التَّناص الدّينيّ في رواية “وا إسلاماه” لعلي أحمد باكثير
محمد توحيد عالم
باحث في الدكتوراه، قسم اللغة العربية، جامعة غوربنغا، مالده، بنغال الغربية، الهند
——————-
تناول البحث ظاهرة “التَّناص الدينيّ في رواية “وا إسلاماه” لعلي أحمد باكثير”، وبدأت الدِّراسة بفنّ التَّناص تعريفًا وتقسيمًا وتنويعًا، وبيّنت أثرها على الأدب العربيّ، وتَظهر أهمّيّة البحث في أنها تُظهر تعدّد التَّناصّات الدِّينيَّة لدى الأديب علي أحمد باكثير، حيث إنه استقى العديد من أفكاره ومعانيه من النُّصُوص الدِّينيَّة لتكون بجانب لغته أسلوبًا يجذب المتلقّي، ويحجز للكاتب مكانًا في قلب المتلقّي. تناول البحث حياة علي أحمد باكثير باختصار، وقدم ملخّصًا وجيزًا لرواية “وا إسلاماه”، ثُمَّ تناول التَّناص الدينيّ، والبحث عن النُّصُوص الغائبة الدِّينيَّة المكوّنة لنصّ الرواية جماليّا وفكريّا من الأدب؛ أين يكتسب هذا النصّ جماليته اللُّغويَّة من جمال اللُّغة الدِّينيَّة ؟ وكيف تأثّر الكاتب بالأدب الدينيّ؟ ويبين لنا امتزاجه بالأدب الدينيّ العربيّ، حيث لم يفارق فكره ولسانه. ويسعى هذا البحث إلى الكشف عن تقنيَّات استخدمها الأديب لآليات التَّناص الدينيّ في روايته، وبيان قدرته على إعادة تشكيل ما استوحاه من النُّصُوص الغائبة في صور جديدة؛ ولهذا فإنّ هذا البحث ما هو إلَّا دراسة تطبيقيّة تحليليّة لنماذج التَّناص الدينيّ الَّتِي تضمّنها روايته وقد أخذت النُّصُوص ذاتها لتدعيم الدِّراسة وتعزيزها، وذيّلت الدِّراسة بخاتمة.
الكلمات المفتاحية: التَّناص الدينيّ، رواية “وا إسلاماه”، حياة علي أحمد باكثير، الجمالية.
التَّناص: التَّناص، أو تداخل النُّصُوص مصطلح يعدّ من المصطلحات الَّتِي شاعت في الستينيات من القرن المنصرم، وظهر كما يشير أغلب الدارسين على يد الباحثة جوليا كرستيفا في العام 1966م. إنّ نظريّة التَّناص محل اهتمام وانشغال الكثير من النقاد الغرب والعرب، فهو تقنيّة تداخل النُّصُوص فيما بينها، وتحليل النص بالاعتماد على آلية التَّناص يمكن أن يؤول في الأخير إلى تشكيل نصٍّ ثالث يصوغه القارئ.
ظهر مصطلح التَّناص في الدِّراسات العربيّة حديثًا، وهذا لا يعني أنّ مفهوم التَّناص لم يكن موجودا من قبل، فلو نظرنا إلى العصر الجاهليّ لوجدناه يتجلى في المقدمة الطللية، قد تنبّه النقد العربيّ القديم إلى ظاهرة التَّناص ولكن بمسميات أخرى مثل التضمين، والاقتباس، والسرقات وغيرها.
من هنا، رأى الدكتور أحمد الزعبي “أنّ موضوع التَّناص، أو مفهوم التَّناص ليس جديدًا تمامًا في الدِّراسات النّقديّة المعاصرة، كما يرى معظم الباحثين في هذا المجال وإنّما هو موضوع له جذوره في الدِّراسات النّقديّة شرقًا وغربًا بتسميات ومصطلحات أخرى. فالاقتباس والتضمين والاستشهاد والقرينة والتشبيه والمجاز والمعنى، وما شابه ذلك في النقد العربيّ القديم، هي مسائل أو مصطلحات تدخل ضمن مفهوم التَّناص في صورته الحديثة… إنّ مفهوم التَّناص المعاصر قد تشعّب وتعمّق واتّسع؛ بحيث احتوى تلك المصطلحات القديمة وتجاوزها وأضاف عليها عناصر جديدة وموضوعات تناصيّة أخرى كثيرة”[1].
التَّناص هو المقابل العربيّ للمصطلح الإنجليزيّ Intertextuality والمصطلح الفرنسيّ Intertexualite، وقد يترجم أحيانًا إلى تداخل النُّصُوص مسؤولًا، أو النُّصُوصيّة[2].
إذ تعدّدت ترجمة المصطلح تتعدّد التعريفات، على أنّنا يمكن أن نبسط تعريف التَّناص بأنّه يعني: “أنْ يتضمن نصّ أدبيّ ما نصوصا، أو أفكارا أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس، أو التضمين، أو التليمح، أو الإشارة، أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب، بحيث تندمج تلك النُّصُوص أو الأفكار مع النصّ الأصليّ وتندغم فيه ليتشكّل نصّ جديد واحد متكامل”[3].
وتعدّ الباحثة جوليا كرستيفا رائدة هذا المصطلح، وهى ترى أنّ كل نصّ يتشكّل من تركيبية فُسَيْفِسَائِيّة من الاستشهادات، وكل نصّ هو امتصاص، أو تحويل لنصوص أخرى[4].
وقال محمد مفتاح: أنّ التَّناص هو تعالق (الدخول في علاقة) نصوص مع نصّ حدث بكيفيات مختلفة[5].
أقسام التَّناص: يأتي التَّناص في الأعمال الأدبية على قسمين وإن اختلفت التسميات: التَّناص الدَّاخليّ والتَّناص الخارجي، أو تناص التجلي وتناص الخفاء.
التَّناص الدَّاخليّ: يُسمّى بتناص التجلِّي هو حوار يتجلّى في توالد النصّ وتناسله، وتناقش فيه الكلمات المفاتيح، أو المحاور، والجمل المنطلقات والأهداف، والحوارات المباشرة وغير المباشرة. فهو إعادة إنتاج سابق، في حدود من الحرّيّة[6]. ويدخل تحته ما عُرِف في النّقد القديم بالسّرقة، والاقتباس، والتضمين، والاستدعاء. فهو عمليّة واعية تقوم بامتصاص نصوص متداخلة ومتفاعلة وتحويلها إلى النّص، ويعتمد الأديب فيه أحيانًا إلى استحضار نصوص بلغتها الَّتِي وردت فيها، كالآيات القرآنية، والحديث النّبويّ، والشعر. التَّناص الدَّاخليّ، أو التَّناص المباشر هي الاقتباس الحرفيّ للنُّصُوص[7].
التَّناص الخارجيّ: هو حوار بين نصّ ونصوص أخرى مُتعدّدة المصادر والوظائف والمستويات. واستشفاف التَّناص الخارجيّ في نصّ عملية ليست بالسّهلة، وعلى الخصوص إذا كان النّصّ مبنيًّا بصفةٍ حاذقة، ولكنها مهما تستّرت واختفت فإنّها لا يمكن أن تختفى على القارئ المطّلع الَّذِي بإمكانه أن يعيدها إلى مصادرها[8]. هو تناص مع نصوص أخرى للمؤلّفين آخرين. التَّناص الخارجيّ، أو التَّناص غير مباشر هو الَّذِي يتضمّن فيه النّص تلميحًا، أو إيحاء[9].
أنواع التَّناص:
ينقسم التَّناص إلى أنواع مُتعدّدة بحسب نوع النصّ المقتبس، فهناك التَّناص التاريخيّ والأدبيّ والدينيّ، والأخير هو ما ستناوله هنا.
التَّناص الدينيّ: ونعني بالتَّناص الدينيّ “تداخل نصوص دينيّة مختارة- عن طريق الاقتباس، أو التضمين من القرآن الكريم، أو الحديث الشريف، أو الخطب، أو الأخبار الدِّينيَّة الدِّينيَّة …- مع النصّ الأصليّ للرواية، حيث تنسجم تلك النُّصُوص مع السياق الروائيّ وتؤدّي غرضًا فكريًّا، أو فنّيًا، أو كليهما معًا”[10]. وفي التَّناص الدينيّ”يتداخل المتفاعل النصّي الدينيّ مع التاريخ، وذلك من خلال إشارات إلى أسماء دينيّة لها بُعْد تاريخيّ (موسى-يعقوب-صاموئيل..). وتتجلى تلك المتفاعلات من خلال آيات، أو مقتطفات مأخوذة من القرآن الكريم، أو الكتاب المقدس، أو إشارات إلى بعض القصص، أو الوقائع فيها مثل قصة الخلق…، أو الإشارات الدِّينيَّة العديدة إلى الأكل والشيطان، أو بعض الممارسات الدِّينيَّة، أو بعض الشّعائر مثل رمضان والصلاة، والأحاديث النَّبويَّة، أو الصوفية[11] “. فالتَّناص الدينيّ في رواية علي أحمد باكثير متناثر في مجموع روايته.
علي أحمد باكثير :
هو علي بن أحمد بن محمد باكثير الكندي، ولد سنة 1910م في جزيرة سوروبايا بإندونيسيا لأبوين يمنيَّيْن من منطقة حضر موت. لما بلغ العاشرة من عمره سافر به أبوه إلى حضر موت لينشأ هناك نشأةً عربيّةً إسلاميةً مع إخوته لأبيه فوصل مدينة سيئون بحضر موت في العام 1920م وتلقّى هناك تعليمه في مدرسة النهضة العلمية ودرس علوم العربيّة والشريعة على شيوخ أجلاء. عاش باكثير حقبةً زمنيّةً غير قصيرةٍ في حضرموت ثُمَّ تنقل بين عدن وصومال وحبشة ثُمَّ استقر زمنًا في الحجاز، حيث كتب أول عمل مسرحي شعري له ” همام في بلاد الأحقاف”.
وصل باكثير إلى مصر سنة 1934م، والتحق بجامعة فؤاد الأول، حيث حاز البكالوريوس في الآداب في قسم اللُّغة الإنجليزية في العام 1939م، وبعد انتهاء الدِّراسة فضّل الإقامةَ في مصر، حيث أحبّ المجتمع المصريّ وتفاعل معه، وأصبحت صلته برجال الفكر والأدب وثيقة، من أمثال: العقّاد، وتوفيق الحكيم، والمازني ونجيب محفوظ، وصالح جودت، وغيرهم حتى توفي في مصر سنة 1969م.
لقد نشأ علي أحمد باكثير نشأةً عربيَّةً إسلاميَّةً منذ نعومة أظفاره في موطن آبائه حضر موت، حفظ القرآن الكريم في سنّ صغير بمدينة سيئون، وكان شغوفًا بشعر المتنبي وامرئ القيس، ودرس الإسلام من ينابيعه الأصيلة دراسة عميقة وافية، “واستقى باكثير فكره الإسلاميّ من ينابيعه الأصيلة، أي: القرآن والسُّنّة، وقد تجلّى اتجاهه الإسلاميّ والتزامه بالفكر الإسلاميّ في آثاره الشعريّة، والمسرحيّة، والروائيّة، بصورة واضحة، حيث يصدر فيها من التصوّر الإسلاميّ ويدعو إلى الفكر الإسلاميّ، ولا يرى في ذلك بأسًا؛ لأنّه يعتقد أنّ كلّ كاتب لا بُدّ أنْ يكون له فكرة يدعو إليها في عمله الفنّيّ”[12]. هو كاتب إسلاميّ، وروائيّ ومسرحيّ بارع، وشاعر ماهر. وتنوّع إنتاجه الأدبيّ بين الرواية، والمسرحيّة الشعريّة، والنثريّة، كما كتب العديدَ من المسرحيّات السياسيّة والتاريخيّة ذات الفصل الواحد، وكان ينشرها في الصُّحُف والمجلّات السّائدة آنذاك.
رواية “وا إسلاماه”:
رواية “وا إسلاماه” هي رواية تاريخيّة عربيّة للكاتب علي أحمد باكثير صدرت عام 1945، تتناول مرحلة من مراحل الدولة الأيوبيّة، وهي المرحلة الَّتِي انتقل فيها الحكم من الأيوبيين إلى المماليك، كما تتناول غزو التتار لمدينة بغداد، وتولى شجرة الدر حكم مصر، ومحاربة قطز للتتار وانتصاره عليهم في معركة عين جالوت. فتبدأ الرواية بالحديث عن جلال الدين بن خوارزم شاه الَّذِي يعد العدة لمحاربة التتار بمساعدة زوج أخته الأمير ممدود، وإبان التجهيز للمعركة يطلب جلال الدين من أحد المنجمين رأيه في نتيجة المعركة، فتنبّأ المنجم نصر جلال الدين أولا ثُمَّ هزيمته، ولما كانت زوجة جلال الدين وأخته حاملة، قلق جلال الدين خشية أن تلد زوجته بنتًا وأخته ولدًا، وبعد حين تبدأ المعركة وينتصر جلال على التتار حيث هو يعود ظافرًا، والرواية كلها محتوية على تلك المعركة الدامية؛ إذ نرى محورها من أشدّ مراحل التاريخ العربيّ والإسلاميّ، حيث تعرّض العالم الإسلاميّ لخطرين محدقين، مثل: الخطر الأول في وجود الصليبيّ في بلاد المسلمين و خاصةً في بلاد الشام، وأمّا الخطر الآخر وهو الأهمّ في غزو التتار لبلاد المسلمين واحتلالهم لها، وتمكّنهم من القضاء على الخلافة العباسيّة في بغداد. على الرغم من ذلك، ركزت الرواية على كيفيّة النهوض والتصدّي لذينك الخطرين بالإعداد والتجهيز للجهاد بقيادة الملك قطز سلطان مصر الَّذِي ردّ كيد التتار وحقّق النصر للمسلمين في معركة عين جالوت. فكانت هذه الرواية بمثابة رسالة للشعب المصريّ، حيث توضح فساد الحاكم في ظلّ وجود ا الاحتلال الانجليزيّ، واستمرار التناحر السّياسيّ بين الأحزاب المختلفة. وتعدّ هذه الرواية شهادة ناطقة على أنّ في ذلك الشعب الَّذِي يسكن على ضفاف النيل قوة كامنة إذا وجدت من يحسن استشارتها والانتفاع بها أتت بالعجائب، وقامت بالمعجزات.
تعرض باكثير في روايته “وا إسلاماه” للأحداث الَّتِي وقعت في مصر وما حولها، والَّتِي يطلّ القارئ منها على المجتمع الإسلاميّ إبّان غزو التتار للعام الإسلاميّ في أهم بلاده من نهر السّند إلى نهر النيل[13]. وقد حشد الكاتب في روايته كثيرًا من الشخصيّات التاريخيّة الحقيقيّة، كما طعمها بشخصيّات أخرى خياليّة، ودفع بها إلى خضمّ الأحداث الحربيّة والسّياسيّة المتأجّجة، على نحو من الصّراع الملحميّ الَّذِي لا يخلو من تشويق، وإثارة. وتشتمل الرواية على ستة عشر فصلًا.
التَّناص في رواية “وا إسلاماه”:
إنّ أكثر ما يلفت الانتباه في لغة باكثير اعتماده الكبير على تقنية التَّناص، حيث ظهرت تلك التقنيّة اللُّغويَّة بوفرةٍ في نصوصه الروائيّة خاصةً التَّناص الدينيّ مع القرآن الكريم بالدرجة الأولى، والأحاديث النَّبويَّة الشريفة بالدرجة الثانية، وقصص الأنبياء بالدرجة الثالثة، إضافةً إلى التَّناص الأدبيّ مع الشعر العربيّ القديم، ولعل نشأته الدِّينيَّة وتشرّبه لروح القرآن الكريم والحديث الشريف، إضافة إلى تعلُّقه بالشعر العربيّ قديمًا وحديثًا؛ شكّلت جميعًا عوامل مهمّة في كثرة لجوئه إلى الاستشهاد بكل منها كلّما سنحت الفرصة. ويظهر ذلك بوضوح في رواية “وا إسلاماه”، حيث وسّع الكاتب من آفاق النصّ ودلالاته، فجعل السّرد اللُّغويّ ثريًّا وممتعًا في الوقت نفسه، وكان لتلك التقنيّة اللُّغويَّة أثر كبير في جذب المتلقّي وزيادة اندماجه في أحداث الرواية من خلال إلغاء الحدود بين النُّصُوص المختلفة والربط فيما بينها؛ لتشكيل بِنْية روائيّة هادفة ومؤثّرة تعكس قدرة الأديب ومهاراته الفنيّة العالية، وتدلّ على اتِّساع مخزونه الأدبيّ والمعرفيّ والثقافيّ، وميله إلى التجديد في لغة الرواية وتمييزها بخاصّيّة الانفتاح على الأجناس الأخرى، وقد ظهرت تلك التقنية بوفرةٍ في الروايات التاريخيّة الَّتِي تأثّرت بخصائص الرواية الجديدة.
تتمثل أكبر التحوّلات عند علي أحمد باكثير في تأثّره بلغة القرآن الكريم والأحاديث النَّبويَّة سواء على مستوى السّرد أم الحوار، حيث استشهد بالكثير من الآيات القرآنيّة والأحاديث النَّبويَّة في ثنايا رواياته، سواء كان ذلك الاستشهاد والتضمين نصيًّا صريحًا، أم محورًا ومتلاحمًا مع المواقف والمشاهد الروائيّة المختلفة بما ينسجم مع الأهداف الفنيّة والموضوعيّة للخطاب الروائيّ في الأدب الإسلاميّ.
التَّناص مع القرآن الكريم:
يُعدّ القرآن الكريم رمزًا للمثل والقدوة والعظة، والنُّصُوص القرآنيّة قادرة -بلا شك- على إلهام الكاتب بما تحويه من معانٍ متجدّدة، فإنّ استدعاء النُّصُوص القرآنيّة هو أحد السُّبُل للارتقاء الفنّيّ، فلتلك الاستدعاءات رؤى خاصة تتجانس وتتلاءم وتقوي موقف الكتابة فالنُّصُوص الغائبة هي العتبات، أو الشفرات الَّتِي يمكن من خلالها الدخول إلى النص الحاضر وهو ما يجعل في النصّ نكهة وجمالية عند المتلقّي يربطها بجذور معيّنة يستمتع خلال عملية تلمسه لها. فالتَّناص القرآنيّ هو عبارة عن إعادة قراءة النُّصُوص المقتبسة في ضوء النصّ الجديد الراهن، وإعادة صياغتها، وقراءتها في إطار جديد ونصّ جديد[14].
لا يخفى على أحد أنّ النُّصُوص القرآنيّة قادرة-بلا شك-على رفد ذاكرة الشاعر بمعانٍ ودلالاتٍ، ومعارف ومحاور مُتجدّدة، ومنظورات مُتعدّدة، فكان استدعاء الشاعر واستلهامه لآي القرآن الكريم ،أو ألفاظه، أو قصصه، أو أحداثه، أو شخصياته، أو معانيه أحد السُّبُل والأسباب في الانتقال بالنصّ من العقم، واللانتاجيّة إلى نصّ مليء بالتجارب، والحقائق[15].
تبدو ثقافة الأديب علي أحمد باكثير الدِّينيَّة واضحة من خلال الرواية في مجملها؛ إذ إنّها تدور حول محور الجهاد في سبيل الله، بما يشمله من جهاد بالنفس، وجهاد بالمال، والإعداد لذلك إلى آخر تلك المعاني الَّتِي تدلّ على ثقافة إسلاميّة عميقة، ولقد أبدع المؤلف في وصف الجهاد وأثره، وما ينتظر المجاهد من أجر عظيم عند الله. كما تبدو ثقافة دينيّة من خلال تضمينه لكثير من الآيات الكريمة؛ ما يدلّ على استيعابه لكتاب الله عزّ وجلّ، وتمثّله له حتى امتلأت به نفسه، فسال على قلمه.
-1…..
كان من أجمل ما اقتبسه من القرآن الكريم تصوير انقطاع المدد من دمياط وتصوير هزيمة ملك فرنسا فقوله في معركة دار فارسكور، حيث يقول الكاتب:
“وما انقطع المدد من دمياط عن العدو حتى أذاقهم الله لباس الجوع والخوف، وصاروا محصورين لا يطيقون المقام ويخشون الذهاب. فضاقت بهم أنفسهم وبلغت قلوبهم الحناجر، فأحرقوا مراكبهم بمثل ما يتّقد في نفوسهم من نار الغيظ. ثُمَّ خربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين . . . . . حتى إذا بلغوا فارسكور لقيهم الموت من أمامهم . . . . والتجأ الملك الخاسر إلى تل المنية، منية عبد الله، وقال: ” سآوي إلى جبل يعصمني من الموت”، وقال المسلمون: ” لا عاصم اليوم من أمر الله إلَّا من رحم”. وتم بينه وبينهم الأمان فكان من المعتقلين. وقيل: يا أرض القتال ابلعي أشلاءك، يا سماء الموت أقلعي، وغيض الماء، وقضى الأمر، واستوت سفينة الإسلام على جودى النصر، وقيل بعدا للقوم الظالمين”[16].
وصف المؤلف في ذلك المتن انقطاع المدد عن الصليبيين: “حتى أذاقهم الله لباس الجوع والخوف” تناص مع قول الله تعالى: “وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَّأْتِيْهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوْعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوْا يَصْنَعُوْن* (النحل: 112.) ثُمَّ يورد الكاتب: “فضاقت بهم أنفسهم وبلغت قلوبهم الحناجر” تناص مع قوله تعالى: إِذْ جَآءُوْكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلِ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ اْلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوْبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّوْنَ بِاللهِ الظُّنُوْنَا* (الأحزاب: 10)، ثُمَّ بيّن الأديب أحوالهم في العبارة: “ثُمَّ خربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين” تناص مع الآية القرآنيّة: “يُخْرِبُوْنَ بُيُوْتَهُمْ بِأَيْدِيْهِم وَأَيْدِيْ الْمُؤْمِنِيْنَ* [الآية 2، الحشر/59]، والعبارة الأخير: “وقال: سآوي إلى جبل يعصمني من الموت، وقال المسلمون: لا عاصم اليوم من أمر الله إلَّا من رحم. وتم بينه وبينهم الأمان فكان من المعتقلين. وقيل: يا أرض القتال ابلعي أشلاءك، يا سماء الموت أقلعي، وغيض الماء، وقضى الأمر، واستوت سفينة الإسلام على جوديّ النصر، وقيل بعدا للقوم الظالمين”، يتطابق هذا الحوار مع حوار نوح عليه السلام مع ابنه كما ذكره الله تعالى في سورة هود من القرآن الكريم: “قَالَ سَآوِيْ إِلى جَبَلٍ يَّعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ، قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْم مِنْ أَمْرِ اللهِ إلَّا مَنْ رَّحِمَ* وَقِيْلَ يَآ أَرْضُ ابْلَعَيْ مَآءَكِ وَيَا سَمَآءُ أَقْلِعِيْ وَغِيْضَ الْمَآءُ وَقُضِىَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُوْدِيِّ وَقِيْلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِيْنَ* (هود: 43 و 44.).
لقد استوحى الكاتب الوصف السابق من الآيات القرانيّة من سور مختلفة؛ بحيث شكّل من بعض جملها ومفرداتها صورة فنّيّة مركّبة تظهر شدّة ضعف الصليبيين وتمهد لهزيمتهم. مع أنّ تلك الآيات الَّتِي تتحدّث عن مواقف مختلفة، استطاع الكاتب توظيف مفرداتها لغويًا ليعبر تعبيرًا صادقًا ودقيقًا ومؤثّرًا عن موقف واحد هو بيان حال الصليبيّين وقت هزيمتهم أمام المصريين.
– 2صفّا كأنهم بنيانٌ مَرْصوصٌ
كان الملك الصالح أيوب شعلة من النشاط، لا يهدأ ولا يفتر ولا يستريح من العمل الدائم في توسيع رقعة ملكه، وتنظيم بلاده وتجميلها، فقد عمر فيها من الأبنية والقصور والقلاع والجوامع والمدارس ما لم يعمر أحد من سلفه مثله حتى وهنت قوته، وساءت صحّته فذهب إلى دمشق ليستشفى بهوائها عملًا بنصيحة أطبّائه. انتهزت الفرصة للصليبيين ليغيروا على مصر بسفنهم من البحر؛ لأنّهم شعروا بالخطر الَّذِي يتهدّد إماراتهم بالشام من جرّاء حملات الملك الصالح أيوب وانتصاراته، فكاتبوا لويس التاسع ملك فرنسا في ذلك واتّفقوا معه بالهجوم على مصر. فبدأت المعركة ودارت بينهم وبين المسلمين أيّامًا، وخلال المعركة توفى الملك الصالح أيوب، ثُمَّ وقعت الحرب في ساحة القصر، وانتصر المسلمون هناك ثُمَّ كان ميدان القتال في شمال المنصورة وبين أزفّتها. يورد الكاتب أحوال الحرب: “وقد نجح في ذلك كله وفاز بما أراد. ولكن المسلمين قد استيقظوا من سُباتهم، وانتبهوا من غفلتهم، وغلت الحميّة حميّة الإسلام في قلوبهم، ووطنوا أنفسهم على بذل أرواحهم فداءً لله ولمصر، فجمعوا صفوفهم كأنّها بنيانٌ مرصوصٌ، وحملوا حملة واحدة مزّقت صفوف الأعداء وشتّتهم بددًا..[17]“
وفي قول الكاتب: : “صفوفهم كأنها بنيان مرصوص” تناص مع قول الله تعالى في القرآن الكريم: “إِنَّ اللهََ يُحِبُّ الَّذِيْنَ يُقَاتِلُوْنَ فِيْ سَبِيْلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوْصٌ* (الصف: 4.).
– 3اَللهُ نُوْرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُوْرِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيْهَا مِصْبَاح…
كانت شجرة الدرّ زوجة الملك الصالح نجم الدين أيّوب ملك مصر أيام هجوم الصلبيِّين عليها، ذات ذكاء ودهاء، تولّت حكم مصر بعد وفاة زوجها مرحلة من الزمن، ثُمَّ تنازلت عنه بعد أن استنكر الخليفة العباسيّ أنْ تتولى الحكم امرأة، وبعد أنْ ثار عليها الأيّوبيّون لمقتل توران شاه ابن زوجها، وأيضًا كانت سببًا في إثارة الصراع بين عز الدين أيبك وفارس الدين أقطاي للزواج بها بعد وفاة زوجتها. إنّ عز الدين أيبك وأقطاي كانا يحبّان شجرة الدر وبعثا إليها رسولًا كما بعث أقطاي إليها بيبرس رسولًا من قبله، وبعث عز الدين أيبك قطز. كلهم يصف لها حب صاحبه وغرامه بها. دار بينها وبين ذينك الرسولين المتنافسين وصائف صاحبهما، فيقول الكاتب في الحوار الَّذِي دار بين شجرة الدر و قطز، قال لها قطز: “مولاتي السلطانة، يا أجمل غانية رويت من ماء النيل! لو كان أستاذي مجوسيًّا لكنتِ ناره الَّتِي يعبدها، ولو كان وثنيًّا لكنتِ صنمه الَّذِي يتوجّه إليه. ولكنه مسلم صادق الإيمان، فأنتِ كعبته وصلاته، وأنتِ الزلفى الَّتِي يتقرّب بها إلى الله”.
“مولاتي السّلطانة، يا أجمل غانية رويت من ماء النيل! لقد ضرب الله في كتابه للناس أمثالًا لعلّهم يعقلون؛ فضرب مثلًا لنوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. وأين نور الله الَّذِي أشرقت به السماوات والأرض يا مولاتي من تلك المشكاة[18]“.
في تلك العبارة الَّتِي أتى بها قطز تناصّ مع قول الله تعالى: “اَللهُ نُوْرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُوْرِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيْهَا مِصْبَاحٌ، اَلْمِصْبَاحُ فِيْ زُجَاجَةٍ، اَلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُّوْقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُوْنَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَّكَادُ زَيْتُهَا يُضِيْءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، نُوْرٌ عَلَى نُوْرٍ، يَهْدِي اللهُ لِنُوْرِهِ مَنْ يَّشَآءُ، وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ، وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٍ* [الآية35، النور/24] . كأنّ الكاتب يقصد بالتَّناص مع الآية الكريمة أنّ هناك الفرق الكبير بين عز الدين أيبك وأقطاي، فإنّ عز الدين مثلا كما ضرب الله أمثالا للناس وكأنّ الكاتب يريد إزالة ما يعلق في نفس السلطانة وفكرها من شبهات.
– 4ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عُدّة ولكن كرِه اللهُ انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعُدوا مع القاعدين:
في شهر رمضان نودي في القاهرة وسائر مدن القطر المصري وقراه بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله ونصرة دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر الملك المظفر بالإعداد للمسير إلى الصالحية، وتقدم بالمسير حتى نزل بالصالحية، طلب الأمراء وتكلم معهم في الرحيل للقاء العدو، فأبى ذلك جماعة كبيرة من الأمراء، غضب الملك غضبا شديدا حتى سكت لسانه ولم يستطع الكلام برهة من الزمن ثُمَّ توجّه إليهم قائلا: “بئس الرأي الضعيف رأيكم! أما والله ما حملكم على هذا إلَّا الجبن والهلع من سيوف التتار أن تقطع رقابكم هذه الَّتِي سمنت من أموال الأمة! ألم تعلموا يا أمراء السوء أنه ما غزى قوم في عقر دارهم إلَّا ذلّوا؟ يا أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للقتال كارهون. ما أشبه اللّيلة بالبارحة! وما أشبهكم بأولئك المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول الله فيهم: “وَلَوْ أَرَادُوْا الْخُرُوْجَ لَأَعَدُّوْا لَهُ عُدَّةً ولكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيْلَ اقْعُدُوْا مَعَ الْقَاعِدِيْنَ * لَوْ خَرَجُوْا فِيْكُمْ مَا زَادُوْكُمْ إلَّا خَبَالًا وَّلَأَوْضَعُوْا خِلَالَكُمْ يَبْغُوْنَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيْكُمْ سَمَّاعُوْنَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيْمٌ بِالظَّالِمِيْنَ* لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وقَلَّبُوْا لَكَ الْأُمُوْرَ حِتَّى جَآءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ[19]* [الآيات: 46، 47، 48، التوبة/9] .
هذه الآيات الثلاث من سورة التوبة، ورقمها: 46، 47 و 48. وفي استدعاء الملك المظفر لهذه الآيات الكريمة تشبيه لهؤلاء الأمراء بالمنافقين الذين تعذروا بالأعذار القبيحة ليهربوا من مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. لقد كره الله خروجهم وهو أعلم بحقيقة نفوسهم وإيمانهم، فلو خرجوا لأرهقوا المؤمنين. كأنّ الكاتب بهذا يوجّه تحذيرا للمسلمين المعاصرين يحذرهم فيه أنّنا نعيش في زمن فيه مثل المنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
التَّناص مع الحديث النبويّ:
يعدّ الحديث الشريف المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي الَّتِي يأخذ بها المسلمون في حياتهم ويقرون بما جاء به وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد وضّح للناس ما فيها من فضائل وشمائل وسلوكيّات وتشريعات إسلاميّة كثيرة، كانت قد أجملت، ولم تبيّن في القرآن الكريم.[20]
لقد جاء مُفسرًا لكثيرٍ ممّا جاء في القرآن، ولم يكن صاحبه ينطلق عن الهوى إن هو إلَّا وحيٌ يُوحى. لذلك،استلهم الشعراء كثيرًا من الأحاديث النَّبويَّة الشريفة لفظًا ومعنًى، وضمّنوا أشعارهم الكثير ممّا جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لمنزلة الحديث النّبويّ، ولمنزلة صاحبه عند المسلمين؛ ما جعلهم يقتدون بهديه ويسيرون على خطاه، فكان الحديث حقلًا واسعًا من حقول اتّكائهم على ما فيه من المعاني والأفكار[21].
يُشكّل الحديث النّبويّ في كتابة باكثير مادّةً خصبةً ومصدرًا أساسًا من مصادر تجربته الروائيّة، مستحضرًا ألفاظه وتراكيبه ودلالاته، موظّفًا أسلوبه ومنتجًا ومتداخلًا مع نصّ الرواية للتعبير عن قضاياه وموافقه الإنسانيّة والفكريّة، وتفاعلت رواية باكثير مع الحديث النّبويّ يجسد نضج التَّناص الدّينيّ.
1- كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعِيّته
ذات ليلة في قصر السلطان بغزنة دار الحوار بين السلطان جلال الدين والأمير ممدود ابن عمّه وزوج أخته عن السلطان خوارزم شاه، حينما قال السلطان جلال الدين وهو يطوي بساط الشطرنج: “غفر الله لأبي وسامحه! ما كان أغناه عن التحرّش بهذه القبائل التترية المتوحشة. إذن لبقيت تائهة في جبال الصين وقفارها، ولظلّ بيننا وبينهم سد منيع.
قال له ممدود: أجل يا مولاي، إنّ عمي خوارزم شاه أخطأه التوفيق في ما ذكرت من إثارة هذه القبائل التتريّة. ولكني أرى أنه ليس لنا أن نلومه إلَّابمقدار، فقد كان أعظم ملوك عصره وأوسعهم ملكًا وأشدّهم قوةً، وكان لا بُدّ له من التوسع المطرد لئلا يعطل جنوده وجحافله العظيمة عن العمل. فآثر أنْ يكون ذلك في بلاد لم يدخلها الإسلام بعد، حتى يجمع بذلك بين خدمة دنياه بتوسيع رقعة ملكه، وخدمة دينه بنشر الإسلام في أقصى البلاد.
فقال له جلال الدين والحزن العميق في وجهه: “ولكن ماذا جنى عمك من هذا يا ممدود، غير فقدان الجزء الأعظم من مملكته، وإغراق بلاد الإسلام بهذا الطوفان العظيم من التتار المشركين. وأخشى أنْ يكون أبي مسؤولًا عن هذا كلّه أمام ربّه”[22].
وفي قوله: “وأخشى أن يكون أبي مسؤولا عن هذا كله أمام ربه” تناص خفي مع الحديث النبويّ كما رواه الإمام مسلم “عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته فالأمير الَّذِي على النّاس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيّته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيّده، هو مسؤول عنه، ألا فكُلّكم راعٍ وكُلّكم مسؤول عن رعيته[23]“. والحديث مناسب للمقام؛ لأنّ الكل مسؤول عن رعيته كما ورد في الحديث، كما يدل على ثقافة الكاتب الدِّينيَّة .
2- “من فرّج عن مسلم كربةً، فرّج الله عنه كُرْبة من كُرُبات يوم القيامة:
كان غانم المقدسي رجلا صالحا يحب الصداقة ويحضر مجالس العلم، اشترى محمود ابن الأمير ممدود وأطلق عليه اسم (قطز) واشترى جهاد بنت السلطان جلال الدين وأطلق عليها اسم جلنار. كان المقدسي يعاملهما معاملة طيبة ويعتبرهما بدلا من أبنائه ووعدهما بأنْ يعتقهما ويزوّجهما ولكنّه مات قبل تحقيق ذلك، ترك وصية لابنه موسى لنفذ هذا الوعد، ولكن موسى لم ينفذ وصية والده بعتق قطز وجلنا وعمل التفريق بينهما، وكان يقسو عليهما.
في الحوار بين قطز وهو حزين جدًّا وبين صديقه حاج علي (وهو شيخ صالح كان يخدم سريًا آخر من سراة دمشق وأعيانها، يقال له ابن الزعيم، كان يسكن في قصر قريب من قصر الشيخ غانم المقدسي). هما يتحدّثان عن قطز وأحواله السيئة، وعقته، وآبائه الكرام، فقال له حاج علي: “الله يخلصك يا بني.. هون عليك يا قطز فسيجعل الله لك من ضيقك مخرجًا. فقال قطز: دعني من كلمات المواساة والتهويل والتعليل، فإنّها لا تنفعني شيئًا، وفكر لي في طريقة للخلاص ممّا أنا فيه من العذاب.
قال له حاج علي: لقد فكرت لك في طريقة للخلاص ممّا أنت فيه من العذاب، ولكن عليك أن تصبر يومين، أو ثلاثة أيام ريثما أدبر هذه الطريقة….. فاطمئن ولا تخف شيئًا، فسأدبر لك كل شيء تدبيرًا متقنًا.
فقال قطز: بارك الله فيك يا حاج علي. لقد فرجت كربي، فرج الله كربك يوم القيامة”[24].
وفي قول قطز: “لقد فرجت كربي، فرج الله كربك يوم القيامة” تناصّ خفيّ مع قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: “من فرّج عن مسلم كربةً، فرّج الله عنه كُرْبة من كُرُبات يوم القيامة”[25].
3- من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه…
كان الشيخ ابن عبد السلام من علماء المسلمين ومثلًا صالحًا للعالم العامل بعلمه، يعدّ من أعظم شيوخ عصره، وكان يدرس في المجالس والمجامع، كان النّاصح لدينه ووطنه الَّذِي يرى حقًّا أنّ العلماء ورثة الأنبياء في هداية الناس إلى الخير، ودفعهم عن سُبل الشر، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم. كان له نفوذ سياسيّ ودينيّ كبير، وقد ساعد قطز في جمع الأموال لحرب التتار وأثر في شخصيّته تأثيرًا واضحًا، وله فتاوى جريئة ضدّ المماليك، ونهبهم أموال الشعب، وأنّه يجب مصادرة تلك الأموال للانتفاع بها للمصلحة العامّة. حينما أدرك الشيخ الخطر الَّذِي يتهدّد بلاد الشام أخذ الشيخ يكثر الاجتماع بأنصاره ومريديه يحمسهم ويأمرهم بالاستعداد للقيام بواجبهم من الجهاد في سبيل الوطن، وكان كل ذلك في السّر، حتى دخل الجامع الكبير من الباب الخاص بالخطيب يوم الجمعة وكان الجامع الكبير ممتلئ بالناس، رقي المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ خطب خطبة وذكر الجهاد وفضائله، وذكر ما أوجب الله على المسلمين. وبيّن ما فرض الله على المسلمين من إعداد الأسلحة، وآلات القتال ورباط الخيل، واتّخاذ الأساطيل في البحر، وسائر وسائل القوّة.
بعد صلاة الجمعة، انصرف النّاس من الجامع، ولا حديث لهم إلَّا خطبة الشيخ ابن عبد السلام يفخر من سمعها على من لم يسمعها. ولمّا سمع صاحب دمشق الصالح إسماعيل أمره وهو غائب عن دمشق يومذاك، كتب بعزله من الخطابة والقبض عليه وحبسه حتى يرجع إلى دمشق. فقبض على الشيخ ابن عبد السلام وسجن. فشق ذلك على الناس، وثار أنصاره فطالبوا بالإفراج عنه، وإذ لم يجابوا إلى طلبهم عمدوا إلى ما أوصاهم به شيخهم حين قال لهم: “غيروا بأيديكم ما لم أقدر على تغييره بلساني، وادفعوا هذا المنكر من بيع السلاح إلى الأعداء الكافرين…..”[26]
في قول الشيخ: غيروا بأيديكم ما لم أقدر على تغييره بلساني…. ” تناص غير مباشر مع الحديث النبويّ: “من رأى منكم منكرًا فليُغيّره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه…[27]” والاستشهاد به كأنّه يأمر أنصاره بفعل ما لم يستطعه بلسانه؛ لأنّه في السجن المظلم لا يستطيع أنْ يتحرّك لسانه، ولا يستطيع أنْ يخطب أمام الناس، ولا يحرضهم على الجهاد. ونرى أثر قوله بعد قليل أن بضعة رجال من الفرنج الذين دخلوا دمشق لابتياع الأسلحة قد قتلوا بأيدي جماعة من أنصار ابن عبد السلام. وكأن الكاتب يريد أن يشجع الناس في عصره على تطبيق المنهج الإسلاميّ؛ لأنهم في غفلة عميقة، ونسيان من الدين الإسلاميّ.
4– من رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي
ذات ليلة رأى قطز النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام، وقصّ رؤياه على الشيخ ابن عبد السلام في الصباح أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشّره بمملكة مصر وهزيمة التتار بيده، سكت الشيخ هنيهة متعجبًا من الرؤيا، ثُمَّ قال: “ما زلت تفكر في الملك وهزم التتار يا قطز حتى أتاك النبيّ صلى الله عليه وسلم فبشّرك بهما. إنّها رؤيا عظيمة كما ذكرت، فإنْ تكن صدقا فستملك مصر حقا وتهزم التتار؛ فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: “من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي[28]“.
في اقتباس قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر العبارة: “من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي” تناص جلي مع قول النبيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي رواه مسلم: “عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل بي[29]“. وراه البخاري: عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل بي[30]“، ف التَّناص مع الحديث الشريف ما يتناسب مع شخصية الشيخ ابن عبد السلام، والحديث مناسب وروده على لسان الشيخ، ومناسب للمقام أيضا، كما يدل على ثقافة الأديب الدِّينيَّة .
5- ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
توجّه الجيش الإسلاميّ بقيادة الملك المظفر إلى عين جالوت لمعركة التتار حتى نزل بالصالحية شرق مصر. كان الملك المظفر يتشاور في الليل مع محميه الأمير بيبرس والوزير يعقوب بن عبد الرفيع والأتابك أقطاي المستعرب في رسم الخطط للهجوم على العدو فكان يعرض الرأي فيتناقشون فيه، فيستمع إلى اعتراضاتهم واقتراحاتهم بانتباه شديد، فيردّ على هذا برفق، ويتلقى رأي هذا بالقبول والاستحسان. بعد التشاور انصرفوا كلهم إلى مخادعهم إلَّاأتابك الأمير أقطاى المستعرب فقد بقي مع السلطان. بعد برهة شكا إليه السلطان من تخاذل الأمراء في مثل ذلك الوقت الحرج، فقال له الأتابك: “هون عليك يا مولاي فإن في مضاء عزمك ما يأخذ المسالك على تخاذلهم. وقد فعلوا ذلك مرارا فما لبثوا أن انصاعوا لأمرك ونزلوا على حكمك فاحتمل ذلك منهم فأنت أهل للاحتمال”.
قال له السلطان: “إني قد أحتمل هذا منهم في وقت السعة والأمن، ولكنّي لا أستطيع احتماله في وقت الضيق والحرب، وإني سائلك فلتجبني من دون مواربة ما رأيك في الأمير بيبرس؟”.
قال أقطاي: “ليس المسؤول عنه بأعلم من السائل[31]“.
في قول الكاتب: ليس المسؤول عنه بأعلم من السائل” تناص غير مباشر مع الحديث الشريف وهو حديث جبريل المشهور وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل لما سأله متى الساعة؟ قال: “ما المسؤول عنها بأعلم من السائل[32]“. و هو استدعاء ذكي، وفيه إشارة إلى أن أقطاي هذا مثله في أخبار بيبرس، والسلطان أعلم منه بهذا. وهذا يدل أيضا على ثقافة الكاتب الإسلاميَّة.
الخاتمة:
نشأ علي أحمد باكثير نشأة عربية إسلامية وتبدو ثقافته الدِّينيَّة واضحة من خلال الرواية في مجملها؛ إذ إنّها تدور حول محور الجهاد في سبيل الله، بما يشمله من جهاد بالنفس، وجهاد بالمال، والإعداد لذلك إلى آخر تلك المعاني الَّتِي تدلّ على ثقافة إسلاميّة عميقة، ولقد أبدع المؤلّف في وصف الجهاد وأثره، وما ينتظر المجاهد من أجر عظيم عند الله. كما تبدو ثقافة دينيّة من خلال تضمينه لكثير من الآيات الكريمة والأحاديث النَّبويَّة؛ ما يدل على استيعابه لكتاب الله عزّ وجلّ وأحاديث النبيّ صلى الله عليه وسلم وتمثله له حتى امتلأت به نفسه، فسال على قلمه. لقد كتب باكثير في هذه الرواية أنموذجًا للأديب المسلم الَّذِي يسخّر أدبه لإيقاظ أُمّته وبثّ الأمل بالنّصر فيها، وإرشادها إلى طريق الفلاح والعزّة، والنصر. وقد استخدم باكثير في روايته تقنيّة التَّناص، حيث ظهرت تلك التقنية اللُّغويَّة بوفرة في نصوصه الروائيّة خاصّة التَّناص الدينيّ، وقد استخدمها في بناء النصّ السّرديّ بناءً معماريًّا من خلال تناسل النصّ وتحديد نوعيّته وشكل المهارات الَّتِي يصوغه بها الإبداع الروائيّ، وظهر التَّناص الدينيّ بوضوح، حيث وسّع الكاتب من آفاق النصّ ودلالاته، فجعل السّرد اللُّغويّ ثريًّا وممتعًا في الوقت نفسه، وكان لتلك التقنيّة اللُّغويَّة أثر كبير في جذب المتلقّي وزيادة اندماجه في أحداث الرواية من خلال إلغاء الحدود بين النُّصُوص المختلفة، والربط فيما بينها. واستطاع الأديب أن يعكس الصدق والفعالية في تعامله مع التراث الدينيّ وهذا يعود إلى انتمائه الحضاريّ والدينيّ العميق ولصدق تجربته الفنّيّة والدِّينيَّة . ولا يخفى على أحد أن النُّصُوص القرآنيّة والأحاديث النَّبويَّة قادرة على رفد ذاكرة الكاتب بمعانٍ ودلالات، فكان استدعاء الكاتب واستلهامه لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإنّها نُصوص مليئة بالتجارب والحقائق، نصوص خصبة منفتحة على آفاق علويّة مشرقة برؤى مُتعدّدة الانفتاح الدلاليّ.
الهوامش:
[1] الزعبي، أحمد: التَّناص نظريًّا وتطبيقيًّا (الأردن، عمان، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع، ط 2، 2000) ص 19.
[2] المصدر نفسه، ص 11.
[3] المصدر نفسه، ص 11.
[4]المصدر نفسه، ص 11.
[5]مفتاح، محمد: تحليل الخطاب الشعري (بيروت، المركز الثقافي العربيّ، ط 3، ١٩92) ص 121.
[6] عزام، محمد: النص الغائب: تجليات التَّناص في الشعر العربيّ (دمشق، اتّحاد كتّاب العرب، 2001) ص 31.
[7] الزعبي، أحمد: التَّناص نظريًّا وتطبيقيًّا (الأردن، عمان، مؤسسة عمون، ط 2، 2000) ص 29.
[8] عزام، محمد: مصدر سابق، ص 31.
[9] الزعبي، أحمد: مصدر سابق، ص 29.
[10] الزعبي، أحمد: مصدر سابق، ص 37.
[11] يقطين، سعيد: انفتاح النص الروائي (المغرب، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربيّ، ط 2، 2001) ص 107.
[12] د. سرباز، حسن: الاتجاه الإسلاميّ في روايات علي أحمد باكثير التاريخيّة (من أبحاث مؤتمر “علي أحمد باكثير ومكانته الأدبيّة”، القاهرة، 2010) ص 106.
[13] غوري، محمد علي: علي أحمد باكثير رائد الرواية التاريخية الإسلاميَّة في الأدب العربيّ: وا إسلاماه نموذجا (موقع الأديب علي أحمد باكثير، من أبحاث مؤتمر مئوية باكثير بالقاهرة 2010) ص 205.
[14] الهادي عرجون: “التَّناص القرآني”، الرابط: www.diwanalarab.com/التَّناص–القرآني
[15] الدهون، إبراهيم مصطفى محمد: التَّناص في شعر المَعَرّي (أطروحة الدكتوراه، جامعة اليرموك في إربد، الأردن، 2009) ص 131.
[16] باكثير، علي أحمد: وا إسلاماه، (القاهرة، مكتبة مصر، دون تاريخ النشر) ص 134 و 135.
[17]باكثير: وا إسلاماه، ص 134.
[18] باكثير: وا إسلاماه، ص 150.
[19] باكثير: وا إسلاماه، ص 186.
[20] الدهون: التَّناص في شعر المَعَرّي، ص 184.
[21] الزواهرة، ظاهر محمد: التَّناص في الشعر العربيّ المعاصر: التَّناص الدينيّ نموذجًا (أطروحة الدكتوراه، الجامعة الأردنيّة، 2011) ص 96.
[22] باكثير: وا إسلاماه، ص 4.
[23] مسلم بن الحجاج القشيري: صحيح مسلم، (الرياض، دار طيبة، ط 1، 2006) كتاب الإمارة، ص 886، رقم الحديث: 20 (1829).
[24] باكثير: وا إسلاماه، ص 90.
[25] محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري (دمشق-بيروت، دار ابن كثير، ط 1، 2002) كتاب المظالم، ص 591، رقم الحديث: 2442.
[26] باكثير: وا إسلاماه، ص 101.
[27] رواه مسلم، كتاب الإيمان، ص 41، رقم الحديث: 78- (49)
[28] باكثير: وا إسلاماه، ص 104.
[29] رواه مسلم، كتاب الرؤيا، ص 1077، رقم الحديث: 10 (2266).
[30] رواه البخاري، كتاب التعبير، ص 1733، رقم الحديث: 10 (6994).
[31] باكثير: وا إسلاماه، ص 188.
[32] رواه مسلم، كتاب الإيمان، ص 23، رقم الحديث: 1 (8). و البخاري، كتاب الإيمان، ص 23، رقم الحديث: 50.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- إبراهيم مصطفى محمد الدهون: التَّناص في شعر المَعَرّي، أطروحة الدكتوراه، جامعة اليرموك في إربد، الأردن، 2009.
- أحمد الزعبي: التَّناص نظريًّا وتطبيقيًّا، مؤسّسة عمون، الأردن، ط 2، 2000.
- الدكتور أحمد عبد الله السومحي: علي أحمد باكثير حياته شعره الوطني والإسلامي، موقع الأديب علي أحمد باكثير، 2007.
- الدكتور أبو بكر البابكري: روايات علي أحمد باكثير التاريخية، موقع الأديب علي أحمد باكثير، دون تاريخ النشر.
- د. حسن سرباز: الاتّجاه الإسلاميّ في روايات علي أحمد باكثير التاريخيّة، من أبحاث مؤتمر “علي أحمد باكثير ومكانته الأدبيّة”، القاهرة، 2010.
- حسن سرباز: دراسة القصة الإسلاميَّة في الأدب العربيّ المعاصر: علي أحمد باكثير نموذجا، موقع الأديب علي أحمد باكثير، دون تاريخ النشر.
- د. حلمي محمد القاعود: الرواية التاريخية في أدبنا الحديث، دار العلم والإيمان، مصر. ط 2، 2010.
- سعيد يقطين: انفتاح النص الروائي، المركز الثقافي العربيّ، الدار البيضاء، المغرب، ط 2، 2001.
- ظاهر محمد الزواهرة: التَّناص في الشعر العربيّ المعاصر: التَّناص الديني نموذجا، أطروحة الدكتوراه، الجامعة الأردنيّة، 2011.
- د. عبد الله الخطيب: روايات علي أحمد باكثير: قراءة في الرؤية والتشكيل، موقع الأديب علي أحمد باكثير، 2009م.
- علي أحمد باكثير: وا إسلاماه، مكتبة مصر، القاهرة، دون تاريخ النشر.
- د. محمد أبو بكر حميد: علي أحمد باكثير: النشأة الأدبيّة في حضرموت، الأدب الإسلاميّ، 2001، المجلد 8، العدد 29، ص 14.
- محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، ط 1، 2002.
- محمد عزام: النص الغائب: تجليات التَّناص في الشعر العربيّ، اتحاد كتاب العرب، دمشق، 2001.
- محمد علي غلام نبي غوري: علي أحمد باكثير رائد الرواية التاريخيّة الإسلاميَّة في الأدب العربيّ (وا إسلاماه نموذجًا)، موقع الأديب علي أحمد باكثير،2010م.
- محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري، المركز الثقافي العربيّ، الدار البيضاء، بيروت، ط 3، ١٩
- مسلم بن الحجاج القشيري: صحيح مسلم، دار طيبة، الرياض، ط 1، 2006.
- الهادي عرجون: “التَّناص القرآني”، الرابط: diwanalarab.com/التَّناص–القرآني
……………….. ***** ……………….