إهـدار العـدالــة
قصة قصيرة
د. محمود عالم الصديقي
أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة كشمير، الهند
siddiquimahmood51@gmail.com
—————————————–
نوال فتاة، جميلة الطلعة، مرهفة الشعور، رحيمة القلب، متوقدة الذهن، عذوبة الحديث، أنيقة الملابس، مثقَّفة، متابعة لأحلامها، حالمة بالدولة المثالية الخالية من الظلم والعدوان، ناشطة في الحقوق الإنسانية، عاملة لتحسين أحوال الفقراء، وجاهدة في تثقيفهم، ومدافعة عن حقوق المظلومين والبؤساء، ومجاهدة في حماية الضعفاء والمظلومين. فلم تبصر محتاجا إلا قامت بمساعدته. ولم تحدث حادثةٌ لظلمٍ وعدوانٍ على مسمعٍ منها إلا قامت ضدها ورفعت صوتها ضد ذلك الظلم والعدوان. وما كانت تطمئن نفسها إلا إذا تحققت العدالة، ولم تخش السلطة الحاكمة يومًا، ولم تهب أصحاب النفوذ الأقوياء. ولذلك كانت محبوبة من المهمشين الذين تعمل معهم وتسكن بيوتهم.
كانت تعيش نوال حياتها على هذا المنوال، تساعد الناس عندما تنزل عليهم المصيبة، وتنهض للدفاع عن حقوق المظلومين عندما يغتصبها منهم أحد المغتصبين، وتخوض معركة بعد معركة؛ ليستطيع المهمشون العيش بالشرف والاحترام. عندما أقَرَّ البرلمان الديمقراطي لدولتها العظيمة المسماة بـ “دولة الآلهة” قانونا جديدا للجنسية الذي يميِّز بين مواطنيها على أساس الديانة، ويوفِّرُ الجنسية للهندوس والمسيحيين والأسياخ والبوذيين الساكنين في دول أخرى دون المسلمين مثلما توفر الدولةُ الإسرائيليَة الجنسيةَ لليهود الساكنين في مختلف الدول على أساس الديانة اليهودية. أثار القانون جدلا في أوساط “دولة الآلهة” ولاسيما بين المسلمين، واشتعلت المظاهرات وكثرت الاحتجاجات ضد هذا القانون الجديد لإهداره روح الدستور الضامن المساواة والحرية لكل مواطن بغض النظر عن دينه. وخرج آلاف من الناس المثقفين إلى الشوارع رافعين راية الحرية لدولة الآلهة وهاتفين النعرات ضد القانون، وداعين الحكومة إلى سحب هذا القانون الأسود ومطالبين بالحرية الشخصية.
لكن الحكومة اليمينية الرجعية المتطرفة انقلبت إلى أذن أصم، ولم تهتم بمطالبهم.. فاضطر المتظاهرون إلى الجلوس في إضراب غير نهائي. ولم تشترك نوال في هذه المظاهرات فقط، بل لعبت دورا مهما في تنظيم الإضراب النهائي الذي تحوَّل إلى حركة شعبية ضد هذا القانون، وضد الاعتداءات الطبقية في البلاد.
كان مقر الحركة الشعبية المسماة بـ الحركة الشعبية المضادة لقانون تعديل الجنسية” مدينة “النهر” التي تموج فيها كتل بشرية، وتغلي فيها تيارات سياسية، وانتشرت في نواحي البلاد، ولاسيما في المقاطعات ذات الأكثرية للمسلمين. فاتسعت دائرتها، وانضم معظم المواطنين المثقفين إليها، مدركين خطورة هذا القانون الهادف لتأسيس دولة دينية محل الدولة العلمانية، فكادت الحركة أن تهز أركان الحكومة، وأن تجبرها على سحب هذا القانون.
غير أن الحكومة اليمينية المتطرفة التي جاءت إلى الحكم بالانتخابات البرلمانية راكبا بسياساته الطائفية، استخدمت إعلامها الطباعي والتلفازي في استقطاب الناس لهذا القانون الجديد للجنسية، ولقبت المحتجين بخائني الدولة. وظل إعلامها الطباعي والتلفازي يسمِّم جوَّ مدينة النهر” ويبذر البذور الطائفية بين أهاليها حتى سَخُنَتْ أرضها بالنفور والكراهية والغضب، وشحن جوُّها بالتربص والحذر والخوف والتقزز، وتحول جوها الهادئ الذي كان يعيش فيه مختلف أتباع الديانات بالسلم والانسجام والتسامح لعصور طويلة، إلى جوِّ سريعِ الاشتعال قابل للانفجار في أية لحظة، ربما لحادثة تافهة أو نكتة سخرية.
في ظل هذا الجو المشحون، إذ بقائد سياسي من الحزب الحاكم يخرج إلى الشارع مع مؤيديه ويهدِّدُ رجال الشرطة بإخلاء مكان الاحتجاج من المحتجين، وإلا هو بذاته يأخذ القانون في يديه ويستخدم العنف في إخلاء المكان منهم. ولم يكتف بهذه الكلمات المهددة، بل قام بتحريض مؤيديه على المسيرة إلى مكان الاحتجاج وإخلاء المكان منهم…. فتقدموا إلى الأمام هاتفين النعرات الطائفية الجارحة للمشاعر الدينية لأتباع الديانات الأخرى، وصابين السباب واللعنات والطوب والحصى على المتظاهرين وغير المتظاهرين من المتفرجين وعامة الناس.. فحدثت ضجة كبيرة واشتباكات طائفية انتشرت كالنار والتهمت معظم أرجاء المدينة. واشتد القتال وتضخم. فاستمر المشاغبون المأفون في بث الفساد فيها، ودمّروا البيوت والمقاهي والمدارس والمآذن والمستشفيات والمصانع والمحلات، ومخادع النوم، وأحرقوا مكاسب الأعمار والعلاقات الوطيدة القائمة منذ الدهور، وقتلوا من وجدوه من الرجال والنسوة. فلم يسلم رجل واحد وما من أسرة واحدة إلا فقدت رجلا أو أكثر، أو أصيب أحد أو أكثر من أفرادها بإصابات قاتلة. وخَلَّفت هذه الاشتباكات جروحا لن تلتئم، وتركت رواسبَ جسيمةً أبكت وتُبكِي المتأثرين بها للأمد الطويل…..ولم ينج منها إلا من كانوا قد ذهبوا خارج المدينة سعيًا وراء رزقهم ولكن لدى رجوعهم اكتشفوا أن كلهم فقدوا إِمَّا أبا أو أُمًّا، ابنا أو ابنة، أخا أو أختا، عما أو عمة، خالا أو خالة، صديقا أو صديقة، أو أحدا من أقاربهم…
وخلال مدة الاشتباكات الطائفية بقيت الشرطة ورجال الأمن مكتوفي الأيادي. بل ربما أن رجال الشرطة بذاتهم تورطوا فيها ووفروا حمايتهم للمشاغبين المجانين. وعندما توقفت الاشتباكات الطائفية ألقت الشرطة القبض على المحتجين سلميا ضد القانون الجديد للجنسية بتهمة تورطهم في هذه الاشتباكات الطائفية. وألقت القبض على نوال أيضا ومثَّلتها أمام القاضي وطلبت منه الحجْر القضائي لثلاثة شهور. فقبل القاضي التماس الشرطة ومنحهم الإجازة بإرسالها إلى الحجْر القضائي لثلاثة شهور.
فذهبت بها الشرطة إلى السجن الأكبر في المدينة، وألقوها في إحدى غرفه. وكانت غرفة السجن ضيقة وسخة، تتبلل جدرانها بتسرب الماء القذر وتفوح منها الرائحة الكريهة وتستسلم لظلمة قاتمة مروعة لا يوجد فيها مصباح ولا ضوء إلا الضوء الضئيل الذي يتسلل من نافذة صغيرة مطلة على داخل دهليز السجن. وهي غرفة للمجرمين المتوحشين. فساورها الخوف والدهشة من الغرفة وجوها الكئيب المستسلم للظلمة واليأس. وكاد الخوف والدهشة تطيران بلبها. فإذا بها تتذكر أباها بذعر، وإذا بخيال أبيها يقوي في مخيلتها حتى يُركِبَهَا على طائرته أو طائرة الخيال التي تطير بها عبر العصور حتى تُوصِلَها إلى مرحلتها الطفولية حيث تجد نفسَها طفلة صغيرة يداعبها أبوها الشاب، ويغسلها بيديه، ويُمَشِّط شعرها ويُلْبِسُها بذاته لباسَها، ويحبُّها ويدلِّلُها ويفعل كلَّ ما كانت تفعله لها أمها التي ماتت وكان عمرها حينئذ سبع سنوات فقط. فحلَّ أبوها محل أمها في الاعتناء بالطفلة الصغيرة السن التي يرى فيها صورة زوجته الحبيبة ويعدُّها هدية ثمينة من السماء. ويجود عليها بالحب والدلال ما أمكن له أن يجود بهما عليها، ويربّيها كولدٍ في بلد أبوي حيث يمارس المجتمع التمييزَ الأبويَّ في تربية الأولاد، ويفضِّل أولاده الذَّكور بالأشياء دون الإناث. فأحسن تربيتها تربية حسنة، وأعطاها تعليما حديثا. فأدخلها في مدرسة ذات سمعة طيبة من ناحية توفير نوعية التعليم، وأطلق لها العنان في الحرية ولم يحصرها في الحصار المنزلي، ولم يُثبِّطها في أي شيء، بل شجَّعها على منافسة الذكور، ونفخ فيها الروح المتحررة. فظلت تتعلم بحماسة حتى نجحتْ – بعد إكمالها برنامجين تعليميين في البكالوريوس والماجستير- في القبول في برنامج الدكتوراه في أكبر جامعة في البلاد وأحسنها من ناحية توفيرها لنوعية التعليم العالي ولحرية الأفكار، فتفتحت موهبتها للأفكار المتحررة، ونضج عقلها وميزت بين الأفكار الصحيحة وغير الصحيحة ، وتوسعت معرفتها بالنظريات العلمية والسياسية، ونما داخلها الوعي السياسي، واصطبغت روحها بالصبغة الإنسانية المائلة إلى اليسارية، ونهلت فيها من الآداب العالمية، وتأثرت فيها بالحركة الرومانسية والحركة الواقعية الاشتراكية. ثم تحمست للعمل فعليا للطبقة المهمشة، ولِرفع صوتها ضد اعتداءات المؤسسات الحكومية. فانضمت إلى منظمة غير حكومية تعمل بحيوية لرفاهية الطبقات المهمشة وترفع بجرأة صوتها عند إهدار المؤسسات للعدالة. فظلت فيها تعمل بحماسة لإنجاز مهمتها ……..حتى أدت نشوة نظريتها لرفع الاعتداءات من أرض بلادها وإحلال المساواة محل الظلم، إلى هذه الغرفة الضيقة ذات الرائحة الكريهة المظلمة الموحشة التي استشعرت فيها بالدهشة والخوف، ودعت أباها بذعر، وصاحت فجأة أبي أبي…. – كما كانت تصيح في طفولتها كلما واجهتها مشكلة- لينقذها من هذا الكابوس الذي كاد أن يخنق أنفاسها ويقضي على وجودها. فحينئذ يظهر في مخيلتها القوية أبوها العجوز المحنك المصقول من تقلبات الزمان، ويقول لها ببرود:
- “يا ابنتي لا تخافي من السجن. فإن السجن موضع لم ينج منه عظماء البلاد الذين قضوا فيه قسطا من أعمارهم. غير أنهم لم يُضيِّعوا الأيام التي قضوا في السجن، بل استخدموها في قراءة الكتب ومطالعتها، وحوَّلوا السجن إلى مكتبة وكتبوا فيه كتبا غيَّرت مجرى التاريخ، وساعدت في استقلال البلاد الذي تحاربين للمحافظة على روحه وتعانين عقوبة السجن لأجله. فلا تخافي ولا تستوحشي منه… فإن السجن لا يخافه إلا المجرمون. فلا تخافي…ولا تحزني…. وستتحقق العدالة ويفوز الصدق على الكذب ويسود الحق على الباطل.“
ملأتها هذه الكلمات الجريئة الخارجة من فم أبيها جرأةً وحماسةَ، فبدأ يتبدد منها الخوف والوحشة اللذين استشعرتهما في بداية الأمر …وهي تريد أن يستمر كلام أبيه هكذا، وتربت يداه ظهرَها بدلال، وتُسنِدَ رأسها على صدره، وتتمنى أن تقول له أنها ستفعل ما يريد وتحارب حروب المظلومين مادامت هي حية ترزق… غير أن تخيلها ينقطع من وقع أقدام تقترب منها. فتنتبه إلى مصدر هذه الأصوات وإذا بها تبصر ضبّاط الشرطة يقتربون من غرفتها، لعلهم يجيئون إليها للاستجواب. وقبل دخولهم الغرفة، يضغط أحد منهم زرَّ المصباح الكهربائي الملتصق بالجدار من الجانب الخارجي. فينتشر نوره في غرفتها المظلمة. بعد ذلك يدخلون الغرفة. وكان في مقدمتهم رئيسهم، كما يبدو من سلوكه وسطوته، واحترام الضباط الآخرين له وخضوعهم له في كل أمر وتسابقهم إلى خدمته. وهو رجل في نحو الخمسين، معتدل القامة، قوي الأعصاب، متجهم الوجه، وغليظ الصوت، ذو نظرة تحتانية لا تستقر على مكان، تنظر إلى كل شيء بعين متجسسة، يتقطر منها المكر. فإثر دخوله الغرفة يتقدم بذاته إليها، ويقول لها بصوت آمرٍ رنانٍ واضعًا أمامها ملفا من الأوراق:
- وقَّعي على المستندات الورقية الموجودة في داخل هذا الملف.
تسأله قائلة:
- ما في هذه المستندات الورقية؟
فيجيب الرئيس:
- اعترافكِ بكل ذنبِ ارتكبت.
تقول بلهجة قوية ممتزجة بالثقة والحنق:
- ولكنني ما ارتكبتُ أيَّ ذنبٍ غير قيامي باحتجاج ضد القانون الذي أحسبه مخالفا لدستورنا الذي يمتاز بالروح الديمقراطية. وهذا الدستور بذاته يمنحني حقا للقيام باحتجاج سلمي.
فقال الرئيس بصوت خشن:
- ولأجل الاحتجاجات السلمية التي قمتِ بها، اشتعلتْ الاشتباكات الطائفية في المدينة. فأنت مسؤولة عن الاشتباكات الطائفية الواقعة في المدينة وعن الأموات الذين قضوا نحبهم فيها.
فتقول رافضة لقوله:
- كل ما تقول ليس بحق…. وأنت تعرف جيدا من هم المسؤولون عن هذه الاشتباكات؟ ومن هم الذين رسموا الخطة لهذه الاشتباكات الطائفية؟ ومن استفادوا منها ومن سيستفيدون منها في المستقبل؟ ومن صاروا حكام البلاد راكبين على أجنحة السياسة الطائفية؟
فيقول الضابط المحقق بضجر:
- لا تلقِيْ محاضرة علينا…. نحن جئنا لأخذ توقيعك على هذه الورقات…
- فتقول له في لهجة مفعمة بالبرودة والضراعة:
- صَدِّقنيْ ليس لي أي تورط في هذه الجرائم..إنني ناشطة للحقوق الإنسانية وأعمل لبث العدالة والرفاهية بين جميع مواطننا ولا سيما بين الطبقات المهمشة، وأمقت الجرائم بقدر ما أحب القوانين. ولم أستطع أن أفكر حتى في الحلم في اشتعال الاشتباكات القاتلة للأبرياء، و…..
- فيقول قاطعا لكلامها:
- أنا أعرف جيدا أنكِ لم تكوني متورطة في هذه…… ولكنك قد أفسدتِّ خُطَّةَ أرباب أهل العقد والحل لتحويل الدولة إلى دولة هندوسية من خلال قيامك بسلسلة الاحتجاجات والمظاهرات، وخلقتِ عرقلة كبيرة في سياسة الساسة الكبار لهذه البلاد. لذلك جاء الأمر من الأعلى أن أُلْقِيَ القبض عليكِ بتهمة إشعال هذه الاشتباكات.. وأنا مضطر أيضا على ذلك…. فعليك التوقيع…..
فتقول متحدية:
- ما أخاف أحدا…ولن أُوَقُّعَ على ورقة من هذه الورقات تحت أي ضغط منك ومن صاحبك الأعلى.
- ويقول مهددا لها:
- لا فائدة للمقاومة، فعليكِ أن توقعي طوعا على هذه الورقات أوكرها….. ومقاومتك لا تنفعك شيئا ولا تنقذك من المشنقة لأن الرجال الكبار هم ورائك.
وتقول بلهجة جافة مفعمة بالثقة:
- لي ثقة بمحكمة البلاد وقوانينها، سألجأ إلى المحكمة لإثبات براءتي.
فيصيح بغضب:
- فافعلي ما تريدين ولكن الآن يجب ان توقعي على هذه الورقات بإمضائك …. وإلا سأكون مضطرا إلى استخدام العنف وإجباركِ على التوقيع….
وتصيح بصوت متهدج:
- فافعلْ ما تشاء، فلن أوَقِّع على ورقة بمثلها…
فيلتفت الرئيس بوجه غاضب إلى ضُبَّاطه المرؤوسين ويقول لهم: اضربوها ما دامت لن توقع على هذه الورقات…ثم يخرج متجهم الوجه من غرفتها الضيقة تاركا وراءه ضُبَّاطه المرؤوسين الذين ما سمعوا أمر ضابطهم الكبير بضربها حتى توثبوا إليها كذئاب جياعٍ، وبدأوا يضربونها بشتى الطرق، فصفعوها ولطموها وركلوها، وتنوعوا في هذه الصفعات واللطمات والركلات والضربات. واستمروا في إيذائها عدة ساعات بدون انقطاع.
ولكن نوال صمدت لهذه الضربات قبل انهيارها مثل صخرة تصمد أمام العاصفة الهوجاء التي تقلع كل شيء قبل تمزقها، وظلت تفضِّلُ تحمُلَ العذابِ الجسمانيِّ كلبؤة جريئة على خضوعها للكذب والزور والجبن والعبودية حتى تهاوت في انهيار كامل، وعانقت الموتَ تاركة لحياة ملوثة بالكذب والزيف والجبن. ولو استطاعت الضربات أن تقضي على حياتِها، ولكنها لم تستطع أن تلوِّث روحَها بالكذب والجبن. فتحول جسمها الجميل الناضج إلى جثة باردة…….وفيما بعد أفاد التقرير المكتب تحتِ النفوذ التأسيسي لتشريح جثتها: أن موتها قد وقعت بسبب نوبة قلبية…وبعد عدة شهور، نطقت المحكمة بتبرئتها من كل الاتهامات الموجهة إليها.
ولكن روح نوال ما سمعت في السماء هذا الحكم الصادر من المحكمة الأرضية إلا تضاعف حزنُها وازداد ألمُها واشتد تململها وتجددت جروحُها حتى نزلت من السماء إلى الأرض مضطرة ومقلقة. ومنذ ذلك الحين تتشرد روحها المجروحة في شوارع المدينة وتصرخ قائلة: “ما الفائدة من حكم لم يستطع تبرئتها وكانت حية ترزق؟ وما الفائدة من حكم لم يستطع إنقاذها من الأيدي الظالمة القوية؟ ألم يكن قتلِي بدون ذنب بمثابة قتل العدالة وإهدارها.” ثم تسأل باكية أهلَ المدينة: “متى تستيقظون يا أهل المدينة من سباتكم العميق، أَلا يجب عليكم أن تقوموا ضد كل ظلم وعدوان يمارسهما بعض رجال السياسة – الذين هم بمثابة ذئاب في صُوَرِ الإنسان – لإنقاذ أولادكم من القتل المُؤَسَسِيِّ وموتهم في الغرف المظلمة الضيقة بالسجون التي تلتهم أعمارهم مهدرة للعدالة. وهل يمكن تحقق العدالة عندما يطوف المجرمون الحقيقيون أحرارا؟ وهل يمكن حفظ الأمن بإهدار العدالة عندما يُحْبَسُ الأبرياءُ في السجون؟” ولكنْ تَعَصُّبَهم الديني خدَّرهم وسكرهم. فلم يستطيعوا سماع صوتها المستيقِظِ للضمائر. ولكن روحها لا تزال في انتظار لاستفاقَتِهم من تخديرهم الديني ومن سكرهم الحزبي!!!
……………….. *****……………….