الفزّاعة” لسناء الشعلان

Vol. No. 1, Issue No. 3 (Special Issue) - July-September 2021, ISSN: 2582-9254

0
669
الفزّاعة” لسناء الشعلان

بقلم

أ. ياسر عطية

كاتب عربي

——————

الإحاطة بما ينشر من القصص ليس بالأمر السّهل، بيد أنّ حالتي التربّص والترقّب لمجسات القارئ كفيلتان باقتناص”النموذج” المطلوب ذلك الوعي الذي يتوفّر على عناصر الجمال والإبداع المشروطة على النّص، مثل قصّة الأديبة الأردنية د. سناء الشعلان” الفزّاعة”(1) التي كتبت بعناية ودراية تضعانها في مصاف القراءات المهمة والممتعة. ومن أبوابها السّهلة الولوج في موضوعة “أنسنة” الأشياء المحايثة للإنسان والنفخ فيها من روحه وعواطفه، بغية استثمارها والإفادة من وجودها المتراكم والملازم لوجود الإنسان، وإشراكها في مشاغله ومشكلاته والبحث عن الحلول والمعالجات الناجعة لها.

إنّ الرجل الذي صنعته المرأة “صنعته بيديها الناعمتين منذ أشهر طويلة، وقد قام بعمله على أتمّ وجه يرجى، أولاً؛ لأنّه فزّاعة، وثانياً؛ لأنّه يحبّها”(2). صنعته واتخذت منه “فزاعة” وبقلب قشّي، ولم تصنع امرأة، وكانت تركن إليه، وتجعل”الحياة تدبّ في أوصاله الخائرة وفي قلبه الميت فتحيه، وتهبه وجيباً لا ينضب” (3)

لقد تعاطفت المرأة مع رجلها الفزّاعة كثيراً حيث لم يرق لها ثوبه القديم، فصنعت له ثوباً جديداً يليق به، فشعر “بسعادة عظمى، وهو يغرق في كساء يحمل رائحة جسدها”(4)وقبل هذا وذاك كان صوتها أوّل من حرّك الحياة في ذاته.

تبدو العبارات المارة وكأنّها فواتير ديون ومستحقات للمرأة على ذلك “الكائن” قبل أن يصير رجلاً على يديها، يحبّ ويحرص على المرأة مثلما يراقب مزرعتها، ويسهر على حمايتها، وهنا تقترب من باب أخرى من أبواب النّص، ومفتاحاً آخر، وهو الرجل الحقيقي في القصة “ذلك الوسيم الذي أقلّته دراجة هوائية قبل دقائق، كان يحمل باقة من الفلّ البلدي، قبّلها، وطوّق خصرها بيديه” (5). لكن ما لم يستطع أن يفهمه الأوّل هو التغيير الذي حدث بعد ذلك، فقد تعالى صراخهما.

من الذي ارتكب الخطأ أولاً؟ أو من ظلم منهما الآخر؟ الرجل الحقيقي أم حبيبته؟ إنّ وجود الرّجل الأوّل “الفزّاعة” قد يوحي بحذرٍ المرأة التاريخي وخشيتها من خيانة الرجل الواحد، فاحتاطت لنفسها بثانٍ صنعته بيديها، وكأنّها ارتبطت به مؤقتاً، وإن لم يكن إنساناً حيّاً مثلها.

هذه المقاربة-ربما- تضع النّص ضمن قائمة ما يسمّى بـ “الأدب النسوي” وفي القصة ما يذكّرنا بقصة كتبتها- على ما أظنّ- إيناس بدران، فعمدت فيها إلى أنسنة الذّئب الذي قدم إلى نافذة بيتها في الساعات الأولى من الصّباح، واتخذت منه محوراً مهماً لتدور عليه قصتها، فأصابت نجاحاً، وأبدعت ومذاقه لدى القارئ.

ومن دون حاجة إلى أن نسقط على النّص”الفزّاعة” سيلاً من النّظريات ذوات الإيّه، كالبنيوية والتفكيكية، جاءت القصة على قصرها وكثافتها كبيرة بضوئها وامتداداتها الفنية الباهرة، لدرجة بدأ عنوانها صغيراً ينوء بثقلها، بالرّغم من كونه محوراً سردياً اشتغلت عليه الكاتبة ونجحت في توظيفه لإنجاز نصٍ من طرازٍ ممتعٍ جداً.

……………….. *****………………

الهوامش:

1- سناء شعلان: قافلة العطش، ط1، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع بدعم من أمانة عمان الكبرى، عمان، الأردن، 2006، ص25-31

2-نفسه: ص25

3-نفسه: ص26

4-نفسه: ص27.

5-نفسه: ص29.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here