“هلال” في سماء الصحافة العربية الهندية

د. مخلص الرحمن
أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية، كلية هيرالال باكات، التابعة لجامعة بردوان، بنغال الغربية، الهند

————————————-

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وعلمه ما لم يعلم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.

من بواعث الفرح والسرور أن العدد الأول من مجلة “هلال الهند” بين أيديكم، وذلك في وقت يرزح العالم تحت وطأة مخاطر جائحة كورونا، ويمر بأوضاع صعبة في مختلف مناحي الحياة، التي أجلست الإنسان مُكرها في منزله، مؤدية إلى حدوث تحولات كبرى، وتغيير أولويات في مجالات عدة، وتبديل طبيعة العمل وآلياته. فمن القطاعات التي تضررت كثيرا بأزمة كورونا هي وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة. بل الصحافة الورقية من أكثر القطاعات تأثرا وتضررا بشكل مباشر. قد ازداد استهلاك المعلومات الرقمية والإقبال على المصادر الإلكترونية بشكل هائل. مع أن الدراسات تشير إلى أن الصحافة الورقية كانت مأزومة من قبل، وكانت تواجه تحديا كبيرا جراء ظهور الصحف والجرائد الإلكترونية ذات الوصول المفتوح والمجاني التي تصل إلى القراء في أسرع وقت، من أدنى العالم إلى أقصاه، وبدون صعوبة وجهد كبيرين. ولكن بعد ظهور جائحة كورونا تفاقمت تلك الأزمة، وتكاد تضيق الخناق على الصحافة الورقية وتقضي عليها. و وفق بعض المحللين، ربما سيأتي يوم يعلن فيه عن جنازة الصحف الورقية مع أنني لست متشائما إلى هذا الحد. ولكن هذه السرعة السريعة للتحول من المحتوى الورقي إلى الرقمي لا تبشر بالخير للصحافة الورقية.

ولذلك، تماشيا مع مقتضيات العصر ومتطلبات الزمن، تم إطلاق هذه المجلة رقميا تحت شعار “معا لخدمة العلم ونشره” بغية خدمة لغة الضاد نشرا وترويجا. ونرجو أن تنال قبولا حسنا بين الأوساط العلمية، وتحظى باهتمام الكتاب والأدباء والمبدعين من أنحاء العالم الذين يكتبون بالعربية ويهتمون بها، وتكون جسرا للتبادل العلمي والثقافي.

ولقد تمت تسمية هذه المجلة بـ”هلال الهند” لتكون هلالا من الأهلة التي تسطع في سماء الصحافة العربية، وتنير عالم العلم والمعرفة من الأفق الهندي، ولتكون إضافة نوعية إلى المجلات والجرائد العربية التي تصدر عن مختلف المدارس والجامعات الهندية وتخدم اللغة منذ زمن طويل.

ولإطلالة على المشهد الصحافي الهندي يمكنني أن أقول: مع أن اللغة العربية دخلت الهند قبل مجيء الإسلام بواسطة التجار، وبدأت تنتشر وتزدهر بعد أن دخل الإسلام في أرضها الخصبة، وأنتجت الهند عددا كبيرا من العلماء والكتاب والمؤلفين الذين كانوا يمتلكون ناصية البيان والكتابة. ولكن معظم الجهود في البداية كانت مركزة على العلوم الدينية والدراسات الإسلامية. ولذلك لم تحظ الصحافة العربية والأنشطة الأدبية عناية كافية إلا في السبعينيات من القرن التاسع عشر عندما ظهرت تباشيرها الأولى مع صدور أول جريدة عربية باسم “النفع العظيم لأهل هذا الإقليم” من مدينة لاهور (في باكستان حاليا) في أكتوبر عام 1871م، التي استمرت إلى نهاية عام 1885م. ثم تبعتها جريدة “الرياض” ولكنها كانت توقفت في مدة قليلة، ولا نجد لها تفصيلا. ثم ظهرت مجلة “البيان” في عام 1902م من لكناؤ على يد الشيخ عبد الله العمادي، و جريدة “الجامعة” في مدينة كولكاتا تحت إشراف أبي الكلام آزاد.

 جميع هذه المجلات أو الجرائد كانت جهودا بدائية ومتواضعة. ولكن صدور مجلة “الضياء” في عام 1932م على محاولة الأديب الهندي مسعود عالم الندوي يعد نقطة تحول في الصحافة العربية في الهند. ثم توالى بعد ذلك صدور عدد كبير من المجلات والجرائد في النصف الثاني من القرن العشرين من الجامعات الهندية الرسمية أو المدارس الإسلامية غير الحكومية في أشكال مختلفة.

هذا، وفي القرن الحادي والعشرين، ظهرت عدد من المجلات والجرائد وَرَقِيّا ورقمِيّا. فنتوقع -موقنا بالله ومؤمنا به- أن تكون مجلتنا هذه لبنة مهمة في بناء صرح شامخ للصحافة العربية الهندية، وتسد فجوة لا تزال باقية في مجال الصحافة لسببين؛ أولا: أن عددا كبيرا من المجلات التي تصدر عن المدارس الإسلامية والمعاهد الدينية لها أهداف دينية، وتعتني بنشر مقالات لها صلة بالعلوم الإسلامية، ولا تنشر فيها المقالات الإبداعية والبحوث الأدبية إلا ما تجئ عفوا. أما المجلات الأكاديمية والأدبية التي تصدر عن الجامعات والمعاهد الهندية الرسمية فمعظمها سنوية أو نصف سنوية. من ثَم تنشأ الفجوة بين العرض والطلب، فلا يجد كثير من الكتاب الناشئين والجادين فرصة لنشر أعمالهم القيمة. حرصا على سد هذه الفجوة، وسعيا إلى توفير منصة رقمية عالمية المستوى، تم إنشاء هذه المجلة التي ستصدر فصليا لإتاحة الفرص أمام الأكاديميين والباحثين الطموحين. ولذلك، نرجو منهم أن يقدموا بحوثهم ومقالاتهم للأعداد القادمة كما نرجو منهم تزويدنا بآرائهم واقتراحاتهم لرفع مستوى المجلة وتطويرها شكلا ومحتوى.

              وفي الختام، تلهج قلوبنا بالدعاء المأثور: اللَّهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيقِ لِما يُحب رَبُنا ويَرضى، ربُنا وربُك اللهُ.

 

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here