توظيف اللغة من الدال الصوفي إلى التعبير الفني في ديوان مدخل إلى الضوء للشاعرة وفاء عبد الرزاق

Vol. No. 2, Issue No.4 - October-December 2022, ISSN: 2582-9254

0
166
توظيف اللغة من الدال الصوفي إلى التعبير الفني في ديوان مدخل إلى الضوء للشاعرة وفاء عبد الرزاق

د. قاسم محمود محمد

كلية التربية / عقرة، جامعة دهوك/ إقليم كردستان/ العراق

—————————

الملخص:

  • لغة الحب من الدال الصوفي إلى العشق الأرضي:

نقصد بالدال الصوفي تلك المفردة، التي اكتسبت دلالة رمزية بانزياحها عن المفاهيم المتعارف عليها في المعجم اللغوي، وتم التوافق عليها عند المتصوفة، أو المعنيين بنتاجهم. فقد عُرف عن الصوفية أنهم يتكلمون بلغة الرمز والإشارة، ولاسيما في شعرهم، حتى أصبح لديهم معجمهم الخاص، الذي تُدرك ألفاظه عن طريق الحدس لا التصور، إذ يتجاوز المعنى المراد إيصاله المعنى القريب إلى معنى بعيد من خلال السياق الذي يتحكم بالدلالة.

أما العشق الأرضي فهو ذلك الحب المتبادل بين الجنس البشري، ويمكن تمييزه عن العشق الصوفي الذي يرتبط بالخالق. فالأول: بين (الرجل والمرأة)، أو بشكل عام بين الذكر والأنثى، أما الثاني: فإنّ المحبة فيه تنبع من قلب الصوفي تجاه الذات الإلهية، فهو يجتهد في التقرب إلى خالقه، فتكون عاطفته موجهة إلى السماء.

إن اللغة الشعرية تُبنى من ألفاظ يتم تركيبها على نسق معين، لتعبّر عن تجربة فنية لها دلالات مخصوصة، وربما منفتحة، أو متشظية، تكتسب صفتها من معاني تلك الألفاظ، وعلاقات التجاور بينها. وإذا كانت المفردة الموظفة شعريا لها مدلولات رمزية متعارف عليها في الموروث القرائي، أو المرجعية الاصطلاحية، فإنها تبقى محافظة على شيء من مرجعيتها، وإن انزاحت عن دلالتها بفعل التجاور مع غيرها من الألفاظ، ما لم تتحول دلالتها بفعل السياق، الذي ترد فيه، أو التطور اللغوي الذي يكسبها مدلولا جديدا.

وقد عبّرت الشاعرة وفاء عبد الرزاق عن تجربتها العاطفية بلغة فنية إيحائية، نابعة من القلب، تعبر عن الوجد، وتتجاوز الخطاب المباشر فـ ((نصوصها الشعرية تستدعي الغوص في مفاهيم تأويلية تُحتم على الناقد أن يستصحب معه صفتي الناقد الناقد، والناقد المبدع، بغية التوحد في ثنائية سيمياء الأرموزة، وسيمياء النص، علما أن المبدعة في عالمها الإبداعي المتفرد تعانق بشكل لافت هذا المنحى، وتشتغل على إنتاج هذا النوع من الخطاب والسير فيه، فقصائدها مبنية على جموح الوفرة الخيالية المتناسلة بشكل يجعل الناقد يتحسس طريقه إليها مسلحا بخاصية التأويل))([1]).

والشاعرة تمتلك حاسة لغوية دقيقة، مع ثروة لغوية مكنتها من خلق الجو الإيمائي، الذي يكون مصحوبا – أحيانا- بالتعقيد اللفظي، كقولها في قصيدة صهل النهار: ((وتمازج نصفي في كله/ كأني أستأنس أزل الزمان/أسمي الراكد جاريا/ البث أنسا/ والغصة زلالا. / الخضوعُ حركةٌ/ العريُ سترٌ/ والانتقالُ ثباتٌ/ ما لا يسمع أسمع/ أرى الخفاء ظهورا))([2]). إن الإدراك عند الذات الشعرية المرتبط بالحواس بما فيها السمعي والبصري، يعاين الأشياء بصفة مغايرة عمّا هي عليه في الحقيقة، بل معكوسة، لأن الإدراك الشعوري بفعل تمازج الذات بنصفها روحيا، ارتقى من عين المشاهدة، إلى الرؤية القلبية، التي تجاوزت مرجعية الأشياء الكونية، ومدلولاتها اللغوية، فأصبح الشيء وضده واحدا عندها، حيث اتصلت النفس بغايتها، وأصبحت في لحظة جذبها العاطفي والامتزاج الروحي تدرك جوهر المسميات لا ظاهرها.

  في لغة الحب تستعيد الشاعرة ما استعاره الصوفي من المعجم الإنساني الأرضي، ليعبر فيه عن خصوصية في تجربته عن الحب السماوي، فهي تعيد تشكيل تلك اللغة وتوظف عبارتها بأسلوب فني شعري يعبر عن تجربة أرضية من دون أن تتنازل عن الإشراقات والتجليات والإيحاءات التي وصلت إليها التجربة الصوفية. ومن ذلك نجد قولها في قصيدة: ((أرمني بك إليك)) ([3]):

يا طفلي البحر

لِأسميك طائرا

كي يطير الأزرق بين نبوءتين

فأطلق جناحيك واسمع رجع الشدو

عيناي شرق وقلبي غرب

فخذ ما تشاء من اتجاه

أبحر بانتشائي

أي طفلي البحر قيدني بدائرتك

تنزه

أي بحري الطفل

على ألا يكون سواك

غطاء السر

تبدأ القصيدة بحرف نداء مخصص للبعيد (يا)، يتبعه منادى(طفل) يحمل صفة الضعف والبراءة، إلا أن المنادى يتجاوز المدلول اللفظي له، لأن الشاعرة لا تريد من هذا اللفظ دلالة الذات/ الطفل، بل تريد صفة المنادى التي تتلاءم مع وضعها النفسي، والإدراك العاطفي لها، فالمدلول يتعدى المرجع اللفظي المباشر إلى ما هو رمزي يتصل بالتيار الوجداني، ولكنه مصاغ بطابع خيالي ناتج عن الإحساس والشعور، الذي تبديه الذات الشعرية نحو المنادى الذي تمنحه تلك الصفة.

  إلا أننا نجد في الوهلة الأولى مفارقة في كلمة البحر التي تردف بها الشاعرة المنادى، فيكون البحر صفة للطفل الذي يحتاج إلى رعاية، في حين المدلول اللغوي للبحر يشير إلى معان ٍ ضدية تخالف المعنى الذهني الذي تستجلبه لفظة الطفل. فالبحر يجعل المتلقي يفكر بالاتساع، والعمق، واللون الأزرق، وقوة الأمواج. ولكن إذا ما عرفنا أن البحر كرمز صوفي تم توظيفه ليعبر- غالبا – عن اتساع المعرفة والعلم الإلهي، أو ليعبر عن اتساع النور والبهاء الإلهي اللذين يدفعان الصوفي إلى الوجد، فحينئذ نجد خيطا دلاليا يجمع بين الطفل والبحر وهي تلك الصفة الجمالية التي توحد بينهما، حيث مع الطفل تكون مدركة عن طريق الحواس، أما مع البحر فيكون الذهن مصدرا لتأويل هذا الرمز وتخيله نوراً وبهاءً يدفع إلى الحب والوجد.

وفي هذا السطر الشعري (يا طفلي البحر) وما يليه تؤدي اللغة دورا وسيطا في نقل التجربة الشعورية، بصفة تركيبية عالية التنظيم، في بنية مكثفة، تختزل دلالات منفتحة، تعبر عن مضمون داخلي، لا يمكن رصده إلا من خلال تتبع الصور الشعرية في القصيدة، وعلاقة العناصر مع بعضها، ومن ثم تأويل الألفاظ – القابلة للتأويل – وعدم الوقوف عند المعنى الظاهري لها. فالشاعرة بما تمتلك من موهبة لغوية استطاعت أن تصوغ الألفاظ وفق علاقات جديدة منحتها القدرة على النفاذ إلى باطن الأشياء.

وعليه تتخذ الشاعرة من رمزية هذه الألفاظ ودلالاتها البعيدة وسيلة للتعبير عن تجربتها العاطفية بصورة غير مباشرة. وقد يكون هناك دافع ما يوجه الشاعرة إلى استعمال اللغة بهذه الكيفية التي تستر فيها المعنى خلف طبقات شفافة من الإحالات اللفظية، وأحيانا معتمة، فيصبح المنادى (الطفل/ البحر) غطاء لسرها كما في قولها:

   تنزّه

أي بحري الطفل

على ألا يكون سواك

غطاء السر

وهنا نجد ميلا مقصوداً نحو السر والكتمان، كما يفعل الصوفي في توظيف لغته بشكل إيحائي مفعم بالرموز التي لا يقدر على حلها إلا أصحاب الطريقة الذين هضموا تلك اللغة وأسرارها.

وتتعمق اللغة المجازية في القصيدة كلما استكملنا مقطعا وانتقلنا من مشهد إلى آخر، إذ تنتقل المفردة من بيئتها الدلالية إلى فضاء سيميائي بإضافتها إلى غيرها من المفردات في الجملة النحوية، التي تخضعها إلى مدلول جديد، بفعل المصاحبة اللغوية، فالطفل / البحر، بعد سطر واحد ينتقل إلى طائر يحمل صفة أسطورية عبر اللون الأزرق والفعل المسند إليه الذي يُسيره بين نبوءتين: (لأسميك طائرا/ كي يطير الأزرق بين نبوءتين).

وبعد الصفة الخيالية التي تمنحها الذات الشعرية للمخاطب تنتقل إلى فعل الأمر الذي يتكرر في السطر الآتي:

فأطلق جناحيك واسمع رجع الشدو

نكتشف أن تسمية الطائر ما هي إلا حركة خيالية ضمن منظومة الأسماء التي أطلقتها الشاعرة لتمنح المخاطب صفة جديدة تمكنه من الإبحار في فضاء الشوق عبر الجناحين المستعارين له كي يسمع رجع الشدو العاطفي المتنامي عندها، وبالتالي تصل إلى نقطة التماس المكاني المشّخص بين الاتجاه الشرقي ممثلا بالعيون السوداء للشاعرة، والغربي الممثل بانفتاح القلب وحرية اختياره.

وصولا إلى المطمح الذي تسعى إليه (قيدني بدائرتك)، والتعبير بهذه الصفة الأمرية (قيدني)، والمحيط الدائري (دائرتك) يوجه ذهن المتلقي إلى العشق الصوفي، الذي تسوده أجواء نورانية ذات أبعاد عرفانية، فهو عشق يتسم بالخضوع المطلق للمعشوق، إذ إن ّ الدائرة من الأساسيات في الفكر الصوفي، حتى رقصهم يكون على شكل دائري والتفاف حول النفس.

وتستمر القصيدة على هذا النحو من البوح العاطفي الرمزي إلى أن تصل إلى قولها:

عاشقة أنا

سلمي شمس وارتحال

فتذكر تعالمي

استعدتُني منك وتسلقت

لست الغيمة

بل الرؤوم التي تحضن طفلها

وتأخذه حيث اليقين

تكشف الذات الشعرية عن سرها بقولها (عاشقة انا) لتؤكد على عاطفتها التي أنتجت لغة الحب ذات الصبغة الصوفية، المشيدة بتعاليم الأنثى العاشقة، التي يجذبها الوصول نحو العلو متخذة من ضياء الشمس سلما يخلق توترا عند المتلقي، فهو يخرج بألقه الفني من المحدود في اللغة إلى فضاء متخيل يمنح الارتحال رونقه الجميل في رسم المعنى الضمني الذي نجد كنهه في لغة الخطاب الحواري بين الأنا (الذات الشعرية)، والمخاطب أنت الضمير المستتر في الفعل تذكر. إذ يفضي الحوار إلى النتيجة المرمزة في السطور الأخيرة: (لست الغيمة/ بل الرؤوم التي تحضن طفلها/وتأخذه حيث اليقين). فالأم الرؤوم رمز يحيل على المحبوبة التي تحمل تلك الصفة، فهي تأخذ محبوبها (الطفل) حيث اليقين(الحب). وتنفي عن نفسها حينية الزمن المرموز له بالغيمة، لأن وقتها آني وبقاءها مقيد بزمن هطولها، على العكس من الفضاء الزماني والمكاني الذي توفره الرؤوم لمن تحب.

وإذا ما تابعنا لغة الحب في الديوان، نجد اللعب الإشاري عند الشاعرة ينزع نحو الانحرافات السياقية، بعيدا عن اللغة المعيارية في إحالتها إلى المعنى، ففي قصيدة ((ارتويتك كشفا))([4]) ، تقول:

لرذاذ صوتك أصغي

أتأمل هطولك

أستضيف الشجون وقلبك

أبارك شدو الدمع

أزفُّ عروسة سهري لمقلتيها

أدون صهيل قلبك

لعينيك نهران

تهافتت لهما أجنحة نافذتي

وتفتحت في كفي المنى

استنشقت المنى

ندهت غدي

في النص أعلاه يصبح للصوت رذاذٌ، وللسهر عروسٌ، وللقلب صهيل، وللعينين نهران، وللنافذة أجنحة، وبهذا النسيج اللغوي الملغم بالاستعارة ترتقي اللغة من مستوى التوصيل، بوصفها أداة كشف عن الأفكار والمعاني والعواطف إلى مستوى إبداعي، تتشابك فيه الدوال في التعبير عن ماهية الأشياء وإحالاتها المنفتحة على دلالات خصبة تطفو في الحيز الذهني للقارئ، وبالتالي تقوده إلى إغناء الرؤية النقدية بالتأويل المنطقي في استجلاء المعنى.

وعند إمعان النظر في السطور الشعرية أعلاه، نجد أن الأفعال المضارعة ذات الارتباط الزمني بالحاضر والمستقبل تنثال بكثافة فتهيمن على زمنية النص، وتجعل منه مجموعة أحداث طافحة بالحركة المرتبطة بالحواس، فالذات الشعرية في مقام الارتواء والكشف تكيّف النظام الجسدي بما فيه من أجهزة إنسانية معدّة للإحساس والتواصل في استقبال الإشارات السمعية والبصرية واللمسية المنبعثة من المخاطب من أجل تهيئة الأجواء، وإعداد النفس لاستنشاق الرؤى الواعدة، وملامسة الأمنيات في فضاء تشكيلي ترسمه لغويا، ومن ثم يفضي إلى اللقاء المصور شعريا بعدسة خيالية: )لعينيك نهران/ تهافتت لهما/ أجنحة نافذتي).

يكشف المسار البياني لفضاء الزمن عن فعالية إيجابية في تطوّر الحدث، الذي بدأ سيره بشكل انسيابي سلس من نقطة الانطلاق الإصغاء مرورا بالتأمل والاستضافة والمباركة وغيرها من الأفعال وصولاً إلى الحركة الانتقالية في استشراف المستقبل عبر النداء الموجه للغد (ندهت غدي).

إنّ الزمن كقوة نافذة مستمرة، خارجة عن إرادة البشر، لا يشكل سطوة سلبية على الشاعرة، فنظامها الزمني يموج بأحداث عاطفية تتوق لها نفسها وتستأنس لها روحها، لذا تتفاعل معه بشكل إيجابي مستنهضة حواسها في إدراك لحظتها الراهنة.

وإذا كان الزمن عند الذات الشعرية يمكن الإحساس به عبر حركة الأفعال التي تقوم بها، والمرتبطة بحواسها، فهو بهذا المقياس النفسي يقابل زمان الصوفي الذي أُطلق عليه زمان الأنفس خلافا لزمان الآفاق الذي يقاس بدوران الأجرام السماوية في أفلاكها، حيث يرتبط حاضر الصوفي بلحظته الآنية التي يعمل على تمديدها وربطها بالأبدية، وكذلك تفعل الشاعرة حين تربط حاضرها بالزمن القادم، في جملة استشرافية تنفتح على المستقبل في قولها (ندهت غدي).

ولا تتوقف لغة القصيدة عند دال الزمن الصوفي، ففضاؤها مشرع للمفردات الصوفية، التي تم توظيفها في بنية تركيبية ذات محمول دلالي جديد قابع خلف المجاز الشعري، إلا أنه ينبثق عن التجربة الصوفية ورؤاها في مسألة العشق، تقول الشاعرة ([5]):

احترق

أجمل ما في لحظتي

احترق

وتقرفص جمرةً هيمانةً

وانتشت ثانية

ممطرة باحتراقها

بأشيائك البسيطة تشغف صلاتها

وكنجمة مسها الصحو أهزها

انهضي حاسرة

ارطني، وليكن جنونا

فرطانة المجنون خطى غضّة

وجبهة تشجر جذرها وتستعر

تتخذ الشاعرة من الفلسفة الصوفية ومفرداتها أسلوبا في التوصيل الإشاري، فتصبح اللغة حقل تأويل، وأداة للكشف عن جوهر المعنى وإخفائه في الآن نفسه. لأن الدال اللغوي في التوظيف الشعري يعطي المدلول تلك الصفة عبر المرجعية التي يحملها، أو الفضاء البنيوي الذي يمنح المفردة دلالتها الجديدة بسبب فعل التجاور والتركيب. ومن المفردات التي اكتسبت دلالة جديدة، وهي بالأصل تنتمي إلى الحقل الصوفي: (احترق، هيمانة، انتشت، تشغف، صلاتها، الصحو، ارطني، رطانة المجنون).

إنّ ((المفردات التي تشيع في قطعة أدبية ما تكوّن فيما بينها أنواعا من العلاقات، التي لا تتوقف قيمتها على وظيفة كل كلمة مفردة في جملتها، وإحدى هذه العلاقات هي ما يسمى بالحقول الدلالية))([6]). ومن الحقول الدلالية التي نجد لها حضوراً بارزاً في الديوان، الحقل الصوفي، فقد حفل بالمفردات والتراكيب التي لها جذور ممتدة إلى هذا الحقل، ومن ذلك ما نجده في قصيدة: ((صباحك بحر))([7])، ( إني اتصل بك زرقة… لي ساعات أنت يقينها/ أدركني من ثوان لست فيها/ أعرف أنك كلها/ إلا أنني حين لا أراك أهابها… فتعال لا جرم لنا سوى أننا/ مازلنا إثنين يفصلنا الزجاج…  إننا نصفان لواحد/ بحرارة روحك أحيا/ وبحرارة روحي تتنفس… أي يوم أنا؟). وفي قصيدة: ((لحظة أنوثتي))([8])، ( ما أحوجني لبحرك… أهربْ منكَ إليّ واسرقني مني… ما أوضحك بغموضي… حين جاءتني الرياح برغبتها العارمة/ عرفت أنك فيها/ لذا وضعت خدي على شجرة لأسمعك / تلمست الورد لأشمك… أنا فوق جسدك طفت به وارتديته). وفي قصيدة: ((على حفيف الشجر))([9])، ( يسكنه الوجد… أتوحد بك… كل ما قبلك باطل/ يشيخ الأزلي بعدك/ وأنا الجنين الذي / تعمد بالعشق). وفي قصيدة: ((صعودا إليك))([10])، (اتحرر منّي صعودا إليك… تقطر الشوق سكرانا… كأنني سارية باتجاه الله/ أسأله عن السماوي في روحك… أتأمل وجهي فيك)، وهذا ليس جردا لكل المفردات في الديوان إنما شيء منها.

إن لغة الحب في القصائد توظف عبر الدوال الصوفية حيث ترتبط بالكشف، والتوحد، والاتصال، واليقين، والبحر، والوضوح، والغموض، والحلول، والبدء، والأزل، والعشق، والشوق، والسكر، وعموما يمكن القول أن الحب يغدو أداة الإدراك الحقيقي إذ تكشف الأنا عن خبايا نفسها عبر الطاقة التعبيرية والتوليدية المنبعثة من اللغة التي بدورها كانت نتيجة انبثاق التجربة الوجدانية المفعمة بالرؤية الصوفية. إذ إن اعتماد الحدس يطغى على الرؤية العقلانية في تأويل الخطاب الظاهر ولوجا نحو الباطن.

  الخمر:

إنّ الخمر في الشعر الصوفي تشير إلى رمز عرفاني، ينم عن الوجد الصوفي الذي يشعر به المحب تجاه المحبوب، ((والسكر الصوفي حال من الدهش الفجائي، يعتري العبد فيذهله عن كل حس غير حضور الحبيب، ويغمر نفسه بنشاط دفّاق يوقد فيها الوله، والهيمان، وما كان ذلك ليحدث بالطبع لولا امتلاء القلب بحب الله، فالسكر كما يقول الشبلي ثمرة المحبة)).([11])

إنّ المحبة للرحمن تسكرني          وهل رأيت محبا غير سكرانِ (([12]

ولما كان السكر ثمرة المحبة آثرت الشاعرة وفاء عبد الرزاق خمرة المحبوب على الصحو، لأنها تبعث في نفسها النشوة العارمة، التي تجعلها تنفصم عن العالم الفيزيائي، بما فيه من مكان وزمان يقيّد الجسد بحقيقته المادية والحسيّة، لتتصل روحيا بعالمها الخاص، الذي يشبه – إلى حد كبير- عالم الصوفي المجتهد في رياضته سعيا إلى الاتصال الروحي بخالقه.

إلا أنّ تجربة الشاعرة ليست تجربة صوفية، إذ إنها تجربة إنسانية ترتبط بالأرضي لا السماوي، لكنها تنهل من الدال الصوفي بعضاً، أو كثيراً من خصائصه التي توظفها فنيا في بنية شعرية، وفي النهاية تأتي القصيدة ترجمة لغوية لعاطفة إنسانية، تشعر بها الذات الشعرية تجاه مخاطب (بشري) تكن له حباً عميقاً.

ونجد الصبغة الصوفية – إن صح التعبير- في لغة الديوان، إذا ما نظرنا إليه نظرة شاملة، ومثال ذلك قصيدة: ((آثرت خمرتك)).([13])

تستعمل الشاعرة في عنوان القصيدة الفعل آثرت بمعنى التفضيل، فقد جاء في لسان العرب ((وآثره عليه: فضّله)). ([14]) وفي القرآن الكريم نقرأ قوله تعإلى: ((قالوا تالله لقد آثرك الله علينا، وإن كنا لخاطئين)). (يوسف/91)، أي قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضّلك الله علينا.

إن العنوان يفصح عن تفضيل الشاعرة خمرة المخاطب على صحو المتكلم، والخمر: ((ما أسكر من عصير العنب لأنها خامرت العقل. والتخمير: التغطية، يقال خمّر وجهه، وخمّر إناءك. والمخامرة: المخالطة)).([15]) إلّا أنّ الشاعرة لم ترد بخمرة المخاطب ذلك العصير المسكر، لأن تعبيرها الفني يستقي دلالته من المضمون الصوفي للخمر، وهي تقصد بها تلك النشوة الروحية المنبعثة عن النفس العاشقة التي تهيم في المحبوب إلى حد الفناء فيه، وقد((سعى الصوفية إلى إقامة صلة حميمة بين الحب بينهم وبين ربهم، بحيث أذابوا الحدود وكشفوا الحجب وأزاحوا الغشاوة، متوسلين لذلك بالخلاص من أسرار الجسد، وبلوغ درجة الفناء عبر طريق شاق من المجاهدات)).([16]) بهذا المعنى تفتتح وفاء عبد الرزاق قصيدتها آثرت خمرتك بقولها([17] :

آثرت أن أطفئ المسافة 

وأن أضيع

كأنّني مسافتك الجديدة

عيني حياتك

وخمرتك الحياة في قلبي

امتلاؤك مدّي

وبنا يتدفّق

لقد آثرت الشاعرة خمرة المخاطب ذات الدال الصوفي التي ينتشي بها المحب حين يستلذ بمناجاة محبوبه في لحظة الاتصال الروحي به، فهي توظف الرمز الصوفي بلغة شعرية تعبر فيه فنيا عن المدلول النفسي الذي يمتح من الخمر الصوفية وظيفتها في الانقطاع عن العالم، والوثوب خلف المسافات وصولا بعشقها إلى المخاطب الذي يكون اللقاء به مدخلا إلى الضوء والنور.

وما انطفاء المسافة التي تود الشاعرة تحقيقها في ظل الأشياء  التي آثرتها إلّا إذابة روحية للمكان المحسوس الفاصل بينها والمحبوب، لذا تود الضياع بعد اطفاء المسافة وتغييبها، والضياع – هنا – لا يعبر عن المعنى الحقيقي للدال كاستعمال لغوي، إنما هو توظيف فني بمدلول صوفي يقصد به الضد من المعنى المعجمي، إذ إن الضياع في دائرة المحبوب هو غاية المريد، وهو إيجاد حقيقي للذات الضائعة والعثور عليها عند اتصالها بمرادها، وفي التجربة الصوفية يكون مراد العابد خالقه، إما المخاطب في تجربة الشاعرة لذات بشرية.

وبهذا الوجد تنطفئ المسافة، وتنحل كينونتها، وتضيع الذات الشعرية في عالم المحبوب، وتبرز مسافة جديدة تتجاوز كل المقاييس المادية، لتصبح المتكلمة مسافة المخاطب، وعينها حياة له. (كأنّني مسافتك الجديدة/ عيني حياتك).

إن الشاعرة تصوغ لغتها بشكل تجريدي بعيدا عن الصور المباشرة، فالمشبه به لا يرتبط بالمشبه بوجه شبه يجمعه به، فهي تجرد المكان من نسبيته، وتنتزع منه صفته، وتحل جسدها بما فيه من رمز أنثوي يحتوي الآخر بدلا من المكان الأرضي الذي يفصلها عنه، كي يصبح الوصول من غير واسطة، وهذا الفعل يوازي مراد المتصوفة الذين (( انتهى بهم سكرهم إلى فنائهم في محبوبهم فناء لم يشاهدوا خلاله غير جمال الحبيب، وهم في بحر الفناء الزاخر، لا يحسون بشيء من الموجودات، لأن الإحساس قد فنى بالنسبة لهذه الموجودات، واتجه بكليته لمطالعة جمال المحبوب)).([18])

   إن العاطفة القوية تدفع الذات الشعرية إلى الجذب الروحي متجاوزة كل ما هو مادي محسوس من أجل تحقيق نشوة الحياة القلبية في خمرة المحب:

وخمرتك الحياة بقلبي

امتلاؤك مدّي

يتفجر امتدادا بنا

وبنا يتدفّق

تتكئ الشاعرة على لغة سيميائية تمنح النص دلالات مفتوحة، ولكنّها تتمحور حول التوحد بالمخاطب ضمن دائرة العشق، فهي تؤلف بين المفردات في تشكيل بنية صورية تجمع بين ثنائية الجنس البشري متمثلة بأنا المتكلم الذات الشعرية/ الأنثى، والمخاطب / الذكر، عبر توظيف أفعال مضارعة توحد بينهما (يتفجر امتداداً بنا/ وبنا يتدفّق).

وفي لحظة الإبداع هذه تكون عاطفة الذات الشعرية أشبه بحال الفناء لدى الصوفي، إذ تنسحب من عالمها الخارجي المحيط بها، وتدخل عالم الاتصال الروحي الذي يصل حد التوحد، فنجدها تهيم في بحر الشوق بعيدا عن أسرار الجسد الذي تصفه بالرذاذ، وهي تتساءل عنه أي الجسد الرذاذ في ظل لحظة خمرية تتجه فيها نحو الرقص بحثا عن الممكن في اللاشيء إذ تقول ([19]):

آثرت أن أعد ساعات الرمل

وهي تراوغ الظهيرة

وتتساءل عن جسد رذاذ

عن الأخير من احتواء الرقص

وعن الممكن في اللاشيء

معتق امتلاؤك

أعيد به اختلاق نفسي

وأتشكل رغبة نور

يعيد حرارة الطين لخيطه الريان

وللشفافية فوضاها المطلقة

لقد شكل الدال الصوفي مصدر إلهام للشاعرة، عبر توظيف طاقة تعبيرية ذات إيقاع حركي، متمثلة بالرقص الصوفي في التشكيل الشعري، متجاوزة الخطاب الظاهر إلى بنية عميقة، لا يستطيع القارئ الوصول إلى حقيقتها إلّا بالغوص في عمق الدال والبحث عن التوظيف الإشاري له في بنية فنية تعقد مصالحة لغوية بين الجمالي والصوفي والفكري أثناء عملية التأليف.

والرقص الصوفي عالم من الرياضة الروحية لم يكن مجرد حركات تم تنظيمها من الخارج يقوم بها المتصوفة نتيجة التأثر بالإيقاع الموسيقي، بل هي أسمى من ذلك كونها ترتبط بفاعلية الكائن روحيا، إذ تؤكد على تلاحم وتفاعل المعاني الإنسانية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، عبر الأداء الحركي الذي يسير بشكل دائري أثناء الرقص، وهو بعد ذلك محاولة لحماية الجسد وتحصينه من كل ما هو مادي يغلق على النفس اتصالها بخالقها. ([20])

ومن المتصوفة من يرى ((في الرقص الصوفي تجاوزا للذات الإنسانية في العبور إلى المعشوق الأوحد والأزلي فلا يجد سوى الرقص سبيلا لتحقيق الهدف الأساسي والأسمى وهو الفناء والاتحاد معه)).([21])

وبهذا التوظيف نجد أن الرقص بوصفه فعلا صوفيا قد اكتسب معنى جديدا من خلال انتقال رمزيته من التجربة الصوفية المرتبطة بذات علوية سماوية إلى التجربة الفنية ذات البعد الإنساني الأرضي. فالشاعرة تمتص المعنى اللغوي للرقص من الدال الصوفي، وتعيد بلورته بحركة فنية تمثل احتواء الجسد للرقص وهذا الفعل يكشف عن دلالات نفسية، منبعثة عن عاطفة حب قوية ترنو إلى مراقصة الآخر. إذ كما يسعى المريد من خلال رقصته إلى الاتصال بخالقه، تسعى الذات الشعرية بهذا الفعل إلى إعادة خلق نفسها والتشكل من جديد بصفة نورانية تعيد للطين / الإنسان، حرارة شوقه وحبه عبر احتواء الآخر في ثنائية تكوين لها شفافيتها وفوضاها المطلقة التي لا تعرف لها حدودا في رياض العشق.

إنّ الأسلوب الفني المتمثل بالتعبير اللغوي والتشكيل الصوري في تجربة الشاعرة يؤكد على صلة خفية بين المفردات الموظفة شعريا، والتجربة الصوفية، إذ تنطلق كل منهما من الذات الإنسانية صوب المحبوب، مشحونة بالعاطفة الخلاقة التي تصل ذروة نشوتها في الجذب الروحي عبر الرمز الخمري متجاوزة المكان والزمان سعيا إلى الاتصال الروحي المنشود. ([22]) لذا نجدها تعبر لغويا عن عشقها كما فعل أعلام من الصوفية بقولها ([23]):

أميل إلى الأسرار

أنا

هو

أم كلانا

مالنا ولغو الضمائر

تكتسب اللغة في هذا المقطع بعدا صوفيا يؤطر تجربة الحب التي تميل نحو الأسرار، فالشاعرة توجه خطابها نحو المتلقي وتثير فضوله كي يتجاوز سر اللغة بعيدا عن حيز الدلالة المباشرة إلى آفاق باطنية ترتبط نفسيا بعالمها الداخلي الذي أفرز هذا الشكل الأسلوبي، تاركا بصمة الضمائر المترادفة بين الأنا والهو تحيل على مبدأ الحلول عند الصوفية، فالحلاج يقول ([24]):

أنا من أهوى، ومن أهوى أنا         نحن روحان حللنا بدنا

إن حال التوحد عند الصوفي تحقق له لذة خاصة، وسعادة يسمو بها فوق الماديات في لحظة فناء عشقي تنسيه حدود الأشياء، إذ تجعل من الأنا منصهرة في الآخر، إلا أن الروح في حقيقتها لا تغادر الجسد، ولكن تحل فيها مشاعر جياشة تجسد لقاءها بعالم الغيب. ([25])

إن اللغة الصوفية قبل أن تجد لها عالمها الذي تميّزت به كانت – بالأساس- مفردات وألفاظا أخذها الصوفية من المعجم الإنساني الأرضي، وألبسوها معاني جديدة تتلاءم مع تجربتهم الروحية، ولاسيما فيما يتصل بالخمر، وحقل الحب الإنساني، فقد استعاروا من الحب العذري كثيراً من خصائصه في تعبيرهم عن حب الله، ثم أضفوا على لغتهم خصوصية في النظم، أغنت مستوى التعبير الشعري ووسعت أبعاده ودلالاته، بعد أن اكتسب الدال المعجمي في الحقل الصوفي رمزاً متعارف عليه، بين أهل الشأن، له مدلوله الذي يشير إليه.

ونحن إذ نقرأ ديوان مدخل إلى الضوء نجد أن الشاعرة تستلهم تلك اللغة الصوفية الصاعدة إلى السماء، وتعيدها إلى بداية تكوينها المعجمي، لكي ترسم لوحة عشقها الأرضي مع الحفاظ – نسبيا – على شفرة الدال الصوفي في بناء الصورة، وإغناء المعنى. وهي تمارس هذا الأسلوب اللغوي في إخراج قصائدها التي تتعاضد مع بعضها في خلق وحدة عضوية تسم مجموعتها الشعرية.

لذا عندما ننتقل إلى قصيدة أخرى نرى أنّ تلاحما دلاليا يجمع بين المعنى في القصيدتين، ليكون المغزى واحداً، وهذا ما نجده عندما نطالع قصيدة ثانية بعنوان ((في ينبوع روحك)) ([26]) .

أدمنتك

كما النسيم على صدر إله النخيل…

أدمنتك

سيلا

حين قلت لي:

كم خصبة أنت ويانعة…

أدمنتك

وجرحي البنفسج…

أدمنتك

حين صرت كلي

لأقف في محرابك

مجنونة ذاهلة

تستعمل الشاعرة فعل الإدمان المسند إلى المتكلم في عبارة (أدمنتك) على شكل لازمة قبلية بسطر منفرد تفتتح بها القصيدة وتكررها في بداية كل جملة شعرية منها، ((بحيث تشكل مفتاحا يلقي بظلاله الإيقاعية والدلالية على عالم القصيدة)) ([27])، والإدمان – في حقيقته – يرتبط إلى حد كبير لغوياً بالخمر، فيقال: ((فلان يدمن الشرب والخمر إذ لزم شربها. يقال: فلان يدمن كذا أي يديمه. ومدمن الخمر الذي لا يقلع عن شربها، يقال فلان مدمن خمر أي مداوم شربها))([28]).

إن الإدمان المكرر في نص القصيدة، ليس إدمانا للخمر إنما هو إدمان لذات إنسانية تكتسب حضورا بارزا، ثابتا تلح عليه الشاعرة لغوياً عبر تكرار المفعول به/ كاف المخاطب (أدمنتك)، و((التكرار في حقيقته إلحاح على جهة هامة في العبارة يعني بها الشاعر أكثر من عنايته بسواها… يسلط الضوء على نقطة حساسة في العبارة ويكشف عن اهتمام المتكلم بها، وهو بهذا المعنى ذو دلالة نفسية قيمة تفيد الناقد الأدبي الذي يدرس الأثر ويحلل نفسية كاتبه))([29]). وعليه فإنّ العاطفة القوية الكامنة في قلب الذات الشعرية، تخرج من حيّز كمونها (النفس البشرية) تجاه المخاطب على شكل تعبير لغوي فني يجسّد الحال التي هي عليها، ويصوّر شدّة تعلّقها بالمدمَن عليه من خلال ديمومة فعل الإدمان أولا، والتكرار ثانيا. ومذهب الحب هذا وما فيه من غرام لا ينقطع عن المحبوب في القصيدة يأتي على شكل توارد خواطر، أو تناص معنوي مع بيت ابن الفارض من تائيته الكبرى الذي يقول فيه ([30]):

وعن مذهبي في الحبّ ما لي مذهبٌ       وإن ملت يوما عنه فارقت ملّتي

يقول الشارح: ((يكشف هذا البيت من التائية عن حقيقة مذهب ابن الفارض في الحب الإلهي، الذي آمن به إيمانا مطلقا، لا يحيد عنه ولا يميل)) ([31]).

وكذا الشاعرة تؤكّد في خطابها على تمسكها بمحبوبها، فقد أدمنته نسيما وسيلا، أدمنته حتى تحولت جراحها ورداً بنفسجياً لا ألم فيه، إلى أن وصل بها الحال أن تقف مجنونة ذاهلة كما يقف الصوفي يناجي خالقه في محراب التعبد، طالباً رضاه، والاتصال به.

وفيما سبق من القول تم الكشف عن الدوال الصوفية ( من الخمر، والإدمان عليها، والرقص) التي تم توظيفها فنيا. بحيث نزعت الشاعرة عنها لباسها السماوي، وألقت عليها حُلّة أرضية، صبغتها بلون شعري، ولكن كانت الحُلّة أشبه بجبة الصوفي.

3- المناجاة:

المناجاة من النجوى بمعنى السر، يقال: نجوته نجواً: أي ساررته. والمناجي: المخاطب للإنسان والمحدِّث له([32]). وفي القرآن ((ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)) (المجادلة/ 7)، والمناجاة: قد تكون على شكل نداء موجه إلى النفس أو إلى المخاطب، ومناجاة النفس شكل من أشكال الحوار المسرحي أو الأدبي، حيث تعبر الشخصية عن مشاعر معينة عندما تكون وحيدة، ويتم ذلك عن طريق الحوار الداخلي الذي يظهر صداه في لغة النص الأدبي، أو عن طريق معين في الإخراج المسرحي.

 في قصيدة (بياض معتق) ترد مناجاة الذات الشعرية على شكلين داخلية عن طريق نداء النفس، وخارجية تتمثل بنداء المخاطب. والنداء يأتي بأشكال عدة على مسافات متفاوتة، ومن ذلك قول الشاعرة:( أنادي نفسي، فتناديك، أناديني، أنادي ثانية ..ألخ) حتى أصبحت القصيدة نسيجاً لغوياً مترابطاً، ينضح بمناجاة نفسية، وأخرى خارجية. وقد صبغت الشاعرة مناجاتها بدوال صوفية جعلت منها رموزاً وأسراراً موجه إلى القارئ الضمني الذي يُعرف بأنّه ((الأداة الإجرائية المناسبة لوصف التفاعل الحاصل بين النص والقارئ، لأنه يستطيع أن يبين لنا كيف يرتبط القارئ بعالم النص وكيف يمارس هذا الأخير تعليماته وتوجيهاته وتأثيراته التي تتحكم في بناء القارئ للمعنى))([33]).

 والقراءة النقدية للنداء في القصيدة إنما هي قراءة لمناجاة الذات الشعرية، واستبطان لدواخلها النفسية، وعواطفها ومشاعرها تجاه من تناجيه. وقد ارتأينا أن نقسّم القصيدة على مقاطع من أجل القراءة فحسب، أطلقنا عليها نداءات على وفق ظهور المناداة فيها.

والنداء هو طلب إقبال المخاطب إلى المنادي بـ (يا أو إحدى أخواتها)، إلا أن الشاعرة لم تستعمل أيا من أدوات النداء في قصيدتها، ولكن عبّرت عن فعل المناداة بقولها أنادي الذي أعادته بضع مرات، فأخذ مساحة واسعة جعلته يهيمن على التركيب اللغوي في بنية النص، وشكّل- كذلك- استرجاعا صوتيا يمنح القصيدة إيقاعا يمكن وصفه بلازمة شعرية، تعاد نغمتها مع كل مناداة، وتُعد هذه الظاهرة اللغوية في القصيدة أسلوبا تعبيريا ينم عن مناجاة نفسية روحية لها صفتها الخاصة الكامنة خلف اللغة الشعرية التي تمتح من العشق الصوفي، الهيام في المحبوب، وطلب التوحد به.

عنوان القصيدة: ((بياض معتق))([34])

العنوان هنا جملة أسمية، والمعروف أن الجمل الاسمية تدل على الثبوت، فما هو البياض المعتق؟ الذي تريد أن تثبته الشاعرة وما هي دلالته.

إن البياض لون الصفاء لون الأبيض، ورمز الطهر والنقاء، فكيف به إذا كان معتقا، والتعتيق هنا استعمال مجازي يقصد به القدم، يشير إلى الدلالة الرمزية والثيمة اللغوية التي يحملها هذا اللون من زمن أزلي، وكأن الشاعرة تخاطب القارئ بهذه الثيمة وتبادره بما تريد أن تقدمه من مضمون شعري في نصها يحمل تلك الدلالة. إذ إن ((اللون الأبيض كضوء يُعد علة الألوان جميعها لأنه يتحلل من خلال تمريره من خلال موشور زجاجي إلى ألوان الطيف الشمسي، والتي هي الأصفر والأحمر والأزرق والبنفسجي والأخضر والبرتقالي، وتعد هذه الألوان أصل جميع الألوان الموجودة في الطبيعة… وللون الأبيض مدلولات روحية وظاهرية كثيرة تناولها القرآن والفكر الصوفي بشكل واسع)) ([35]).

وبعد العنوان الشعري تنطلق مناجاة الذات الشعرية متمثلة بصوت المرأة الذي يتردّد بحرارة في ندائها لنفسها أولا والمخاطب ثانيا. إلا أن مناداتها لنفسها تفرض حضورها على القصيدة لتطفو عاطفتها الملتهبة بالأسى والحزن على المشهد الشعري.

لنداء الأول: نداء الشاعرة لنفسها

أنادي نفسي فيها

الشمعة التي يعبث بصدرها الليل

أقلب مزاليج العتمة ([36])

تفتتح الشاعرة قصيدتها بمناداة نفسها المنفصمة عن شخصها، فهي تبحث عنها داخل محيط ذاتها.

إنّ المناداة بهذه الصيغة تعبر عن ابتعاد النفس – لسبب ما- عن محتواها الانساني، وعن الجسد الحاضر بشكله المادي وكأنما حال المنادى (النفس) أشبه ما يكون بالشمعة الضعيفة التي تجابه ظلمة الليل الشديدة، العابثة بروح الشاعرة المنزوية لوحدها تقلب مزاليج العتمة. فالنفس توازي دلاليا الشمعة في وصف الشاعرة.

وتكشف الجملة الشعرية في هذا النداء عن غربة الشاعرة النفسية وضياعها في عالم يتراءى لها مظلما معتما. إذ إنّ نداء النفس بهذه الصفة اللغوية، والصورة الشعرية يمثل نقلة أسلوبية في لغة الحوار من العالم الخارجي والأشياء المحيطة بالذات الشعرية إلى عالمها الداخلي (قلب الوجود) بحثا عن النفس المبتعدة عن كيانها، لذا تطلب الشاعرة إقبال نفسها عليها لتعيد ارتباطها بها في جوهر الأنا البشرية، وما البحث عن النفس وما فيها من أسرار، إلا بحث عن حقيقة أو معرفة تجهلها الشاعرة، ((والمعرفة الصوفية نداء داخلي يمتلأ به قلب الصوفي الذي كلأه حبيبه بالولاية، فيلبيه ضرورة واتساقا)) ([37]). كما في قول الحلاج. ([38])

لبيك، لبيك، ياســـــــري ونجــواي                             لبيك، لبيك، يا قصدي ومعناي

أدعوك، بل أنت تدعوني إليك فهل                 ناديت إيــــاك أم ناديت إيـاي

إنّ الحلاج في عجز البيت الثاني يستعمل الاستفهام بشكله المجازي الذي يخرج عن الاستفهام الحقيقي المراد الجواب عنه إلى دلالة أخرى، نكتشف مغزاها من أم المعادلة التي جعلت من نداء المخاطب في إياك، والذات في إياي، نداءً واحداً، فنداء النفس هو نداء للمخاطب ونداء المخاطب هو نداء للنفس، وهذا التعادل في المناجاة – إن صح التعبير- نجد أثره عند الشاعرة في ندائها السابق، والذي يكمله المقطع الآتي:

النداء الثاني: نداء الشاعرة المخاطب في محيط ذاتها

فتناديك فيّ

كما الظل

على حائط أخرس

إذا لم تمر يداك على مقبض الحياة

الساعة جذع

تساقطت غصونه

والسقف مطر شاحب ([39])

إن النفس المنادى عليها في مطلع القصيدة تعود هي لتنادي المخاطب في محيط الدائرة نفسها (الذات الشعرية)، والنداء الأول والثاني كلاهما لا يتجاوز مداهما الصوتي كينونة الشاعرة بدليل الظرف المكاني المشار إليه في: (أنادي نفسي فيها) (فتناديك فيّ). أي إنّ توظيف النداء عند الشاعرة يقترب فنيا من الأسلوب الصوفي الذي أشرنا إليه عند الحلاج.

إن الحوار المستشف من ردة فعل النفس في النداء الثاني للأول يعبر عن خصوصية الضمير (الكاف في تناديك) وتمركزه مكانيا داخل هذه الذات (فيّ), فالعلاقة مصيرية لا تنفصم بين المنادي والمنادى، فهما يتوحدان في محيط يضمهما، لذا كان النداء الثاني صدى يسترجع البوح العاطفي للنداء الأول.

ويُظهر التشبيه البليغ (كما الظل/ على حائط أخرس) الاتصال القائم بين الذات الشعرية والمخاطب. والشاعرة تنتقي-هنا- أشياء محسوسة، لتكون أقرب في بيان الانسجام الروحي، وأبين لما تريد البوح به والتعبير عنه، فيما يخص وجه الشبه بين المشبه والمشبه به. إذ إن الاندماج بين الظل والحائط المذكور يمثل التشابه والتوحد والارتباط بين النفس والمخاطب، فصفة التلازم تتحقق في طرفي التشبيه.

وقد جاء وصف الحائط بالأخرس ليس لتأكيد نوع الموصوف، لأن الحائط من البديهي أنه ينتمي إلى صنف الجمادات، ولكن للإشارة إلى المشبه (ضمير المخاطب) الذي لم تفصح الشاعرة عنه بعد، ليبقى القارئ في حيرة من أمره يبحث عنه في إشارات النص. ووصفه بالأخرس جاء لتأكيد عدم مقدرته على رد نداء الشاعرة له.

وعلى الرغم من هذه الصفة إلا أن شدة تمسك الشاعرة بالمخاطب تجعلها تتجاهل واقعية المشهد بقصدية الحلم والأمل فتقول: (إذا لم تمر يداك على مقبض الحياة/ الساعة جذع / تساقطت غصونه /والسقف مطر شاحب).

ونلاحظ أن الصور الشعرية تستمد فنيتها وجماليتها – في القصيدة- من الفنون البلاغية المتنوعة، فالشاعرة تستعين بها لتبث الشعرية في البنى التشكيلية للجمل اللغوية. وما استعارتها المقبض للحياة، ولا تشبيه الساعة بالجذع الأعزل ولا سقف المنزل بالمطر الشاحب إلا صورا خيالية تمنح النص ألقا شعريا خلابا يفيض بالحيوية.

وجاءت الصورة الشعرية في قولها (إذا لم تمر يداك على مقبض الحياة) معكوسة، إذ إن الواقع المألوف هو أن الحياة هي التي تنقل الإنسان من حال إلى آخر، ولكن الاستخدام الشعري جعل يدي المخاطب هما اللتان تمنحا الأشياء حياة، فالزمن المختزل بالساعة يتوقف نبض الحياة فيه ويصبح جذعا بلا روح، والمكان المختزل كذلك بسقف البيت يتحول إلى مطر شاحب /عذاب أصفر؛ فالزمان والمكان يتغيران إذا لم تستعيد الحياة شكلها فيك ايها المخاطب، وإذا لم تسهم أعضاؤك باكتساب هذه الصفة، إن أداة الشرط (إذا) في النص تستلزم مشاركة أعضاء المخاطب وحضوره، من أجل منح الزمن والمكان بهجة الوجود، لذا تلح الشاعرة وبشكل متكرر على مناداة ذاتها لتحقق وجودها في الآخر فتقول في النداء الثالث:

النداء الثالث: نداء الشاعرة لذاتها في المخاطب

أناديني فيك

يتردد صوتي كرجع عشب

يخرج زخم حلقات

سورا رضعت روحينا

وتورمت ([40])

في هذا النداء يتغير الظرف المكاني عما كان عليه في النداء السابق، إذ ينتقل من شخص الشاعرة ومحيطها الذاتي إلى المخاطب (فيك). وبعد أن كان مسكن المخاطب في ذات الشاعرة في النداء الثاني نرى هنا أن الأماكن تتبدل وتصبح الشاعرة هي من تسكن في ذات المخاطب. وللتوضيح يمكن تمثيل علاقة التوحد في النداءين بين الشاعرة والمخاطب بالمخطط الآتي:

    الشاعرة     أنادي نفسي فيها    المخاطب

                 تناديك فيّ

    أناديني فيك

إن ضمير الشاعرة والمخاطب في النداء الثاني والثالث يجمعهما محيط مشترك بين الدائرتين، فالشاعرة تسكن في ذات المخاطب، والمخاطب يسكن في ذاتها، ويبدو هذا التوحد واضحا في قول الشاعرة (سورا رضعت روحينا / وتورمت). إن روح الشاعرة والمخاطب رضعتا من مصب واحد وثملتا حتى تورمت، فهي تؤكد على الآصرة القوية التي تربط بينهما، فليس هناك شيء أقوى من رباط الرضاعة الذي تشير إليه.

والرضاعة هنا لا تأتي على وجه الحقيقة لأن هذا الفعل يجعل المشتركين به أخوة، ولكن لبيان أن الشاعرة والمخاطب قد شربا من مصب واحد في الحياة وتقاسما أفراحها وأحزانها، ولتأكيد العلاقة الحميمة التي تجمع بينهما لذا تعود الشاعرة وتنادي مجدداً.

النداء الرابع: تكرار مناداة الشاعرة

أنادي ثانية

أذهّب صوتي

قمرا يتلبس وجه الله

آخر سجينة تسبيحة

بين الفكرة واللج[41]

ليس المقصود من قول الشاعرة (أنادي ثانية) العدد اثنين لأن الترتيب العددي لنداءات الشاعرة من بداية القصيدة حتى قولها هذا قد تجاوز العدد المذكور، ولكن الغاية منه إشعار المتلقي بتكرار النداء، أو أن الاعتلاج الداخلي للذات الشعرية، وما يعترك في نفسها من عاطفة جيّاشة تجاه المنادى هو الذي دفعها إلى استخدام هكذا تعبير للدلالة على الإلحاح في طلبها، فهي تحاول جاهدة إيصال صوتها إليه حتى أنها تمنحه صفة الذهب فتقول (أذهّب صوتي)، فتعطيه صفة جمالية محسوسة من خلال المعدن الثمين لعل نغمته المذهبة تلامس سمع المنادى.

وبعد التمعن بنداءات الشاعرة نكتشف أنها تعيش حالة أشبه ما تكون بالوجد الصوفي، فهي تنادي حبيبا قابعا بصفة رمزية خلف ضمير المخاطب الذي لا يحيل على شخص معين، ولم تكشف النصوص الشعرية عنه، ولكن كل المؤشرات البنيوية في قصائد الديوان تؤكد على أن المسكوت عنه ذات بشرية. كما في قولها الآتي:

النداء الخامس: دهشة النداء

يدهشني نداء

أغرب ما فيه لهوه على شفتيك

أغرق بأبجدية تستضيء بلعنة حروفها

تأتي أنفاسك قافلة

أقرأ ركبها وأبارك دائي

أفصّل جسمي على قامتك

أهتدي بطيف يغزلني

وأتوسل رجاء الناي

خفيفا يتكسر صوتي بين ثقوبه

أنفخ أنفخ وأنفخ ([42])

يتغير أسلوب النداء في المقطع الشعري أعلاه عمّا سبقه، فهو يصدر من جهة خارجية غير محددة المرجعية إلا أن صفته تدهش الشاعرة لغرابة لهوه على شفتي المخاطب.

               إن دهشة الشاعرة لا تتحقق من إصدار النداء لأنه شيء مألوف ولكن من غرابة هذا النداء الموصوف باللهو على شفتي المخاطب، وتلك الصفة تتجاوز المعنى الحقيقي للنداء، لأن الصوت يدرك بالسمع لا بالشفاه، لذا تضعنا أمام مشهد استثنائي ترسمه بشكل شعري يصوّر حالة الحوار المتحقق نفسيا الغائب واقعيا بين الذات الشاعرة والمخاطب. وهي تستنجد باللغة اداة الحوار لعلّها توصل صوتها إليه، من أجل إيجاد وسيلة تواصل بينهما عبر لعنة الحروف التي تستضيء بها.

في هذا المشهد الدرامي الذي تتصارع فيه النفس مع وسيلة التواصل (اللغة): (أغرق بأبجدية تستضيء بلعنة حروفها) تحاول الذات الشعرية في لحظة إبداعها أن تفتح منافذ لإدراكها العاطفي المتصاعد، ولأحاسيسها المتجلجلة في قلبها مع الاخر، وفي ظل هذا الصراع تشعر بوجود المخاطب وقربه منها إذ تستقبل أنفاسه كالقافلة المكبة في السير نحو هدفها ( تأتي أنفاسك قافلة). والصورة الشعرية لأنفاس المخاطب توحي بمدى شوقه ولهفته للمتكلمة (الشاعرة).

وفي هذا المناخ العصي تقرأ الشاعرة ركب أنفاس الحبيب وتبارك مرضها (أقرأ ركبها وأبارك دائي). ويعود حنينها وشوقها ليبلغ ذروته فتفصّل جسمها على قامة المخاطب (أفصّل جسمي على قامتك)، إذ ترنو إلى التوحد به والاندماج معه في قامة واحدة وجسد واحد، فتسعى إلى مغادرة غربتها النفسية والمكانية لتتصل بمعشوقها.

إلا أن الأماني طيف يغزل خيوطه حول الشاعرة (أهتدي بطيف يغزلني)، فيطفو الحزن على عاطفتها فتتوسل بالآلة الموسيقية التي يعانق لحنها الحزين القلب الموجوع (واتوسل رجاء الناي/ خفيفا يتكسر صوتي بين ثقوبه/ أنفخ أنفخ وأنفخ ).

ومن هذا الوجع الشعري النابض بالعشق الإنساني/ الصوفي تصدر الشاعرة آهاتها بالنفخ المتكرر في ناي الألم الذي يتضامن لحنه الحزين مع إيقاع النداء المتكرر في القصيدة. فهي تعود لمناداة النفس في هذا الناي من جديد في النداء السادس:

النداء السادس: نداء النفس في الناي الحزين

أنادي نفسي فيه

أتوقد على صدر الليل

أعتق البياض

وأتوضأ في كأسك[43]

تدرك الشاعرة في خاتمة القصيدة أن النداءات كلها قد ذهب صداها مع الريح، ولم تجد جوابا لها سوى في عالمها الداخلي الذي ترددت الأصوات فيه، فهي تعزي نفسها الثكلى بالرجوع إلى الناي لتبث فيه الحزن المشترك في جوف الليل معتقة البياض.

يأتي المقطع الأخير بشكل نداء للنفس كذلك لتصبح القصيدة سلسلة نداءات ترتبط حلقاتها من البداية حتى النهاية، وتعود النهاية لتتصل بالبداية ليكون صوت الذات الشاعرة المحور الرئيس الذي تجتمع حوله بقية العناصر.

لقد أصبحت القصيدة دائرة مغلقة من المناجاة، تحتضن الذات الشعرية والمخاطب في مناخ صوفي تختلي فيه الشاعرة مع عشقها الذي تتوقد من أجله في جوف الليل معتقة البياض، وهي تمنح النهاية بصيص أمل تختم به القصيدة إذ تتمنى الوضوء من كأس المخاطب فاتحة الأمل لغد جديد يحقق الاتصال الروحي والجسدي مع الآخر.

المصادر والمراجع:

  • الكتب:
  • تائية ابن الفارض الكبرى وشروحها في العربية، تحقيق ودراسة: د. عبد الخالق محمود عبد الخالق، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ط/1، 2009م.
  • التصوف في الشعر العربي نشأته وتطوره حتى آخر القرن الثالث الهجري: عبد الحكيم حسان، مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة الرسالة، 1954م.
  • دلالة اللون في القرآن والفكر الصوفي: أ. د. ضاري مظهر صالح، دار الزمان، ط/1، 2012م.
  • ديوان الإمام العارف بالله الشيخ أبي حفص شرف الدين عمر بن الفارض، المطبعة الأدبية، بيروت، 1891م.
  • ديوان الحلاج، صنعه وأصلحه: د. كامل مصطفى الشيبي، دار آفاق عربية، بغداد، ط/2، 1984م.
  • ديوان الشبلي، جمع وتحقيق: كامل مصطفى الشيبي، دار آفاق عربية، بغداد، 1967م.
  • شرح ديوان الحلاج: كامل مصطفى الشيبي، دار آفاق عربية، بغداد، 1974م.
  • الشعر الصوفي حتى أفول مدرسة بغداد وظهور الغزالي: عدنان حسين العوادي، دار الرشيد للنشر سلسلة دراسات (191)، وزارة الثقافة والإعلام، العراق،1971م.
  • الشعر الصوفي في القرن الثالث هجري: مريم عبد النبي عبد المجيد، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط/1، 2012م.
  • القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية (حساسية الانبثاقة الشعرية جيل الرواد والستينات): د. محمد صابر عبيد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001م.
  • قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، مكتبة النهضة، بغداد، ط/2009م.
  • لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور)، دار صادر،2003م.
  • مدخل إلى الضوء: وفاء عبد الرزاق، مؤسسة المثقف العربي، سدني، أستراليا، توزيع العارف للمطبوعات، النجف، ط/1، 2012م.
  • مدخل إلى علم الأسلوب: شكري عياد، القاهرة، 1982م.
  • من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة (دراسة تحليلية نقدية في النظريات الغربية الحديثة): عبد الكريم شرفي، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، ط/1، 2007م.

ب المجلات العلمية:

  • أشكال الأداء الحركي عند المولوية: حسام محسب، مجلة الفن المعاصر (فصلية علمية محكمة)، مصر، أكاديمية الفنون، ع 9 و10، 2009م- 2010م.
  • تعالق التجربتين الشعرية والصوفية لدى صلاح عبد الصبور: د. علي مصطفى عشا، مجلة جامعة دمشق، مجلد25، العدد الأول + الثاني2009م.

……………….. ***** ……………….

الهوامش:

([1]) مدخل إلى الضوء: وفاء عبد الرزاق، 7.

([2]) المصدر نفسه، 35.

([3]) المصدر نفسه،21.

([4])مدخل إلى الضوء، 31.

([5]) مدخل إلى الضوء، 32.

([6]) مدخل إلى علم الأسلوب: شكري عياد، 121.

([7]) مدخل إلى الضوء، 41.

([8]) المصدر نفسه، 45.

([9]) المصدر نفسه، 49.

([10]) المصدر نفسه، 53.

([11]) الشعر الصوفي حتى أفول مدرسة بغداد وظهور الغزالي: عدنان حسين العوادي، 200.

([12]) ديوان الشبلي ، جمع وتحقيق كامل مصطفى الشيبي، 129.

 ([13] ) ديوان مدخل إلى الضوء: وفاء عبد الرزاق، 15.

[14] ) ) لسان العرب: ابن منظور، ج/1، مادة أثر.

([15] ) لسان العرب: ج/5،مادة خمر.

([16] ) الشعر الصوفي حتى أفول مدرسة بغداد، وظهور الغزالي،206.

( [17] ) ديوان مدخل إلى الضوء، 15.

( [18] ) التصوف في الشعر العربي نشأته وتطوره حتى آخر القرن الثالث الهجري: عبد الحكيم حسان، 299.

([19] ) ديوان مدخل إلى الضوء، 16.

([20] ) ينظر: إشكالية الأداء الحركي عند المولوية: حسام محسب، مجلة الفن المعاصر، مصر، أكاديمية الفنون، ع 9-10، 2009-210، 188.

([21] ) الرقص الصوفي ورمزية الحركات الراقصة المولوية أنموذجا: إياد محمد حسين، وعامر محمد حسين، مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية، مجلد /4، ع/3، 2015م، 75.

([22]) ينظر: بحث في علم الجمال: جان برتلمي، 602 وما بعدها. والتفضيل الجمالي (دراسة في سيكولوجية التذوق الفني): شاكر عبد الحميد، مجلة عالم المعرفة، الكويت، ع 267، 2001م، 73 وما بعدها.

([23]) مدخل إلى الضوء، 16.

([24]) ديوان الحلاج: صنعه وأصلحه: د. كامل مصطفى الشيبي، 77.

([25]) ينظر: الشعر الصوفي في القرن الثالث الهجري: مريم عبد النبي عبد المجيد، 134-135.

([26]) مدخل إلى الضوء، 69.

([27]) القصيدة العربية الحديثة بين الدلالة والبنية الإيقاعية (حساسية الانبثاقة الشعرية الأولى جيل الرواد والستينات): د. محمد صابر عبيد، 204.

([28]) لسان العرب، مادة دمن.

([29]) قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، 242.

([30]) ديوان الإمام العارف بالله الشيخ أبي حفص شرف الدين عمر ابن الفارض، 23.

([31]) تائية ابن الفارض الكبرى وشروحها في العربية: تحقيق ودراسة: د. عبد الخالق محمود عبد الخالق، 298.

([32]) ينظر: لسان العرب، مادة (نجا).

([33]) من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة ( دراسة تحليلية في النظريات الغربية الحديثة): عبد الكريم شرفي، 185.

([34]) مدخل إلى الضوء، 25.

([35] ) دلالة اللون في القرآن والفكر الصوفي: أ. د. ضاري مظهر صالح، 96-97.

([36] ) مدخل إلى الضوء، 25.

([37]) الشعر الصوفي حتى أفول مدرسة بغداد وظهور الغزالي،216.

([38]) شرح ديوان الحلاج: كامل مصطفى الشيبي،146.

([39]) مدخل إلى الضوء، 25.

([40]) ديوان مدخل إلى الضوء، 26.

([41]) ديوان مدخل إلى الضوء، 27.

([42]) ديوان مدخل إلى الضوء، 28.

([43]) ديوان مدخل إلى الضوء، 28.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here