استشراف المستقبل في قصة”بوابة واحدة لا تكفي” للدكتورة سناء شعلان
بقلم
د. شوكت علي درويش
الجامعة الأردنية، الأردن.
————————————-
قال الله تعالى-:
﴿ فإنّ مع العسر يسرا * إنّ مع العسر يسرا﴾ ] الشّرح 94: 7-8 ]
ذهب كثير من العلماء إلى أنّ مع كلّ عسر يسرين؛ بهذه الآية من حيث العسر معروف للعهد (معرّف)، واليسر منكر، فالأوّل غير الثّاني، وقد رُوي في هذا التّأويل حديث عن النّبي-صلى الله عليه وسلّم- أنّه قال: ” لن يغلب عسر يسرين”، فالعسر الأوّل عين الثاني، واليسر تعدّد.([1])
اللّغة:
اللّغة عدّة الكاتب وعدّته، وقد جاءت جملة العنوان-بوابة الولوج إلى النّص جملة اسميّة، والجملة الاسميّة تدلّ على الثّبات، وقد عنونت الدّكتورة سناء قصتها بـ “بوابة” نكرة، والنّكرة: كلّ اسم شائع في جنسه لا يختصّ به واحد دون الآخر([2])، ثم جاءت بـ”واحدة” نعت لـ “بوابة”، وإذا علمنا أنّ النّعت: هو التّابع المشتقّ أو المؤول بالمشتقّ، الموضّح لمتبوعه في المعارف؛ المُخَصّص له في النّكرات([3]). أيّ: يفيد في الكلام معنى الحصر والتّخصيص، أيّ “القصر([4])” المعروف في البلاغة” ([5]) نرى الكاتبة عمدت إلى هذا لتخدم المعنى الأصلي وتكمّله.
وختمت قصّتها على عكس ذلك، حيث عادت إلى الشّيوع، وتركت التّخصيص، فقالت في النّهاية: “فوجد الأرض أرحب دون بوابة أو جدار أو جنود”([6])
الشّخصيّة:
قدّمت للشخصيّة بمقدّمة بينت فيها أهميّة المكان بالنّسبة لها (الشّخصيّة)، وأنسنت “البوابة” بتوصيفها باللّئيمة، كما أنسنت الزّمان حيث قالت “يومهم التّعس” المعروف في البلاغة بالاستعارة، وهي استعارة مكنيّة تخييليّة، شبّهت البوابة، واليوم بمن يصحّ منه اللؤم، والتّعاسة ثم حذفت المشبه به (وهو من يصلح منه اللؤم والتّعاسة)، واستعارت له شيئاً من لوازمه، وهو اللؤم والتّعاسة، انعكاسات على من أنشأها لتكبّل وتسجن سكان البلدة (أصحاب المكان) في سجن “جدرانه الجدار العازل، وسقفه السّماء البعيدة” ([7]) وارتباط البطل بالجدار ارتباط عضويّ، لا يفارقه، فهو على موعد- كلّ يوم- مع الجدار وبوابته، يحمل العمّال الفلسطينيين على متن شاحنته القديمة.
فهل يمرّون (يعبرون البوّابة) بسلام؟ وما الذي أحوجهم لمواجهة كبد ساعات من الانتظار والذّل؟ يا ليت! هم ينتظرون “على أمل أن يُسمح لهم بمغادرة البوّابة” ([8]) علّهم” يعودون إلى عائلاتهم بأقوات يومهم التّعس”([9])، أمّا بطلنا “وهو يظلّ قعيد الأرض ينتظر أن يسمح له الجنود بمغادرة المكان ليعود إليها من جديد في اليوم التّالي” ([10])
لا بدّ أنّه لاحظ أنّ اليهود يروحون، ويجيئون بسرور وحبور، فهل هذا الميز ممّا سيولّد لديه الثّورة؟ لأنّ المعاناة يصعب التّعايش معها طويلاً، لذا فكّر بعمل فرديّ يدفع فيه هذه المعاناة لتتحوّل إلى سرور، ولكي يكون قدوة لآخرين يشاركونه المرارة نفسها، والمعاناة ذاتها، وإن تعدّدت وجوه المرارة والمعاناة.
دفعه هذا الإيمان للإقدام على هدم البوّابة وجزء من الجدار “فقد ركب شاحنته، وأسرع بها، وهوى بها على البوّابة، فخلعها، وحطّم جزءاً من الجدار، وسحق بعض الجنود تحت عجلات شاحنته” ([11])
تصرّف فرديّ، لم يطلبه منه أحد، لا على مستوى الأفراد، ولا على مستوى الفئات أو الأحزاب، أو….
فإذا كانت د. سناء شعلان قد أودعت كتابها “حدث ذات جدار” في شهر 10/2013، وثورة السّكاكين (ثورة الأقصى) بدأت في تشرين الثّاني 2015م، أستطيع القول إنّها استشرفت المستقبل.
وهذه سمة من سمات المبدعة د. سناء شعلان؛ لأنّ الأحداث توالت من عمليات طعن بسكين، إلى عمليّات دهس، إلى عمليّات تفجير…، وهل كان بطلها نعم القدوة هو؟
هذا وقد راعت الكاتبة خصوصيّة القصّة القصيرة جدّاً، وما مازها من غيرها من الأنواع الأدبيّة، من حيث إبراز حدث مع جعله ينمو ببطء حيناً، وبتسارع حيناً آخر، وقصرت قصتها على شخصيّة واحدة نامية، مع ضيق المساحة المكانيّة، والشّخصيّات الجانبيّة من جنود أعداء، وأنسنة الجدار، لتبدع قصّة استشرافيّة، مؤمنة أنّ تصرّفاً فرديّاً صادراً عن إيمان، يمكن أن يكرّره آخرون ليصبح تعبيراً مثيراً، يستحقّ الوقوف عنده، ويفضي إلى نتائج هائلة مؤثرة مرشّحة للاستمرار لتجد “الأرض أرحب دون بوابة أو جدار أو جنود”([12]) أيّ: حتى تحرير الأرض من مغتصبيها.
……………….. *****……………….
الهوامش:
[1]. أ-المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطيّة الأندلسيّ، تحقيق: المجلس العلميّ بتارودانت، المملكة المغربية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، 1411هـ-1991م، ج16/327. ب- وتفسير القرآن العظيم للإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشيّ الدّمشقيّ، يطلب من مكتبة الجمهورية العربيّة لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، شارع الصنادقية بالأزهر، مصر، طبع بدار إحياء الكتب العربيّة عيسى البابي الحلبي وشركاه، ج4، ص525.
[2] . النّكرة هي كلّ اسم وُضع لا لِيَخُصَّ واحداً بعينه من بين أفراد جنسه، بل ليصحّ إطلاقه على كلّ واحد على سبيل البدل، نحو “رجل” و “امرأة” فإنّ الأوّل يصحّ إطلاقه على كلّ ذكر بالغ من بني آدم، والثّاني يصحّ إطلاقه على كلّ أنثى بالغة من بني آدم.
[3]. المرجع نفسه:204
[4]. القصر الحقيقيّ يكثر في قصر الصّفة على الموصوف
*البلاغة الواضحة،تأليف علي الجارم ومصطفى أمين؛حقوق الطبع والنقل محفوظة لشركة مكملات بلندن،ط 19؛1386هـ -1966؛ص219.
[5]. النّحو الوافي، تأليف عباس حسن، دار المعارف، مصر، القاهرة،ج.ع.م،ج1، ط4،د.ت،ص244.
[6]. حدث ذات جدار،د.سناء شعلان،أمواج للطباعة والنشر والتوزيع،المملكة الأردنية الهاشمية،عمان،ط1، 2016،ص74.
[7] . المرجع نفسه/73.
[8]. المرجع نفسه:73
[9] . المرجع نفسه:73-74.
[10] . المرجع نفسه:74.
[11] . المرجع نفسه:74.
[12]. المرجع نفسه:74