الحبّ…، والأنفس الثّلاث في “لا قصّة حبّ للجدار العازل” للكاتبة: د.سناء الشعلان
بقلم:
د. شوكت علي درويش
الجامعة الأردنية، الأردن.
———————
تمتاز القصة القصيرة جداً من غيرها بكلماتها المعدودة، وسطورها المحدودة، لتسلّط الضّوء على مشكلة مجتمعيّة، أو غرس قيمة محبّبة، أو قضيّة فنيّة…، وتركّز على شخصيّة واحدة، لتصل إلى هدفها المنشود. والكاتب(الكاتبة) لا بدّ أن يعي أهميّة دور المتلقّي(القارئ/ النّاقد)، وأن يتطلّع إلى أن يكون شريكاً فاعلاً، يأخذ ويعطي، وكلّ حسب ثقافته وتفاعله مع النّص.
اللّغة: بدأت الكاتبة د. سناء شعلان عنوان قصّتها بـ “لا” النّافية للجنس، وجاءت باسم “لا” مضافاً إلى نكرة ([1]). وإذا كان المضاف نكرة، وأُضيف إلى نكرة، فإنّه يكتسب منها – مع بقائها على حالها- “تخصيصاً” يجعله من ناحية التّعيين والتّحديد في درجة بين المعرفة والنّكرة، فلا يرقى إلى تعيين مدلوله إلى درجة المعرفة الخالصة الخالية من الإبهام والشّيوع، ولا ينزل في الإبهام والشّيوع إلى درجة النّكرة المحضة الخالية من كلّ تعيين وتحديد”([2]).
فقد مازتها الكاتبة من؛ “قصّة مروءة”، و”قصّة تعذيب”، و”قصّة بطولة”…، فانحصار الأمر في نوع من أنواع القصص أكسبه “التّخصيص”.
كما وظّفت الاستعارة المكنيّة”… في أنّ قلمه يكتب ما يشاء وعلى هواه …” توظيفاً معبّراً، قلب معايير الشّخصيّة، وجعلها تنتقل من حال إلى حال.
لمَ اختارت الكاتبة “قصّة حبّ” ؟ ألتضعنا أمام لوحة نفسيّة؟ أم لإيمانها بقيمة الحبّ؟ قيمة يجب ترسيخها في النّفوس؟
فالكلّ يُحِبّ أن يُحِبّ وأن يُحَبّ، فالحبّ عاطفة فطريّة، جُبلت النّفوس على السّعي وراءها، والارتماء في أحضانها، والتّلفّع بعباءتها، لينام مطمئناً، مرتاح البال. فقيمة الحبّ قيمة سامية يجب زرعها في النّفوس، لتنمو القيم الأخرى وتسمو.
الشّخصّية: شخصيّة الصّحفيّ الشّخصيّة الرّئيسة يهوديّ صحفيّ مشهور، وله إنجازاته القصصيّة ومقالاته الرّصينة الجريئة، أغرته السلطة الصّهيونيّة بمال وفير جدّاً، وبخاصّة في أمر يقف العالم ضدّه، وهو بناء الجدار العازل، وجاء ومعه حبيب نفسه؛ وحبيب الأنفس البشريّة: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ ] الفجر 89: 20 ] المال، والمال، والمال، “ليكتب عنه – الجدار- المقالات والقصص الدّاعمة لكلّ من يرى وجوده في هذا المكان عدلاً وضرورة لحماية اليهود الغاصبين في أراضيهم المسلوبة من الفلسطينيين” ([3]) غير مبال بالحقيقة والعدل.
الشّخصيّة الثّانية : قلمه –استعارة مكنيّة- كما أسلفت، شخصيّة صداميّة، متمرّدة على صاحبها،”يكتب ما يشاء على هواه، دون الانصياع له” [4].
حاول الصّحفيّ – الشّخصيّة الرّئيسة – أن يكتب قصّة حبّ واحدة في ظلّ هذا الجدار، فعجز عن ذلك” ([5])، أهو من كتّاب قصص الحبّ؟ أهو ممّن اشتهر في مقالاته بالدّعوة إلى الحبّ والألفة؟ أصدمته الحقيقة؟ حقيقة الشّخصيّة الثّالثة – الفلسطينيين ومعاناتهم وما جرّ هذا الجدار عليهم من بؤس وشقاء – “فكتب مئة قصّة حزن بسبب هذا الجدار”([6]) لقد وعى، وأيقظه قلمه – الشّخصيّة الثّانية- ليوقظ في عقله ووعيه نفسه اللّوامة، ليسارع إلى النّفس المطمئنة “مزّق أمر الدّفع “الشّيك” ذا الأصفار الكثيرة، وشرع يعيش قصّته الأولى مع الحقيقة”. وسار على درب من سبقه من الأجانب الذين يقفون إلى جانب الشّخصيّة الثّالثة – الفلسطينيين- ينصرونهم قولاً وفعلاً، ويشاركونهم في مظاهراتهم المستمرّة ضدّ هذا الجدار، لتزف وسائل الإعلام العالميّة مزينة الحفل بصوره “تحت عنوان: صحفيّ أمريكيّ يقضي نحبه برصاص قوات الاحتلال الصّهيونيّ”.
شخصيّة الصّحفيّ شخصيّة نامية، راعت الكاتبة تحوّلات النّفس البشريّة من النّفس الأمّارة إلى النّفس اللوامة إلى النّفس المطمئنة، وجعلت مفتاح التحوّل استعارة مكنيّة ممّا أضفى على القصّة متعة التّشويق، مع نهاية قمّة في التّحوّل والانتقال من القناعة إلى العمل المشرّف ليقابل بأقسى عداء وأقساه على النّفس البشريّة.
حبذا لو أضافت الكاتبة – من أصل يهوديّ- ليصبح العنوان :”صحفيّ أمريكيّ- من أصل يهوديّ- يقضي نحبه برصاص قوات الاحتلال الصّهيونيّ” ليعرف العالم أنّ العدو الصّهيونيّ يتنكّر لمن يقف مع الحقّ حتى ولو كان من أبناء جلدتهم.
……………….. *****……………….
الهوامش:
[1] – معنى الإضافة: نسبة الثّاني للأوّل،التّحفة السنية،ص 300
[2] – النّحو الوافي: ج3، ص23
[3] – سناء شعلان،حدث ذات جدار، ص72
[4] – نفسه: ص 73.
[5] – نفسه: ص 73.
[6] – نفسه: ص73
المصادر والمراجع:
- حسن؛ عباس، النّحو الوافي، دار المعارف، مصر، ط4، د.ت
- شعلان، د.سناء، حدث ذات جدار، مجموعة قصصيّة، أمواج للنّشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1؛ 2016
- عبد الحميد، محمد محيي الدين، التّحفة السّنيّة بشرح المقدمة الأجروميّة، تحقيق د. شوكت علي درويش، مكتبة الرّشد ناشرون، ط 2؛ 1424هـ -2003 م