الفن التشكيلي في الروايـــــــــــة
بقلم: الكاتبة صبحة بغورة
كاتبة وصحفية جزائرية.
—————————-
من المتفق عليه أن الإبداع يبدأ من حرية اللحظة التي تمثل الخيال، وأن هذا الإبداع المستغرق في العمل الأدبي كالرواية والشعر والقصة قد لا يجعل سطورها مجرد كلمات جميلة عابرة بقدر ما قد تمثل استفزازا للانفتاح النفسي والعقلي عند المتلقي لإحداث التفاعل المرغوب مع شخصياتها والتعايش المطلوب مع أحداثها والتأثر بمعانيها وللمشاركة فيها بالرأي وإثرائها بالنقد. وعندما نتحدث عن تحديد الدور الهام للآداب والفنون في إثراء الثقافة فإننا نكون في الحقيقة بصدد البحث عن سبل تهذيب الذوق العام ومجالات تطبيقها والإيمانبأن ذلك يرتبط حتما بكيفية إشباع القيم الجمالية في المتعة الفكرية الراقية مع الاستفادة دوما من التجارب.
عندما يتوخى الشاعر استعمال ما أمكنه لإثراء الصورة الشعرية فهو كمن يرسم بالكلمات قصيدته، وكذلك يكسب الكاتب مضمون روايته الوطني أو الوجداني أو المناسباتي إيحاءات ملونة يستفز بدفئها قوة الحياة فينا، ونكون هنا بصدد محاولة تشكيل الوعي البصري من خلال موضوعات العمل الأدبي التي وجدت في بعض عناصر الفن التشكيلي وسيلتها لإحداث الانفجار الروائي، ومن ذلك العشق بالألوان، فاللون البمبي هو في حد ذاته صيحة تنبيهية تفكك ألغاز الجو الطلسمي ويبتكر من ذاته لون عطره، لا ترتديه إلا الأجساد الغضة التي تثقب الليل إلى كمال المعنى وسدرة المشتهى، ويتوجه الخطاب الشعري كنبع جمالي من آلية المكاشفة البصرية بين مرايا اللون وموجهات النص،فيمنح مثلا اللون الأزرق الشعور بالراحة والاسترخاء والثقة بالنفس ويرمز للسعادة والانتماء عندها تتنفس الكلمات فتمنحنا الإطار والمعنى، وتبرز التجربة الشعرية والإبداعية لتقوم على أساس انعكاس اللون في مرايا النصوص التي تتوسع بتأثيره في تفعيل مسارات أدبية جديدة لإثارة الصور الشعرية السحرية في ذاكرة المتلقي. الشعر مأخوذ من الشعور، والشعر هو الذي يعبر عن الشعور والعواطف ويعمل على إثارتها، ومشاعر الشاعر تسري عبر الأفكار إلى المتلقي من خلال التصوير والعبارات التي توحي بالأفكار وهي لا تشير إليها صراحة، فقوة الشعر تتمثل في الإيحاء بالأفكار عن طريق الصور لا بالتصريح بالأفكار المجردة ولا بالمبالغة في وصفها، وعلى مدار الإيحاء على التعبير عن التجربة ودقائقها لا على تسمية ما تولده في النفس من عواطف، فالتسمية تضعف من قيمة التعبير الفني لأنها تصل بالمشاعر إلى التجريد لا التصوير الذي للشعر فيه وسيلة اللغة يجمع بين جمال التصوير والموسيقى الأخاذة والحركة واللون، وهو فيض عفوي للعواطف القوية الصادقة، وإذا كانت شعرية اللغة والإيقاع هي أهم خصائص النص الشعري فإن الصورة الشعرية وشعرية المجاز تدفع باتجاه شعرية العمل الروائي.
تتوافق مواقف بعض شخصيات رواية ما، أو أن تتناقض في مواقف أخرى وكثيرا ما تتضارب لتصنع تطور الاختلاف والخلاف، ومعهما يتصاعد الحوار، ومن خلال تفاعل المواقف تتشكل الأحداث وتتصاعد فتبدو كأنها تدور باللونين وقد تمنح بعدا إنسانيا وروحا من التعايش، وقد تكسبها حدتها غناء بالدلالات والإيحاءات، كمراوغة الخطوط المنحنية والمسحات اللونية التي تتجاور لتكتسب صبغة لونية صريحة وحارة تفصح عن معانيها لذلك قد تغني اختيارات الكاتب للألوان الدافئة والمنسجمة عن كثير من الإشارات والعبارات، ولإتقان تصوير ذلك لابد أن يتمتع الكاتب بنفسالقدرمن رهافة الفنان في تعيين ملامح الأشكال في لوحاته عبر خطوط خارجية تمارس حضورها بليونة وعفوية من أجل تضمينها صفات دلالية ومعينة، وكذلك يعمد الكاتب إلى تضمين عمله الأدبي هذه الصفات الدلالية لتسهم في تحديد ملامح شخصياته ليستشف المتلقي حقيقة طبيعتها ويقف على مدى قابليتها للتواصل فتصبح في حد ذاتها مقدمة طبيعية تؤدي لتغيير اتجاه التفكير عند المتلقي نحو القناعة بأن ما تم التمهيد الذهني إلى تقبله هي في الحقيقة نتائج له.
كثير ما تمثل فنون التصوير إثراء مفيدا للعمل الأدبي من خلال الصورة التي ارتبطت سواء في الشعر أو في العمل الروائي أو في السيناريو الدرامي برمز معين يستلهم منه من هو بحاجة في مرحلة المراجعة مع الذات لتلك القوة والإرادة من أجل مواجهة مصاعب الحياة ، أو لمواصلة مسيرة الكد والتضحية والعطاء ..أو لتجديد العزم على الوفاء بوعد والالتزام بعهد، كما قد تكون معاني الصورة سببا مباشرا في إحداث صحوة ضمير غافل، أو ردع لسلوك منحرف، أو وازع أخلاقي من شأنه توجيه الأحداث الروائية نحو غاية مقصودة،قد تكون تصحيح مسار حياة أحدهم،أو تحديد معالم الطريق، أو إلهاب حماسة الشباب، ومن هنا يتبين لنا حجم وأهمية الدور الأخلاقي للفنون التشكيلية في العمل الروائي، وندرك أنها بهذا الدور يمكن أن تسهم في تشكيل مواقف حاسمة قد تكون هي التاريخ، وقد تشكل مواقف في وجه التاريخ .
……………….. ***** ……………….