى موطنها الأصلي وتشعر بالاغتراب، ومهما كانت الثقافة القبلية مستبدة وظالمة لكنها مشتاقة إليها كثيرًا. وفي النهاية تعود إلى “الحمى” في منطقة الغور بالأردن لتضحي بحياتها وتُقتل بيد شقيقها محمود. والمقصود هنا من العودة هو أنه لابد من العودة إلى الوطن ومعالجة الأوضاع والخلاص من حياة الهروب التي ستؤدي إلى العيش في بلد آخر غريب يدفع المرء فيه ثمنًا باهضًا من كرامته الإنسانية وسعادته واستقراره النفسي والعاطفي.[21]
الخاتمة:
تجلت الهوية بثيماتها المختلفة في الرواية، نرى أن بطلة الرواية “سلمى” في طول صفحات تبحث عن ذاتها في المجتمع الأردني التقليدي بعد أن ارتكبت جريمة الفحشاء مع بدوي يسمى حمدان، فاضطرت الهروب إلى أوربا، لكي تجد فيه الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة، ولكنه تخيب ظنها إذ الحال في الواقع كان عكس الحقيقة، فكل شخص غربي عنصري ينظر إلى القادمين إلى الغرب بأنهم أدنى منهم مكانة، ومن هنا تتمخض عن الرواية مشكلة الهوية والاعتراف بذات الآخر، وتتفاقم هيمنة الأنا. نرى في الرواية أن البطلة تشكو من تشتت الهوية بين الفضاءين الوطن الأصلي والاغتراب البريطاني وتواجه مشكلة الاندماج الاجتماعي والتكيف الثقافي في الغرب إلى أن عادت إلى موطنها القديم الأردن. ونظرت الرواية “اسمي سلمى” إلى الحياة الغربية بنظرة عميقة غير حالمة أو مزيفة، بل عرضت صورتي الأنا والآخر بموضوعية وبحرفة عالية، كما نقدت العادات والتقاليد الفاسدة السائدة في المجتمع الأردني وتخلفه عن الركب الحضاري الإنساني البناء.
الهوامش:
[1] . الفقير، فادية، اسمي سلمى (رواية)، بيروت، دار الساقي، 1999م، ص 208.
[2]. المحبشي، قاسم (دكتور)، الدكتور خالد الصومعي.. أكاديمي علمه أكبر من سنه (سيرة علمية حافلة تستحق التقدير والاعتبار)، “تصوير النساء من منظور كاتبات عربيات: دراسة في أدب ليلى أبو زيد، فادية الفقير وحنان الشيخ” مقال منشور في صحيفة عدن الغد يومية، من خلال الرابط التالي:
https://adengad.net/public/posts/282158، تاريخ النشر: 12 أكتوبر 2017م.
[3]. الفقير، فادية، اسمي سلمى (رواية)، ص 338.
[4]. . العنزي، سعاد، “إشراقات النقد: عوالم الذات المتشظية بين الماضي والحاضر في رواية “اسمي سلمى” للكاتبة الأردنية فاديا فقير”، دراسة مستفيضة منشورة على منتدى سعاد العنزي، عبر الرابط التالي: http://suadalenzi.blogspot.com/2013/10/blog-post_20.html.
[5]. العنزي، سعاد، “إشراقات النقد: عوالم الذات المتشظية بين الماضي والحاضر في رواية “اسمي سلمى” للكاتبة الأردنية فاديا فقير”، دراسة مستفيضة منشورة على منتدى سعاد العنزي، نفس الرابط.
[6] . الفقير، فادية، اسمي سلمى (رواية)، بيروت، دار الساقي، 1999م، ص 132.
[7] . نفس المصدر، ص 95.
[8] . نفس المصدر، ص 95.
[9] . نفس المصدر، ص 46.
[10] . نفس المصدر، ص 24.
[11] . حمدان، يوسف، “رواية اسمي سلمى والمقولات الجاهزة”، مقال منشور في صحيفة “عربي”، عبر الرابط التالي: https://m.arabi21.com/Story/1258412، تاريخ النشر: 04 أبريل 2020م.
[12]. العنزي، سعاد، “إشراقات النقد: عوالم الذات المتشظية بين الماضي والحاضر في رواية “اسمي سلمى” للكاتبة الأردنية فاديا فقير”، دراسة مستفيضة منشورة على منتدى سعاد العنزي، نفس الرابط
[13] . الفقير، فادية، اسمي سلمى (رواية)، بيروت، دار الساقي، 1999م، ص 204.
[14] . العنزي، سعاد، “إشراقات النقد: عوالم الذات المتشظية بين الماضي والحاضر في رواية “اسمي سلمى” للكاتبة الأردنية فاديا فقير”، دراسة مستفيضة منشورة على منتدى سعاد العنزي، نفس الرابط.
[15] . المرجع السابق.
[16] . الفقير، فادية، اسمي سلمى، بيروت، دار الساقي، 1999م، ص 207.
[17] . نفس المصدر، ص 207.
[18] . نفس المصدر، ص 207.
[19] . نفس المصدر، ص 112.
[20] . نفس المصدر، ص 67.
[21]. العنزي، سعاد، “إشراقات النقد: عوالم الذات المتشظية بين الماضي والحاضر في رواية “اسمي سلمى” للكاتبة الأردنية فاديا فقير” دراسة مستفيضة منشورة على منتدى سعاد العنزي. نفس الرابط.
المراجع:
- جاج عبدي، إبراهيم، “اسمي سلمى لفادية الفقير… حكاية سوسنة سوداء”، مجلة “الحياة”، تاريخ الإصدار، 11 أغسطس 2009.
- رملي، محمد، صورة المرأة ومكانتها في رواية “اسمي سلمى” لفادية الفقير: دراسة نقدية نسوية، (قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية، جاكرتا، 2018).
- الزعبي، كفى، “قراءة نقدية لرواية “اسمي سلمى” للكاتبة الأردنية فادية الفقير”، المجلة الثقافية الجزائرية، تاريخ الإصدار، 10 أكتوبر 2019.
- عزيز، أحمد سعد، “نضال المرأة لإثبات الهوية والوجود: دراسة نقدية لرواية “اسمي سلمى” لفادية الفقير”، لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، المجلد 01، العدد 31، تاريخ الإصدار 01 أكتوبر 2018
- العنزي، سعاد، “إشراقات النقد: عوالم الذات المتشظية بين الماضي والحاضر في رواية “اسمي سلمى” للكاتبة الأردنية فادية الفقير”، بلوغ بوست لسعاد العنزي. تاريخ الإصدار 20 أكتوبر 2013.
- الفقير، فادية، اسمي سلمى (رواية)، بيروت، دار الساقي، 1999م
English Resources
- Adam, S, “Melancholic Migrations and Affective Objects in Fadia Faqir’s novel “My Name is Salma”, C21 Literature, Journal of 21st Century Writings 5 (1) pp. 1-23. 30 January 2017
- Felemban, Fatima, “Linguistic Strategies and the Construction of Identity in “My Name is Salma” by Fadia Faqir”, Journal of King Saud University – Languages and Translation, PP 43-49, 30 October 2011.
- Hughes, Micah A, “Representations of Identity in Three Modern Arabic Novels”, Colonial Academic Alliance, Undergraduate Research Journal, Vol 02, Article 05, 2011.
- Onyago, Andrew Vic, “Identity Formation in Fadia Faqir’s novel My Name is Salma”, Department of Literature, University of Nairobi, Kenya, 2016
- Santessso, E.M., “Disorientation: Muslim Identity in Contemporary Anglophone Literature”, Basingstoke Hamsphire: Palgrave Macmillan.
- Suyoufie, Fadia, “The appropriation of Tradition in Selected work of Contemporary Arab Women Writers”, Journal of Arabic Literature, Vol. 39, No. 02, 2008, pp. 216-49. JStor.
……………….. ***** ……………….