المقامة الوصفية في الجامعة الملية الإسلامية

Vol. No. 1, Issue No. 1 - January-March 2021, ISSN: 2582-9254

0
3182

المقامة الوصفية في الجامعة الملية الإسلامية

د. محمد سليم
محاضر ضيف، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند

—————————————————————-

حدثنا خالد بن سلام قال مرة قصدت مدينة دلهي عاصمة الهند، وهي من المدن القديمة كالبنغال والسند، وكنت أنوي زيارة المعاهد، وما أقيمت فيها من المساجد والمعابد. وبعد السفر بالقطار، وما السفر إلا قطعة من النار. وصلت دلهي في الصباح الباكر، فأنعشني جوها الساحر، ووجدت فيه بعض العزاء، وظننته من خير الجزاء. ونزلت ضيفا عند أحد أصدقائي، كان قبل سنين من زملائي. وفي صباح اليوم التالي، وقد استعدت نشاطي وصلح حالي، فقصدت دور الفن والعلم، التي تعطي دروس الكرم والحلم. وزرت الجامعات، ورأيت المباني الشامخات. ووجدت الشوراع مكتظة مزدحمة، والسيارات تبدو متلاصقة وملتحمة. ومللت الازدحام، فسألت صديقي أين المرام؟ قال لعلنا نصل إلى وجهتنا في دقائق، والكل يبدو مسرعا كأنه في مهمة إطفاء الحرائق.

وأخيرا دخلنا حرم الجامعة الجميل، المزهو بالظل الظليل. ورأينا فيها تمايل الأشجار، وتغني الأطيار، وكنت منتشيا في زهو وفخار. والذي شدّ انتباهي، ودفعني إلى الإعجاب به والتباهي، هو أن الجامعة جمعت بين القديم والجديد، مما يؤهّلها للخلود لوقت مديد. وهي سعت للحفاظ على التراث، ولم تساوم مع أنها مرّت بأحداث. دافع أهلها عن حياضها بالسؤدد والبأس، دون الشعور بالكلل واليأس. وإذا تجوّلت في أرجائها، وتنقلت في أنحائها، فإنك سترى بصمات ثقافية، أردية وعربية وفارسية. وربما تقرأ أبياتا شعرية، تنطق بمعاني سحرية، وهي منقوشة على الجدران، وبها يصبح المرء الولهان. ستتراءى لك لـ غالب، ومير أشباح، وأصوات كلامهم قد تتناهى إلى سمعك مثل الأرواح.

قال خالد بن سلام وهكذا كنت أفكر، وأنا أتجول في حرمها وفي أمرها أتدبر. ومضت سويعات، ورأيت في حرمها آيات، تدل على تاريخها المجيد، ورأي زعمائها السديد. ولقيت في حرمها أثناء تجوالي، وكنت ألتقط الصور بجوالي، أشخاصا حكوا لي قصتها، في أيام رخوتها وشدتها. وعند سؤالي منهم عن نشأتها. أجابني أحدهم فقال، بعد ما تنهّد وإلينا مال. قال تاريخها مشرق زاهر، وجوها منعش ساحر. نشأت في عهد الاستعمار، وناضلت دفاعا عن الأحرار، وكشفت الستار، عن الظلم والدمار والبوار. وتغنّى بمجدها الكبار، ودافع عنها كل شجاع مغوار. تمنى لها غاندي وطاغور، بأن يعمها الفرح والسرور، ويسودها الأمن والسلام، والوحدة والوئام. هي جامعة درّس فيها الزعماء، مثل ذاكر حسين وغيره من العلماء، ممن تقلدوا مناصب كبيرة، في جمهورية الهند الشهيرة.

قال أحد الحاضرين، وقد تملكته فرحة الشاكرين، جامعتنا حملت رأية العلوم، وبدّدت الغيوم، وأزالت الجهل والسموم، هي أنارت الطريق، ويقصدها الرجال من كل فج عميق، ومكان سحيق. وهي تمثل قمة التقدم والازدهار، وتخطو إلى الأمام ليل نهار، وتتمسك بهويتها خفية وجهارا. أسسها الأخيار، من أجياد القوم والأبرار، ممن لم يدخروا وسعا في تطويرها، ولم يألوا جهدا في تقويتها وتيسيرها، ولم يغفلوا عن تدبير الأمور وتقديرها. فنالوا العزّ والكرامة، ورافقهم الجد والصرامة، ولم تغب عنهم دروس المروءة والشهامة. ثم أنشد قائلا:

هي جامعة جمعت العلوم                           وبدّدت الجهل والسموم

وصارت لسان القوم لمن                            أرغموا على الحزن والوجوم

ويتردد في أرجاءها ألحان لـ                      غالب وكل ذي شرف مروم

إذا غامرت في شرف مروم                        فلا تقنع بما دون النجوم[1]

ثم قال خالد بن سلام، وجدت الرجل يسهب في الكلام، فأوقفته في كلامه، وبدا لنا من حديثه كأنه في أحلامه. ثم سألت شخصا جالسا على يميني، وقد وضعت يدي على جبيني، استفسرته عن تاريخ الجامعة، ففكر وقال، وقد جنح إلى السرد ومال، وخاطبني قائلا، ورأيته إلى الحديث مائلا: يا صديقي ويا رجل، تاريخ الجامعة ليس أقل من مثل، أقيمت في عهد الاستعمار، وكبرت ونضجت على أيدي الأخيار، ممن بذلوا الغالي والنفيس، واعتبروا الكتب خير جليس، قصدها علماء الدول العديدة، ليلقنوا الطلاب الآراء السديدة. وللآن تجري الجامعة مثل النهر، يغترف منه كل متعطش في المساء والسحر، ويلفها الأمان في غاية من الجمال والسحر.

[1] . هذا البيت مأخوذ من شعر الشاعر العباسي الشهير المتنبي.

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here