القدس في شعر محمود درويش

Vol. No. 1, Issue No. 4 - October-December 2021, ISSN: 2582-9254

0
970

القدس في شعر محمود درويش

بقلم

شكيل أحمد دار
 باحث بالجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا، (أونتي بوره، كشمير)، قسم اللغة العربية وآدابها.

————————————-

ملخص البحث:

إن مدينة القدس تحتل مكانة رفيعة بكونها أرضا مقدسة، ما زالت _ولا تزال_ تكسب الاهتمام الديني والسياسي والتاريخي والإستراتيجي عبر تاريخها، فلها أهمية كبرى لدى المسلمين من أجل منزلتها الدينية والثقافية والحضارية، ولا يوجد على وجه الأرض مسلم إلا هو يفكر في القدس وقضيتها، ويتألم بالاحتلال الصهيوني عليها، ويقلق باغتصاب إسرائيل عليها لأنها إحدى المدن المقدسة الدينية. هي أرض الإسراء والمعراج ومسكن معظم الأنبياء، فهناك عديدة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتعلق بالقدس و تدل على أهميتها ورفعتها. لا يظل ذكرها في الأدب العربي قديمه وحديثه، نثره وشعره، فهناك كثير من الشعراء الذين عالجوا القدس في شعرهم حتى أصبحت من أهم الموضوعات في الشعر العربي والفلسطيني خاصة وحيزت مكانا  كبيرا من أشعارهم، حتى أنه لا يوجد في فلسطين شاعر إلا ذكر القدس و احتلت منزلة مدينةٍ مقدسة عنده، فكانت هذه المدينة المقدسة هي الحبيبة والأم والوطن والمنزل للشاعر، فمن الشعراء الذين اشتعلت القدس في صدورهم شاعر فلسطين محمود درويش. تهدف هذه المقالة إلى معالجة محمود درويش القدس في شعره، فقد نظم القصائد وناضل عن هذه المدينة المقدسة، حمل سلاح الكلام والشعر للذود عن الذات والذاتية وللذب عن الإنسان والإنسانية وللدفاع عن الوطن والأرض، ألبسها الثوب الإنساني حتى تفاعل حب المكان بنفحات الشعر، وكان لها عنده حب الوطن والأرض كحب المرأة والحبيبة. نظم لأجلها شعر الفراق والحنين وشعر الغزل والعاطفة، الشعر الذي كان له أثر في المقاومة والمناضلة والتحريض على الثورة والانتفاضة.

الكلمات المفتاحية: القدس، الشعر الفلسطيني، محمود درويش، الحنين، الأرض المقدسة، القضية.

          لا شك في أن القدس باعتبارها أرضا مقدسة احتلت مرتبة رفيعة عبر العصور ، ولم تحصل مدينة من المدن في التاريخ على الاهتمام السياسي والتاريخي والإستراتيجي كما حصلت مدينة القدس وهذا من أجل منزلة المدينة المقدسة على الصعيد الديني والتاريخي والثقافي  والحضاري. فإن القدس ليست مدينة الأسوار والأحجار  فقط وليست هي مدينة الحقول والمزارع فحسب بل صورها الشعراء في صورة إنسانية وألبسوها الثوب الإنساني حتى تفاعل حب المكان بنفحات الشعر  وتولدت قصائد الحب والعشق، فكان للقدس عند الشعراء حب الوطن والأرض وحب المرأة والحبيبة والأم، ونظموا شعر الفراق والحنين وشعر الغزل والعاطفة لأجلها، يقول الدكتور جهاد فيض الإسلام في مقدمة كتابه “القدس في الشعر العربي الحديث في سورية ولبنان وفلسطين (1948-2000م)” ربما لا نجد على وجه الأرض إنسانا يمتلك ضميرا حيا وهو لا يفكر بقضية القدس وفلسطين ولا يهتم بهما، إذ أصبحت القدس وفلسطين في العقود الأخيرة حديث الساعة وهاجس القلب، ولذا سالت الأقلام وفاضت القرائح وكتبت العشرات بل المئات من الكتب بشتى اللغات، وامتلأت المكتبات بالعديد منها، تعالج القدس وما حل بها من جراح. ولكن حين نتصفحها نرى أن جلها تعرضت لقضية القدس إما تاريخيا أو سياسيا أو دينيا، أما من الناحية الشعرية والأدبية فما زالت تفتقر إلى العناية الأدبية ولا سيما في المجال الشعري، لأن الشعر قد تحول إلى أقوى الأصوات المكافحة، بل إلى سلاح يدافع به المظلوم عن كرامته وعن أرضه، ومن هذا المنطلق كان للشعر موقف مشرف منذ النواة الأولى للاحتلال الصهيوني للقدس إلى الآن، ففاضت قرائح الشعراء بقصائد وألفت عشرات الدواوين التي كانت _وما زالت_ المرآة الصادقة التي تعكس القضية بسجلها الضخم أحداثا وشعرا، مأساة ولهفة، نعم هي القدس، هي أرض الجراح وبرك الدم الحمراء، هي…[1]

          فإن التناول الشعري للقدس يتنوع بتنوع البواعث، وهذه البواعث تظهر في اللغة والأسلوب والمنهج التي تعبر عن القدس وقضيتها، فعلى سبيل المثال هناك الدافع الديني، لأن لمدينة القدس أهمية كبيرة لدى المسلمين، فهي مدينة تحيطها إدارة ربانية، وهي موضع المسجد الأقصى الذي هو القبلة الأولى للمسلمين، كما ورد في صحيح البخاري عن أبي ذر  رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال “المسجد الحرام”، قال قلت ثم أي؟ قال “المسجد الأقصى، قلت كم كان بينهما؟ قال “أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصلّه، فإن الفضل فيه”[2]. وهي إحدى المدن المقدسة الدينية إذ هي أرض الإسراء والمعراج وكذلك هي مسكن الكثير من الأنبياء والرسل، ونجد كثيرة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تخص القدس والتي تظهر منها أهميتها وعظمتها. وكذلك هناك الدافع القومي، نجد كثيرا من الشعراء القوميين الذين عالجوا القدس في شعرهم حتى احتلت منزلة مدينةٍ مقدسة عندهم، فكانت الحبيبة والأم والوطن والمنزل، كما في قصيدة “تحت الشبابيك العتيقة” لشاعر فلسطين محمود درويش، هو يتحدث فيها عن زيارته للقدس وحبه لها وتظهر فيها انفعالاته لها والحنين إليها، يقول:

…واقف تحت الشبابيك،

من يدي يهرب دوري وأزهار حديقه

اسأليني: كم من العمر مضى حتى تلاقي

كل هذا اللون والموت، تلاقي بدقيقيه؟

…حنيني إليك..اغتراب

ولقياك..منفى !

أدق على كل باب..

أنادي، وأسأل كيف

تصير النجوم تراب ؟

أحبكِ، كوني صليبي

وكوني، كما شئتِ، بُرج حمام…[3]

وحينما قرن الشاعر القدس بحلمه المراد وغايته المنشودة في قصيدة الأرض يظهر الفكر العروبي فيقول:

..وهذا خروج المسيح من الجرح والريح

أخضر مثل النبات يغطي مساميره وقيودي

وهذا نشيدي

وهذا صعود الفتى العربي إلى الحلم والقدس…[4]

          لا شك في أن القدس من أهم الموضوعات في الشعر العربي والشعر الفلسطيني خاصة، إن الشعراء في العرب وخارجها والشعراء الفلسطينيين خاصة اهتموا في شعرهم بذكر الأماكن والأشياء تتعلق بمدينة القدس. فإنها مدينة ذات المنزلة الدينية العالية والمكانة التاريخية الفذة وقد احتلت حيزا كبيرا من أشعارهم حتى أنه لا يوجد شاعر ينظم الشعر في فلسطين إلا وذكر مدينة القدس بأسمائها المختلفة وبالأساليب المختلفة، إذ أن هذا الموضوع أقلق كثيرا من الذين كتبوا الشعر  وجعلهم يضطربون، وكذلك التهب صدور الكثير من شعراء التفعيلة الذين كتبوا بهذا الموضوع أمثال نزار قباني وتوفيق زياد وتوفيق الصائغ وسميع القاسم وفدوي طوقان وخالد أبو خالد وشاعرنا محمود درويش، وجادل هذا الفن عن القدس المحتلة وناضل عن هذه المدينة المغتصَبة. فالشاعر الذي نظم الشعر في القدس يستطيع أن يستعمل اللغة العامة لأنه يعتبر أن القدس قدسهم جميعا وقضيتها قضيتهم كافة، لا فرق فيه بين عامة الناس وخاصتهم وبين المتعلمين والأميين، وهو يعلم أن استخدام اللغة الواضحة السهلة هو السبيل الوحيد إلى قلوب الناس، وهذا ما بينه محمود درويش في قصيدة إذ يقول:

قصائدنا بلا لون، بلا طعم بلا صوت             إذ لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت

و إن   لم يفهم البسطا معانيها                       فأولى أن  نذرّيها  و نخلد نحن للصمت [5]

ثم يقول يؤكده:

أجمل الأشعار ما يحفظه عن ظهر قلب كل قارئ..

فإذ لم يشرب الناس أناشيدك شرب

قل، أنا وحدي خاطئ [6]

          إن النكبة في العام 1948م في فلسطين بدلت حياة العالم الإسلامي وأفكاره بصورة عامة وحياة أهل فلسطين وأفكارهم بشكل خاص، ومع هذا فقد غيرت الحياة الأدبية والشعرية فيها أيضا، فبما أن الشعر يصور الحياة ويمثل المجتمع و أن الشعراء هم روح الأمة المتنفسة وقلبها النابض، فمن أول اليوم للاحتلال الصهيوني واغتصاب إسرائيل فلسطين حملوا سلاح الكلام والشعر للذود عن الذات والذاتية وللذب عن الإنسان والإنسانية وللدفاع عن الأرض والوطن، ما كان شعرهم عن القدس رد فعل للنكبة والأحداث التي تتعلق بها فحسب بل إنما كان _ولا يزال يكون_مقاومة ومناضلة وتحريضا على الثورة والانتفاضة، وكان يصور غموم الملة للقدس ويمثل هموم الأمة لها.

          تحتل مدينة القدس مكانة روحية عميقة في قلوب المسلمين وتأخذ منزلة دينية وتاريخية في نفوسهم، فقد صار احتلالها واغتصابها مصيبة روحية شديدة وصدمة قاسية وجدانية للأمة الإسلامية والعربية فكان الشعر الذي نظمه الشعراء في القدس يمثل الأحزان والكآبة التي تواجهها الأمة ويصور الهموم والمعانات التي تعانيها. فأما القدس في شعر محمود درويش فقد اتخذت فيه أبعاد عديدة مختلفة منها دينية وتاريخية وسياسية وقومية ووطنية ووجدانية وروحية، ومن خلال معالجتها في شعره بين محاور هامة ترسخ من منزلتها السامية وتبين مسؤولية الذود عنها، وكذلك توجد فيه الدعوة إلى الوحدة العربية والتجمع القومي وذكر تهديد التهويد ومخاطره، يقول:

في القدس، أعني داخل السور القديم،

أسير من زمن إلى زمن بلا ذكرى

تصوّبني. فإن الأنبياء هناك يقتسمون

تاريخ المقدس… يصعدون إلى السماء

ويرجعون أقل إحباطا وحزنا، فالمحبة

والسلام مقدسان وقادمان إلى المدينة.[7]

          يعتبر محمود درويش أن القدس هي مدينة عربية تعلو على الجروح، وتشتهر بتاريخها المجيدة وبطولتها المثالية، لذلك نجد شعره متصفا بروح المقاومة والصمود ومتزينا بخصائص النضال والمناهضة، ما يحرض على بث الحياة في نواحيها ويحث على نفخ الروح في أرجائها، ويرغب في أن يأكد قدرتها على الصمود والمقاومة في وجه المغتصبين واغتصابهم وفي وجه المحتلين واحتلالهم، يقول:

هنا القدس

يا امرأة من حليب البلابل، كيف أعانق ظلي..

وأبقي؟

خلقت هنا.وننام هناك.

مدينة لا تنام وأسماؤهالا تدوم، بيوت تغيَّر

سكانها. والنجوم حصى.

وخمس نوافذ أخرى، وعشر نوافذ أخرى تغادر

حائط

وتسكن ذاكرة.. والسفينة تمضي.[8]

          يعتبر شاعرنا القدس من أهم المدائن بل أمها ويراها حالة عشق لا تفنى، تتعطر  برائحة الإسلام، وتفوح بعبير الشريعة ورسالتها، وتتدفق بالحماسة والعاطفة، وتكتنز بآثار  الحضارة وإرث الثقافة، تشتعل بنار الحمية والغيرة، ويجري في عروق أهلها دم عروبي ويتأصل حبها فيهم للعودة إلى وطن الآباء ومسكن الأجداد، يقول في قصيدة “مزامير”:

ونغني القدس:

يا أطفال بابل

يا مواليد السلاسل

ستعو دون إلى القدس قريبا

وقريبا تكبرون.

وقريبا تحصدون القمح من ذاكرة الماضي

وقريبا يصبح الدمع سنابل.

آه يا أطفال بابل…[9]

          هذه القصيدة أعني قصيدة “مزامير” هي ممتلئة بالأمل الجياش والرجاء المتدفق، فالشاعر يعتقد أن الاحتلال سينتهي من قريب، هو على يقين من أن مصير الإرهاب الصهيوني الانحطاط وأن عاقبة الاغتصاب الإسرائيلي الزوال، ولكن مع هذا هو  يرى أنه لا يمكن إلا بعد تحمل المشقات والتذرع بالثبات والصبر الطويل وبارتداء ردائه، وإذا كان كذلك فلا بد من تحقق آمال الشعب الفلسطيني المضطهد المظلوم ولا بد من انفجار شعاع فجر الحرية والاستقلال، وسيتشرف شعبها برؤية وطنهم الحبيب وستتبدل دموع أهلها من الأطفال والشباب والشيوخ بالأزهار والسنابل، والشاعر يرى أن هذا قريب جدا. فشاعرنا محمود درويش ينفخ الحياة في أبناء الوطن ويبث الأمل في قلوبهم. ونجده يؤكد هذا المضمون في موضع آخر  في قصيدة “المزمور الحادي والخمسون بعد المائة” حيث يعتبر أنه المسافة بينه وبين أورشيليم (القدس) قليلة جدا، وليس هنا أي بعد بينهما، يقول يحن للقدس بذكر اسمها الآخر يعني أورشيليم:

أورشيليم! التي عصرت كل أسمائها

في دمي

خدعتني اللغات التي خدعتني

لن أسميك

إني أذوب، وإن المسافات أقرب

وإمام المغنين صك سلاحا ليقتلني

في زمان الحنين الملعب،

والمزامير صارت حجارة

رجموني بها

وأعادوا اغتيالي

قرب بيّارة البرتقال…[10]

فالشاعر يرفض ادعاءات اليهود بأن القدس حقهم، وما يعتبر ادعاءاتهم إلا أباطيل وأكاذيب، لمّا يكونوا مالكين للقدس بل كان العرب_ولا يزالون يكونون_ مالكا حقيقيا، فرد على زعمهم ليخبرهم أن القدس هي مدينة عربية.

          إن الأمة الإسلامية لها تاريخ مشرق وماض زاهر، فهي تفتخر بسيادتها التاريخية وقيادتها المجيدة، أمثال عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم سيف الله، وهو أحد القادة الذين كانوا مع عمر بن الخطاب حينما دخلوا بيت المقدس. وكذلك من تاريخها أن صلاح الدين الأيوبي هاجم القدس وفتحها وترك قوات الإفرنجة وسادتهم يعضون الأنامل من الغيظ، فقد ذكره التاريخ حتى تظل ذكراه ماثلة مدى الدهر، وكان ممن تحدث _وما يزال يتحدث_ عنهم المؤرخون. وأما اليوم فقد شغلت الرؤساء والقادة مراقصة النساء وشرب الخمور والحفلات المسائية والأندية الغربية، فهذا الانحراف الديني والانصراف الخلقي يقلق الشاعر ويؤلمه ويحثه على مخاطبة هؤلاء الرؤساء ليخبرهم بأنهم قد نسوا ماضيهم المشرق وغفلوا عن تاريخهم الزاهر وأفكارهم العالية وتشاغلوا عن القدس التي تنتظر أحدا يحررها ويقضى على الاحتلال الصهيوني، فترتسم هذه المفارقة في شعره، تمثل الحزن في قلبه  والقلق في نفسه وتعبر عن الأسى والألم الذين يحملانه تجاه الرؤساء وأصحاب زمام الأمور. هكذا تتفجر  من محمود درويش الشعر المرتسم بالضمير السياسي، نجد القدس في أكثر قصائده التي تدل على شموخ مكانة القدس وسمو منزلتها في قلبه. فقد نقد محمود درويش في قصيدته الشهيرة “سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا_السبعينيات” أولئك الذين نسوا القدس وحقيقتها وحولوها إلى عرش الرئاسة، يستخدمونها للحصول على السلطة والإمارة وكذلك سخر فيها من الذين يصعدون المنابر ويخطبون ويصرخون ولكن هذه الخطابة هي موجبة الكآبة لأنها تخلو من العمل الصادق، يقول:

وما القدس والمدن الضائعة

سوى ناقة تمتطيها البداوة

إلى السلطة الجائعة.

وما القدس والمدن الضائعة

سوى منبر للخطابة.

ومستودع للكآبة.

وما القدس إلا زجاجة خمر وصندوق تبغ…

…ولكنها وطني

من الصعب أن تعزلوا

عصير الفواكه عن كريات دمي..

ولكنها وطني..[11]

          فإن الشعر له تأثيره الخاص ونفوذه العميق، فهو يخاطب الشعور والوجدان وتتحول به الأفكار  إلى مشاعر وأحاسيس، وأما الألفاظ المستخدمة فيه فلها دلالات نفسية ولا يمكن إدراكها إلا عن طريق العقل والوجدان. فالشاعر مثل المصور أو الرسام وتوجد في شعره طبيعة التصوير، فهو يمثل كل ما في نفسه من الأحاسيس والمشاعر والعواطف كما تبرز التصوير أحاسيس الرسام ومشاعره، لا يمكن إدراك ما في القصيدة من الصورة إلا بعد فهم نفسية الشاعر لأنها تمثل خواطر الشاعر وتشبه الصورة التي في ذهنه والتي يراها في أحلامه، وهذا هو ما نجده في قصيدة “بين حلمي وبين اسمه كان موتي بطيئا” لشاعرنا محمود درويش، يقول:

أموت _ أحبك

إن ثلاثة أشياء لا تنتهي:

أنت، والحب، والموت

قبّلت خنجرك الحلو

ثم احتميت بكفيكِ

أن تقتلني

وأن توقفيني عن الموت

هذا هو الحب

إني أحبك حين أموت

وحين أحبك

أشعر أني أموت

فكوني امرأة

وكوني مدينة!

ولكن، لماذا سقطت، لماذا احترقت

بلا سبب؟[12]

          فالمرأة في هذه القصيدة هي القدس المحتلة فهي حبيبته ومعشوقته، فقد عرض القدس في الصورة الإنسانية وهي المرأة فهو يحبها حبا شديدا لا ينتهي. هكذا عالج محمود درويش القدس في شعره كإنسان، تعامل معها في أغراض الشعر كله، فقد غازلها حينا وحينا آخر وقف على أطلالها، ودعها تارة وتارةحن إليها، وقد اعتذر منها أحيانا وأحيانا حلم بلقائها، هذا هو شاعر فلسطين وهذه هي القدس في شعره.

الهوامش:

[1]  د. فيض الإسلام، جهاد: القدس في الشعر العربي الحديث في سورية ولبنان وفلسطين (1948-2000م)، (مركز المصطفى صلى الله عليه وسلم العالمي للترجمة والنشر، الطبعة الأولى، 1433م) ص 15، 16.

[2]  البخاري، الإمام عبد الله محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، رقم الحديث 3366

[3]  درويش، محمود: ديوان آخر الليل (فلسطين: دار الناشر، الطبعة الأولى، 2013م)، ص 9، 12

[4]   درويش، محمود: أعراس (فلسطين: دار الناشر، الطبعة الأولى، 2014م)،ص 57

[5]  د. فيض الإسلام، جهاد: القدس في الشعر العربي الحديث في سورية ولبنان وفلسطين (1948-2000م)،ص 298

[6]  المرجع السابق

[7]  درويش، محمود: ديوان لا تعتذر عما فعلت(فلسطين: دار الناشر، الطبعة الأولى، 2013م)،ص 45

[8] درويش، محمود: ديوان أحبك أو لا أحبك (فلسطين: دار الناشر، الطبعة الأولى، 2013م)، ص 97، 98

[9]  المصدر السابق، ص 40

[10]  درويش، محمود: ديوان العصافير تموت في الجليل((فلسطين: دار الناشر، الطبعة الأولى،2013م)، ص 50، 51

[11]  ديوان أحبك أو لا أحبك، ص 98، 99

[12]  درويش، محمود: ديوان محاولة رقم 7 (فلسطين: دار الناشر، الطبعة الأولى، 2013م)، ص 47، 48

المصادر والمراجع:

  1. البخاري: صحيح البخاري، الطبعة الأولى، دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2002م.
  2. د. جهاد فيض الإسلام: القدس في شعر العربي الحديث في سورية ولبنان وفلسطين (1948_2000م)، الطبعة الأولى، مركز المصطفى صلى الله عليه وسلم العالمي للترجمة والنشر، 1433م.
  3. رجاء النقاش: محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، الطبعة الثانية، دار الهلال.
  4. د. سامي سعيد الأحمد: تاريخ فلسطين القديم، مكتبة المهتدين، بغداد.
  5. د. عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث، الطبعة العاشرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1990م.
  6. محمود درويش: ديوان “آخر الليل”، الطبعة الأولى، دار الناشر، فلسطين، 2013م.
  7. محمود درويش: ديوان “أحبك أو لا أحبك”، الطبعة الأولى، دار الناشر، فلسطين، 2013م.
  8. محمود درويش: ديوان “أعراس”، الطبعة الأولى، دار الناشر، فلسطين، 2014م.
  9. محمود درويش: ديوان “العصافير تموت في الجليل”، الطبعة الأولى، دار الناشر، فلسطين، 2013م.
  10. محمود درويش: ديوان “محاولة رقم 7″، الطبعة الأولى، دار الناشر، فلسطين، 2013م.

……………….. *****……………….

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here