الأفعال الكلامية في ديوان ابن خفاجة الأندلسي
بقلم
د. هناء شبايكي
أستاذة محاضرة، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة- الجزائر
————————————-
ملخص البحث:
يعدّ البحث في الأفعال الكلاميّة بحثًا في صميم التّداوليّة اللّغويّة، بل إنّ التّداوليّة في نشأتها الأولى كانت مرادفة للأفعال الكلاميّة، إذ تعدّ الأفعال الكلاميّة الأساس الجوهريّ الذي انبنى عليه الاتّجاه التّداوليّ، وضعه الفيلسوف” أوستين” وطوّره من بعده تلميذه “ج. سورل“.
لقد جعل سيرل الأفعال الكلاميّة خمسة أصناف هي: الإخباريّات assertives، التّوجيهيّاتdirectives، الالتزاميّات commissitives، التّعبيريّاتexpressitives، الإعلانيّاتdeclarations .
وذلك ما سنحاول مقاربته من خلال هذه الورقة البحثيّة من خلال: التّعريف بالفعل الكلاميّ ثم بيان تصنيف كل من” أوستين” و “ج. سورل“ للأفعال الكلامية، واعتماد هذا الأخير لمقاربة الأفعال الكلامية في ديوان ابن خفاجة الأندلسي – تحقيق عبد الله سنده-.
الكلمات المفتاحية: الأفعال الكلامية، التداولية، ابن خفاجة الأندلسي.
مقدمة:
تستأثر نظرية الأفعال الكلامية بعناية الباحثين في جوانب النظرية العامة لاستعمال اللغة، فعلماء النفس يرون اكتسابها شرطا أساسيا لاكتساب اللغة كلها، ونقاد الأدب يرون فيها إضاءة لما تحمله من فروق دقيقة في استعمال اللغة وما تحده من تأثير في المتلقي، والأنثروبولوجيون يأملون أن يجدوا فيها تفسيرا للطقوس والرقى السحرية، والفلاسفة يرون فيها مجالا خصبا لدراسة علاقة اللغة بالعالم، واللغويون يجدون فيها حلولا لكثير من مشكلات الدلالة والتراكيب، وتعليم اللغة الثانية، أما في الدرس التداولي فإن الأفعال الكلامية تظل واحدة من أهم المجالات فيه، إن لم يكن أهمها جميعا، بل إن التداولية في نشأتها الأولى كانت مرادفة للأفعال الكلامية.
تتناول هذه الورقة البحثية الأفعال الكلامية في شعر واحد من أهم شعراء القرن الخامس الهجري في بلاد الأندلس الا وهو ابن خفاجة الأندلسي ( 401 ه– 533 هـ) عاش خلال عهدين مختلفين مرت بهما الأندلس: أولهما عهد ملوك الطوائف، وثانيهما عهد المرابطين، كان ابن خفاجة علمًا من أعلام الأندلس يشار إليه بالبنان، و تميز بعبقرية فَذّة تزهى بها جزيرة شُقَر ويفاخِر بها المغرب المشرق.
تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عن الأسئلة الآتية: ما هو الفعل الكلاميّ؟ كيف صنف كل من” أوستين ” و “ج. سورل” الأفعال الكلامية ؟
تسعى المقاربة التّداوليّة إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة مثل: من يتكلّم؟ وإلى من يتكلّم؟ ولأجل ماذا يتكلّم؟ ماذا نصنع حين نتكلّم؟ كيف نتكلم بشيء ونريد شيئا آخر؟
وإذا كانت التّداوليّة تهتمّ بالاستعمال اللّغويّ، وأثر هذا الاستعمال في عملية التّواصل، فهل يمكن تطبيق المنهج التّداوليّ على الخطاب الشّعريّ في ديوان ابن خفاجة الأندلسي، باعتباره وسيلة من وسائل التّواصل بين الأفراد؟ وإذا كان كذلك، فما هي الآليّات التّداوليّة التي تسهم في تحليل الخطاب الشّعريّ وفهم مضامينه الدّلاليّة ؟؟
وإلى أي مدى يمكن أن تسهم الأدوات التّداوليّة في الكشف عن المعاني في نصوصه الشّعريّة؟؟
وكيف تستطيع المقاربة التّـــداوليّة فكّ شفرات المبهم من القول في نصوصه الشّعريّة ؟؟
أولا- تعريف الفعل الكلامي
يعدّ البحث في الأفعال الكلاميّة بحثًا في صميم التّداوليّة اللّغويّة، بل إنّ التّداوليّة في نشأتها الأولى كانت مرادفة للأفعال الكلاميّة.
إذ تعدّ الأفعال الكلاميّة الأساس الجوهريّ الذي انبنى عليه الاتّجاه التّداوليّ، وضعه الفيلسوف” ج.ل.أوستين” وطوّره من بعده تلميذه “ج. سورل“.
و إذا ما أردنا تقديم تعريف للفعل الكلاميّ، فإنّه من الصّعب تقديمُ تعريفٍ واحدٍ يتّــــفق عليه جميع الدّارسين إذ:” يرجع ذلك إلى اختلاف مرجعيّاتهم التي ينطلقون منها في تناول موضوع التّداوليّة عمومًا ومع ذلك فإنّ المتّـــفق عليه هو: أنّ تكلّم لغةٍ ما أو التّحدّث بها يعني تحقيق أفعال لغويّة، وقد شاع بين الدّارسين استعمال مصطلح الفعل الكلاميّ”.[1]
و حتّى يتسنّى لنا فهم هذا المبدأ:” وجـــــــــــــب الوقـــــوف على مفهـوم الفعــــل أوّلًا فالفعـــــــــــل يــــدلّ على أنّ اللّغة لا تستعمــــل فقــــط لتمثيـــل العـــالم، و لكــــن تستعمــــل لإنجــــاز أفعالٍ أي إنّ الإنسان المتكلّم، وهو يستعمل اللّغة لا ينتج كلمات دالة على معنى بل يقوم بفعل، و يمارس تأثيرا.[2]
أمّا الكلام ” فهو كلّ نشــاط إنســـــانيّ واقــعيّ، يقوم به فرد من أفراد الجماعة محقّــــقًا من خلاله نشاطًا إنسانيًّا، بالإمكان رصده، والبحث فيه بما يكشف عن سمات نفسيّة، و اجتماعيّة و ثقافيّة وحضاريّة”.[3]
بالعودة إلى ما كتبـه الفيلســـــوف “ج.ل. أوستين” وتلميـذه “ج.سيرل“ حول هذا المفهوم اللّســـاني التّـــداولي الجديـد، فإنّ الفعــل الكلاميّ يعني: ” التّصـــرّف أو العمل الاِجتماعيّ أو المؤسّساتيّ الذي ينجزه الإنـسان بالكلام، و من ثمّ فإن الفعل الكلامي يـراد به الإنجاز الذي يؤدّيه المتكلّم بمجرد تلفّظه بملفوظات معيّنة ومن أمثلته: الأمر، النّهي، الوعد، السّؤال، التّعيين، الإقالة، التّعزية والتّهنئة… فهذه كلها أفعال كلاميّة”.[4]
وفي الإطار نفسه يقول نعمان بوقرّة: “إنّ الفعل الكلاميّ يمثّـــل محورَ اهتمام الدّراسات اللّسانيّة النّصيّة، إذ يمثّـــل التّأكيد على أشياء، أو إعطاء أوامر، أو إثارة أسئلة، أو القيام بوعود، أو غير ذلك من الأفعال التّداوليّة التي تركّـــز على تأويل النّصوص باعتبارها أفعالًا للّغة كالوعود، التّهديدات، الاستفهامات، الطّلبات والأوامر”.[5]
و يعدّ مفهوم الفعل الكلاميّ نواةً مركزيّةً في كثير من الأعمال التّداوليّة، وفحواه أنّ كل ملفوظ ينهض على نظام شكليّ دلاليّ إنجازيّ تأثيريّ، وفضلا عن ذلك، يعدّ نشاطًا مادّيّا نحويّا يتوسّل أفعالا قوليّة (Actes Locutoires) لتحقيق أغراض إنجازيّة (Actes Illocutoires)كالطّلب والأمر والوعد والوعيد…..الخ، وغايات تأثيريّة (Actes Perlocutoires) تخصّ ردود فعل المتلقّي كالرّفض والقبول، ومن ثمّ فهو فعل يطمح إلى أن يكون فعلا تأثيــريّا، أي يطمح إلى أن يكون ذا تأثير في المخاطب، اجتماعيّا أو مؤسساتيّا، ومن ثمّ إنجاز شيءٍ ما.[6]
ثانيا– الأفعال الكلامية وفق رؤية أوستن
1- لقد ميـّــــــز أوستن بين نوعين من الأفعال:[7]
- أفعال إخبارية (constative): وهي أفعال تصف وقائع العالم الخارجيّ، وتكون صادقةً أو كاذبةً.
- أفعال أدائيّةperformative) ) : تنجز بها – في ظروفٍ ملائمةٍ – أفعالٌ أو تؤدَّى، ولا توصفُ بصدق ولا كذب بل تكون موفّقة happy)) كما أطلق عليها، أو غير موفّقة unhappy)) ويدخل فيها التّسمية، الوصيّة، الاعتذار، الـــرّهان، النّصح والوعد.
2- حين تبـــيَّن لأوستن أنّ تمييزه بين الأفعال الإنجازيّة والأدائيّة غير حاسم، وأنّ كثيرا ممّا تنطبق عليه شروط الأفعال الأدائيّة ليس منها، وأنّ كثيرا من الأفعال الإخباريّة تقوم بوظيفة الأدائية رجع عودًا على بدءٍ إلى السّؤال: كيف ننجز فعلا حين ننطق قولا؟
وفي سعيه للإجابة عن هذا السؤال رأى أن الفعل الكلامي مركّب من ثلاثة أفعال:
- الفعل اللفظي ( locutionary act ): وهو كلّ فعل يتألّف من أصوات لغويّة تنتظم في تركيب نحويّ صحيح، ينتج عنه معنى محدّد وهو المعنى الأصليّ، وله مرجع يحيل إليه.
- الفعل الإنجازي ( ( illocutionary act: وهو ما يؤدّيه الفعل اللّفظيّ من معنى إضافيّ يكمن خلف المعنى الأصليّ.
- الفعل الـتأثيري ( ( perlocutionary act: ويقصد به الأثر الذي يحدثه الفعل الإنجازيّ في السامع.
3.2- يرى أوستن أن الفعل اللّفظيّ لا ينعقد الكلام إلّا به، وأنّ الفعل التّأثيريّ لا يلازم الأفعال جميعا فمنها ما ليس له تأثير في السّامع، فوجّه عنايته إلى الفعل الإنجازيّ، وبناءً على ذلك، فقد قدّم أوستن تصنيفًا للأفعال الكلاميّة على أساس قوّتها الإنجازيّة (illocutionary force) يشتمل على خمسة أصناف هي: أفعال الأحكام (verdictives)، أفعال القرارات(exercitive)، أفعال التعهّد (commissives)، أفعال السّلوك (behabitives)، أفعال الإيضاح (expositives).
ثالثا- الأفعال الكلامية وفق رؤية سيرل :
إنّ ما وضعه أوستن لم يكن كافيًا لوضع نظريّة متكاملة لتصنيفات الأفعال الكلاميّة، فجاء بعده تلميذه جون سيرل فأحكم وضع الأسس المنهجيّة، التي تقوم عليها وصدر له كتاب بعنوان: الأفعال اللّغويّة (Speech acts)عام 1969م باللّغة الإنجليزيّة.
لقد تبنّى سيرل* مقترح أستاذه أوستن مشدّدا على أنّ ” فعل القول” لا يمكن تحقيقه دون قوّة إنجازيّـــــة، كما أجرى تعديلات على تصنيف أوستن للأفعال اللّــــغويّة، فضلا عن الاهتمام الخاص الذي أعطاه للمعنى و المحتوى اللّغويّ، ويمكن إيجاز القول في أهمّ ما جاء به سيرل على النّحو الآتي:[8]
- يرى سيرل أن الفعل الإنجازيّ هو الوحدة الصّغرى ((minimal unit للاتّصال اللّغوي، وأنّ للقوّة الإنجازيّــــة دليلاً يبيّن نوع الفعل الإنجازيّ الذي يؤدّيه المتكلّــــم بنطقه للجملة – نظام الجملة – word-order)) والنّبر ( (stress، التّنغيم intonation))، وعلامات التّرقيم ((punctuations في اللّغة المكتوبة، وصيغ الفعل mood))، والأفعال الأدائيّة .(performatives)
- الفعل الكلاميّ أوسع من أن يقتصر على مراد المتكلّم، بل هو مرتبط أيضًا بالعرف اللّغويّ والاجتماعيّ، ويلخّص سيرل ذلك في عبارة مأثورة هي:
Meaning is more than a matter of intention, it is also a matter of convention.
- قدّم سيرل تصنيفًا بديلاً لما قدّمه أوستن من تصنيف للأفعال الكلاميّة يقوم على ثلاثة أسس منهجيّة هي: الغرض الإنجازيّ(illucotionary point)، اتّجاه المطابقة (direction of fit)، شرط الإخلاص ((sincerity condition.
- جعل سيرل الأفعال الكلاميّة خمسة أصناف هي: الإخباريّات ((assertives، التوجيهيّات (directives)، الالتزاميّات (commissitives) ، التعبيريّات (expressitives)، الإعلانيّات ((declarations.
رابعا: الأفعال الكلامية ومقاصدها التداولية في ديوان ابن خفاجة الأندلسي من خلال نماذج:
1- الإخباريّــــات ASSERTIVES
تعدّ الإخباريّات أولى التّصنيفات التي وضعها سيرل وتعرف أيضا بالتّمثيليّــات، التّأكيديّات، الـتّقريريّــــات، الجزميّــــات، أفعال الإثبات – الإثباتيّــــات- [9]
إنّ الغرض الإنجازيّ في الإخباريّات هو:” نقل المتكلّم واقعة ما بدرجات متفاوتة من خلال قضيّة Proposition)) يعبّر بها عن هذه الواقعة، وأفعال هذا الصّنف كلّها تحتمل الصّدق والكذب، واتّجاه المطابقة فيها من الكلمات إلى العالم words-to-world”.[10]
والهدف من الإخباريّات هو:” تطويع المتكلّم حيث الكلمات تتطابق مع العالم، وحيث الحالة النّـــفسيّة هي اليقين بالمحتوى مهما كانت درجة القوّة”.[11]
ويشمل هذا القسم من أفعال الكلام:” كلّ الأفعال والعبارات التي تصف وقائع وأحداثا في العالم الخارجيّ، وغرضها الإنجازيّ هو أن تنقل هذه الوقائع بأمانة، ولن يتأتّى ذلك إلا بتوفّر شرط القصد في الإبلاغ”.[12]
و من شواهد الإخباريّات في ديوان ابن خفاجة الأندلسيّ نذكر ما يأتي:
- يقول ابن خفاجة الأندلسيّ: [13]
ت1- كُنَّا اصْطَحَبْنَا وَالتَّشَاكُلُ نِسْبَةٌ
حَتَّى كَـــــــــــأَنَّا عَــــــــــــــــــــاتِــــــــــــــــــــــقٌ وَنِجَـــــــــــــــــــادُ
ثُمَّ افْتَــــــــرَقْنَا لَا لِعَــــــــــوْدَةِ صُحْبَةٍ
حَتَّى كَــــــــــــأَنَّا شُـــــــــــــــــعْــــــــــــلَــــــــــــــــةٌ وَزِنَـــــــــــــــادُ
شرح الألفاظ: التشاكل: التشابه، عاتق: ما بين المنكِب والعُنُق، نجاد: حميلة السّيف وعِلاقته، حزام الكتف.
توفّر في التّــركيب (ت1) قصدُ الإبلاغ، كما تحقق الغرض الإنجازي في نقل الوقائع بأمانة، ذلك أن ابن خفاجة يصفُ واقعًا معيّنًا عاشه، فقد وظّف الأفعال الماضية (اصْطَحَبْنَا، افْتَــــــــرَقْنَا) لينقل إلى جمهور المتلقين مشاهد بعينها تتمثل في انتهاء صداقته مع الوزير أبي محمد بن ربيعة بسبب وفاته، لقد شبه صحبتهما بأنها لصيقة تماما كما يلتصق النجاد بالعاتق، والنجاد حزام الكتف أو ما يوضع به السيف ويعلق والعاتق هو الكتف، وللقارئ أن يتصور حجم العلاقة بينهما فالنجاد يكاد لا ينفك عن الكتف، كما يخبر الشاعر عن الوضع الجديد الذي فرضه الفراق، فلا صحبة ولا رفقة بعد الموت ولا أمل للقاء مثلما تفارق الشعلة البندقية حال الضغط على الزناد، فلا تعود أبدا.
- ويقول أيضا:[14]
ت2- وَمُرْتَبَعٍ حَطَــطْــــتُ الرَّحْــــــلَ فِيـــهِ بِحَيْثُ الظِّـــلُّ وَالـــمَاءُ القَــــــــرَاحُ
فَجِرْيَـــــــــــةُ مَـــــاءِ جَــــــــــــدْوَلِهِ بُكَاءٌ عَـــــلَيْهِ وَشَـــــدْوُ طَــــــــــائِرِهِ نِيَـــــــاحُ
شرح الألفاظ: مرتبع: مكان يقام فيه في فصل الربيع، القراح: الماء الخالص النقي الذي لا يخالطه شيء.
يخبر الشّاعر ابن خفاجة الأندلسيّ في التّركيب (ت2) عن مرتبع – مكان – اعتاد الاجتماع فيه مع جمع من أصحابه، ووظّف الفعل الماضي (حَطَطْتُ) ليفيد التّقرير والإخبار، لينقل إلى ذهن المتلقّي صورة معيّنة عن واقع معيّن عايشه، إذ يقول بأنّ الماء قد صار يجري في هذا المكان حزنًا ودمعًا، وكأنّ شدو الطّائر نوح وبكاء وحسرة شوقا لتلك الأيّام التي كان الشّاعر وأصحابه يملؤون فيها المكان فرحا ومرحا.
2- التّوجيهيّات DIRECTIVES
وتُعرف أيضا بالطّلبيّات وغرضها الإنجازيّ:” محاولة المتكلّم توجيه المخاطَب إلى فعل شيء معيّن، واتّجاه المطابقة فيها من العالم إلى الكلمات WORLD-TO-WORD وشرط الإخلاص فيها يتمثّل في الرّغبة الصّادقة، ويدخل في هذا الصّنف: الأمر، النّصح، الاستعطاف والتشجيع”.[15]
وتشمل الطّلبيات:” كلّ الأفعال الدّالة على الطّلب، من دون اشتراط صيغة لها، نحو: أمرت، أوجبت، نهيت،….. وغرضها الإنجازي هو حمل المخاطب والتّأثير فيه ليفعل شيئًا أو يخبر عن شيء”.[16]
ومن صيغها في ديوان ابن خفاجة الأندلسي نذكر:
- الأمـــــر:
يعرّف الأمر بأنّه:” طلب حصول الفعل من المخاطب على وجه الاستعلاء مع الإلزام”.[17]
وللأمر أربع صيغ مشهورة:” فعل الأمر من قبيل الصّيغة (افعل) وما جرى مجراها، المضارع المقترن بلام الأمر، اسم فعل الأمر، المصدر النّائب عن فعل الأمر، وقد يعدل بالأمر عن معناه الأصلي إلى معان أخرى تستفاد من السّياق والقرائن”.[18]
- يقول ابن خفاجة الأندلسيّ:[19]
ت3- نَبِّهْ وَلِيـــــــدَكَ مِنْ صِبَــــــــــاهُ بِزَجْرَةٍ
فَلَــــرُبَّمَا أَغْــــفَى هُنَــــــــــــــاكَ ذَكَاؤُهُ
وَانْــــــهَرْهُ حَتَّى تَسْتَهِــــلَّ دُمُـــــــوعُهُ
فِي وَجْنَتَيْـهِ وَتَلْتَــــظِي أَحْشَـــاؤُهُ
فَالسَّيْفُ لَا تَذْكُو بِكَفِّكَ نَـارُهُ
حَتَّى يَسِيــــــــلَ بِصَفْـــحَتَيْهِ مَـــاؤُهُ
استعمل ابن خفاجة في التّركيب (ت3) جملا طلبيّة وظّف من خلالها فعلي الأمر(نَبِّهْ، انْــــــهَرْهُ)، و تحمل هذه الجمل قوّة إنجازيّة أمريّة مفادها توجيه انتباه المخاطَب إلى أن زجر الأبناء لا يأتي إلا بخير، فيه وعظ وإرشاد وتربية، رغم الألم الذي من الممكن أن يحيط بهم، وشبه ذلك بما نفعله بالسيف من حد وصقل بالنار والطرق حتى يكون قاطعا.
- ويقول أيضا:[20]
ت4- وَإِذَا طَــــرَقَتْ جَنَــــابَ قُرْطُــــــــــــــبَةٍ فَقِـــــفْ
فَكَفَــــــــاكَ مِنْ نَــــــــــــاسٍ وَمِنْ آفَـــــــــــاقِ
وَالْثُمْ يَدَ ابـْـنِ أَبِي الخِصَالِ عَنِ العُلَى
مُتَشَـــــــــــــــكِّرًا وَاضْمُمْهُ ضَمَّ عِنَـــــــــــــاقِ
وَافْتُـــــــــــــقْ بِنَــــــــــــــــــادِيهِ التَّحِـــيَّــــــــــــــــــــةَ زَهْرَةً
نَفَّـــــــــاحَـــةً تُــــغْـــــنِي عَنِ اسْتِنْشَــــــــــــــــاقِ
و قد استعمل الشاعر في التّركيب (ت4) جملا طلبيّة تحوي أفعال الأمر (قِفْ، الْثُمْ، اضْمُمْ، افْتُقْ) ليوجّه أمرا لمن يزور قرطبة بأن ينعم بأهلها وسكّانها وأن يقبّل يد ابن أبي الخصال شكرا، معلنا التّحيّة إكبارا وإجلالا.
- النداء
يعرّف النّداء بأنّه: “طلب المتكلّـــــم إقبـــــال المخاطَب عليه بحرف نــــائبٍ منَابَ ” أنادي”
المنقول من الخبر إلى الإنشاء وأدواته ثمانية: الهمزة، أيّ، يا، آ، آي، أيا، هيا و وَا وهي في الاستعمال نوعان: الهمزة وأيّ لنداء القريب وباقي الأدوات لنداء البعيد، وقد ينزل البعيد منزلة القريب والعكس، وقد تخرج ألفاظ النّداء عن معناها الأصلي إلى معان أخرى تُفهم من السّياق بمعونة القرائن ومن أهمّ ذلك: الإغراء، الاستغاثة، النُّدبة، التّعجّب، الزّجر، التّحسّر، التّذكّر، التّحيّر والتّضجّر، الاختصاص وهو نوعان: للتّفاخر أو للتّواضع”.[21]
- يقول ابن خفاجة الأندلسيّ:[22]
ت5- يَا ضَاحِكًا مِلْءَ فِيهِ جَهْلًا
أَحْسَنُ مِنْ ضَحْكِكَ البُكَاءُ
وَهَنْتَ حِسًّـــا وَهُنْتَ نَفْسًـــا
فَلَا ذَكَـــــــــــــــــــــــاءٌ وَلَا زَكَــــــــــــــــــــاءُ
وظّف ابن خفاجة الأندلسيّ أسلوب النّداء في التّركيب (ت5) ليفيد التحسّر، موجّها كلامه للمخاطب الذي غلب جهله حلمه، داعيا إياه إلى البكاء على نفسه تحسرا، فقد هانت نفسه ووهن حسه، فلا ذكاء له ولا فطنة، ولا زكاء بمعنى لا نمو لقدراته، فنتيجة لضعف حسه وفهمه فلا هو يفهم ولا هو يدرك، فلا خير فيه.
شرح الألفاظ: الزكاء: النمو.
- ويقول أيضا:[23]
ت6- يَـــا أَبَا بَكْـــــــــرٍ كَمْ يَـدٍ لَكَ بِكْرٍ
سَامَتِ الشُّكْرَ أَنْ تَفُضَّ خِتَـــــامَهْ
طَوَّقَتْنِي وَكُنْتُ غَيْــــــــــــــــــــــــــرَ مُحَـلَّى
فَتَــــــــــــــغَنَّيْتُ بِالمَدِيــــــــــــحِ حَمَـــــــــــــــــــامَهْ
كما وظّف الشاعر أسلوب النّداء في التّركيب (ت6) ليفيد التّعجّب، إذ يشير إلى أنّ المخاطَب ” أبا بكر” ينفرد عن الآخرين بأفعاله، التي لم يسبق إليها أحد حتى صار الشّكر والحمد مقصورين عليه وحده لتميّزه في العطاء، فلا أحد غيره يقوم بمثل ما يقوم به وفي البيت استعارة فلا يفضّ الختام إلا بحقّه، كلّ هذا التّميّز جعل الشّـــــــاعر ينطلق في المديح كما لو كان حمامة تسجع.
- الاستفهام
يعرّف الاستفهام بأنّه:” طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبلُ وذلك بأداة من إحدى أدواته وهي: الهمزة، هل، ما، من، متى، أيّان، كيف، أين، أنّى، كم و أيّ وتنقسم بحسب الطّلب إلى ثلاثة أقسام: ما يطلب به التّصوّر تارة والتّصديق تارة أخرى وهو الهمزة، وما يطلب به التّصديق فقط وهو: هل، وما يطلب به التّصوّر فقط وهو: بقيّة ألفاظ الاستفهام”.[24]
- يقول ابن خفاجة الأندلسيّ:[25]
ت7- أَلَا هَلْ إِلَى أَرْضِ الجَزِيــــــــــــــــــرَةِ أَوْبَةٌ
فَأَسْــكُنَ أَنْفَاسًا وَأَهْــــدَأَ مَضْجَــــــــــعَا
وَأَغْدُو بِوَادِيهَا وَقَدْ نَضَحَ النَّدَى
مَعَاطِـــــــــفَ هَاتِيكَ الرُّبَى ثُمَّ أَقْشَــعَا
أُغَــــــــــــازِلُ فِيهَا لِلْغَـــــــــــــــــــــــــــــزَالَةِ سُنَّةً
تَحُطُّ الصَّبَـــا عَنْهَا مِنَ الغَيْمِ بُرْقُعَـــا
شرح الألفاظ: أوبة: عودة، نضح: سال، معاطف: العطف نبت لا ورق له ولا أفنان، يَلتوِي على البرسيم والكَتَّان ونحوِهما من النباتات، ويعيش متطفلًا، الربى: ج ربوة وهي: ما ارتفع من الأرض بين سهلين نهريين، أقشعا: عكس نضح بمعنى: انكشف وزال، الغزالة: الشمس، برقعا: القناع يستعمل للستر.
وظف أبو خفاجة في التّركيب (ت7) الاستفهام باستعماله الأداة (هل) وقد جاء في سياق التمني، فالشاعر يتمنى العودة إلى أرض الوطن لترتاح نفسه ويهدأ، ويتغنى بواديها و بندى نبتها، ويغازل خلالها حبيبته.
- ويقول ابن خفاجة الأندلسي:[26]
ت8- أَمَقَامُ وَصْلٍ أَمْ مَقَـــــــــــــــامُ فِـــــــرَاقِ
فَالقُضْـــبُ بَيْنَ تَصَافُــحٍ وَعِـنَاقِ
خَفَّاقَةٌ مَا بَيْنَ نَوْحِ حَمَــــــــــــــــــامَةٍ
هَتَفَتْ وَدَمْعِ غَـــــــــمَامَةٍ مُهْــــــرَاقِ
عَبِثَتْ بِهِنَّ يَدُ النَّعَامَى سَـــحْرَةً
فَوَضَعْنَ أَعْنَــــاقًا عَلَى أَعْــــنَـــــــــاقِ
يتساءل ابن خفاجة الأندلسيّ في التّركيب (ت8) عن حقيقة المقام والوضع الذي يراه أمامه، فهو يرى أغصان الأشجار في تعانق وتصافح ويرى كذلك الرّيح وكأنّها تنظّم هذا المشهد بإتقان عن طريق هبوب معيّن ومدروس، كأنّها تضع كل غصن في مكان على وجه التّحديد والدّقّة، لقد استعمل الشّاعر في التّساؤل عن ذلك أداة (الهمزة “أ”) وذلك لطلب التّصوّر في البيت الأول فهل المقام مقام وصل أم فراق، وقد أجاد في ذلك لأنّ:” الهمزة يطلب بها أحد الأمرين: التّصوّر أو التّصديق، فالاستفهام عن التّصوّر يكون عند التّردّد في تعيين أحد الشيئين”[27]، والشّاعر هنا متردّد في معرفة حقيقة الوضع القائم هل هو بسبب الفراق أم الوصل، أمّا الأمر الثاني فهو:” الاستفهام عن التّصديق و يكون عن نسبة تردّد الذّهن فيها بين ثبوتها ونفيها وحينئذ للهمزة استعمالان، فتارة يطلب بها معرفة مفرد وتارة يطلب بها معرفة نسبة وتسمى معرفة المفرد تصوّرا ومعرفة النّسبة تصديقا”.[28]
3- التّعبيريّات EXPRESSIVES
يتمثل الغرض الإنجازيّ للتّعبيريات في: “التّعبير عن الموقف النّفسيّ تعبيرا يتوافر فيه شرط الإخلاص، وليس لهذا الصّنف اتّجاه مطابقة فالمتكلّم لا يحاول أن يجعل الكلمات تطابق العالم الخارجيّ ولا العالم الخارجيّ يطابق الكلمات، وكلّ ما هو مطلوب الإخلاص في التّعبير عن القضيّة ويدخل في هذا الصّنف أفعال الشّكر، التّهنئة، الاعتذار، التّعزية والتّرحيب”.[29]
ويحفل ديوان أبي خفاجة الأندلسي بالمواقف التي يعبّر فيها عن حالات نفسيّة معيّنة نذكر منها:
- يقول أبو خفاجة الأندلسي:[30]
ت9- سَقْيًا لِيَوْمٍ قَدْ أَنَخْتُ بِسَرْحَـــــــــــةٍ
رَيًّا تُلَاعِبُـــــــــــــهَا الشَّــــــــــمَالُ فَتَلْــــــــــــعَبُ
سَكْرَى يُغَنِّيهَا الحَمَــــــامُ فَتَنْـــثَنِي
طَرَبًا وَيَسْقِيهَا الغَمَامُ فَتَــــــــــــــــــــــــــشْـرَبُ
يعبّر ابن خفاجة في التّركيب (ت9) عن موقف نفسيّ يعبّر فيه عن مشاعره متمنّيا لو دام ذلك اليوم (سُقْيًا لِيَوْمٍ) لما له من جميل الذّكريات من اجتماع السّكر والطّيور المغرّدة و الرّيح الباردة.
- ويقول أيضا :[31]
ت10- فَهَا أَنَــا وَالظَّــلْمَاءُ وَالعِيسُ صُــحْبَــةٌ
تَرَامَى بِنَا أَيْدِي النَّوَى كُلَّ مُرْتَـــــــــــمَـى
أُرَاعِــــي نُجُــــــومَ اللَّيْلِ حُـــبًّــــــا لِبَـــــــــــدْرهِ
وَ لَسْتُ كَمَا ظَنَّ الخَلِيُّ مُنَجِّــــــــــــــــــــمَا
وَمَا رَاعَــــــــــــنِـي إِلَّا تَبَسُّـــــــمُ شَـــــــــــــــــــــيْبَةٍ
نَـــــــــــــكَرْتُ لَهَا وَجْـــــــــــهَ الفَتَاةِ تَــجَهُّــمَا
فَعِفْتُ غُرَابًا يَصْدَعُ الشَّمْلَ أَبْيَــــــضَا
وَكَانَ عَلَى عَهْدِ الشَّبِيبَـــــــــــةِ أَسْحَــــــمَا
فَآهٍ طَـــــوِيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلًا ثُمَّ آهٍ لِكَـــــــــبْرَةٍ
بَكَيْتُ عَلَى عَهْدِ الشَّــــــبَابِ بِهَا دَمَـــــا
وَقَدْ صَدِأَتْ مِرْآةُ طَرْفِي وَمِسْمَــــــــعِي
فَمَا أَجِدُ الأَشْيَــــــاءَ كَالعَـــــــــــــــهْدِ فِيـهِمَـا
يعبّر ابن خفاجة في التّركيب (ت10) عن مشاعره في موقف جمعه بالظّلام والعيس حتى غدوا أصحابه، هم وحدهم دون سواهم بعدما أصبح البعد والشّتات عنوانا له، لقد بات الشّاعر يحصي نجوم اللّيل في عليائها، يتأمّلها بل ويحاورها سؤالًا عن محبوبته وعودة بالذّكريات إلى الوراء، لقد أصبح الشّاعر كارهًا لوضعه الحاليّ وما هو عليه من بياض شعره وقرب منيّته بعدما كان شعره أسحمَا بمعنى أسود، ليختم ابن خفاجة المقطوعة بآهات طويلة تحمل معاني اليأس والنّدم على مضيّ وضياع عهد الشّباب، فقد أصبح في طور النّهاية والختام إذ ضعف بصره وسمعه فلم يعد كما كان أيّــــــام شبابه.
4- الإعلانيات DECLARATIVS
وتُعرف أيضا بالإيقاعيّات، وهي :” الأفعال التي تتحدّد دلالتها بمجرّد النّطق بها، حيث يكون إيقاع الفعل فيها موحيًا بالدّلالة المقصودة في الوجود، ومن شروطها: نسبتها إلى المتكلّم، وزمنها الحاضر أو المستقبل، نحو: الوصيّة، الدّعاء، الرّجاء، الإقرار، الشّكر، التّحيّة، القسم…. وغيرها”.[32]
والسّمة المميّزة لهذا الصّنف من الأفعال أنّ:” أداءها النّاجح يتمثّل في مطابقة محتواها القضويّ للعالم الخارجيّ، وأهم ما يميّز هذا الصّنف من الأفعال عن الأصناف الأخرى أنّها تحدث تغييرا في الوضع القائم، واتّجاه المطابقة فيها يكون من الكلمات إلى العالم ومن العالم إلى الكلمات، ولا يحتاج إلى شرط الإخلاص”.[33]
- يقول ابن خفاجة الأندلسي:[34]
ت11- أَطَفْتُ بِهَا أَشْكُــو إِلَيْهَا وَتَشْــــتَـــكِي
وَقَدْ تَرْجَمَ المُكَّاءُ عَنْــــــــــــهَا فَأَفْهَــــــمَا
تَحِنُّ وَدَمْعُ الشَّـوْقِ يَسْجُمُ وَالنَّدَى
وَقَرَّ بِعَيْنِيَ أَنْ تَحِـــــــــــنَّ وَيَسْـــجُـمـــــا
وَحَسْبُـــــكَ مِنْ صَبٍّ بَكَى وَحَمَامَةٍ
فَلَمْ يُدْرَ شَوْقًا أَيُّــــــــــــمَا الصَّبُّ مِنْهُـمَا
وظف ابن خفاجة الفعل المضارع في التّركيب (ت11) من خلال الفعل (أَشْكُو) منسوبا للمتكلّم، إذ تتحدّد دلالة هذا الفعل بالنّسبة للمتلقّي بمجرّد النّطق به، فالشّاعر يشير إلى أن طائر المكّاء هو التّرجمان بينه وبين تلك الشّجرة، ففهم ببكائه ما أراد وممّا يشكو منه، فكلاهما يبكي شاعر وحمامة فشجوها شوق وحنين وحسرة فلم يدر من بكائها أيّهما الصّبّ المحبّ الهائم.
- ويقول أيضا:[35]
ت12- فَيَا لَيْتَ طَيْرَ السَّعْدِ يَسْنَحُ بِالمُنَى
فَأَحْظَى بِهَا سَهْمًا وَأَنْأَى بِهَا قِسْـــــــمَـا
وَيَا لَيْتَنِي كُنْتَ ابْنَ عَشْرٍ وَأَرْبَــــــــــــعٍ
فَلَمْ أَدْعُـــــهَا بِنْــــتَا وَلَمْ تَـــــــــــدْعُنِي عَـمَّا
و نجد الشاعر في التّركيب (ت12) يتمنّى أن يكون صغيرا في السّنّ حتى لا يضطرّه الأمر والواقع إلى أن يدعو تلك المرأة بنتا إذ هي في مثل سنّ بناته ولا تضطرّ بدورها لأن تدعوه عمّا احتراما لسنّه.
نخلص في الختام إلى أن التّداوليّة تعمل على دراسة اللّغة أثناء استعمالها مركّزة على عناصر العمليّة التّواصليّة التّبليغيّة دون إهمال المعنى الذي يحدّده السّياق المقاميّ، وهو ما لاحظناه في تحليلنا لمختلف النصوص الشعرية لابن خفاجة الأندلسي، فقد لاحظنا استجابة هذه النّصوص للآليّات التّداوليّة، فيما يتعلق بالأفعال الكلاميّة فقد تحقّق الغرض الإنجازيّ العامّ للإخباريّات وهو التّقرير، وكذلك الأمر بالنّسبة للتّوجيهيّات فغرضها الإنجازيّ العامّ: محاولة المتكلّم توجيه المخاطَب إلى فعل شيء معيّن وهو ما تستجيب له مختلف النّصوص الشّعريّة، أمّا بالنّسبة للإيقاعيّات وهي الأفعال التي تتحدّد دلالتها بمجرّد النّطق بها، حيث يكون إيقاع الفعل فيها موحيًا بالدّلالة المقصودة في الوجود نحو: الوصيّة، الدّعاء، الرّجاء، الإقرار، الشّكر، التّحيّة، القسم…. وغيرها فقد وردت بكثرة في النّصوص التي تناولناها بالتّحليل، وفيما تعلّق بالتّعبيريّات فإنّ غرضها الإنجازيّ العامّ يتمثّل في: التّعبير عن الموقف النّفسيّ تعبيرا يتوافر فيه شرط الإخلاص، وهو ما سجّلنا وجوده بكثرة في ديوان الشاعر.
الهوامش:
1- الصّرّاف، علي محمود حجّي.، الأفعال الإنجازيّة في العربيّة المعاصرة: دراسة دلاليّة ومعجم سياقيّ، ص 10.
2- أبو زيد، نوّاري سعودي. في تداوليّة الخطاب الأدبيّ، ص 26-27.
3- كشك، أحمد. اللّغة والكلام: أبحاث في التّداخل والتّعريب، ص10.
4- صحراوي، مسعود. التّداولية عند العلماء العرب: دراسة تداوليّة لظاهرة الأفعال الكلاميّة في التّراث اللّسانيّ العربيّ، ص 10-11.
5- بوقرّة، نعمان. المدارس اللّسانيّة المعاصرة، ص189.
6 – صحراوي، مسعود. التّداولية عند العلماء العرب: دراسة تداوليّة لظاهرة الأفعال الكلاميّة في التّراث اللّسانيّ العربيّ، ص40.
* جون لانجشو أوستن (26 مارس 1911 – 8 فبراير 1960) كان فيلسوف لغة بريطانيا، ويعرف في الأساس بأنه واضع نظرية أفعال الكلام.
7 – نحلة، محمود أحمد. آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، ص 43 وما بعدها.
* جون روجرز سيرل (John RogeersSearl): (1932-) فيلسوف أمريكي، ولد في دنفر بولاية كولورادو، و هو تلميذ أوستن، يعدّ من أبرز الفلاسفة المحدّثين الذين ينتمون لتيّار الفلسفة التّحليليّة التي طوّرها أوستن، من أشهر أعماله: أفعال الكلام، القصديّة، التّعبير والمعنى، العقول والأدمغة والعلم، لغز الشّعور، إعادة اكتشاف العقل.
[8]- نحلة، محمود أحمد. آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، ص47 وما بعدها.
11- بلانشيه، فيليب. التّداوليّة من أوستن إلى غوفمان، تر صابر الحباشة، ص 66.
12 – بوجادي، خليفة. في اللّسانيّات التّداوليّة مقاربة بين التّداولية والشّعر دراسة تطبيقيّة، ص 147.
13 – الأندلسيّ، ابن خفاجة. ديوان ابن خفاجة الأندلسيّ تح عبد الله سنده، ص 103- 104.
[14] – الدّيوان: ص 74.
[15] – نحلة، محمود أحمد. آفاق جديدة في البحث اللّغويّ المعاصر، ص49- 50.
[16] – بوجادي، خليفة . في اللّسانيّات التّداوليّة مقاربة بين التّداولية والشّعر دراسة تطبيقيّة، ص 145.
[17] – الهاشمي، السّيد أحمد. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، إشراف صدقي محمد جميل، ص 64.
[18] – المرجع نفسه، ص 64- 65.
[19] – الدّيوان، ص 18.
[20] – الدّيوان، ص 215.
[21] – الهاشميّ، السّيد أحمد. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ص 89- 90.
[22] – الدّيوان، ص 25.
[23] – الدّيوان، ص 300.
[24] – الهاشميّ، السّيد أحمد. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ص78.
[25] – الدّيوان، ص 189.
[26] – الدّيوان، ص 214.
[27] – الهاشمي، السيد أحمد. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ص 78.
[28] – المرجع نفسه، ص 78.
[29] – نحلة، محمود أحمد. آفاق جديدة في البحث اللّغويّ المعاصر، ص 80.
[31] – الدّيوان، ص 276.
[32] – بوجادي، خليفة. في اللّسانيّات التّداوليّة مقاربة بين التّداولية والشّعر دراسة تطبيقيّة، ص 142.
[33] – نحلة، محمود أحمد. آفاق جديدة في البحث اللّغويّ المعاصر، ص 80.
[34] – الدّيوان، ص 275.
[35] – الدّيوان، ص 267.
المصادر والمراجع:
- أبو زيد، نوّاري سعودي. في تداوليّة الخطاب الأدبيّ، بيت الحكمة، سطيف، الجزائر، ط1، 2009 .
- الأندلسيّ، ابن خفاجة. ديوان ابن خفاجة الأندلسيّ تح عبد الله سنده، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 2006.
- بلانشيه، فيليب. التّداوليّة من أوستن إلى غوفمان، تر صابر الحباشة، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، اللّاذقيّة، سوريا، ط1، 2007.
- بوجادي، خليفة. في اللّسانيّات التّداوليّة مقاربة بين التّداولية والشّعر دراسة تطبيقيّة، بيت الحكمة للنّشر والتّوزيع، سطيف، الجزائر، ط1، 2012.
- بوقرّة، نعمان. المدارس اللّسانيّة المعاصرة، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، دط، 2004.
- صحراوي، مسعود. التّداولية عند العلماء العرب: دراسة تداوليّة لظاهرة الأفعال الكلاميّة في التّراث اللّسانيّ العربيّ، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، لبنان، دط، 2005.
- الصّرّاف، علي محمود حجّي. الأفعال الإنجازيّة في العربيّة المعاصرة: دراسة دلاليّة ومعجم سياقيّ، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، ط 1، 2010.
- كشك، أحمد. اللّغة والكلام: أبحاث في التّداخل والتّعريب، دار غريب، القاهرة، مصر، دط، 2004.
- نحلة، محمود أحمد. آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، مصر، دط، 2002.
- الهاشمي، السّيد أحمد. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، إشراف صدقي محمد جميل، دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، لبنان، بيروت، ط1، 2006.