المرأة في روايات الحبيب السالمي: دراسة انتقائية
بقلم
محمد عارف
باحث في الدكتوراه بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.
————————————-
ملخص البحث:
الحبيب السالمي من المبدعين العرب المقيمين في فرنسا. ولد في تونس عام 1951م. كان والداه أميين لا يعرفان الكتابة والقراءة حتى القران الكريم الذي لا يكاد يخلو منه أي بيت تونسي. ولذلك لم يكد يقرأ شيئا قبل سن الرابعة عشرة. وكل ما يقرأه كان يقتصر على ما كان يوزعه عليه المعلمون من قصص الأطفال لمطالعتها وتلخيصها ضمن واجباتهم المدرسية، ومثل هذه القصص لم تكن متوفرة بالقدر الكافي في مدرسة ريفية نائية في بلد مثل تونس في مثل تلك الفترة من الخمسينات التي أعقبت الاستقلال. هاجر السالمي إلى باريس ليتعايش مع أجوائها الخصبة وينهل من ثراها الأدبي. إذا نطالع أعماله الأدبية وخاصة رواياته، نجد أن أسلوب رواياته متميز ورائع، وهو يعالج قضايا المجتمع العربي التونسي مع قضية المرأة بأسلوب سهل وبسيط. من أعماله البارزة في مجال الرواية “جبل العنز” 1988م، “صورة بدوي ميت”1990م، “متاهة الرمل” 1994م، “حفر دافئة” 1999م، “عشاق بية” 2002م، “أسرار عبد الله” 2004م. وقد وصلت روايته “روائح ماري كلير” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية بوكر عام 2009م، وكذلك تم ترشيح رويته ” نساء البساتين” أيضا للقائمة القصيرة لنفس الجائزة عام 2012. وقد ترجمت أعماله الروائية إلى عدة لغات عالمية منها “روائح ماري كلير” التي ترجمت إلى الإنجليزية وصدرت عن دار آرابية عام2012م. أما الرواية “نساء البساتين” فهي ترجمت إلى اللغة الألمانية والفرنسية. هذه الدراسة محاولة متواضعة لمعالجة قضية المرأة في ثلاث روايات للروائي المبدع الحبيب السالمي.
الكلمات الرئيسة: الحبيب السالمي، تونس، الرواية العربية، نساء البساتين، عواطف وزوارها، المدرسة الصادقية.
نبذة عن الحبيب السالمي:
ولد الحبيب السالمي في قرية العلا في القيروان بتونس عام 1951م، توفي والداه وهو لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره. درس في المدرسة الصادقية، وحصل على شهادة التبريز في اللغة العربية. درّس بداية في مدرسة ثانوية في تونس قبل هجرته إلى فرنسا. وهو يدرّس اللغة العربية الآن في مدرسة ثانوية في باريس. قد أصدر مجموعة قصصية “امرأة الساعات الأربع” عن دار الآفاق الجديدة في بيروت عام 1986م.
يكتب الحبيب السالمي عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية في تونس خاصة، والمجتمع العربي عامة، ويتطرق إلى المحظور السياسي مع الجانب الديني في المجتمع العربي، ويتطلع إلى مجتمع غربي من خلال أبطاله في رواياته. يكتب عن التابوهات في المجتمع العربي ولكنه يعرف الخيط الفاصل بين اللغة الإيروسية واللغة الداعرة. ويكتب عن الجنس، والجنس عنده هو الحياة. أما الموضوع الذي عالجه في معظم رواياته هو المرأة ووضعها في المجتمع التونسي والعربي، وللمرأة حضور قوي في رواياته، وخير دليل على هذا رواياته المسماة باسم المرأة، سواء هي إمرأة عربية أو غير عربية. ومن أهم الروايات التي عالج فيها الحبيب السالمي قضية المرأة ومعاناتها في المجتمع العربي هي رواياته “عشاق بية” الصادرة عن دار الآداب، بيروت، 2001م، و” روائح ماري كلير” دار الآداب، بيروت،2008م، و” نساء البساتين، دار الآداب، 2010م، و”عواطف وزوارها” دار الآداب، بيروت، 2013م، و”بكارة” دار الآداب بيروت،2016م، وأخيرا روايته “الاشتياق إلى الجارة” دار الآداب، بيروت 2020م. وقد وصلت الرواية “الاشتياق إلى الجارة” إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية عام 2020م. وها أنا أقدم لمحات تعريفية عن ثلاث روايات للروائي الحبيب السالمي التي تناولت قضية المرأة ببراعة فنية وندرسها دراسة تحليلية.
- نساء البساتين
” نساء البساتين” هي أكثر الروايات التي تتحدث عن المرأة وخاصة المرأة العربية التونسية. في هذه الرواية البطل الراوي هو توفيق الذي جاء إلى تونس من فرنسا في زيارة قصيرة، ويسكن في بيت أخيه إبراهيم الذي أصبحت قرينته “يسرى” محجبة، ولهما طفل لطيف اسمه وائل. أما الشقيق الأكبر بشير فهو ينعم في وضع اجتماعي أفضل، والبطل الراوي توفيق متزوج من كاترين الفرنسية التي لم ترافقه في هذه الرحلة. يلاحظ توفيق بعين الزائر أن “يسرى” زوجة أخيه صارت محجبة، وأن أخاه الكبير قد عزم على الحج، ولكنه لا يزال يشرب الخمر، وأخوه إبراهيم زوج “يسرى” يتلصص على جارته وينظر ذراعيها العاريتين. فهذه الرواية تكشف عن هذه التناقضات الاجتماعية والنفاق السائد في المجتمع، وتعالج القضايا الاجتماعية ببيان هذه التناقضات.
ونجد في الرواية أيضا أن البطل الراوي المهاجر يراقب نفسه ومكانه الأول في هذه الزيارة ويحاسب نفسه كم تغير هو وكم تغير المكان! وهو يتوقف في سياحته مع صديق قديم تونسي يعاني محنة القوانين النافذة. وهذا الصديق يتمنى الهجرة إلى فرنسا، وشأنه شأن معظم شخصيات الرواية، يعيش بين عراك زوجته وإدمانه ارتياد بيوت الدعارة، وما يشكله قانون الأسرة التونسي من محنة تطال حريته في الصميم، كما يقول صديق الراوي خلال الحوار الذي يدور بينه وبين صديقه: “هذا هو القانون في تونس.. الرجل يترك الدار للمرأة والأولاد لما يطلب الطلاق.. الرجال هنا في تونس يخافون النساء”[1].
ولكن السؤال هنا ما الذي تخافه المرأة؟ وهي تعيش معضلة المراقبة من قبل الجيران لكونها إمرأة وحيدة ومرغوبة، كماهي حال بطلة من بطلات الرواية، هذه المرأة تحولت عن دورها كداعية إلى التزمت بعد أن كان بمقدورها كسب إعجاب نساء المبنى والحي بسبب ورعها. “ولكن البطل يكشف زيفها، فتعود إلى حياتها الطبيعية، ولكنها هذه المرة لاتسلم من مطاردات الرجال، حيث يستدعي الأخ المضيف البوليس فيعتقلها بتهمة إيواء رجل”.[2]
والمرأة الأخرى التي يدور حولها السرد هي ليلى أخت “يسرى” التي تعمل في إحدى المكاتب، والتي فاجأته الراوي باستقبال حار على الرغم من أنها متزوجة ومتخاصمة مع أختها. هذا الوضع الاجتماعي والسياسي المغلف بمظاهر التحديث وفتح الأسواق العصرية، ووجود القوانين التي تحمي المرأة على الأوراق لا في الواقع، وتسهيل سبل التبرجز المادية، هو ما يجعل ليلى الحريصة على ممارسة حريتها تسأل توفيق، بعد أن استدرجته إلى مضاجعتها، “هل يمكنه أن يتزوجها لو طلقت لأنها تريد العيش في فرنسا، تتزوجني…لو طلقت؟؟؟
أريد أن أعيش معك في فرنسا….
ولماذا تطلقين؟ وضعك ممتاز، موظفة..متزوجة.. وعندك ولد..وبيت حلو كهذا..الكثيرون يتمنون أن يكون وضعهم مثل وضعك..وتتصورين أن الحياة في فرنسا سهلة؟..إنها أصعب..
وترد ليلى: أعرف.. ولكنها أحلى. في تونس أحس أني مخنوقة.. وما أستطيع أن أتنفس. تونس صارت مثل جهنم”.[3]
هذا الحوار بين الراوي وليلى أخت يسرى يدل على أن القوانين التي تحمي المرأة هذه توجد فقط على الأوراق ولا توجد في الحقيقة، والمرأة التونسية تواجه المشاكل في المجتمع التونسي في ممارسة حريتها. ويتضح الكلام بالحوار الذي يدور بين البطل وليلى عن الرجل والمرأة التونسية بالنسبة للقوانين والحقوق الخاصة للمرأة.. “هذه البلاد للرجال..المرأة هنا لايمكنها أن تعيش، وما تستطيع حتى أن تلبس ما تريد.. وإذا فعلت يقولون عنها قحبة..التوانسة يفتخرون بأن المرأة في تونس حرة ولها حقوق لا توجد في أي بلد عربي آخر..لكن ولا واحد منهم يحترم هذه الحقوق”[4].
يقدم الحبيب السالمي صورة المرأة التونسية في ثلاث شخصيات نسائية، وهي: يسرى زوجة أخ الراوي التي صارت محجبة، وأختها ليلى الموظفة في إحدى المكاتب والمتزوجة بتونسي، ونعيمة التي تم القبض عليها بتهمة إيواء رجل. فالكاتب يراقب الأمور ولا يأتي بأي دليل عن الأمور التي يشاهدها خلال زيارته القصيرة لتونس. ونطلع على أن المرأة التونسية تمارس الحرية ولكنها مع هذه الحرية تواجه المشاكل في حياتها اليومية.
- عواطف وزوارها:
أما الرواية الأخرى للحبيب السالمي التي تتحدث عن المرأة فهي “عواطف وزوارها” الصادرة من دار الآداب، بيروت. هذه الرواية تختلف تماما عن الرواية “نساء البساتين” لأن “نساء البساتين” تقدم صورة المرأة العربية في تونس، ولكن الرواية ” عواطف وزوارها” هي تتحدث عن عرب لكنهم فرنسيون من مختلف الجنسيات العربية. يجتمعون في منزل عواطف المصرية لينسوا الفرنسية ويتبادلوا الأحاديث والعلاقات الغرامية في الفضاء. هذه الرواية بصوت التونسي “المنصف” أستاذ الفيزياء والكيمياء في إحدى المدارس الفرنسية، وهو يروي علاقته بعشيقته المصرية “عواطف” التي يقيم معها علاقة غرامية بعد طلاقها من زوجها بوعلام الجزائري، وقد تعرفتْ عواطف التي تنحدر عائلتها من جزيرة صقلية على ثلاثة فرنسيين وبلجيكي وبرتغالي وإيطالي. وتقيم معهم علاقات غرامية، إحداها كانت ناجحة واستمرت لفترة طويلة، لكنها أيقنت أنها غير قادرة على أن تتأقلم تماما مع الرجل الأوروبي. ولكنها- رغم تجاربها السابقة المرة- تصمم على أن تتزوج من جديد وأن تضع حدا لهذه الصعلكة الغرامية على حد قولها.[5] وهي تفشل كل مرة في علاقاتها الغرامية مع الرجال من مختلف الجنسيات الأوروبيين والإيطاليين والعرب. وبعد كل تجاربها المرة في علاقاتها، “عواطف غيرت نمط حياتها وسلوكها وحتى شكلها. ووضعت خططا محكمة واستخدمت كل ما تعرف من حيل، إلا أنها فشلت في العثور على زوج مناسب يليق بها”.[6]
هذه العلاقات التي توجد بين عواطف والرجال الآخرين من مختلف الجنسيات تؤكد لنا أن العلاقات ليست لها أهمية كبيرة في المجتمع الأوروبي مثل المجتمع العربي. وعواطف بكونها سيدة مصرية تمارس الجنس مع “المنصف” بعد طلاقها، ولذلك هي تخاف دوما زوجها الجزائري “بوعلام” الذي يمثل صوت الشرق الذكوري. وهو يكبرها بأحد عشر عاما. وقد عاشت معه ستة أعوام كاملة. وبعد ذلك، بدأت تعاني باستمرار من غزوات طليقها الجزائري بوعلام الذي أصابه الجنون حين عرف أن عواطف أقامت علاقة مع رجل تونسي.
يقدم هذه الرواية كيفية العلاقات بأنها كيف تنكسر بين الرجل والمرأة حتى بعد أعوام، ويبدو بذلك الحوار الذي دار بين “المنصف” و”عواطف” عندما سألها “المنصف” عن العلاقات بينها وبين “بوعلام”. “ذات صباح بينما كانت تنظر إليه من الخلف وهو في الحمام يغتسل، وتحديدا في اللحظة التي انحنى فيها على الصنبور ليغرف الماء بيده المضمومتين، داهمها إحساس قوي بأنها لاتحبه”.[7]
هذه هي الحقيقة للعلاقات بين الزوج والزوجة، وبين العشيق والعشيقة، وهذه هي الحرية الجنسية التي يتمتع بها أشخاص الرواية التي تتلاءم مع الصيغة الفرنسية التي يعيشونها، والمغامرات الجنسية بينهم لاتخلو من تعبير عن الكبت الذي كانوا يعيشونه في بلدانهم. “يوجد هناك انتماءان يتداخلان دائما لدى تقويمهم ما يدور حولهم. أما على الصعيد الجنسي فالانتماء إلى الجسد وعلاقته بالآخر سمتان واضحتان لناحية الميول أو العلاقة بين الجسد الفرنسي والعربي، إذ تثرثر الشخصيات دوما حول هذه الأجساد وتقارن بينها وأيها أكثر فحولة”.[8]
منزل عواطف أشبه بمكان للتفريغ والتصرف بحرية، فلا نجد محرمات في هذا الداخل الذي يرسم صورة العربي المتحرر من القيود. وفي مواجهة الخارج الفرنسي المنظم الروتيني. فما هو حرام وعيب في البلاد العربية نراه عاديا وصحيا في فرنسا، بل من الغريب نجد أن هؤلاء الأشخاص يناقشونه ويحاولون تبريره.
أما المرأة الأخرى في الرواية فهي مريم، وهي إمرأة مشاكسة وأقوالها وتصرفاتها تصدم أحيانا من لا يعرفها معرفة عميقة. درست الأدب الفرنسي لسنتين كاملتين في جامعة السوربون. كانت متفوقة في الدراسة، لكنها انقطعت عنها فجأة لتعمل موظفة في مكتب لوكالة أسفار سياحية يديره فرنسي يهودي من أصل تونسي. تزوجت مريم من طبيب تونسي تربطها به علاقة قرابة غامضة من جهة أمها. لم تنجب سوى صبي واحد اختار أن يعيش مع أبيه بعد أن طلقت زوجها لكنه ظل على صلة وثيقة بها. وفي شخصية مريم نجد أنها في علاقة غرامية مع الراوي حيث يعترف قائلا ” لابد من أن أعترف بأنه كانت لدي علاقة سرية بمريم حين كانت متزوجة. دامت أكثر من عامين. وكانت جنسية بحتة.[9]
مريم تكره العرب مع أنها تزوجت من عرب وكانت لها علاقة سرية ب”المنصف”. وكلما أتيحت لها الفرصة انتقدت العرب وسخرت منهم، وشتمتهم مستثنية في أغلب الأحيان الفلسطينيين الذين تعطف عليهم لمعاناتهم. ” العرب جنس فاسد. تردد دائما. لاتكتفي مريم في سب وشتم العرب على هذا فقط، ولكنها في بعض الأحيان تذهب بعيدا في انتقاداتها للعرب. فهي تكره طريقة العرب في ممارسة الجنس مع المرأة فهم لا يعرفون أصول الجنس وطقوسه وقواعده، العرب يتصورون أنهم فحول..لا يمكن أن يخطر ببالهم أن “النصاري” هم أيضا فحول بل وأفضل منهم..أنا جربت العرب وجربت الفرنسيين. فهي تفضل الفرنسيين على العرب في معاشرة النساء وطريقتهم في ممارسة الجنس. لأن الجنس بالنسبة للفرنسيين فن كامل له أصوله وطقوسه وقواعده. أما العربي فيضاجع مثلما يفعل الديك مع الدجاجة، فهو يصعد فوق المرأة. وتقول عن المتعة التي تجدها المرأة مع الرجل، إن الرجل العربي لا يفكر أبدا في المرأة التي تحته، ولا يخطر بباله أن يعرف إن تمتعت أم لا؟.. وتضيف قائلة إن العرب الذين تعرفهم هم هكذا..باستثناء عدد قليل منهم… وتستثني العرب “خصوصا الذين عاشروا لفترة طويلة نساء أوروبيات، وهؤلاء تعلموا كيف تؤخذ المرأة”. [10].
هذه هي صورة المرأة في رواية “عواطف وزوارها” التي تجسدت في شخصيتي عواطف ومريم. تفشل عواطف في كل محاولاتها في العثور على زوج مناسب يليق بها. لكن في النهاية ورغم ابتعاد الشخوص كلها عن الدين(الإسلام بخاصة) نراهم في ما يتعلق بالزواج يستذكرون أصولهم، حتى “عواطف” تريد الزواج من “إدريس” على سنة الله ورسوله،[11] ويتغير إثر ذلك سلوكها مع “المنصف” وتكتفي بمصافحته فحسب.
- روائح ماري كلير
من روايات الحبيب السالمي التي تعالج قضية المرأة هي روايته الشهيرة ” روائح ماري كلير” الصادرة عن دار الآداب بيروت، سنة 2008م. هذه الرواية تختلف كليا عن الروايتين السابقتين للسالمي مثل ” نساء البساتين” التي تعالج قضية المرأة التونسية، والرواية ” عواطف وزوارها” التي تتحدث عن عرب لكنهم فرنسيون من مختلف الجنسيات العربية. أما الرواية “روائح ماري كلية” فهي تعالج قصة حب في باريس بين محفوظ، الشاب الذي ينحدر من قرية “المخاليف” بتونس، وماري كلير فتاة فرنسية وجامعية تجاوزت الثلاثين من عمرها، وانقطعت عن دراسة التاريخ والجغرافيا في جامعة نانتير بدون أن تكمل الليسانس، وهي لم تعد تريد أن تصبح أستاذة مثلما كانت تحلم بذلك. اختارت العمل في البريد لأن القطاع العام يضمن لها خلافا للقطاع الخاص الذي لا بد من العمل والقيام بالواجبات طوال حياتها. فماري كلير لاتحب أن تجد نفسها في يوم من الأيام عاطلة عن العمل. كان بإمكانها أن تعثر على شغل في القطاع العام، لكنها اختارت البريد تحديدا لأنها تحب الرسائل والبرقيات وكل ما له علاقة بالبريد منذ صغرها.[12]
هذه الرواية تتحدث عن كيفية الحب ودور المرأة في تغيير حياة الرجل، وعندما تنتقل ماري كلير للعيش مع محفوظ نلاحظ قلبا للنسق الفحولي. فمحفوظ وبفعل سحر الحب، يترك ماري كلير تغيير ديكور البيت، وإعادة الأثاث وفق هواها. يعيش محفوظ في شقة عادية ومتواضعة، ويترك لماري كلير أن تقوده في عالمها الجديد وفق رغبتها. يتغير محفوظ في العديد من مجالات الحياة، في علاقته بجسده وبالمرأة، وفي العلاقة في المطبخ والنباتات، والتفاصيل الصغيرة. والمهم أنه كان واعيا بهذا التغير وهو سعيد به. وكانت ماري كلير حريصة على أن تعرف رأي محفوظ في كل شئ. “دائما تشرح لي الأمر بوضوح مركزة على الأسباب التي تجعلها تفكر في تغييره. ولا تشرع في تنفيذه إلا عندما أبدي موافقتي وخصوصا أشعرها بما لا يدع مجالا للشك أني مقتنع بذلك، فقد كانت تخشى أن تكون موافقتي مجاملة لها فتفرض علي، هي الدخيلة على عالمي كما تقول، أشياء لست متحمسا لها”.[13] فهذه الرواية تعتبر المرأة سيدة البيت، ومركز العالم الذي يدور في فلكه محفوظ. والمرأة هنا تصبح فاعلة في العلاقة العاطفية. ولا يمثل محفوظ صورة الفحل السيد المهيب، بل هو المساعد لكل طلباتها ومصغٍِِِِ لكل ما تقول لها، “صرت أيضا أصغي لكل ما تقول، أبدي اهتماما واضحا لكل ملاحظاتها. أرد بسرعة على أسئلتها، أوافق بسهولة على مقترحاتها، أهرع لمساعدتها كلما دعت الحاجة”[14].
في رواية “روائح ماري كلير”، المرأة لا تكون محورا من محاور الرواية الأخرى، بل تصبح هي بذاتها محور السرد ومادته من خلال قصة الحب التي تجمع بين محفوظ القادم من أرياف تونس وماري كلير المولودة في فرنسا. ومن خلال هذه العلاقة، يطرح الحبيب السالمي أسئلة مختلفة حول موضوع الحب والجنس والمساكنة بين الرجل والمرأة من جهة، وحول العلاقة بين الأنا والآخر وما يحكمها من مفارقات وملابسات وفوارق حضارية واجتماعية بين رجل عربي وإمرأة فرنسية مختلفة التكوين والقيم والمفاهيم من جهة أخرى.
الخاتمة:
روايات الحبيب السالمي تدافع عن حقوق المرأة وتحترمها كإنسانة. أفاد الروائي الحبيب السالمي في إحدى الحوارات إن شخصية محفوظ في رواية “روائح ماري كلير” تشبهه، و يجب على الإنسان أن يكون سعيدا لأن هناك امرأة في الحياة. وهو يحب المرأة سواء كانت زوجة أو أما أو أختا أو صديقة، ويحب جمال المرأة، ويعتبر السالمي المرأة أذكي من الرجل كما يقول الكاتب الجزائري ياسين: “المرأة جميلة ولأنها جميلة نخافها قليلا وأحيانا نعتدي عليها قليلا”. ويقدم الكاتب صورتين للعلاقة بين الرجل والمرأة بأنه لا يوجد فرق كبير بين الرجل العربي والغربي من ناحية العلاقات حيث فشلت عواطف في جميع علاقاتها التى أقامتها مع الرجل الأوربي كما فشلت مريم في علاقتها مع زوجها العربي مع أنها أقامت علاقة سرية مع الراوي “المنصف” الرجل العربي.
الهوامش:
[1]:السالمي، الحبيب، نساء البساتين، دار الآداب، بيروت، 2010، ص،48.
[2]: المحسن، فاطمة، صحيفة الرياض، 12 مايو 2011م، العدد 15662
[3]: السالمي الحبيب، نساء البساتيتن، دار الآداب، بيروت، 2010.ص، 137
[4]:المصدر نفسه، ص، 138.
[5]: السالمي، الحبيب، عواطف وزوارها، دار الآداب. ط1 ،2013، ص، 7.
[6]:المصدر نفسه:ص.7.
[7]: المصد نفسه: ص، 6.
[8]:البناء، يومية، سياسية، قومية، اجتماعية، يوم الإثنين، 2 يونيو، العدد 1498.
[9]:السالمي، الحبيب، عواطف وزوارها، دار الآداب. ط1 ،2013، ص، 25.
[10]: المصدر نفسه، ص، 26.
[11]: المصدر نفسه، ص، 287.
[12]: السالمي، الحبيب، روائح ماري كلير. دار الآداب بيروت. الطبعة الأولى 2008.
[13]: المصدر نفسه، ص: 25،24 .
[14]: المصدر نفسه. ص: 21.
المصادر والمراجع:
- السالمي، الحبيب: روائح ماري كلير: دار الآداب بيروت، 2008
- السالمي، الحبيب: نساء البساتين: دار الآداب بيروت، 2010
- السالمي، الحبيب: عواطف وزوارها: دار الآداب بيروت، 2013
- السالمي، الحبيب: البكارة: دار الآداب بيروت، 2016
- السالمي، الحبيب: الاشتياق إلى الجارة: دار الآداب بيروت، 2020
- المحسن، فاطمة، صحيفة الرياض، 12 مايو 2011م، العدد 15662
- بيت الخيال، برنامج تلفزيوني، القناة الوطنية التونسية1.
- تشرين، صحيفة يومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا.
- السالمي، الحبيب: مدن الرجل المهاجر، 1977م، نقلا عن عبيد سوف، الأقلام، مجلة تصدر من العراق العدد6. 1 يونيو 1979م.
- عبد الرحمن لنا: الحياة، العدد 18515، تاريخ النشر 13-12-2013م.
……………….. ***** ……………….